المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الرخصة في ذلك) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ١

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمةتشتمل على مبادى علم الحديث، وشذرات من علم المصطلح

- ‌الحديث المقبول

- ‌(الخبر المردود)

- ‌ المعلق)

- ‌ المرسل)

- ‌ المعضل)

- ‌ المنقطع)

- ‌المرسل الخفيّ

- ‌المردود للطعن)

- ‌ الموضوع)

- ‌ المتروك)

- ‌ المعلّ)

- ‌ مدرج الإسناد)

- ‌ مدرج المتن)

- ‌ المقلوب)

- ‌ المزيد في متصل الأسانيد)

- ‌ المضطرب)

- ‌ المصحف)

- ‌ المحرف)

- ‌ المبهم)

- ‌التقسيم الثانى للخبر باعتبار نهاية السند

- ‌ المرفوع)

- ‌ الموقوف)

- ‌ المقطوع)

- ‌(فائدة) إذا قال الصحابى كنا نقول أو نفعل كذا

- ‌(أقسام السند)

- ‌العلوّ النسبىّ

- ‌ الموافقة

- ‌ البدل

- ‌ المساواة

- ‌ المصافحة

- ‌(أنواع الرواية)

- ‌ رواية الأقران

- ‌ رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌ رواية الأصاغر عن الأكابر

- ‌ المتفق والمفترق)

- ‌ المتشابه

- ‌ المسلسل)

- ‌(طرق تحمل الحديث)

- ‌ السماع

- ‌ القراءة

- ‌ الإجازة

- ‌ المناولة

- ‌ الإعلام

- ‌ الوجادة

- ‌صيغ الأداء

- ‌(فوائد)

- ‌(ترجمة الإمام الحافظ أبي داود)

- ‌ التعريف بكتاب السنن لأبى داود

- ‌ شرط أبى داود وطريقته في سننه

- ‌ ما سكت عليه أبو داود

- ‌ النسخ المروية عن أبى داود وتراجم رواتها

- ‌(أسانيد الكتاب منى إلى المؤلف رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ)

- ‌(كتاب الطهارة)

- ‌(باب التخلي عند قضاء الحاجة)

- ‌(باب الرجل يتبوّأ لبوله)

- ‌(باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء)

- ‌ التسمية قبل التعوذ

- ‌(باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة)

- ‌(باب الرخصة في ذلك)

- ‌(باب كيف التكشف عند الحاجة)

- ‌(باب كراهية الكلام عند الخلاء)

- ‌(باب أيردّ السلام وهو يبول)

- ‌(باب في الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر)

- ‌(باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء)

- ‌(باب الاستبراء من البول)

- ‌(باب في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده)

- ‌(باب المواضع التى نهى عن البول فيها)

- ‌(باب في البول في المستحم)

- ‌(باب النهى عن البول في الجحر)

- ‌(باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء)

- ‌(باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء)

- ‌لا يشرب نفسا واحدا

- ‌(باب الاستتار في الخلاء)

- ‌(باب ما ينهى عنه أن يستنجى به)

- ‌(باب الاستنجاء بالأحجار)

- ‌(باب في الاستبراء)

- ‌(باب في الاستنجاء بالماء)

- ‌(باب الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى)

- ‌(باب السواك)

- ‌ الاستياك للصائم بعد الزوال

- ‌(باب كيف يستاك)

- ‌(باب في الرجل يستاك بسواك غيره)

- ‌(باب غسل السواك)

- ‌(باب السواك من الفطرة)

- ‌الاستنشاق)

- ‌قص الأظفار)

- ‌نتف الإبط)

- ‌حلق العانة)

- ‌ اختتان الخنثى

- ‌(باب السواك لمن قام من الليل)

- ‌(باب فرض الوضوء)

- ‌ متي فرضت الطهارة

- ‌ سبب وجوب الطهارة

- ‌(باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث)

- ‌(باب ما ينجس الماء)

- ‌(من أخرج هذه الرواية أيضا)

- ‌(باب ما جاء في بئر بضاعة)

- ‌ بيان أن ماء بئر بضاعة كان كثيرا لا يتغير

- ‌(باب الماء لا يُجنِب)

- ‌(باب البول في الماء الراكد)

- ‌(باب الوضوء بسؤر الكلب)

- ‌(باب سؤر الهرّة)

- ‌(باب الوضوء بفضل طهور المرأة)

- ‌(باب النهى عن ذلك)

- ‌(باب الوضوء بماء البحر)

- ‌ جواز التطهر بماء البحر الملح

- ‌(باب الوضوء بالنبيذ)

- ‌(باب الرجل أيصلى وهو حاقن)

- ‌(باب ما يجزى من الماء في الوضوء)

- ‌(باب الإسراف في الوضوء)

- ‌(باب في إسباغ الوضوء)

- ‌(باب الوضوء في آنية الصفر)

- ‌(باب في التسمية على الوضوء)

- ‌لفظها الوارد

- ‌(باب في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها)

- ‌ استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يتحاشى التصريح به

الفصل: ‌(باب الرخصة في ذلك)

منه ولا يمنعه من ذلك نحو حياء. وعلى أن النهى عن الاستقبال والاستدبار إنما هو في الصحراء مع عدم الساتر، وهو يصلح دليلا لمن فرّق بين الصحراء والبنيان فأجاز في البنيان ومنع في الصحراء لأن قول ابن عمر إنما نهى عن ذلك في الفضاء يدلّ على أنه قد علم ذلك من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويحتمل أنه قال ذلك استنادا إلى ما شاهده من جلوس النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيت حفصة مستدبرا الكعبة كما في الحديث الآتى فكأنه فهم منه اختصاص النهى بالفضاء فلا يكون فهمه حجة ولا يصلح قوله للاستدلال به لأن الدليل إذا تطرّقه الاحمال لا يصلح للاستدلال

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه والدارقطني والبيهقى والحاكم وقال صحيح على شرط البخارى، وفى نسخة على شرط مسلم، وقال الحازمى في كتاب الناسخ والمنسوخ هو حديث حسن. أقول يردّ هذا أن الحديث في سنده الحسن بن ذكوان وقد علمت أنه مطعون فيه طعنا بليغا لا تقوم به معه حجة ولا يقوى من أمره تخريج البخارى له فإنه ممن طعن على البخارى في التخريج له وقد ذكر الحافظ في المقدّمة وجه الطعن فيه ولم يجب عنه مع شدّة حرصه على الإجابة على الطعن، وإذاً فالحديث ضعيف لا تقوم به حجة

(باب الرخصة في ذلك)

أى في بيان ما ورد في التسهيل في استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة، والرخصة كغرفة جمعها رخص التسهيل في الأمر والتيسير يقال رخص الشرع لنا في كذا ترخيصا وأرخص إرخاصا إذا يسره وسهله

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَقَدْ ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ، «فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ»

(ش) مطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه دلّ على جواز استدبار الكعبة فيفهم منه جواز الاستقبال أيضا

(رجال الحديث)

(قوله مالك) بن أنس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث أبو عبد الله المدنى الفقيه المحدّث أحد الأئمة الأعلام وإمام دار الهجرة رأس المتقين وكبير المثبتين، ولد سنة ثلاث وتسعين على الأشهر وأخذ عن تسعمائة شيخ فأكثر وما أفتى حتى شهد له سبعون إماما أنه أهل لذلك وكتب بيده مائة ألف حديث وجلس للدرس وهو ابن سبعة عشر عاما وكان مبالغا في تعظيم العلم إذا أراد أن يحدّث توضأ أو اغتسل وتطيب ولبس ثيابا جددا وجلس على منصته بخشوع وخضوع ووقار تعظيما للحديث حتى قيل إنه لدغته عقرب ست عشرة مرة فلم يقطع حديثه، وسأله جرير بن عبد الحميد

ص: 53

عن حديث قائما فأمر بحبسه فقيل له إنه قاض فقال القاضى أحقّ من أدّب، وكان إذا رفع أحد صوته في مجلسه زجره ويقول قال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبىّ" فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حال حياته، وكان يحتاط ويتوقى لدينه في الفتوى فقد كان يقول للسائل انصرف حتى أنظر فقيل له في ذلك فبكى وقال أخاف أن يكون لى من السائل يوم وأىّ يوم وإذا أكثروا سؤاله منعهم وقال حسبكم من أكثر فقد أخطأ ومن أحب أن يجيب عن كل مسألة فليعرض نفسه على الجنة والنار ثم يجيب، وسئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في ثنتين وثلاثين منها لا أدرى وقال ينبغى للعالم أن يورّث جلساءه لا أدرى ليتخذوه أصلا في أيديهم يفزعون إليه، وكان مهيبا حتى إذا أجاب في مسألة لا يقال له من أين، روى عن عامر بن عبد الله بن الزبير وزيد بن أسلم ونافع مولى ابن عمر وحميد الطويل وغيرهم مما يبلغ نحو التسعمائة شيخ. وعنه خلق لا يحصون منهم الشافعى ومحمد بن إبراهيم بن دينار. وعنه من شيوخه من التابعين ابن شهاب وأيوب السختيانى ويحيى بن سعيد وهشام بن عروة، ومن أقرانه السفيانان والحمادان والليث والأوزاعي وأبو حنيفة، وله مناقب جليلة، روى الترمذى عن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة قال هذا حديث حسن، قال عبد الرزاق وسفيان بن عيينة إنه مالك بن أنس، قال يحيى بن سعيد القطان ما في القوم أصح حديثا من مالك، وقال الشافعى إذا ذكر العلماء فمالك النجم وهو حجة الله تعالى على خلقه، وقال ابن مهدى ما رأيت أحدا أشدّ تقوى من مالك وروى أن المنصور منعه من رواية الحديث في طلاق المكره ثم دس عليه من يسأله فروى على ملأ من الناس ليس على مستكره طلاق فضربه بالسياط، ولم يترك رواية الحديث، ولما حج الرشيد سمع عليه الموطأ وأعطاه ثلاثة آلاف دينار ثم قال له ينبغى أن تخرج معنا فإنى عزمت على أن أحمل الناس على الموطأ فقال أما حمل الناس على الموطأ فليس إلى ذلك سبيل فإن أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تفرّقوا بعده في البلاد فعند كل أهل مصر علم وقد قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اختلاف أمتى رحمة. ذكره البيهقى في الرسالة الأشعرية وأورده الحليمى وإمام الحرمين وغيرهما وأما الخروج معك فلا سبيل إليه قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وهذه دنانيركم كما هي فلا أوثر الدنيا على مدينة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم، وقال الشافعى رأيت على باب مالك كراعا من أفراس خراسان وبغال مصر ما رأيت أحسن منه فقلت له ما أحسنه فقال هو هدية منى إليك فقلت دع لنفسك منها دابة تركبها فقال إنى أستحى من الله تعالى أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحافر دابة، وأخرج ابن عبد البر وغيره عن مصعب بن عبد الله الزبيرى عن أبيه قال كنت جالسا بمسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مع مالك فجاء رجل

ص: 54

فقال أيكم أبو عبد الله مالك فقالوا هذا فجاء فسلم عليه واعتنقه وقال والله لقد رأيت البارحة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جالسا في هذا الموضع فقال هاتوا مالكا فأتى بك ترتعد فرائصك فقال ليس عليك بأس يا أبا عبد الله وقال اجلس فجلست فقال افتح حجرك ففتحته فملأه مسكا منثورا وقال ضمه إليك وبثه في أمتى فبكى مالك طويلا وقال الرؤيا تسرّ ولا تغرّ وإن صدقت رؤياك فهو العلم الذى أودعنيه الله عز وجل (وعلى الجملة) فمناقبه لا تحصى، مات رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لعشر أو أربع عشرة من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة ودفن بالبقيع

(قوله يحيى ابن سعيد) بن قيس بن عمرو بن سهل الأنصارى التابعى قاضى المدينة. روى عن أنس وسعيد ابن المسيب وأبى الزبير وحميد الطويل وغيرهم، وعنه الزهرى والسفيانان والحمادان ومالك وآخرون قال ابن سعد ثقة حجة كثير الحديث وقال ابن معين والعجلى والنسائى ثقة ثبت مأمون وقال أحمد أثبت الناس ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم. مات سنة ثلاث وأربعين ومائة

(قوله محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة والموحدة المشددة ابن منقذ بن عمرو الأنصارى التابعى المازنى أبو عبد الله المدنى الفقيه. روى عن رافع بن خديج وأنس وعباد بن تميم والأعرج وطائفة. وعنه الزهرى وابن إسحاق ومالك والليث، وثقه أبو حاتم وابن معين والنسائى والواقدى. توفى سنة إحدى وعشرين ومائة

(قوله عن عمه واسع بن حبان) المدنى قيل إن له رؤية. روى عن ابن عمر ورافع بن خديج وأبى سعيد وجابر. وعنه ابنه حبان وابن أخيه محمد ابن يحيى وثقه أبو زرعة وقال العجلى تابعى ثقة

(قوله لقد ارتقيت على ظهر البيت) أى بيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما في رواية ابن خزيمة دخلت على حفصة بنت عمر فصعدت ظهر البيت. وفى رواية لمسلم رقيت على بيت أختى حفصة. وفي رواية البخارى والنسائى على ظهر بيتنا، ويجمع بين الروايات بأن الإضافة في قوله بيتنا مجازيّة باعتبار أنها أخته بل الإضافة إلى حفصة كذلك باعتبار أنه البيت الذى تسكنه وإلا فالبيت كان ملكا للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وأقسم ابن عمر لما في رواية البخارى من أن ناسا يقولون إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس فقال ابن عمر لقد ارتقيت الخ

(قوله على لبنتين) تثنية لبنة بفتح اللام وكسر الموحدة ويجوز تسكينها مع فتح اللام وكسرها وهو ما يعمل من الطين ويبنى به، ولابن خزيمة فأشرفت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو على خلائه، وفي رواية له فرأيته يقضى حاجته محجوبا عليه بلبن

(قوله مستقبل بيت المقدس لحاجته) أى لقضائها والمقدس فيه لغتان الأولى فتح الميم وسكون القاف وكسر الدال المخففة وهو إما مصدر أو مكان، والثانية ضم الميم وفتح القاف والدال المهملة المشددة المفتوحة من التقديس وهو التطهير وتطهيره إبعاده عن الأصنام وإخلاؤه عنها، قال في النهاية ومنه الأرض المقدسة قيل هي الشام وفلسطين وسمي بيت المقدس لأنه الموضع الذى يتقدّس فيه من الذنوب يقال بيت المقدس والبيت المقدس وبيت القدس اهـ وفي رواية للبخارى مستقبل الشام مستدبرا الكعبة، وفى صحيح ابن حبان مستقبل القبلة مستدبر

ص: 55

الشام وكأنه مقلوب "فإن قلت" كيف نظر ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما ما إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو في تلك الحالة وهو لا يجوز "قلت" وقع ذلك منه اتفاقا لأنه إنما صعد السطح لضرورة له فحانت منه التفاتة كما في رواية للبخارى والبيهقى فنقل ما رآه، وقال الكرمانى يحتمل أن يكون ابن عمر قصد ذلك ورأى رأسه دون ما عداه من جسده ثم تأمل قعوده فعرف كيف هو جالس ليستفيد فعله فنقل ما شاهده وفيه نظر (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه ينبغى الوقوف على هدى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى فيما يطلب إخفاؤه وعلى شدة حرص سيدنا عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما على معرفة أحوال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعلى جواز الإخبار عن مثل ذلك للاقتداء والعمل، وعلى الرخصة في استدبار القبلة عند قضاء الحاجة في البنيان حيث كان جلوسه في البنيان أخذا مما تقدم عن ابن خزيمة والترمذى وهو من جملة ما استدل به مالك والشافعى وإسحاق وآخرون على جواز استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة في البنيان وأنه مخصص لعموم النهى كما ذكرناه في الباب السابق غير أنه أخص من مدّعاهم لأنه قاصر على الاستدبار وللمانع من الاستقبال والاستدبار مطلقا أن يحمله على أنه قبل النهى أو بعده لكنه مخصوص بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والنهى لغيره أو كان للضرورة والنهى عند عدمها إذ الفعل لا عموم له فلا يعارض القول لما تقدم من أن فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يعارض القول الخاص بنا كما تقرر في الأصول، وأما أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك لبيان الجواز فبعيد وكيف ولم تكن رؤية ابن عمر له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في تلك الحالة عن قصد من ابن عمر ولا من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل كانت اتفاقية كما تقدم ومثله لا يكون لبيان الجواز. وقد تقدم بيان الخلاف في ذلك وأن الأرجح أن النهى عام في الصحراء والبنيان وأن تعظيم حرمة القبلة يقتضى التسوية بينهما (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والشيخان والنسائى وابن ماجه والبيهقى والترمذى وقال حديث حسن صحيح

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:«نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله محمد بن بشار) بن عثمان بن داود بن كيسان العبدى أبو بكر البصرى المعروف ببندار والبندار الحافظ أحد الثقات المشهورين. روى عن روح بن عبادة ومعاذ بن هشام ويحيى القطان وابن مهدى وجماعة. وعنه الأئمة الستة وأبو زرعة وبقىّ ابن مخلد وغيرهم. وثقه العجلى والنسائى وابن خزيمة وقال أبو حاتم صدوق وقال الذهبى

ص: 56

انعقد الإجماع بعد على الاحتجاج ببندار وكذّبه الفلاس فما أصغى أحد إلى تكذيبه لثقتهم أن بندارا صادق أمين. ولد سنة سبع وستين ومائة. ومات سنة اثنتين وخمسين ومائتين

(قوله وهب بن جرير) بن حازم الأزدى أبو عباس البصرى الحافظ. روى عن أبيه وعكرمة وابن عون وشعبة وآخرين. وعنه أحمد وإسحاق وابن معين وابن المدينى وطائفة، وثقه ابن معين والعجلى وابن سعد وابن حبان وقال كان يخطئُ وقال النسائى ليس به بأس. توفى سنة ست ومائتين

(قوله حدثنا أبي) هو جرير بن حازم بن عبد الله أبو النضر البصرى أحد الأعلام. روى عن الحسن وابن سيرين وطاوس وابن أبى مليكة وآخرين. وعنه أيوب وابن عون وأبو نعيم ووكيع وغيرهم، وثقه ابن معين إلا في قتادة وقال أبو حاتم صدوق صالح وقال ابن عدى مستقيم الحديث صالح فيه إلا روايته عن قتادة فإنه يروى عنه أشياء لا يروجها عنه غيره وقال الساجى صدوق حدّث بأحاديث وهم فيها وهى مقلوبة. مات سنة سبعين ومائة بعد أن اختلط ولم يحدّث في حال اختلاطه

(قوله محمد بن إسحاق) بن يسار بن خيار ويقال ابن كومان أبو بكر ويقال أبو عبد الله المدنى أحد الأئمة الأعلام ولا سيما في المغازى رأى أنسا. روى عن أبيه ومكحول وعطاء والزهرى وطائفة. وعنه يحيى الأنصارى والسفيانان وشعبة والحمادان وآخرون وثقه العجلى وابن سعد وقال ابن نمير كان يرمى بالقدر وقال على بن المدينى حديثه عندى صحيح ولم أجد له سوى حديثين منكرين وقال أيضا سمعت ابن عيينة يقول ما سمعت أحدا يتكلم في ابن إسحاق إلا في القدر ولا ريب أن أهل عصره أعلم به ممن تكلم فيه بعده وقال شعبة لو كان لى سلطان لأمرت ابن إسحاق على المحدّثين وهو أمير المؤمنين في الحديث لحفظه وقال ابن عدى لم يتخلف في الرواية عنه الثقات الأئمة وهو لا بأس به وقال الدارقطنى اختلفت الأئمة فيه وليس بحجة وقال ابن نمير إذا حدّث عن سمع منه من العروفين فهو حسن الحديث صدوق وإنما أتى الطعن فيه من أنه يحدّث عن المجهولين أحاديث باطلة وقال أحمد بن حنبل كان رجلا يشتهى الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه وكان يدلس وليس بحجة وقال ابن معين ثقة وليس بحجة وقال النسائى ليس بالقوى وقال ابن المدينى ثقة لم يضعفه عندى إلا روايته عن أهل الكتاب وكذبه وقال ابن حبان في الثقات تكلم فيه رجلان هشام ومالك فأما قول هشام إنه كان يروى عن النساء فليس مما يجرّح به الإنسان لأن التابعين سمعوا من عائشة من غير أن ينظروا إليها وأما مالك فإنه قدح فيه مرة واحدة ولم يكن يقدح فيه من أجل الحديث وإنما كان ينكر تتبعه غزوات النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أولاد اليهود الذين أسلموا وحفظوا قصة خيبر وغيرها (والحاصل) أن الكلام في محمد بن إسحاق أنه صدوق حسن الحديث لكنه يدلس فإن صرح بالتحديث قبلت روايته وها هنا صرحّ بالتحديث. قيل مات سنة إحدى وخسين

ص: 57

ومائة ببغداد ودفن في مقابر الخيرزان

(قوله أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة مصروف لأصالة ألفه ونونه، وقيل ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل هو ابن صالح بن عمير بن عبيد القرشى مولاهم أبو بكر المدنى. روى عن أنس وعمر بن عبد العزير والحسن وعطاء وغيرهم وعنه ابن جريج وعبد الله بن أبى جعفر ومحمد بن عجلان وسعد بن إسحاق وكثيرون، وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم وأبو زرعة والعجلى والنسائى وقال الحافظ في التلخيص وضعفه ابن عبد البر ووهم في ذلك فإنه ثقة باتفاق وادّعي ابن حزم أنه مجهول فغلط، روى له البخارى وأبو داود والترمذي وابن ماجه، مات سنة خمس عشرة ومائة (وقوله مجاهد) بن جبر أبو الحجاج المكي المخزومى مولى السائب بن أبى السائب. روى عن ابن عباس وقرأ عليه وعن أبى سعيد الخدرى وعلى وسعد بن أبى وقاص وغيرهم. وعنه أيوب السختيانى وأبو إسحاق السبيعى وعطاء وقتادة وكثيرون، وثقه ابن معين والعجلى وأبو زرعة وابن سعد وقال كان فقيها عالما كثير الحديث وقال ابن حبان كان فقيها ورعا عابدا متقنا. روى له الجماعة. مات بمكة سنة اثنتين أو ثلاث ومائة وهو ساجد. ومولده سنة إحدى وعشرين

(قوله نهى نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. أن نستقبل القبلة) أى بفروجنا ففى رواية البيهقي أن نستقبل القبلة أو نستدبرها بفروجنا إذا أهرقنا الماء

(قوله ببول) أى أو غائط فهو من باب الاكتفاء على حدّ قوله تعالى (سرابيل تقيم الحرّ) أى والبرد

(قوله فرأيته) أى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله قبل أن يقبض بعام) بالبناء للمجهول أى قبل أن يموت بسنة

(قوله يستقبلها) أى يستقبل القبلة حين قضاء حاجته. وبهذا الحديث استدلّ من قال بجواز الاستقبال والاستدبار عند قضاء الحاجة في الصحارى والبنيان وجعله ناسخا لحديث النهى وقد تقدم ردّه. واستدلّ به أيضا من فرّق بين البنيان والصحراء وهو غير ظاهر لعدم تقييده بالبنيان. قال الحافظ في التلخيص في الاحتجاج به "يعنى بحديث جابر" نظر لأنها حكاية فعل لا عموم لها فيحتمل أن يكون لعذر ويحتمل أن يكون في بنيان ونحوه اهـ وقال ابن القيم في تهذيب سنن أبى داود وأما الحديث (يعنى حديث جابر) فقد انفرد به محمد بن إسحاق وليس هو ممن يحتج به في الأحكام فكيف يعارض بحديثه الأحاديث الصحاح أو تنسخ به السنن الثابتة مع أن التأويل فيه ممكن وهو لو صح فهو حكاية فعل لا عوم لها ولا يعلم أكان في فضاء أم بنيان أو كان لعذر من ضيق مكان ونحوه أم اختيارا فكيف يقدّم على النصوص الصحيحة الصريحه في المنع مطلقا اهـ بتصرف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبزّار والترمذى وابن ماجه وابن الجارود وابن حبان والبيهقى والحاكم والدارقطنى وصححه ابن السكن وتوقف فيه النووى لعنعنة ابن إسحاق لكن قد صرّح بالتحديث في رواية المصنف وأحمد وغيرهما. قال في التلخيص ضعفه

ص: 58