الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغلط في الإتيان في هذا الحديث. بجملة إذا دخل الخلاء وضع خاتمه إنما هو من همام ابن يحيى بن دينار يعنى أن أصحاب ابن جريج أخرجوا عنه عن زياد بن سعد عن الزهرى عن أنس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه فغير همام هذا المتن بمتن آخر هو كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه ولم يروه بهذا اللفظ إلا همام فكان غالطا. لكن قد علمت أنهما حديثان مختلفان سندا ومتنا وأن هماما لم ينفرد برواية الحديث الأول بل تابعه في روايته عن ابن جريج يحيى بن المتوكل البصرى وقد أخرج البيهقى من طريق يعقوب بن كعب الأنطاكي قال ثنا يحيى بن المتوكل البصرى عن ابن جريج عن الزهرى عن أنس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لبس خاتما نقشه محمد رسول الله فكان إذا دخل الخلاء وضعه وتابعه أيضا يحيى بن الضريس فقد روى الحديث عن ابن جريج كرواية همام فدعوى غلط همام وتفرّده غير مسلمة، فالوهم الغلط يقال وهم في الحساب يوهم وهما مثل غلط وزنا ومعنى
(قوله ولم يروه إلا همام) أي لم يرو حديث أنس باللفظ الذى ذكره المصنف أولا إلا همام فقد خالف همام جميع الرواة عن ابن جريج
(باب الاستبراء من البول)
أى في بيان ما ورد في طلب البراءة من أثر البول. والاستبراء استفراغ بقية البول وإنقاء موضعه ومجراه يقال استبرأ ذكره من بقية بوله بالنتر والتحريك حتى يعلم أنه لم يبق فيه شيء واستبرأت من البول تنزّهت عنه، وفى بعض النسخ باب الاستنزاه من البول وهو بمعنى الاستبراء
(ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَا: ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ:" إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَقَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا "، قَالَ هَنَّادٌ: يَسْتَتِرُ مَكَانَ يَسْتَنْزِهُ،
(ش)(رجال الحديث)
(قوله هناد بن السرىّ) بن مصعب بن أبى بكر بن شبر بفتح الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة التميمي الكوفى الدارمى الحافظ الصالح أبو السرىّ. روى عن ابن عيينة وأبى الأحوص ووكيع ويونس بن بكير وغيرهم. وعنه أصحاب السنن الأربعة ومسلم وكثيرون، وثقه النسائي وأبو زرعة وأبو حاتم. مات في جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعين
ومائتين
(قوله وكيع) بن الجراح
(قوله الأعمش) هو سليمان بن مهران
(قوله مجاهد) ابن جبر
(قوله طاوس) بن كيسان اليمانى الإمام العلم أبو عبد الرحمن الحميرى. روى عن ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله وأبى هريرة وكثيرين، قال طاوس أدركت خمسين من الصحابة. وعنه الزهرى وعمرو بن دينار وسليمان الأحول ومجاهد وغيرهم. روى له الجماعة قال ابن عباس إنى لأظن طاوسا من أهل الجنة وقال عمرو بن دينار ما رأيت مثله وقال الليث ابن أبى سليم يعدّ الحديث حرفا حرفا ووثقه أبو زرعة وابن معين وغيرهما مات بمكة سنة ست ومائة
(قوله مرّ على قبرين) تثنية قبر وهو موضع دفن الميت وأقله حفرة توارى الميت وأكمله اللحد، وفي رواية ابن ماجه بقبرين جديدين
(قوله إنهما يعذبان) أى اللذين في القبرين من إطلاق المحل وإرادة الحالّ لأن المعذب حقيقة صاحبا القبرين، ويحتمل عود الضمير على معلوم من المقام وهو من في القبر لأن سياق الكلام يدلّ عليه فهو على حذف مضاف على حدّ واسأل القرية، ويعذبان في محل رفع خبر إن، وفي رواية ليعذبان باللام ففيه التأكيد بها أيضا، وإنما سيق الكلام مؤكدا على خلاف مقتضى الظاهر لما فيه من الإخبار بمغيب وما كان هكذا شأنه أن ينكر بقطع النظر عن الخبر به ولتأكيد التنفير من هذا الصنيع الشنيع المؤدّى إلى العذاب والعذاب أصله في كلام العرب الضرب ثم استعمل في كل عقوبة مؤلمة
(قوله في كبير) أى بسبب أمر كبير ففى للسببية على حدّ دخلت امرأة النار في هرّة، ومعناه أنهما لا يعذبان في أمر كبير يشق عليهما تركه فإنه لا يشق على أحدهما التنزّه من البول وعلى الآخر ترك المنيمة وإلا لكانا معذورين كصاحب سلس البول، أو أنهما لا يعذبان في أمر يستعظمه الناس بل يتهاونون به ويجترئون عليه ولم يرد أن الذنب فيهما هين غير كبير في الدّين كيف لا يكون كبيرا وقد جاء في رواية البخارى في كتاب الوضوء وما يعذبان في كبير بلى إنه كبير وفى كتاب الأدب في باب النميمة وما يعذبان في كبير وإنه لكبير، أى عظيم عند الله تعالى ومصداقه قوله تعالى (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) وقال القاضى عياض معناه أنه ليس بأكبر الكبائر، وعليه يكون المراد الزجر والتحذير عن ارتكاب أىّ معصية أى لا يتوهم أحد أن التعذيب لا يكون إلا في أكبر الكبائر كالقتل والزنا بل يكون في غيرها. وسبب كونهما كبيرتين أن عدم التنزّه من البول يلزم منه بطلان الصلاة فتركه كبيرة والمشى بالنميمة والسعى بالفساد من القبائح فهو كبيرة ولا سيما مع قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يمشى بلفظ كان التى هي للحالة المستمرّة غالبا وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يدخل الجنة قتات أى نمام رواه الشيخان عن حذيفة
(قوله أما هذا) أما هنا للتفصيل وفيها معنى الشرط بدليل لزوم الفاء بعدها والإشارة لمن في أحد القبرين على ما تقدم
(قوله لا يستنزه) بنون ساكنة
فزاى فهاء، هذه رواية المصنف والنسائى وابن ماجه ورواية لمسلم، وفي رواية ابن عساكر لا يستبرئ بالموحدة وهمزة بعد الراء أى لا يستفرغ بقية بوله ولا ينقى موضعه ومجراه حتى يبينه عنهما فالروايتان بمعنى، قال في النهاية وفى حديث المعذّب في قبره كان لا يستنزه من البول أى لا يستبرئُ ولا يتطهر ولا يستبعد منه اهـ وفي رواية للشيخين والمؤلف لا يستتر بمثناتين فوقيتين وهو يحتمل أن يكون من الاستتار أى لا يستتر حال البول عن الأعين ويكون العذاب على كشف العورة والأقرب أن معنى يستتر لا يجعل بينه وبين البول سترا أي مانعا يمنع وصوله إليه حتى لا يصيبه فيكون المراد بعدم الاستتار عدم التنزّه عن البول والاستبراء منه فتكون موافقة للروايات الأخر. وروى لا يستنتر بنون بين تاءين من النتر وهو جذب فيه قوّة وفى الحديث إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث نترات رواه أحمد وأبو داود مرسلا عن يزداد. وروى لا يستنثر بتاء مثناة من فوق مفتوحة ونون ساكنة وثاء مثلثة مكسورة أى لا ينثر بوله من قناة الذكر كما ينثر الماء من أنفه بعد استنشاقه. وفى رواية أبى نعيم في المستخرج من طريق وكيع عن الأعمش كان لا يتوقى وهي تفسر المراد من كل الروايات
(قوله يمشى بالنميمة) أى يسعى بالفساد بين القوم بأن ينقل لكل واحد منهم ما يقوله الآخر من الشتم والأذى، والنميمة نقل الحديث من قوم إلى قوم لقصد الإفساد والشرّ يقال نمّ الرجل الحديث نما من بابى قتل وضرب سعى به ليوقع فتنة أو وحشة فالرجل نمّ تسمية بالمصدر ونمام مبالغة والاسم النميمة والنميم أيضا
(قوله ثم دعا بعسيب) بفتح فكسر الجريدة والغصن من النخل، وقيل الجريدة التى لم ينبت عليها خوص فإن نبت فهى السعفة كقصبة
(قوله رطب) بفتح فسكون خلاف اليابس
(قوله فشقه باثنين) أى جعل العسيب مشقوقا اثنين فالباء زائدة للتأكيد واثنين حال
(قوله فغرس) يعنى غرز بالزاى كما في رواية للبخارى، وموضع الغرس كان بإزاء الرأس، قال في الفتح وقع في مسند عبد بن حميد من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش ثم غرز عند رأس كل واحد منهما قطعة
(قوله وقال) أى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما قيل له لم صنعت هذا كما في رواية البخارى
(قوله لعله) أى العذاب الذى دلّ عليه قوله يعذبان
(قوله يخفف) بضم المثناة التحتية وفتح الفاء الأولى أو كسرها فالضمير لله أو للغرس مجازا
(قوله عنهما) أى عن المقبورين قال الحافظ في الفتح لم يعرف اسمهما ولا أحدهما والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد الستر عليهما وهو عمل مستحسن فينبغى أن لا يبالغ في الفحص عن اسم من وقع في حقه ما يذمّ به، ثم قال وقد اختلف فيهما فقيل كانا كافرين وبه جزم أبو موسى المدينى واحتج بما رواه من حديث جابر بسند فيه ابن لهيعة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّ على قبرين من بنى النجار هلكا في الجاهلية فسمعهما يعذبان في البول
والنميمة قال أبو موسى هذا وإن كان ليس بقويّ لكن معناه صحيح لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته إلى أن تيبس الجريدتان معنى ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فشفع لهما إلى المدّة المذكورة لكن الحديث ضعيف وقد رواه أحمد بسند صحيح على شرط مسلم وليس فيه سبب التعذيب فهو من تخليط ابن لهيعة، وجزم ابن العطار في شرح العمدة بأنهما كانا مسلمين وهو الظاهر من مجموع طرق حديث الباب ففى رواية ابن ماجه مرّ بقبرين جديدين، فانتفى كونهما في الجاهلية، وفى حديث أبى أمامة عند أحمد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّ بالبقيع فقال من دفنتم اليوم ها هنا، فهذا يدل على أنهما كانا مسلمين لأن البقيع مقبرة المسلمين والخطاب لهم لجريان العادة بأن كل فريق يتولاه من هو منهم اهـ بتصرف
(قوله ما لم ييبسا) ما مصدريّة زمانية وييبس يجف يقال يبس ييبس من باب تعب وفى لغة بالكسر فيهما إذا جف بعد رطوبته فهو يابس وشئ يبس ساكن الباء بمعنى يابس والمعنى يخفف عنهما العذاب مدّة عدم يبس العسيب، وفى رواية للبخارى ما لم تيبسا بالمثناة الفوقية أى الشقتان، قال في الفتح قال المازرى يحتمل أن يكون أوحى إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن العذاب يخفف عنهما هذه المدة اهـ وعلى هذا فلعل هنا للتعليل اهـ ووضع العسيب على القبر إما لأنه عليه وعلى آله الصلاة والسلام سأل الشفاعة للقبرين فأجيب إليها كما في رواية مسلم عن جابر قال فأجيبت شفاعتى أن يرفعا عنهما ما دام الغصنان رطبين. وإما لأنه عليه وعلى آله الصلاة والسلام يدعو لهما تلك المدّة. وقيل لكونهما يسبحان ما داما رطبين وليس لليابس تسبيح قالوا في قوله تعالى (وإن من شئ إلا يسبح بجمده) معناه وإن من شئ حىّ، وحياة كل شئ بحسبه فحياة الخشب ما لم ييبس والحجر ما لم يقطع، وذهب المحققون إلى أن الآية على عمومها. ثم اختلفوا في الجمادات والحيوانات العجم. فذهب الجمهور إلى أنها تسبح حقيقة لمجئ النص به والعقل لا يحيل جعل التمييز فيها فيترجح المصير إليه عملا بظاهر الآية مع عدم المقتضى للعدول عنه. وقيل إنها تسبح بلسان الحال فهى دالة على أن لها صانعا متصفا بالكمالات منزّها عن النقائص فكان ذلك تسبيحا لها، وعلى هذا فليس التقييد بالرطب لمعنى يخصه ليس في اليابس بل التخفيف لدعاء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم به فكأنه عليه وعلى آله الصلاة والسلام جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدّا لما وقع له الدعاء من تخفيف العذاب عنهما
(قوله قال هناد) هو أحد شيخى المؤلف
(قوله يستتر مكان يستنزه) قد سبق ذكر هذه الرواية وتفسيرها وأن المراد بالروايتين واحد
(فقه الحديث) دل الحديث على أن عذاب القبر حق يجب الإيمان به وهو مذهب أهل السنة والجماعة والمحققين من المعتزلة فقد قال القاضى عبد الجبار رئيس المعتزلة في كتاب الطبقات
إن قيل مذهبكم أدّاكم إلى إنكار عذاب القبر وقد أطبقت عليه الأمة. قيل إن هذا الأمر إنما أنكره أولا ضرار بن عمرو لما كان من أصحاب واصل فظنوا أن ذلك مما أنكرته المعتزلة وليس الأمر كذلك بل المعتزلة رجلان أحدهما يجوّز ذللك كما وردت به الأخبار، والثانى يقطع بذلك وأكثر شيوخنا يقطعون به وإنما ينكرون قول بعض الجهلة إنهم يعذبون وهم موتى. والعقل يمنع ذلك اهـ بتصرف. فيجب الإيمان بأن الله تعالى يحيى العبد ويردّ إليه الحياة والعقل كما نطقت به الأخبار وكذا يكمل العقل للصغار ليعلموا منزلتهم وسعادتهم وقد جاء أن القبر ينضم عليه كالكبير، والمعذب عند أهل السنة الجسد كله أو بعضه بعد إعادة الروح إلي إليه أو إلى جزئه أفاده العينى في شرح البخارى، وقد جاء في عذاب القبر أحاديث كثيرة (منها) حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر فقالت لها أعاذك الله من عذاب القبر قالت عائشة فسألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن عذاب القبر فقال نعم عذاب القبر حق قالت فما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد صلى صلاة إلا تعوّذ من عذاب القبر رواه البخارى ومسلم (ومنها) حديث ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن الموتى ليعذبون في قبورهم حتى أن البهائم لتسمع أصواتهم رواه الطبرانى في الكبير بإسناد حسن (ومنها) حديث أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر رواه مسلم. وخلاف بعض المعتزلة في ذلك من الأباطيل التى لا مستند لها إلا لمجرد الهوى. ودلّ الحديث أيضا على نجاسة بول الإنسان قليله وكثيره وهو مذهب عامة الفقهاء غير أنه يعفى عما لا يمكن الاحتراز عنه، وليس فيه دليل على نجاسة بول الحيوان مطلقا من مأكول اللحم وغيره. قال الحافظ في الفتح قال ابن بطال أراد البخارى أن المراد بقوله في رواية الباب كان لا يستتر من البول بول الناس لا بول سائر الحيوان فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان وكأنه (يعنى ابن بطال) أراد الردّ على الخطابىّ حيث قال فيه دليل على نجاسة الأبوال كلها، ومحصل الردّ أن العموم في رواية من البول أريد به الخصوص لقوله في الرواية الأخرى من بوله، أو الألف واللام عوض عن الضمير لكن يلتحق ببوله بول من هو في معناه من الناس لعدم الفارق وكذا غير المأكول وأما المأكول فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بنجاسة بوله ولمن قال بطهارته حجج أخرى اهـ ببعض تصرف، ودلّ أيضا على وجوب الاستبراء من البول لما يترتب على تركه من بطلان الصلاة والعذاب في القبر. فعن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أكثر عذاب القبر من البول رواه ابن خزيمة في صحيحه وأحمد وابن ماجه واللفظ له والحاكم وقال صحيح على
شرط الشيخين، وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عامة عذاب القبر من البول استنزهوا من البول رواه البزار والطبرانى في الكبير والحاكم والدارقطنى، وعن أبى أمامة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال اتقوا البول فإنه أوّل ما يحاسب به العبد في القبر رواه الطبرانى في الكبير بسند لا بأس به. وعلى غلظ تحريم النميمة وأنها من أعظم أسباب عذاب القبر قال ابن دقيق العيد هو محمول على النميمة المحرّمة فإن النميمة إذا اقتضى تركها مفسدة تتعلق بالغير أو فعلها مصلحة يستضرّ الغير بتركها لم تكن ممنوعة كما نقول في الغيبة إذا كانت للنصيحة أو لدفع المفسدة لم تمنع فلو أن شخصا اطلع من آخر على قول يقتضى إيقاع ضرر بإنسان فإذا نقل إليه ذلك القول احترز عن ذلك الضرر لوجب ذكره له اهـ وليس في الحديث دليل على استحباب ما اعتيد من وضع الرّيحان والجريد على القبور لأنه واقعة حال خاصة لا تفيد العموم ولذا قال الخطابى في كتابة معالم السفن وأما غرسه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شقة العسيب على القبر وقوله يخفف عنهما ما لم ييبسا فإنه من ناحية التبرّك بأثر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما فكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جعل مدّة بقاء النداوة فيهما حدّا لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس، والعامة في كثير من البلدان يغرسون الخوص في قبور موتاهم وأراهم ذهبوا إلى هذا وليس لما تعاطوه من ذلك وجه والله تعالى أعلم اهـ. وقال الحافظ في الفتح قد استنكر الخطابى ومن تبعه وضع الناس الجريد ونحوه في القبر عملا بهذا الحديث قال الطرطوشى لأن ذلك خاص ببركة يده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وقال القاضى عياض لأنه علل غرزهما على القبر لأمر مغيب وهو قوله ليعذبان. ثم قال الحافظ وليس في السياق ما يقطع على أنه باشر الوضع بيده الكريمة بل يحتمل أن يكون أمر به، وقد تأسى بريدة بن الحصيب الصحابى بذلك فأوصى أن يوضع على قبره جريدتان كما سيأتى في الجنائز من هذا الكتاب وهو أولى أن يتبع من غيره اهـ. وفيه أن الحديث صريح في أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو الذى شق الجريدة اثنتين ووضع على كل قبر منهما قطعة ولم يثبت أنه عليه وعلى آله الصلاة والسلام فعل هذا الوضع على قبر أحد غير هذين فدلّ ذلك على أنها واقعة حال وشفاعة خاصة وليست سنة عامة، ويدل على ذلك أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة غير بريدة ولا سيما الخلفاء الراشدين أنه وضع جريدا ولا غيره على القبور ولو كان ذلك سنة ما تركه أولئك الأئمة وقد قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ الحديث رواه المصنف وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والترمذى وقال حديث حسن
صحيح. ووصية بريدة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ليست حجة على غيره كما هو معلوم فما قاله الخطابى ومن ذكر معه هو الأولى ولا سيما أن غالب الناس اعتقد في وضع هذا الجريد ونحوه اعتقادا تأباه الشريعة المطهرة كما هو معروف من حالهم ونطقهم
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقى وكذا الترمذى مختصرا لم يذكر ثم دعا بعسيب الخ وقال هذا حديث حسن صحيح
(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ، قَالَ:«كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ»
(ش) هذا طريق آخر لحديث ابن عباس أشار المصنف بذكره إلى أن مجاهدا روى الحديث عن ابن عباس بلا واسطة كما رواه عنه بواسطة طاوس، وكذا أخرجه البخارى من الطريقين وهو يقتضى صحة الطريقين عندهما فيحمل على أن مجاهدا سمعه من طاوس عن ابن عباس ثم سمعه من ابن عباس بلا واسطة أو العكس ويؤيده أن في سياقه عن طاوس زيادة على ما في روايته عن ابن عباس، وصرّح ابن حبان بصحة الطريقين معا ويؤيده أيضا كما في العينى أن شعبة بن حجاج رواه عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس ولم يذكر طاوسا اهـ وقال الترمذى ورواية الأعمش أصح أى روايته بذكر طاوس بين مجاهد وابن عباس، وقال في العلل سألت محمدا يعنى البخارى أيهما أصح فقال رواية الأعمش أصح اهـ
(رجال الحديث)
(قوله جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط بضم فسكون فطاء مهملهَ ابن هلال الضبى أبو عبد الله الرازى. روى عن عبد الملك بن عمير ويحيى بن سعيد ومالك بن أنس والثورى وغيرهم. وعنه ابن المبارك وأبو داود الطيالسى وأحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبى شيبة وآخرون، قال في تهذيب الهذيب ثقة يرحل إليه وقال أبو القاسم اللالكائى مجمع على توثيقه وقال ابن عمار حجة وقال ابن المدينى كان صاحب ليل. مات سنة ثمان وثمانين ومائة وهو ابن ثمان وسبعين. روى له الجماعة
(قوله منصور) بن المعتمر ابن عبد الله بن ربيعة بضم الراء السلمى أبو عتاب الكوفى أحد الأعلام المشاهير. روى عن زيد بن وهب وإبراهيم النخعى والحسن البصرى والشعبى وغيرهم. وعنه أيوب السختيانى والأعمش وسليمان التيمى وهم من أقرانه والثورى وهو أثبت الناس فيه وسفيان ابن عيينة وآخرون، قال أبو حاتم متقن لا يخلط ولا يدلس وقال العجلى ثقة ثبت في الحديث كان أثبت أهل الكوفة وقال أبو داود لا يروى إلا عن ثقة. توفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة
(قوله مجاهد) بن جبر
(قوله بمعناه) أى بمعنى حديث الأعمش المتقدم، ولفظه عند البخارى عن
ابن عباس قال مرّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحائط من حيطان المدينة أو مكة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله وكان الآخر يمشى بالنميمة ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة فقيل له يا رسول الله لم فعلت هذا قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا
(قوله قال كان لا يستتر من بوله) أى قال منصور في روايته بسنده إلى ابن عباس قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان أحدهما لا يستتر من بوله بدل لا يستنزه في رواية الأعمش السابقة
(ص) وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: «يَسْتَنْزِهُ»
(ش) أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير. وهذا تعليق وصله البخارى قال حدثنا محمد ابن المثنى ثنا محمد بن خازم ثنا الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال مرّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير. أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشى بالنميمة تم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة قالوا يا رسول الله لم فعلت قال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا. ووصله ابن ماجه قال حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال مرّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقبرين جديدين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله وأما الآخر فكان يمشى بالنميمة. وظاهر صنيع المصنف أن رواية أبى معاوية عن منصور وليس كذلك بل هى عن الأعمش كما رأيت في روايتي البخارى وابن ماجه فكان الأنسب له أن يذكرها بعد رواية وكيع عن الأعمش السابقة ولعله ذكرها هنا ليقابل بها رواية جرير عن منصور فإن فيها لا يستتر وفى هذه يستنزه
(قوله يستنزه) أى أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله كما في رواية ابن ماجه المتقدمة والذى في رواية البخارى أما أحدهما فكان لا يستتر من البول
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ وَمَعَهُ دَرَقَةٌ ثُمَّ اسْتَتَرَ بِهَا، ثُمَّ بَالَ، فَقُلْنَا: انْظُرُوا إِلَيْهِ يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ، فَسَمِعَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا لَقِيَ صَاحِبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانُوا إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَوْلُ
قَطَعُوا مَا أَصَابَهُ الْبَوْلُ مِنْهُمْ، فَنَهَاهُمْ فَعُذِّبَ فِي قَبْرِهِ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله عبد الواحد بن زياد) العبدى مولاهم أبو بشر ويقال أبو عبيدة البصرى أحد الأعلام. روى عن يونس بن عبيد وعاصم الأحول والأعمش وعمارة ابن القعقاع وغيرهم. وعنه عفان بن مسلم وقتيبة بن سعيد وأبو هشام المخزومى وأبو داود الطيالسي وكثيرون، قال ابن معين أثبت أصحاب الأعمش شعبة وسفيان ثم أبو معاوية ثم عبد الواحد ابن زياد وهو ثقة. ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم وابن سعد والنسائى وأبو داود والعجلى والدارقطنى حتى قال ابن عبد البرّ لا خلاف بينهم أنه ثقة ثبت وقد احتج به الجماعة. مات سنة ست أو سبع وسبعين ومائة
(قوله الأعمش) سليمان بن مهران
(قوله عن زيد بن وهب) الجهنى أبى سليمان الكوفى هاجر إلى المدينة فمات النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو في الطريق. روى عن عمر وعثمان وعلى وجماعة. وعنه حبيب بن أبى ثابت وإسماعيل بن أبى خالد والأعمش ومنصور بن المعتمر وكثيرون. وثقه ابن معين وابن خراش وابن حبان والعجلى وابن سعد وقال كان كثير الحديث وقال في التقريب لم يصب من قال في حديثه خلل وقال الأعمش إذا حدّثك زيد بن وهب عن أحد فكأنك سمعته من الذى حدّثك عنه. روى له الجماعة. مات سنة ست وتسعين
(قوله عبد الرحمن بن حسنة) قيل هو أخو شرحبيل بن حسنة وحسنة أمهما واسم أبيه على الصحيح عبد الله بن المطاع بن عبد الله الغطريف تفرّد بالرواية عنه زيد بن وهب قاله مسلم وابن عبد البر والحاكم وغيرهم من الحفاظ، وتعقب بأنه روى عنه أيضا إبراهيم بن عبد الله ابن قارظ وروايته عنه في معجم الطبرانى قال في تهذيب التهذيب لكن في الإسناد ابن لهيعة ولا تقوم به حجة
(قوله عمرو بن العاص) بن وائل بن هاشم بن سعيد بضم السين وفتح العين المهملتين ابن سعد القرشى السهمى يكنى أبو عبد الله ويقال أبو محمد أسلم عند النجاشى وقدم مهاجرا في صفر سنة ثمان وكان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرّ به لمعرفته ولشجاعته وبعثه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أميرا على سرية إلى ذات السلاسل، وأخرج أحمد بسند حسن عن عمرو بن العاص قال قال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا عمرو استزد عليك سلاحك وثيابك وائتنى ففعلت فجئته وهو يتوضأ فصعد فىّ البصر وصوّبه وقال يا عمرو إنى أريد أن أبعثك وجها فيسلمك الله ويغنمك وأرغب لك من المال رغبة صالحة قال قلت يا رسول الله إنى لم أسلم رغبة في المال إنما أسلمت رغبة في الجهاد والكينونة معك قال يا عمرو نعما بالمال الصالح للرجل الصالح. وروى عن عقبة بن عامر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص أخرجه الترمذى وقال حديث
غريب وقال إبراهيم بن مهاجر عن الشعبى عن قبيصة بن جابر صحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلا أبين قرآنا ولا أكرم خلقا ولا أشبه سريرة بعلانية منه كان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حادّ الذكاء عظيم الدّهاء قال الشعبى دهاة العرب في الإسلام أربعة فعدّ منهم عمرا وقال فأما عمرو فللمعضلات وهو الذى افتتح مصر وولاه عمر عليها، وأخرج مسلم في صحيحه عن ابن شماسة المهرى قال حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياق الموت فبكى طويلا وحوّل وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول ما يبكيك أما بشرك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بكذا فأقبل بوجهه فقال إن أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إني كنت على أطباق ثلاث لقد رأيتنى وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منى ولا أحب إلىّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار فلا جعل الله الإسلام في قلبى أتيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسم فقلت ابسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدى قال مالك يا عمرو قال قلت أردت أن أشترط قال تشترط بماذا قلت أن يغفر الله لى قال أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله وأن الهجرة تهدم ما قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله وما كان أحد أحب إليّ من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا أجلّ في عينى منه وما كنت أطيق أن أملأ عينى منه إجلالا ولو شئت أن أصفه ما أطقت لأنى لم أكن أملأ عينى منه ولو مت على تلك الحالة لرجوت أن أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدرى ما حالى فيها فإذا مت فلا تصحبنى نائحة ولا نار فإذا دفنتمونى فشنوا علي التراب شنا ثم أقيموا حول قبرى قدر ما يذبح جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربى (وعلى الجملة) ففضائله أكثر وأشهر من أن تذكر. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعة وثلاثون حديثا اتفق الشيخان على ثلاثة أحاديث ولمسلم حديثان وللبخارى طرف من حديث. روى عنه أبو عثمان النهدى وعروة بن الزبير وقيس مولاه وابنه عبد الله وقبيصة بن ذؤيب وغيرهم. مات بمصر سنة اثنتين وقيل ثلاث وأربعين يوم الفطر ودفن بالمقطم وعمره تسعون أو تسع وتسعون سنة، روى له الجماعة
(قوله ومعه درقة) هذه الجملة حال من فاعل خرج والدرقة بفتحات الترس من جلد ليس فيه خشب ولا عصب وهو ما تعمل منه الأوتار، وإنما استتر بها لئلا يطلع أحد على عورته
(قوله فقلنا انظروا الخ) أى قال بعض القوم كما في رواية أحمد والنسائى، وفي رواية ابن ماجه فقال بعضهم وقالوا ذلك تعجبا لما رأوه مخالفا لما عليه عادتهم في الجاهلية من بول الرجال قياما وكانوا قريب العهد بها، ولم يقولوا هذا استهزاء وسخرية لأن الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم لا يقع منهم ذلك
(قوله كما تبول المرأة) فإنهم كانوا يزعمون أن شهامة الرجل لا تقتضى التستر على ما كانوا
عليه في الجاهلية، وفى رواية البغوى في معجمه فقال بعضنا لبعض يبول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما تبول المرأة وهو قاعد، ورواية الطبرانى في معجمه يبول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو جالس
(قوله فقال) أى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مجيبا لهم بقوله "ألم تعلموا الخ" فكأنهم قالوا نعم أخبرنا، هذا على أن الاستفهام حقيقى فلذلك بين لهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله كانوا الخ. ويحتمل أن يكون للتوبيخ والتقريع نظرا لشناعة مقالتهم فيكون بيانه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من باب التنبيه علي ما هو معلوم رأفة بهم
(قوله صاحب بنى إسراءيل) برفع صاحب على أنه فاعل لقى ويكون نظم الكلام عليه ألم تعلموا العذاب الذى لقيه صاحب بنى إسرائيل هذا على كون ما موصولة، أما على كونها موصوفة فيكون التقدير ألم تعلموا عذابا لقيه صاحب بنى إسراءيل ويجوز نصبه على أنه مفعول لقى وتقدير الكلام عليه ألم تعلموا العذاب الذى لقى (أى هو) صاحب بنى إسرائيل والمتبادر أن المراد بصاحب بنى إسرائيل واحد منهم وعلى هذا فلا إشكال في الحديث، وقيل المراد به موسى عليه الصلاة والسلام كما ذكره العينى، وعلى هذا يشكل قوله فنهاهم فعذّب في قبره، وطريق دفعه أن يقال فنهاهم عن التهاون في البول فعذّب في قبره من لم ينته عنه، ولا يخفى بعده وبنو إسرائيل أولاد يعقوب بن إسحاق وإسرائيل هو يعقوب ومعناه بالسريانية عبد الله لأن إسرا بمعنى عبد وإيل بمعنى الله
(قوله إذا أصابهم البول الخ) أى أصاب جسدهم أو ثيابهم البول قطعوا الموضع الذى أصابه يعنى أنهم ما كان يجوز لهم أن يطهروا موضع النجاسة بالماء إنما كان التطهير في دينهم بقطع المتنجس
(قوله فنهاهم الخ) أى نهى الرجل المذكور بنى إسراءيل عن هذا القطع وقال هذا تكليف شديد فاتركوا العمل به فعذّبه الله تعالى بسبب هذه المخالفة فحذر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أصحابه من إنكار ما هو مقرّر في الشرع فكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لهم لا تستثقلوا ما أبينه لكم من الأحكام ولو كان على خلاف معتادكم في الجاهلية كما استثقل صاحب بنى إسراءيل وإلا فيخشى أن يصيبكم مثل ما أصابه وهذا على أن القائل انظروا الخ من الصحابة أما على أنه مشرك أو منافق كما قاله في المرقاة فيكون قصد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك توبيخه وتهديده وأنه من أصحاب النار حيث عيره بالحياء وفعل النساء
(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز ترك التباعد عن الناس عند قضاء الحاجة مع التستر وإن كان غالب أحواله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التباعد كما تقدم. وعلى أنه لا يجوز لأحد التكلم في شئ من أمر الدين حتى يعلم حكم الله فيه، وعلى طلب التلطف في المخاطبة عند التعليم فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما سمع مقالتهم لم يقابلهم بالغلظة بل تلطف بهم
شفقة عليهم ورحمة بهم. وعلى طلب التحرز عن النجاسات والاحتياط في ذلك، وعلى طلب التستر عند قضاء الحاجة ولا سيما إذا كان قريبا من الناس. وعلى أن المخالفة سبب في الضرر والهلاك خصوصا في الدار الاخرة فقد نبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن صاحب بنى إسرائيل نهاهم عن المعروف في دينهم فتسبب عنه عذابه
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن حبان في صحيحه وأبو بكر بن أبى شيبة والنسائى ولفظه عن عبد الرحمن بن حسنة قال خرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفى يده كهيئة الدّرقة فوضعها ثم جلس خلفها فبال إليها فقال بعض القوم انظروا يبول كما تبول المرأة فسمعه فقال أو ما علمت ما أصاب صاحب بنى إسراءيل كانوا إذا أصابهم شئ من البول قرضوه بالمقاريض فنهاهم صاحبهم فعذب في قبره، وأخرجه البيهقى ولفظه عن عبد الرحمن بن حسنة قال كنت أنا وعمرو بن العاص جالسين فخرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في يده درقة فبال وهو جالس فتكلمنا فيما بيننا فقلنا يبول كما تبول المرأة فأتانا فقال أما تدرون ما لقى صاحب بني إسرائيل كان إذا أصابهم بول قرضوه فنهاهم فتركوه فعذب في قبره
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ مَنْصُورٌ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: جِلْدِ أَحَدِهِمْ
(ش) هذا تعليق وصله مسلم قال حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا جرير عن منصور عن أبي وائل قال كان أبو موسى يشدّد في البول ويبول في قارورة ويقول إن بنى إسراءيل كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض. والقارورة الزجاجة
(قوله قال منصور) بن المعتمر
(قوله عن أبى وائل) هو شقيق بن سلمة الأسدى أدرك النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يره وهو أحد سادة التابعين قال ابن عبد البر أجمعوا على أنه ثقة قال ابن معين ثقة لا يسأل عن مثله. روى عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وابن مسعود وآخرين. وعنه الشعبى وعمرو بن مرة والأعمش وجماعة. مات في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة تسع وتسعين
(قوله عن أبى موسى) عبد الله أبن قيس الأشعرى، وعلى هذه الرواية يحتمل أن يكون المراد بالجلد الجلود التى كانوا يلبسونها إليه ذهب القرطبى، ويحتمل إبقاء اللفظ على ظاهره فيكون من الأمر الشاق الذى حملوه. والذى في رواية البخارى من طريق شعبة عن منصور عن أبى وائل قال كان أبو موسى الأشعرى يشدّد في البول ويقول إن بنى إسراءيل كان إذا أصاب ثوب أحدهم قرضه. الحديث: والمراد بالقرض القطع ويؤيده رواية الأصيلي قرضه بالمقراض. خلافا لمن حمل القرض على الغسل بالماء
(ص) وَقَالَ عَاصِمٌ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«جَسَدِ أَحَدِهِمْ»
(ش) هذا تعليق لم نقف على من وصله من المحدثين. وعاصم هو ابن بهدلة المعروف بابن أبى النجود الأسدى مولاهم أبو بكر الكوفى أحد القراء السبعة. روى عن أبى صالح السمان وحميد الطويل وأبى وائل وغيرهم. وعن شعبة والحمادان والسفيانان وزائدة وآخرون، وثقه أحمد والعجلي وأبو زرعة ويعقوب بن سفيان وقال الدارقطنى في حفظه شئ وقال ابن سعد كان ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه وقال ابن خراش في حديثه نكرة وقال العقيلى لم يكن فيه إلا سوء الحفظ وقال أبو حاتم محله عندى الصدق صالح الحديث ولم يكن بذاك الحافظ. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه. مات سنة تسع وعشرين ومائة
(قوله جسد أحدهم) أى إذا أصاب البول جسد أحدهم الخ. ومراد المصنف بذكر هذين التعليقين بيان الاختلاف في سند الحديث ومتنه فرواية عبد الرحمن بن حسنة مرفوعة وفيها قطعوا ما أصابه بلا بيان المقطوع من ثوب أو جلد أو جسد. ورواية منصور عن أبى وائل عن أبى موسى موقوفة عليه وفيها أن المقطوع جلد أحدهم، وفى رواية البخارى أن المقطوع ثوب أحدهم، ورواية عاصم عن أبي وائل عن أبي موسى مرفوعة بلفظ جسد أحدهم. ولا تنافى بين هذه الروايات لأنهم كانوا يقطعون ما أصابته نجاسة من ثوب أو جسد
(باب البول قائما)
أى في بيان حكم البول قائما
(ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: ثَنَا شُعْبَةُ، ح وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ وَهَذَا لَفْظُ حَفْصٍ عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ سُبَاطَةَ قَوْمٍ «فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ مُسَدَّدٌ: قَالَ: فَذَهَبْتُ أَتَبَاعَدُ فَدَعَانِي حَتَّى كُنْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ
(ش)(رجال الحديث)
(قوله حفص بن عمر) بن الحارث الأزدىّ أبو عمر الحوضى البصرى. روى عن شعبة وهمام وحماد بن زيد وأبى عوانة وطائفة. وعنه أبو حاتم والبخارى وأبو داود وإبراهيم بن يعقوب الجوزجانى وغيرهم، قال أحمد ثقة ثبت متقن لا يؤخذ عليه حرف واحد ووثقه أيضا ابن قانع وابن وضاح ومسلمة والدارقطنى ويحيى بن معين مات سنة خمس وعشرين ومائتين
(قوله مسلم بن إبراهيم) الأزدى الفراهيدى مولاهم أبو عمرو القصاب البصرى الحافظ
ووى عن مالك بن مغول وشعبة وهشام وابن المبارك وغيرهم. وعنه البخارى وأبو داود وأبو إسحاق وأبو زرعة ويحيى بن معين وطائفة، قال الترمذى سمعت مسلم بن إبراهيم يقول كتبت عن ثمانمائة شيخ وقال ابن معين ثقة مأمون وقال العجلى وأبو حاتم ثقة زاد أبو حاتم صدوق، روى له الجماعة. مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين
(قوله شعبة) بن الحجاج
(قوله أبو عوانة) اسمه الوضاح بن عبد الله الواسطىّ أحد الأئمة قال الحاكم هو أحد المشاهير وثقه الجماهير وقال أحمد وأبو حاتم كان يغلط كثيرا إذا حدّث من حفظه وقال ابن المدينى في أحاديثه عن قتادة لين لأن كتابه كان قد ذهب وقال ابن عبد البر أجمعوا على أنه ثقة ثبت حجة فيما حدّث من كتابه وقال إذا حدث من حفظه ربما غلط قال أحمد ويحيى كان ثقة روى عن محمد بن المنكدر وعمرو بن دينار وقتادة وأيوب السختيانى وغيرهم وعنه شعبة ووكيع وأبو داود الطيالسى ومسدّد وجماعة. مات سنة ست وقيل خمس وسبعين ومائة. روى له الجماعة
(قوله وهذا لفظ حفص) أى اللفظ المذكور فيما بعد هو لفظ حفص بن عمر، ورواه مسلم بن إبراهبم ومسدد بالمعنى
(قوله عن سليمان) بن مهران الأعمش شيخ شعبة وأبى عوانة
(قوله عن أبى وائل) هو شقيق بن سلمة
(قوله حذيفة) ابن حسيل مصغرا أو حسل بكسر فسكون المعروف باليمان ابن جابر بن ربيعة بن فروة بن الحارث أبى عبد الله الكوفى حليف بنى عبد الأشهل صحابى جليل من السابقين شهد أحدا والخندق وفتوح العراق وله بها آثار شهيرة. روى مسلم عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعلمه بما كان ويكون إلى يوم القيامة من الفتن والحوادث. وعنه أيضا قال سألتنى أمى متى عهدك برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قلت منذ كذا وكذا فدعينى آتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأصلى معه المغرب وأسأله أن يستغفر لى ولك فأتيته فصليت معه المغرب ثم قام فصلى حتى صلى العشاء فتبعته فسمع صوتى فقال من هذا حذيفة قلت نعم قال ما حاجتك غفر الله تعالى لك ولأمك الحديث، وعنه أيضا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال قالوا يا رسول الله لو استخلفت فقال إنى إن استخلفت فعصيتم خليفتى عذبتم ولكن ما حدّثكم به حذيفة فصدّقوه وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقرأوه أخرجهما الترمذي وفى الصحيحين أن أبا الدرداء قال لعلقمة أليس فيكم صاحب السرّ الذى لا يعلمه غيره يعنى حذيفة، وفى صحيح مسلم عن إبراهيم التيمى عن أبيه قال كنا عند حذيفة فقال رجل لو أدركت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قاتلت معه وأبليت فقال له حذيفة أنت كنت تفعل ذلك لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقرّ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معى يوم القيامة فسكتنا فلم يجبه منا
أحد فقال ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معى يوم القيامة فسكتنا فلم يجبه منا أحد فقال قم يا حذيفة وائتنا بخبر القوم فلم أجد بدّا إذ دعانى باسمى أن أقوم قال اذهب فأتنى بخبر القوم ولا تذعرهم عليّ فلما وليت من عنده جعلت كأنى أمشى في حمام حتى أتيتهم فرأيت أبا سفيان يصطلى علي النار فوضعت سهما في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تذعرهم علىّ ولو رميته لأصبته فرجعت وأنا أمشى في مثل الحمام فلما أتيته فأخبرته خبر القوم وفرغت قررت فألبسنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلى فيها فلم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال قم يا نومان، قال ورواه ابن إسحاق بزيادات وفيه فلما رأى أبو سفيان ما فعل الريح وجنود الله بهم لا تقرّ لهم قدرا ولا بناء قام فقال يا معشر قريش ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلينظر من هو قال حذيفة فأخذت بيد جليسى فقلت من أنت فقال سبحان الله أما تعرفنى أنا فلان بن فلان فإذا رجل من هوازن فقال أبو سفيان يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذى نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإنى مرتحل ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم فسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كأنى أمشى في حمام فأتيته وهو قائم يصلى فلما سلم أخبرته فضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل فلما أخبرته وفرغت قررت وذكر بعد ذلك تمام القصة بنحو ما تقدم في حديث مسلم. وله مائة حديث اتفق الشيخان على اثنى عشر وانفرد البخارى بثمانية ومسلم بسبعة عشر. وروى عن عمر. وعنه جابر وجندب وعبد الله بن يزيد وأبو الطفيل وابنه بلال وزيد بن وهب وأبو وائل وغيرهم. روى له الجماعة. مات رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سنة ست وثلاثين قبل وفاة عثمان بأربعين ليلة
(قوله سباطة قوم) بضم السين المهملة وبعدها موحدة مخففة هي الموضع الذى يرمى فيه التراب والأوساخ، وقيل هى الكناسة نفسها وإضافتها إلى القوم إضافة تخصيص لا ملك لأنها كانت مواتا مباحة والسباطة في العادة تكون قريبة من البيوت مرفقا لأهلها والشأن فيها أن تكون رخوة غير صلبة لا يعود البول منها على البائل فيها، وكون السباطة مواتا غير مملوكة لأحد هو الظاهر، ويحتمل أنها كانت مملوكة لأولئك القوم وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم رضاهم بذلك ولو بطريق المسامحة العاديّة خصوصا وأنهم كانوا يتبرّكون بآثاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له أن يتصرف في ملك أمته بدون إذن لأنه أولى بهم من أنفسهم وأموالهم قال الحافظ وهذا وإن كان صحيح المعنى لكن لم يعهد ذلك من سيرته ومكارم أخلاقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وبما تقدم من
الاحتمالات يسقط ما يقال كيف يبول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ملك أولئك القوم بدون إذنهم
(قوله فبال قائما) اختلف العلماء في سبب بوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قائما فقال الشافعى إن العرب كانت تستشفى لوجع الصلب بالبول قائما فلعله كان به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ ذاك، وقيل إنه لم يجد مكانا للقعود لامتلاء السباطة بالنجاسة، وقيل فعل ذلك لبيان الجواز، وكانت عادته المستمرّة البول قاعدا، وقيل غير ذلك قال في الفتح وسلك أبو عوانة في صحيحه وابن شاهين فيه مسلكا آخر فزعما أن البول عن قيام منسوخ واستدل عليه بما رواه أبو عوانة في صحيحه والحاكم عن عائشة قالت ما بال قائما منذ أنزل عليه القرآن، وبما رواه أحمد والترمذى والنسائى وابن ماجه عنها أيضا قالت من حدّثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان بيول إلا قاعدا، والصواب أنه غير منسوخ، والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها فيحمل على ما وقع منه في البيوت وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة فتضمن الردّ على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن وقد ثبت عن على وعمر وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما وهو دالّ على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش ولم يثبت عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في النهى عنه شئ اهـ بتصرف، وقال الترمذى في جامعه وقد رخص قوم من أهل العلم في البول قائما ومعنى النهى عن البول قائما على التأديب لا على التحريم، وقال الدارمى في سننه قال أبو محمد لا أعلم فيه كراهة، وقال النووى وقد روى في النهى عن البول قائما أحاديث لا تثبت ولكن حديث عائشة هذا ثابت فلهذا قال العلماء يكره البول قائما إلا لعذر وهي كراهة تنزيه لا تحريم. قال ابن المنذر في الأشراف اختلفوا في البول قائما فثبت عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد أنهم بالوا قياما قال وروى ذلك عن أنس وعلي وأبى هريرة وفعل ذلك ابن سيرين وعروة بن الزبير وكرهه ابن مسعود والشعبى وإبراهيم بن سعد، وكان إبراهيم بن سعد لا يجيز شهادة من بال قائما، وقال ابن المنذر البول جالسا أحب إلىّ وقائما مباح وكل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ وقال مالك إن كان في مكان لا يتطاير عليه منه شئ فلا بأس به وإلا فمكروه، "فإن قلت" قد روى أنه علية الصلاة والسلام كان إذا أراد حاجة أبعد فكيف بال في السباطة التى بقرب الدور "قلت" لعله كان مشغولا بأمور المسلمين والنظر في مصالحهم وطال عليه المجلس حتى اضطرّه البول ولم يمكنه التباعد فلو أبعد لتضرر، وقصد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السباطة لدمثها
(قوله ثم دعا بماء) أى بعد أن فرغ من البول طلب ماء ليتوضأ
(قوله فمسح على خفيه) أى فتوضأ به ومسح على خفيه كما في رواية أحمد وهذا المسح بدل عن الغسل
وسيأتى بيان ذلك في باب المسح على الخفين
(قوله قال مسدّد الخ) أى قال مسدّد في روايته زيادة على رواية حفص بن عمر فذهبت أتباعد أى شرعت أتباعد عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لئلا يسمع شيئا مما يقع حال قضاء الحاجة
(قوله فدعاني) أى فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا حذيفة استرنى كما في رواية الطبرانى من حديث عصمة بن مالك قال خرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال يا حذيفة استرنى فذكر الحديث
(قوله حتى كنت عند عقبه) أى فأتيت إلى أن كنت عند عقبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعقب بالإفراد، وفى بعض الروايات عقبيه بالتثنية. واستتر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحذيفة لأن السباطة إنما تكون في أفنية البيوت المسكونة أو قريبا منها، وهي لا تكاد تخلو عن مارّ. قال النووى في شرح مسلم وجاء في حديث آخر لما أراد قضاء الحاجة قال تنحّ لكونه كان يقضيها قاعدا ويحتاج إلى الحدثين جميعا فتحصل الرائحة المستكرهة وما يتبعها ولهذا قال بعض العلماء، في هذا الحديث من السنة القرب من البائل إذا كان قائما فإذا كان قاعدا فالسنة الإبعاد عنه اهـ وقوله الرائحة المستكرهة أى ما شأنه ذلك بحسب العادة وإلا ففضلات النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليست مستكرهة وقوله من السنة القرب من البائل إذا كان قائما محله إذا دعت الحاجة لذلك وطلبه البائل
(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز البول من قيام لسبب من الأسباب المتقدمة، وعلى مشروعة المسح على الخفين في الحضر لأن السباطة كانت بالمدينة كما أخرجه ابن عبد البر في التمهيد بإسناد صحيح، وعلى جواز استخدام الغير والاستعانة به عند الدّاعية، وعلى طلب التستر عند قضاء الحاجة ولو بآدمىّ، وعلى جواز البول بقرب الديار إذا دعت الحاجة إلى ذلك وعلى جواز قرب الإنسان من البائل وقت الاحتياج
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى والترمذى وابن ماجه وأبو بكر بن أبى شيبة في مصنفه بألفاظ متقاربة وأخرجه البيهقى من عدّة طرق (منها) طريق الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى سباطة قوم فبال قائما فتنحيت عنه فقال ادنه فدنوت ثم توضأ ومسح على خفيه، وروى نحوه من طريق منصور بن المعتمر عن أبى وائل، وأخرجه الترمذى من طريق الأعمش عن أبى وائل عن حذيفة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتى سباطة قوم فبال عليها قائما فأتيته بوضوء فذهبت لأتأخر عنه فدعانى حتى كنت عند عقبيه فتوضأ ومسح على خفيه قال أبو عيسى وهكذا روى منصور وعبيدة الضبىّ عن أبي وائل عن حذيفة مثل رواية الأعمش وروى حماد بن أبى سليمان وعاصم بن بهدلة عن أبى وائل عن المغيرة بن شعبة عن النبى صلى الله