المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الوضوء بسؤر الكلب) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ١

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمةتشتمل على مبادى علم الحديث، وشذرات من علم المصطلح

- ‌الحديث المقبول

- ‌(الخبر المردود)

- ‌ المعلق)

- ‌ المرسل)

- ‌ المعضل)

- ‌ المنقطع)

- ‌المرسل الخفيّ

- ‌المردود للطعن)

- ‌ الموضوع)

- ‌ المتروك)

- ‌ المعلّ)

- ‌ مدرج الإسناد)

- ‌ مدرج المتن)

- ‌ المقلوب)

- ‌ المزيد في متصل الأسانيد)

- ‌ المضطرب)

- ‌ المصحف)

- ‌ المحرف)

- ‌ المبهم)

- ‌التقسيم الثانى للخبر باعتبار نهاية السند

- ‌ المرفوع)

- ‌ الموقوف)

- ‌ المقطوع)

- ‌(فائدة) إذا قال الصحابى كنا نقول أو نفعل كذا

- ‌(أقسام السند)

- ‌العلوّ النسبىّ

- ‌ الموافقة

- ‌ البدل

- ‌ المساواة

- ‌ المصافحة

- ‌(أنواع الرواية)

- ‌ رواية الأقران

- ‌ رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌ رواية الأصاغر عن الأكابر

- ‌ المتفق والمفترق)

- ‌ المتشابه

- ‌ المسلسل)

- ‌(طرق تحمل الحديث)

- ‌ السماع

- ‌ القراءة

- ‌ الإجازة

- ‌ المناولة

- ‌ الإعلام

- ‌ الوجادة

- ‌صيغ الأداء

- ‌(فوائد)

- ‌(ترجمة الإمام الحافظ أبي داود)

- ‌ التعريف بكتاب السنن لأبى داود

- ‌ شرط أبى داود وطريقته في سننه

- ‌ ما سكت عليه أبو داود

- ‌ النسخ المروية عن أبى داود وتراجم رواتها

- ‌(أسانيد الكتاب منى إلى المؤلف رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ)

- ‌(كتاب الطهارة)

- ‌(باب التخلي عند قضاء الحاجة)

- ‌(باب الرجل يتبوّأ لبوله)

- ‌(باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء)

- ‌ التسمية قبل التعوذ

- ‌(باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة)

- ‌(باب الرخصة في ذلك)

- ‌(باب كيف التكشف عند الحاجة)

- ‌(باب كراهية الكلام عند الخلاء)

- ‌(باب أيردّ السلام وهو يبول)

- ‌(باب في الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر)

- ‌(باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء)

- ‌(باب الاستبراء من البول)

- ‌(باب في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده)

- ‌(باب المواضع التى نهى عن البول فيها)

- ‌(باب في البول في المستحم)

- ‌(باب النهى عن البول في الجحر)

- ‌(باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء)

- ‌(باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء)

- ‌لا يشرب نفسا واحدا

- ‌(باب الاستتار في الخلاء)

- ‌(باب ما ينهى عنه أن يستنجى به)

- ‌(باب الاستنجاء بالأحجار)

- ‌(باب في الاستبراء)

- ‌(باب في الاستنجاء بالماء)

- ‌(باب الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى)

- ‌(باب السواك)

- ‌ الاستياك للصائم بعد الزوال

- ‌(باب كيف يستاك)

- ‌(باب في الرجل يستاك بسواك غيره)

- ‌(باب غسل السواك)

- ‌(باب السواك من الفطرة)

- ‌الاستنشاق)

- ‌قص الأظفار)

- ‌نتف الإبط)

- ‌حلق العانة)

- ‌ اختتان الخنثى

- ‌(باب السواك لمن قام من الليل)

- ‌(باب فرض الوضوء)

- ‌ متي فرضت الطهارة

- ‌ سبب وجوب الطهارة

- ‌(باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث)

- ‌(باب ما ينجس الماء)

- ‌(من أخرج هذه الرواية أيضا)

- ‌(باب ما جاء في بئر بضاعة)

- ‌ بيان أن ماء بئر بضاعة كان كثيرا لا يتغير

- ‌(باب الماء لا يُجنِب)

- ‌(باب البول في الماء الراكد)

- ‌(باب الوضوء بسؤر الكلب)

- ‌(باب سؤر الهرّة)

- ‌(باب الوضوء بفضل طهور المرأة)

- ‌(باب النهى عن ذلك)

- ‌(باب الوضوء بماء البحر)

- ‌ جواز التطهر بماء البحر الملح

- ‌(باب الوضوء بالنبيذ)

- ‌(باب الرجل أيصلى وهو حاقن)

- ‌(باب ما يجزى من الماء في الوضوء)

- ‌(باب الإسراف في الوضوء)

- ‌(باب في إسباغ الوضوء)

- ‌(باب الوضوء في آنية الصفر)

- ‌(باب في التسمية على الوضوء)

- ‌لفظها الوارد

- ‌(باب في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها)

- ‌ استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يتحاشى التصريح به

الفصل: ‌(باب الوضوء بسؤر الكلب)

عند الشيخين قال دعا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومجّ ثم قال لهما (يعني أبا موسى وبلالا) اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما، وحديث السائب بن يزيد قال ذهبت بي خالتي إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله إن ابن أختى وقع (أى مريض) فمسح رأسى ودعا لى بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه (الحديث) رواه الشيخان والترمذي والنسائي، وحديث جابر قال جاء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصبّ علىّ من وضوئه فعقلت (الحديث) رواه الشيخان والنسائي "فإن قال" القائل بنجاسة الماء المستعمل إن هذه الأحاديث غاية ما فيها الدلالة على طهارة ما توضأ به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولعل ذلك من خصائصه (قلنا) هذه دعوى غير نافعة فإن الأصل أن حكمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحكم أمته واحد إلا أن يقوم دليل يقضى بالاختصاص ولا دليل وأيضا الحكم بأن الشيء نجس حكم شرعى يحتاج إلى دليل يلتزمه الخصم فما هو "فإن قال" لى أدلة (منها) حديث أبي هريرة السابق "لا يبولنّ أحدكم الخ" فإنه قرن بين الغسل فيه والبول، أما البول فينجس الماء فكذا الغسل للنهى عنهما (ومنها) الإجماع على عدم الانتفاع به (ومنها) أنه أزيل به مانع من الصلاة فانتقل المنع إليه كغسالة النجس، (قلنا) يجاب عن الأول بأنه أخذ بدلالة الاقتران وهي ضعيفة لأنه لا يلزم من الاقتران اشتراك القرينين في الحكم كما في قوله تعالى "كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده" فالأكل غير واجب والإيتاء واجب، وبقول أبي هريرة يتناوله تناولا كما تقدّم فإنه يدلّ على أن النهى أنما هو عن الانغماس لا عن الاستعمال وإلا لما كان بين الانغماس والتناول فرق (وعن الثاني) بمنع الإجماع فقد علمت أن مالكا ومن ذكر معه يجوّزون الانتفاع به مطلقا وكذلك تجوز به إزالة النجاسة عند الحنفية (وعن الثالث) بالفرق بين المانع الحقيقي والحكمى.

(فقه الحديث) دل الحديث على النهى عن البول في الماء الراكد، لما يترتب عليه من إفساد الماء، وعلى النهى عن الغسل من الجنابة فيه لخوف أن تؤدّي كثرة الاغتسال فيه إلى التغير

(من روى الحديث أيضا) رواه أحمد والبيهقي وكذا ابن ماجه مقتصرا على النهى عن البول.

(باب الوضوء بسؤر الكلب)

أيجوز أم لا، والسؤر في الأصل الباقي من الماء في الإناء بعد الشرب ثم عمّ استعماله في الباقي من كل شيء وجمعه أسآر واسم الفاعل منه سآر مثل حبار على غير قياس والقياس مسئر لأنه من أسأر يقال إذا شربت فأسئر أي أبق شيئا من الشراب في الإناء.

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زَائِدَةُ، فِي حَدِيثِ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

ص: 251

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مِرَارٍ، أُولَاهُنَّ بِتُرَابٍ» ،

(ش) مناسبة الحديث للترجمة أن الأمر بغسل ما ولغ فيه الكلب يدلّ على تنجسه فلا يصح الوضوء منه وكذا يقال فيما بعده.

(قوله زائدة) بن قدامة

(قوله طهور إناء أحدكم) بضم الطاء المهملة وهو الأشهر وبفتحها أيضا أى مطهره وهو مبتدأ خبره أن يغسل والتقدير مطهر إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب غسله سبع مرات فأن مصدرية، وظاهره العموم في الآنية ومفهومه يخرج غيره كالحوض والمستنقع وبه قال الأوزاعي والمالكية، وقال العراقى ذكر الإناء خرج مخرج الغالب لا للتقييد اهـ وبه قالت الحنفية والشافعية والحنابلة

(قوله إذا ولغ فيه الكلب) أى شرب منه بلسانه يقال ولغ الكلب يلغ ولغا وولوغا من بابي نفع وشرب وحذفت واوه في المضارع كما في يقع، وولغ يلغ من بابي وعد وورث لغة ويولغ مثل وجل يوجل لغة أيضا، ويتعدّى بالهمزة يقال أولغته إذا سقيته ويتعدّى أيضا بالباء ومن وفي يقال ولغ الكلب بشرابنا ومن شرابنا وفي شرابنا قال ابن الأثير وأكثر ما يكون الولوغ في السباع اهـ وقال في الفتح يقال ولغ يلغ بالفتح فيهما إذا شرب بطرف لسانه فيه فحرّكه، وقال ثعلب الولوغ أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحرّكه زاد ابن درستويه شرب أو لم يشرب. قال ابن مكي فإن كان غير مائع يقال لعقه، وقال المطرزى فإن كان فارغا يقال لحسه، ومفهوم الشرط في قوله إذا ولغ يقتضى قصر الحكم على ذلك لكن إذا قلنا إن الأمر بالغسل للتجيس يتعدّى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق مثلا ويكون ذكر الولوغ للغالب، وأما إلحاق باقي أعضائه كيده ورجله فالمذهب المنصوص أنه كذلك لأن فمه أشرفها فيكون الباقى من باب أولى وخصه في القديم بالأول اهـ ملخصا، وقال النووى في شرح مسلم اعلم أنه لا فرق عندنا بين ولوغ الكلب وغيره من أجزائه فإذا أصاب بوله أو روثه أو دمه أو عرقه أو شعره أو لعابه أو عضو من أعضائه شيئا طاهرا في حال رطوبة أحدهما وجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب، ولو ولغ كلبان أو كلب واحد مرات في إناء فالصحيح أنه يكفي للجميع سبع ولو وقعت نجاسة أخرى في الإناء الذى ولغ فيه الكلب كفى عن الجميع سبع إحداهن بالتراب ولا تقوم الغسلة الثامنة بالماء وحده ولا غمس الإناء في ماء كثير ومكثه فيه قدر سبع غسلات مقام التراب على الأصح وكذا لا يقوم نحو الصابون والأشنان مقام التراب ولو عند عدمه على الأصح ولا يكفى الغسل بالتراب النجس على الأصح، ولو تنجس الإناء بنحو دم الكلب أو روثه فلم تزل عينه إلا بست غسلات مثلا حسبت واحدة على الأصح، والخنزير

ص: 252

كالكلب في ذلك كله اهـ بتصرف، وبهذا قال أحمد غير أنه قال يقوم أشنان وصابون ونخالة ونحوها من كل ماله قوّة في الإزالة مقام التراب ولو مع وجوده وعدم تضرّر المحل به لأنها أبلغ منه في الإزالة فنصه على التراب تنبيه عليها، ولأنه جامد أمر به في إزالة النجاسة فألحق به ما هو أقوى منه في ذلك، أفاده في كشاف القناع وغيره، والكلب يتناول المأذون فيه وغيره وكلب البدوى والحضري لعموم اللفظ

(قوله أولاهن بالتراب) جملة في محل نصب صفة لسبع مرّات والأولى تأنيث الأول، والباء في قوله بالتراب للمصاحبة أي أولاهن مصاحبة للتراب، وفي نسخة أولاهن بتراب، وفي رواية صحيحة عند الترمذي والبزار والشافعى أولاهن أو أخراهن، وفى رواية صحيحة للمؤلف السابعة بالتراب، وفي رواية لأبي عبيد القاسم أولاهن أو إحداهن، وفي رواية للبزار إحداهن بالتراب وإسنادها حسن، وفي رواية للدارقطني إحداهن بالبطحاء، وهي ضعيفة لأن في إسنادها الجارود بن يزيد وهو متروك، وفي الرواية الآتية للمؤلف والثامنة عفروه بالتراب وهي أصح من رواية إحداهن، ولا تعارض بين هذه الروايات لإمكان الجمع بحمل رواية أولاهن على الأكمل إذ الأولى أحب من غيرها اتفاقا وحمل رواية السابعة على الجواز ورواية إحداهن على الإجزاء قال النووي في شرح مسلم وأما الجمع بين الروايات فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعا واحدة منهن بالتراب مع الماء فكأن التراب قائم مقام غسلة فسميت ثامنة لهذا اهـ، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن قوله عفروه الثامنة بالتراب ظاهر في كونها غسلة مستقلة لكن لو وقع التعفير في أوله قبل الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية ويكون إطلاق الغسلة على الترتيب مجازا وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى اهـ وقال في الفتح وطريق الجمع بين هذه الروايات أن يقال إحداهن مبهمة وأولاهنّ والسابعة معينة، وأو إن كانت في نفس الخبر فهى للتخيير فمقتضى حمل المطلق على المقيد أن يحمل على أحدهما لأن فيه زيادة على الرواية المعينة وإن كانت أو شكا من الراوى فرواية من عين ولم شك أولى من رواية من أبهم أو شك فيبقى النظر في الترجيح بين رواية أولاهن ورواية السابعة فرواية أولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية ومن حيث المعنى أيضا ولأن تتريب الأخيرة يقتضى الاحتياج إلى غسلة للتنظيف وقد نص الشافعى على أن الأولى أولى اهـ بحذف قال النووي ومعني الغسل بالتراب أن يخلط التراب في الماء حتى يتكدّر ولا فرق بين أن يطرح الماء على التراب أو التراب على الماء أو يأخذ الماء الكدر من موضع فيغسل به فأما مسح موضع النجاسة بالتراب فلا يجزئُ اهـ والحديث يدلّ على وجوب غسل الإناء من ولوغ الكلب فيه سبع غسلات مع التتريب في أولاهن كما في حديث الباب أو أخراهن أو إحداهن كما في الروايات الأخر، وإليه ذهب ابن عباس وعروة بن الزبير ومحمد بن سيرين وطاوس وعمرو

ص: 253

ابن دينار والأوزاعي والشافعى وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود، وذهبت العترة والحنفية إلى وجوب الغسل ثلاثا وقالوا لا فرق بين لعاب الكلب وغيره من النجاسات غير المرئية وحملوا حديث السبع على الندب واحتجوا بما رواه الطحاوى والدارقطني موقوفا على أبي هريرة أنه يغسل من ولوغه ثلاث مرات وهو الراوى للغسل سبعا فثبت بذلك نسخ السبع. لكن هذا مناسب لأصل بعض الحنفية من وجوب العمل بتأويل الراوى وتخصيصه ونسخه وغير مناسب لأصول الجمهور من عدم العمل به، ويحتمل أن أبا هريرة أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها أو أنه نسى ما رواه وأيضا قد ثبت عنه أنه أفتى بالغسل سبعا ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر. أما من حيث الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيربن عنه وهذا من أصح الأسانيد والمخالفة من رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه وهو دون الأول في القوّة. وأما من حيث النظر فظاهر (وأجيب) عنه بأنه يحتمل أن تكون فتواه بالسبع قبل ظهور النسخ عنده ولما ظهر أفتى بالثلاث، وأما دعوى الرجحان فغير صحيحة لأن رجال كل منهما رجال الصحيح فإن عبد الملك أخرج له مسلم في صحيحه وقال أحمد والثورى من الحفاظ زاد الثورى ثقة فقيه متقن وقال أحمد بن عبد الله ثقة ثبت في الحديث أفاده العيني على البخارى، وأيضا قد روى التسبيع غير أبي هريرة فلا تكون مخالفة فتياه قادحة في مرويّ غيره، وعلى كلّ فلا حجة في قول أحد مع قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ومن جملة أعذار الحنفية عن العمل بالحديث أن العذرة أشدّ نجاسة من سؤر الكلب ولم تقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك من باب الأولى وردّ بأنه لا يلزم من كونها أشدّ في الاستقذار أن لا يكون الولوغ أشدّ منها في تغليظ الحكم وبأنه قياس في مقابلة النص الصريح وهو فاسد الاعتبار، وأجابوا بمنع عدم الملازمة فإن تغليظ الحكم في ولوغ الكلب إما تعبدى وإما محمول على من غلب على ظنه أن نجاسة الولوغ لا تزول بأقلّ منها وإما لأنهم نهوا عن اتخاذه فلم ينتهوا فغلط عليهم بذلك قاله العيني. ومن أعذارهم أيضا أن الأمر بذلك كان عند الأمر بقتل الكلاب فلما نهى عن قتلها نسخ الأمر بالغسل، وتعقب بأن الأمر بقتلها كان في أول الهجرة والأمر بالغسل متأخر جدّا لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل وكان إسلامهما سنة سبع وسياق حديث ابن مغفل الآتي ظاهر في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب، أفاده الحافظ، وأجيب بأن كون الأمر بقتل الكلاب كان في أول الهجرة يحتاج إلى دليل قطعى فأين هو، ولئن سلمنا ذلك فيحتمل أن أبا هريرة سمع ذلك من صحابي أخبره أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما نهى عن قتل الكلاب نسخ الأمر

ص: 254

بالغسل سبعا من غير تأخير فرواه أبو هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لاعتماده على صدق المروى عنه لأن الصحابة كلهم عدول وكذلك ابن مغفل أفاده العيني. وقد خالفت الحنفية والعترة في وجوب التتريب كما خالفوا في التسبيع ووافقهم المالكية في عدم وجوب التسبيع والتتريب على المشهور عندهم قالوا لأن التتريب لم يقع في رواية مالك، قال القرافي منهم قد صحت فيه الأحاديث فالعجب منهم كيف لم يقولوا بها، وقد اعتذر القائلون بأن التتريب غير واجب بأن روايته مضطربة لأنها ذكرت بلفظ أولاهن وبلفظ أخراهن وبلفظ إحداهن وفي رواية السابعة وفي رواية الثامنة والاضطراب يوجب الإطراح. وأجيب بأن المقصود حصول التتريب في مرة من المرّات وبإمكان الجمع بين الروايات كما تقدّم (وقال) الباجى في المنتقى شرح الموطأ واختلف قول مالك في الكلب الذى يجب غسل الإناء من ولوغه فروى عنه ابن أبي الجهم روايتين (إحداهما) أنه في الكلب المنهى عن اتخاذه (والثانية) أنه في جميع الكلاب، وجه الرواية الأولى أن الأمر بذلك إنما كان على وجه التغليظ والمنع من اتخاذها وذلك يختص بالمنهيّ عنه لا بالمباح، ووجه الرواية الثانية عموم الخبر ولم يخص كلبا دون كلب، ومن جهة المعنى أنه إذا وجب غسل الإناء من ولوغها لم يتخذ منها إلا ما تدعو الضرورة إليه ولم يختلف قول مالك في أن إناء الماء يغسل من ولوغ الكلب. واختلف قوله في غسل إناء الطعام فروى عنه ابن القاسم نفي غسله، وروى عنه ابن وهب وغيره إثبات غسله. وجه رواية ابن القاسم أن الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب إنما كان على وجه التغليظ في اتخاذ الكلب وإنما يحصل ذلك بغسل إناء الماء لأنه هو الذى يمكن أن تصل إليه الكلاب وأما إناء الطعام فلا تصل إليه لقلته وكثرة التوقى فيه، ووجه الرواية الثانية أن هذا إناء ولغ فيه كلب فشرع غسله كإناء الماء، وقوله فليغسله سبع مرات يقتضى اعتبار العدد. والدلبل على ما نقوله الحديث المذكور وفيه أمره بغسل الإناء سبع مرات والأمر يقتضى الوجوب، وغسل الإناء من ولوغ الكلب عبادة لا لنجاسة. وذهب ابن الماجشون إلى أنه للنجاسة أو للشك في النجاسة والدليل على ما نقوله أن هذا حيوان يجوز الانتفاع به من غير ضرورة فكان طاهرا اهـ، وقال الرهوني في حاشيته على عبد الباقى وأما الكلب فاختلف فيه للحديث الوارد بغسل الإناء بولوغه فيه سبع مرات فذكر الخلاف في ذلك، ثم قال فتحصل أن في سؤر الكلب أربعة أقوال (أحدها) أنه طاهر وهو قول ابن وهب وأشهب لأن الكلب سبع من السباع وهي طاهرة وهو مذهب ابن القاسم في المدوّنة لكن روايته عن مالك فيها أن الكلب ليس كغيره من السباع (الثاني) أنه نجس كسائر السباع وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه لما جاء عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الأمر بغسل الإناء سبعا من ولوغه فيه (الثالث) الفرق بين

ص: 255

الكلب المأذون في اتخاذه وغيره وهو أظهر الأقوال لأن علة الطهارة التي نص النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليها في الهرّة موجودة في الكلب المأذون في اتحاذه (الرابع) الفرق بين البدوىّ والحضرىّ وهو قول ابن الماجشون في رواية أبي زيد عنه فمن رأى سؤر الكلب طاهرا قال أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بغسل الإناء سبعا من ولوغه فيه عبادة لا لعلة، ومن رآه نجسا قال ما يقع به الإنقاء من الغسلات واجب للنجاسة وبقية السبع غسلات تعبد لا لعلة كالأمر في الاستنجاء ثلاثة أحجار الواجب منها ما يحصل به الإنقاء وبقية الثلاثة تعبد، ولا فرق في ذلك بين أن يحرّك لسانه أو يدخل فمه في الماء بغير تحريك خلافا لما قاله زرّوق اهـ ملخصا، وما ذكروه خاصّ بولوغ الكلب فلو لعق الإناء من غير أن يكون فيه ماء أو أدخل رجله أو سقط لعابه فيه لا يستحب غسله كما لا يندب غسل حوض ولا إراقة مائه ولا يطلب التتريب ولا يتعدّد الغسل بولوغ الكلب مرّات أو كلاب في إناء واحد قبل غسله لتداخل الأسباب كالأحداث، وغير الكلب كالخنزير لا يلحق به (قال) الحافظ في الفتح ودعوى بعض المالكية أن المأمور بالغسل من ولوغه الكلب المنهى عن اتخاذه دون المأذون فيه تحتاج إلى ثبوت تقدم النهى عن الاتخاذ على الأمر بالغسل وإلى قرينة تدلّ على أن المراد ما لم يؤذن في اتخاذه لأن الظاهر من اللام في قوله الكلب أنها للجنس أو لتعريف الماهية فيحتاج المدعي أنها للعهد إلى دليل، ومثله تفرقة بعضهم بين البدوىّ والحضرىّ، ودعوى بعضهم أن ذلك مخصوص بالكلب الكلب وأن الحكمة في الأمر بغسله من جهة الطبّ لأن الشارع اعتبر السبع في مواضع منه كقوله صبوا علىّ من سبع قرب، وقوله من تصبح بسبع تمرات عجوة، وتعقب بأن الكلب الكلب لا يقرب الماء فكيف يؤمر بالغسل من ولوغه. وأجاب حفيد ابن رشد بأنه لا يقرب الماء بعد استحكام الكلب منه أما في ابتدائه فلا يمتنع. وهذا التعليل وإن كان فيه مناسبة لكنه يستلزم التخصيص بلا دليل والتعليل بالتنجيس أقوى لأنه في معنى المنصوص وقد ثبت عن ابن عباس التصريح بأن الغسل من ولوغ الكلب لأنه رجس رواه محمد بن نصر المروزى بإسناد صحيح ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه. والمشهور عن المالكية أيضا التفرقة بين إناء الماء فيراق ويغسل وبين إناء الطعام فيؤكل ثم يغسل الإناء تعبدا لأن الأمر بالإراقة عام فيخص الطعام منه بالنهى عن إضاعة المال. وعورض بأن النهى عن الإضاعة مخصوص بالأمر بالإراقة. ويترجح هذا الثاني بالإجماع على إراقة ما تقع فيه النجاسة من قليل المائعات ولو عظم ثمنه فثبت أن عموم النهى عن الإضاعة مخصوص بخلاف الأمر بالإراقة وإذا ثبتت نجاسة سؤره كان أعمّ من أن يكون لنجاسة عينه أو لنجاسة طارئة كأكل الميتة مثلا لكن الأول أرجح إذ هو الأصل ولأنه يلزم على الثاني مشاركة غيره له في الحكم كالهرّة مثلا اهـ

ص: 256

(فقه الحديث) دلّ الحديث على نجاسة الكلب لأنه إذا كان لعابه نجسا وهو متولد من جسده فجسده أولى، وقد ذهب الجمهور إلى هذا ويدلّ لهم أيضا ما رواه مسلم عن أبي هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرار قالوا فلو كان سؤره طاهرا لما أمر بإراقته، ولا يقال المراد الطهارة اللغوية التي هي النظافة لأن حمل اللفظ على حقيقته الشرعية مقدّم على حمله على حقيقته اللغوية، ولا يقال أيضا إن الأمر بغسل الإناء تعبدى فلا يدلّ على نجاسته، لأن هذا بعيد عن ظاهر الحديث لقوله فيه طهور إناء أحدكم، وقال عكرمة ومالك في رواية عنه إن الكلب طاهر ودليلهم قول الله تعالى "فكلوا مما أمسكن عليكم" ولا يخلو الصيد من التلوّث بريق الكلاب ولم نؤمر بالغسل، وأجيب عنه بأن إباحة الأكل مما أمسكن لا تنافي وجوب تطهير ما تنجس من الصيد وعدم الأمر للاكتفاء بما في أدلة تطهير النجس من العموم ولو سلم فغايته الترخيص في الصيد بخصوصه، واستدلوا أيضا بما ثبت عند البخارى والمصنف من حديث ابن عمر "كانت الكلاب تقبل وتدبر زمان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك" وأخرجه الترمذي بزيادة وتبول، وردّ بأن البول مجمع على نجاسته فلا يصح حديث بول الكلاب في المسجد حجة يعارض بها الإجماع، وأما مجرّد الإقبال والإدبار فلا يدلان على الطهارة وأيضا يحتمل أن يكون ترك الغسل لعدم تعيين موضع النجاسة، أو لطهارة الأرض بالجفاف وقال المنذرى إنها كانت تبول خارج المسجد ثم تقبل وتدبر في المسجد اهـ. وقال الحافظ الأقرب أن يقال إن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الإباحة ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها، واستدلوا أيضا على الطهارة بما سيأتي من الترخيص في كلب الصيد والماشية والزرع، وأجيب بأنه لا منافاة بين الترخيص وبين الحكم بالنجاسة، غاية الأمر أنه تكليف شاق وهو لا ينافي التعبد به، أفاده الشوكاني، ودلّ الحديث أيضا على نجاسة ما ولغ فيه الكلب. وعلى وجوب غسله سبع مرات، وتقدّم الخلاف فيه. وعلى أن حكم النجاسة يتعدّى عن محلها إلى ما يجاوره إذا كان مائعا.

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد ومسلم والدارقطني والطحاوى والبيهقي

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ قَالَ أَيُّوبُ، وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ: عَنْ مُحَمَّدٍ.

(ش) أى مثل رواية هشام بن حسان قال أيوب السختياني وحبيب بن الشهيد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، أما رواية أيوب فقد وصلها المصنف بعد، وأما رواية حبيب بن الشهيد فلم نقف على من وصلها (وأيوب) هو ابن أبي تميمة كيسان أبو بكر السختياني البصرى

ص: 257

مولى جهينة. روى عن عمرو بن سلمة وسعيد بن جبير والزهرى وعكرمة وغيرهم. وعنه يحيى بن أبي كثير والسفيانان والحمادان ومالك وجماعة، قال شعبة كان سيد الفقهاء وقال سفيان بن عيينة ما لقيت مثله في التابعين وقال ابن سعد كان ثقة ثبتا حجة جامعا كثير العلم عدلا وقال مالك كان من العالمين كتبت عنه لما رأيت من إجلاله للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ووثقه النسائي والدارقطني وابن معين وكثيرون، ولد سنة ست أو ثمان وسبعين. وتوفي سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له الجماعة

(قوله وحبيب بن الشهيد) أبو محمد الأزدى البصرى روى عن الحسن وعطاء وعكرمة وأبي إسحق السبيعى وغيرهم. وعنه الثورى وحماد بن سلمة وشعبة ويحيى بن سعيد وآخرون. وثقه أحمد والنسائي والعجلى والدارقطني وابن معين وأبو حاتم، توفي سنة خمس وأربعين ومائة وهو ابن ست وستين سنة. روى له الجماعة.

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا الْمُعْتَمِرُ يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ، ح ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ، وَلَمْ يَرْفَعَاهُ زَادَ:«وَإِذَا وَلَغَ الْهِرُّ غُسِلَ مَرَّة»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله المعتمر يعني ابن سليمان) بن طرخان بفتح الظاء المهملة وكسرها أبو محمد التميمي البصرى. روى عن عاصم الأحول ومنصور وحميد وشعبة وغيرهم. وعنه ابن المبارك وأحمد بن حنبل والثورى وهو أكبر منه وسعيد بن منصور وآخرون وثقه ابن سعد وأبو حاتم وابن معين والعجلى وقال ابن خراش صدوق يخطئُ إذا حدّث من حفظه وإذا حدّث من كتابه فهو ثقة وقال يحيى القطان إذا حدّثكم المعتمر بشئ فاعرضوه فإنه سيئُ الحفظ وقال أحمد ما كان أحفظ المعتمر بن سليمان قلما كنا نسأله عن شيء إلا عنده فيه شئ وذكره ابن حبان في الثقات. ولد سنة ست ومائة، وتوفي سنة سبع وثمانين ومائة بالبصرة. روى له الجماعة

(قوله محمد بن عبيد) بن حساب بكسر أوله وتخفيف السين المهملة وآخره موحدة الغبرى بضم الغين المعجمة وفتح الموحدة البصرى. روى عن حماد بن زيد وأبي عوانة وجعفر بن سليمان وعبد الوارث بن سعيد وغيرهم. وعنه مسلم وأبو داود وأبو يعلى الموصلى وأبو زرعة، قال النسائي ثقة وقال أبو داود حجة وقال أبو حاتم صدوق. توفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين

(قوله جميعا) حال من المعتمر وحماد أى حال كون كل منهما يرويه عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين

(قوله بمعناه) أى بمعنى الحديث السابق، ولفظه عند الترمذى من طريق المعتمر قال سمعت أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى

ص: 258

عليه وعلى آله وسلم قال يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرّات أولاهنّ أو أخرّاهن بالتراب وإذا ولغت فيه الهرّة غسل مرّة اهـ وقد ذكره الطحاوى وقال فيه أولاهنّ بالتراب بدون شك، وأخرجه البيهقي من طريق ابن عيينة عن أيوب وفيه أولاهنّ أو أخراهنّ بتراب ولم يذكرا ولوغ الهرّ

(قوله ولم يرفعاه) أى لم يرفع المعتمر وحماد بن زيد الحديث إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل وقفاه على أبي هريرة، وفى نسخة ولم يرفعه، أى من ذكر وقد رفعه الترمذى والطحاوى من طريق المعتمر وكذا البيهقي من طريق ابن عيينة عن أيوب كما علمت، أما رواية حماد بن زيد فقد أخرجها الدارقطني موقوفا على أبي هريرة قال في الكلب يلغ في الإناء يهراق ويغسل سبع مرات قال الدارقطني صحيح

(قوله وإذا ولغ الهرّ غسل مرة) الهر بكسر الهاء وشدّ الراء القط جمعه هررة كقردة والأنثى هرّة وجمعها هرر مثل قربة وقرب قال المنذرى عن البيهقي أدرجه (يعني قوله وإذا ولغ الهرّ الخ) بعض الرواة في حديثه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ووهموا فيه والصحيح أنه (أى الحديث) في ولوغ الكلب مرفوع وفي ولوغ الهرّة موقوف.

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب غسل ما ولغ فيه الهرّ للنظافة لأنه لا يتحاشى النجاسة لا لنجاسة لعابه كما يدلّ عليه الحديث الآتي في باب سؤر الهرّ. وبه استدلت الحنفية على نجاسة سؤر الهرِّ البرّى لأنه من سباع البهائم ولعابها نجس كلبنها لتولدهما من اللحم النجس فأخذا حكمه. واستدلوا أيضا بما رواه الطحاوى عن عطاء عن أبي هريرة في الإناء يلغ فيه الكلب أو الهرّ قال يغسل ثلاث مرار وحملوا الحديث الآتي على الأهلىّ.

(من روى الحديث أيضا) رواه الطحاوى والترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نحو هذا ولم يذكر فيه إذا ولغت فيه الهرّة غسل مرّة، قال الزيلعى قال في التنقيح وعلة الحديث أن مسدّدا رواه عن المعتمر فوقفه فرواه عنه أبو داود وقد رفعه سوّار عن المعتمر كما في الترمذى (فتلخص) أنه اختلف في رفعه ووقفه واعتمد التزمذى في تصحيحه على عدالة الرجال عنده ولم يلتفت لوقف من وفقه وكذا رجح رفعه الطحاوى لما ذكر عن محمد بن سيرين أنه كان إذا حدّث عن أبي هريرة فقيل له عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال كل حديث أبي هريرة عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ورواه الدارقطني من طريق قرّة بن خالد عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طهور الإناء إذا ولغ فيه الكلب يغسل سبع مرّات الأولى بالتراب والهرة مرّة أو مرّتين، قرّة يشك، هذا صحيح اهـ ورواه الطحاوى من طريق قرّة أيضا بلفظ طهور الإناء إذا ولغ فيه الهرّ أن يغسل مرّة أو مرّتين. قرّة شك

ص: 259

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا أَبَانُ، ثَنَا قَتَادَةُ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ، حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ:«إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ، فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ»

(ش)(قوله أبان) بن يزيد

(قوله قتادة) بن دعامة

(قوله حدثه) فاعل حدّث محمد والضمير البارز عائد على قتادة

(قوله إذا ولغ) هذا هو المشهور عن أبي هريرة من رواية جمهور أصحابه عنه وهو المعروف في اللغة، والذي في الموطأ إذا شرب الكلب في إناء أحدكم بتضمين شرب معنى ولغ فعدّى بفي أو أن في بمعنى من

(قوله السابعة بالتراب) أى المرّة السابعة مصحوبة بالتراب وهذه الجملة مستأنفة لبيان محل التتريب فلا محل لها من الإعراب ولم يقع في رواية مالك التتريب ولم يثبت في شيء من الروايات عن أبي هريرة إلا عن ابن سيرين عند المصنف وغيره، على أن بعض أصحاب ابن سيرين لم يذكر التتريب، وتقدم اختلاف الروايات في محل التتريب والجمع بينها.

(من روى الحديث أيضا) رواه البيهقى والدارقطني وقال هذا صحيح

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَأَمَّا أَبُو صَالِحٍ، وَأَبُو رَزِينٍ، وَالْأَعْرَجُ، وَثَابِتٌ الْأَحْنَفُ، وَهَمَّامُ ابْنُ مُنَبِّهٍ، وَأَبُو السُّدِّيِّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رَوَوْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا التُّرَابَ.

(ش) عرض المصنف بهذا بيان من لم يذكر التتريب في حديثه وهم (أبو صالح) ذكوان السمان (وأبو رزين) مسعود بن مالك الكوفي الأسدى مولى أبي وائل. روى عن على وأبي هريرة ومعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري وغيرهم، وعنه عطاء بن السائب والزبير بن عدي وإسماعيل ابن أبي خالد وعاصم أبن أبي النجود وآخرون. قال أبو زرعة والعجلى ثقة وذكره ابن حبان في الثقاب، توفي سنة خمس وثمانين. روى له الجماعة إلا البخارى، وحديث أبي صالح وأبي رزين أخرجه مُسلم والبيهقي والنسائي، ولفظه أخبرنا على بن حجر أنا على بن مسهر عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات قال أبو عبد الرحمن لا أعلم أحدا تابع عليّ بن مسهر على قوله فليرقه. وحديث عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أخرجه الشيخان والبيهقى وابن ماجه والنسائي، ولفظه أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال اذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله

ص: 260

سبع مرات

(قوله وثابت الأحنف) بن عياض القرشى العدوى مولى عبد الرحمن ابن زيد بن الخطاب. روى عن أنس وابن عمر وابن عمرو وابن الزبير وجماعة، وعنه مالك ويحيى بن سعيد وسليمان الأحول وعمرو بن دينار وآخرون، قال أبو حاتم لا بأس به وقال النسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائي. وحديثه أخرجه النسائي ولفظه أخبرني إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج قال قال ابن جريج أخبرني زياد ابن سعد أن ثابتا مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات. وحديث همام ابن منبه أخرجه البيهقي ومسلم، ولفظه حدثنا محمد بن رافع ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات

(قوله وأبو السدّى) بضم السين وتشديد الدال المهملتين (عبد الرحمن) بن أبي كريمة. روى عن أبي هريرة، وعنه ابنه إسماعيل، ذكره ابن حبان في الثقات، وحديثه أخرجه البزّار لكن فيه التتريب كما يؤخذ من قول الحافظ في الفتح

(قوله رووه الخ) أى روى هذا الحديث كل هؤلاء المذكورين ولم يذكروا التتريب في روايتهم عن أبي هريرة، غير أنك قد علمت أن أبا السدّى ذكر في روايته التتريب على ما قاله الحافظ، وعدم ذكر هؤلاء للتتريب لا يقدح في القول بلزومه لثبوته في عدّة طرق عن أبي هريرة فقد أخرج الدارقطني بسنده إلى قتادة ويونس عن الحسن عن أبي هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات الأولى بالتراب، وأخرج أيضا بسنده عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرّات أولاهن بالتراب هذا صحيح.

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، ثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ ابْنِ مُغَفَّلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ:«مَا لَهُمْ وَلَهَا» ، فَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ، وَفِي كَلْبِ الْغَنَمِ وَقَالَ:«إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مِرَارٍ، وَالثَّامِنَةُ عَفِّرُوهُ بِالتُّرَابِ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله شعبة) بن الحجاج

(قوله أبو التياح) يزيد بن حميد

ص: 261

(قوله

(ص) مطرّف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وراء مشدّدة مكسورة ابن عبد الله بن الشخير بكسر الشين والخاء المشددة المعجمتين ابن عوف بن كعب أبو عبد الله العامرى البصرى من التابعين. روى عن عثمان بن عفان وعلى وعائشة وأبي ذرّ وغيرهم، وعنه أبو سلمة وسعيد بن يزيد ومحمد بن واسع والحسن البصرى وآخرون، قال ابن سعد ثقة له فضل وورع وعقل وأدب ووثقه العجلى وذكره ابن حبان في الثقات، ولد في حياة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتوفي سنة خمس وتسعين. روى له الجماعة

(قوله ابن مغفل) هو عبد الله

(قوله أمر بقتل الكلاب) سبب ذلك كما في صحيح مسلم عن ابن عباس عن ميمونة أن جبريل وعد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يأتيه فلم يأته فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أما والله ما أخلفني قال فظلّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يومه ذلك على ذلك ثم وقع في نفسه جرو كلب كان تحت فسطاط لنا فأمر به فأخرح ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه فلما أمسى لقيه جبريل عليه السلام فقال له قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة قال أجل ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة فأصبح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يومئذ فأمر بقتل الكلاب حتى أنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير ويترك كلب الحائط الكبير، وقيل إنما أمر بذلك تغليظا عليهم لأنهم كانوا مولعين بها، والأمر بقتل الكلاب كان أوّلا ثم نسخ في غير الكلب الأسود والعقور فقد أخرح مسلم عن جابر قال أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقتل الكلاب حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله ثم نهى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن قتلها وقال عليكم بالأسود البهيم ذى النقطتين فإنه شيطان، وعن ابن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال خمس من الدوابّ ليس على المحرم في قتلهنّ جناح الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور رواه الجماعة إلا الترمذى، وإذا جاز للمحرم فغيره بالأولى. قال القاضى عياض ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث بقتل الكلاب إلا ما استثنى وهذا مذهب مالك وأصحابه، وذهب آخرون إلى جواز اقتنائها جميعا ونسخ قتلها إلا الأسود البهيم. قال وعندى أن النهى أوّلا كان نهيا عاما عن اقتنائها جميعا والأمر بقتلها جميعا ثم نهى عن قتل ما عدا الأسود ومنع الاقتناء في جميعها إلا المستثنى، ونقل النووى عن إمام الحرمين أن الأمر بقتل الأسود البهيم كان في الابتداء وهو الآن منسوخ

(قوله ما لهم ولها) أى أىّ شئ ثبت للناس وحملهم على اقتناء الكلاب، ولفظ مسلم ما بالهم وبال الكلاب، وهذا إشارة إلى النهى عن اقتنائها، واتفقوا على أنه يحرم اقتناء الكلاب لغير حاجة كأن يقتني كلبا إعجابا بصورته أو للمفاخرة به فهذا حرام بلا خلاف، وأما الحاجة التي يجوز الاقتناء لها فقد بينت في حديث الباب ونحوه وهي الصيد وحراسة الماشية والزرع، واختلف في اقتنائه

ص: 262

لحراسة الدور وفي اقتناء الجرو ليعلم والأصح إباحته، واختلف أيضا فيمن اقتنى كلب صيد وهو لا يصيد، أفاده النواوى، وما قيل من أن قوله مالهم ولها دليل على منع قتل الكلاب ونسخه غير ظاهر لأنه لا يتناسب مع قوله فرخص في كلب الصيد الخ، وزاد في رواية لمسلم والزرع، أى يسر وسهل في اقتناء الكلاب التي تصيد والتي تحرس الغنم والزرع

(قوله والثامنة عفروه بالتراب) أى ادلكوا الإناء في الغسلة الثامنة بالتراب، يقال عفرت الإناء عفرا من باب ضرب دلكته بالعفر أى التراب وعفرته بالتثقيل مبالغة، وظاهر الحديث وجوب غسلة ثامنة وأن غسلة التراب غير الغسلات السبع بالماء، وبه قال الحسن البصرى وأحمد بن حنبل في رواية حرب الكرماني عنه، وروى عن مالك، وقد ألزم الطحاوي الشافعية بإيجاب ثماني غسلات عملا بظاهر هذا الحديث، واعتذار الشافعى بأنه لم يقف على صحة هذا الحديث لا ينفع أصحابه الذين وقفوا على صحته ولا سيما مع وصيته بأن الحديث إذا صح فهو مذهبه، وجواب البيهقي عن ذلك بأن أبا هريرة أحفظ من غيره فروايته أرجح وليس فيها هذه الزيادة مردود بأن حديث ابن مغفل مجمع على صحته وفيه زيادة والأخذ به يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس والزيادة من الثقة مقبولة، والترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع وقد تقدم بيانه، ولو سلمنا الترجيح في هذا الباب لم نقل بالتتريب أصلا لأن رواية مالك بدونه أرجح من رواية من أثبته ومع ذلك قلنا به أخذا بزيادة الثقة، أفاده الحافظ. هذا وفي بعض النسخ بعد هذا الحديث ما نصه (قال أبو داود وهكذا قال ابن مغفل) وهو غير موجود في النسخ المصرية وعلى ثبوته فلعل المصنف زاده توثيقا وتأكيدا.

(فقه الحديث) دل الحديث زيادة على ما تقدم على بيان لطف الله تعالى ورأفته بعباده حيث أباح لهم على لسان نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقتناء الكلاب للحاجة كالصيد وحراسة الماشية والزرع ومنعهم من اقتنائها لغير حاجة لما فيه من ترويع الناس ومنع الملائكة من دخول البيت ولما يترتب عليه من نقص الأجر. فعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة رواه مسلم وغيره. وعن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من اتخذ كلبا إلا كلب زرع أو غنم أو صيد ينقص من أجره كل يوم قيراط. وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم رواهما مسلم.

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه وابن منده والدارقطني والبيهقى وقال أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره فروايته أولي اهـ وردّه في الجوهر

ص: 263