الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اثنتين وخمسين ومائة. روى له البخارى وأبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه
(قوله سألت أبا العالية) هو رفيع بالتصغير ابن مهران البصرى مولى أمية امرأة من بني رياح بن يربوع حىّ من بني تميم، أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بسنتين. روى عن على وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وغيرهم، وعنه قتادة وحميد بن هلال وابن سيرين وعاصم الأحول وغيرهم، قال الحاكم هو من كبار التابعين مشهور بكنيته ووثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم حتى قال أبو القاسم اللالكائي مجمع على ثقته إلا أنه كثير الإرسال عمن أدركه وقال ابن عدي له أحاديث صالحة وأكثر ما نقم عليه حديث الضحك في الصلاة وسائر أحاديثه مستقيمة وقال العجلى ثقة من كبار التابعين. توفي سنة ثلاث وتسعين روى له الجماعة.
(معنى الأثر)
(قوله عن رجل الخ) أى عن حالة رجل جنب وليس عنده ماء مطلق يغتسل به أيجزئه أن يغتسل بالنبيذ فقال أبو العالية لا يجزئه الاغتسال به.
(من روى الأثر أيضا) رواه الدارقطني عن أبي خلدة أيضا قال قلت لأبي العالية رجل ليس عنده ماء وعنده نبيذ أيغتسل به في جنابة قال لا فذكرت له ليلة الجنّ فقال أنبذتكم هذه الخبيثة إنما كان ذلك زبيبا وماء، وأخرجه البيهقي بسنده إلى أبي العالية قال نرى نبيذكم هذا الخبيث إنما كان ماء يلقى فيه تمرات فيصير حلوا. ففي روابه الدارقطني زيادة تدلّ هي ورواية البيهقي على أن أبا العالية يرى جواز التطهر بالنبيذ ما دام رقيقا، أما إذا اشتدّ وخبث فلا يصح التطهر به.
(باب الرجل أيصلى وهو حاقن)
أى في بيان أنه هل يجوز للشخص أن يؤدى الصلاة وهو يدافعه البول، وفي معناه مدافعة الغائط أو الريح، والحاقن والحقن في الأصل الذى حبس بوله يقال حقن الرجل بوله من باب نصر حبسه فهو حاقن وحقن، والحاقب الذى حبس غائطه، وأراد المصنف بالحاقن ما يعمّ حابس الغائط والبول وبذا تتطابق الترجمة والأحاديث، وفي بعض النسخ باب الرجل يصلى وهو حقن وفي بعضها باب يصلى الرجل وهو حاقن، وكان اللائق ذكر هذا الباب مع أبواب الاستنجاء أو مع أبواب ما يكره في الصلاة كما هو ظاهر.
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زُهَيْرٌ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ، أَنَّهُ خَرَجَ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ النَّاسُ، وَهُوَ يَؤُمُّهُمْ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَقَامَ
الصَّلَاةَ، صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ قَالَ: لِيَتَقَدَّمْ أَحَدُكُمْ وَذَهَبَ إِلَى الْخَلَاءِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:«إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَذْهَبَ الْخَلَاءَ وَقَامَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيَبْدَأْ بِالْخَلَاءِ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله عن أبيه) هو عروة بن الزبير
(قوله عبد الله بن الأرقم) بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة القرشى الزهرى كتب للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم لأبي بكر وعمر، وأسلم عام الفتح. وروى عن النى صلى الله تعالى عليه وعلى آله رسلم هذا الحديث فقط وكان على بيت المال أيام عمر. روى أشهب عن مالك أن عمر بن الخطاب كان يقول ما رأيت أخشى لله من عبد الله وأخرج البغوى عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استكتب عبد الله بن أرقم، وكان يجيب عنه الملوك وبلغ من أمانته أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب ويختم ولا يقرؤه لأمانته عنده وأخرج عن عمر قال ورد على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كتاب فقال من يجيب عني فقال عبد الله بن الأرقم أنا فأجاب عنه فأتى به إليه فأعجبه وأنفذه قال عمر فأعجبني ذلك من عبد الله لم يزل ذلك له في نفسى أقول أصاب ما أراده رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى جعلته على بيت المال. وأخرج من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار أن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ استعمل عبد الله بن أرقم على بيت المال فأعطاه عثمان ثلثمائة درهم فأبى عبد الله أن يأخذها وقال إنما عملت لله وإنما أجرى على الله. روى عنه أسلم مولى عمر وعبد الله بن عتبة بن مسعود ويزيد بن قتادة وعروة بن الزبير. روى له أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه توفي في خلافة عثمان.
(معنى الحديث)
(قوله خرج حاجا أو معتمرا) أى خرج من موضعه يريد أحدهما أو هما فأو للشك أو بمعنى الواو
(قوله وهو يؤمهم) يعني في الصلاة، ولفظ البيهقي في المعرفة أنه خرج إلى مكة صحبة قوم فكان يؤمهم، وفى رواية ابن عبد البرّ من طريق حماد بن زيد إلى ابن الأرقم أنه كان يسافر فكان يؤذن لأصحابه ويؤمهم
(قوله ذات يوم) تقدّم أن ذات ظرف زمان غير متصرّف وإضافته للبيان
(قوله وذهب إلى الخلاء) أى أتى عبد الله محل قضاء الحاجة ففيه تضمين ذهب معنى أتى، وفي نسخة وذهب الخلاء، وهذه الجملة من كلام عروة بن الزبير
(قوله فإني سمعت رسول الله الخ) بيان لوجه تقديم عبد الله بعض أصحابه وتأخره عن الصلاة
(قوله إذا أراد أحدكم) الخطاب وإن كان بحسب اللفظ للحاضرين لكن الحكم عام
لأنه لا فرق في ذلك بين الحاضر وغيره والذكر والأنثى
(قوله فليبدأ بالخلاء) أى بقضاء الحاجة ليفرغ نفسه من الشواغل ثم يرجع فيصلى خاليا مما يشوّش عليه وهو حاضر القلب لأنه إذا صلى قبل فضاء حاجته لا يتفرّغ للعبادة لنقصان خشوعه واشتغال قلبه (واختلف) فيمن صلى وهو حاقن أو حاقب، فذهبت المالكية إلى أنه يعيد، ولهم في المسألة تفصيل (قال) الباجى في شرح الموطأ فإن لم ينصرف وتمادى على صلاته وبه من الحقن ما يعجله ويشغله فإن عليه الإعادة، قال مالك وأحب إليّ أن يعيد في الوقت وبعده، والدليل على ما نقوله الحديث المذكور فإنه أمر بتقديم فضاء الحاجة وفيه نهى عن تقديم الصلاة والنهى يقتضى فساد المنهيّ عنه، ومن جهة المعنى أن استدامته لمدافعة الحدث عمل كثير في الصلاة شاغل عنها يمنع استدامتها فوجب أن يكون مفسدا لها كسائر الأعمال، وذلك أنه لا يمكنه دفعه إلا باستدامة ضمّ شديد لوركيه وتكلف إمساكه بمنزلة من يحمل في الصلاة حملا ثقيلا لا يستطيعه إلا بتكلف وعمل متتابع فإنه يمنع صحة الصلاة، قال بعض أصحابنا إن ما يجده الإنسان من ذلك على ثلاثة أضرب (أحدها) أن يكون خفيفا فهذا يصلى به ولا يقطع (الثاني) أن يكون ضاما بين وركيه فهذا يقطع فإن تمادى صحت صلاته ويستحب له أن يعيد في الوقت (الثالث) أن يشغله ويعجله عن استيفائها فهذا يقطع فإن تمادى أعاد أبدا، وقال ابن القاسم القرقرة بمنزلة الحقن، وأما الغثيان فلم يجب عنه، قال القاضى أبو الوليد عندى لا تقطع له الصلاة والفرق بينه وبين الحقن أن الحقن يقدر على إزالته وأما الغثيان فمرض من الأمراض لا يقدر على إزالته فلا معنى لقطع الصلاة من أجله اهـ بحذف، والغثيان اضطراب النفس حتى تكاد تتقايأ وروى مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لا يصلين أحدكم وهو ضامّ بين وركيه قال الباجى هو نهى عن الصلاة في حال الحقن الذى يبلغ بالمصلى أن يضم وركيه من شدّة حقنه لأن في ذلك ما يشغله عن الصلاة ولا يمكنه من استيفائها، وليبدأ أولا بقضاء حاجته ثم يستقبل صلاته، وروى ابن نافع عن مالك أن من أصابه ذلك في صلاته خرج واضعا يده على أنفه كالراعف، ومعنى ذلك أنه قد يحمله خجله من الخروج من ذلك على التمادى على صلاته فإذا خرج على صفة الراعف سهل عليه ذلك وبادر إلى الخروح اهـ ومن يقول بعدم الفساد لا يسلم كون النهى يقتضى فساد المنهيّ عنه لأن النهى هنا لأمر خارج لا لذات الصلاة فلا إعادة عنده على من صلى حاقنا إن لم يترك شيئا من فرائض الصلاة بل يكره له ذلك، وإلى هذا ذهبت الحنفية والشافعية والحنابلة (قال) الطحاوى لا خلاف أنه لو شغل قلبه شئ من الدنيا لم تستحب الإعادة فكذا البول. قال أبو عمر أحسن شئ في هذا الباب حديث عبد الله بن الأرقم هذا وحديث عائشة سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا يصلى أحد بحضرة الطعام
ولا وهو يدافعه الأخبثان، رواه أبو داود، وأجمعوا على أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل الصلاة أنها تجزئه فكذلك الحاقن وإن كان يكره للحاقن صلاته كذلك فإن فعل وسلمت صلاته أجزأه وبئس ما صنع، وما روى مرفوعا لا يحلّ لمؤمن أن يصلى وهو حاقن جدّا لا حجة فيه لضعف إسناده ولو صح فمعناه أنه حاقن لم يتهيأ له إكمال صلاته على وجهها اهـ (وقال) في المنهاج وشرحه للرملى (و) تكره (الصلاة حاقنا) بالنون أى بالبول (أو حاقبا) بالباء الموحدة أى بالغائط بأن يدافع ذلك أو حازقا بالقاف أى مدافعا للريح أو حاقما بهما، بل السنة تفريغ نفسه من ذلك لأنه يخلّ بالخشوع وإن خاف فوت الجماعة حيث الوقت متسعا ولا يجوز له الخروج من الفرض بطروّ ذلك له فيه إلا إن غلب على ظنه حصول ضرر بكتمه يبيح التيمم فله حينئذ الخروج منه وتأخيره عن الوقت، والعبرة في كراهة ذلك بوجوده عند التحرّم، ويلحق به فيما يظهر ما لو عرض له قبل التحرم وعلم من عادته أن يعود له في أثنائها اهـ (وقال) في القناع وشرحه (و) يكره (ابتداؤها) أى الصلاة (حاقنا) بالنون وهو (من احتبس بوله أو حاقبا) بالموحدة وهو (من احتبس غائطه أو) ابتداؤها (مع ريح محتبسة ونحوه) أى نحو ما ذكر مما يزعجه ويشغله عن خضوع الصلاة (أو) ابتداؤها (تائقا) أى شائقا (إلى طعام أو شراب أو جماع) لما روت عائشة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان رواه مسلم، وألحق بذلك ما في معناه مما سبق ونحوه (فيبدأ بالخلاء) ليزيل ما يدافعه من بول أو غائط أو ريح (و) ويبدأ أيضا (بما تاق إليه) من طعام أو شراب أو جماع (ولو فاتته الجماعة) لما روى البخارى كان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ وإنه يسمع قراءة الإمام (ما لم يضق الوقت فلا يكره) ابتداء الصلاة كذلك (بل يجب) فعلها فبل خروح وقتها في جميع الأحوال (ويحرم اشتغاله بالطهارة إذاً) أى حين ضاق الوقت وكذا اشتغاله بأكل أو غيره لتعين الوقت للصلاة اهـ
(فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية الإمامة في السفر، وعلى أنه يستحب التكنية عما يستقبح التصريح به. وعلى أنه يطلب الخشوع في الصلاة والبعد عن كل ما ينافيه فلا يدخل فيها وهو يجد شيئا يمنعه من الخشوع. وعلى أنه ينبغى لمن فعل شيئا مستغربا أن يبين الدليل الشرعي الذى حمله على فعله. وعلى أنه يجوز للإمام إقامة الصلاة والأفضل أن يتولى الإقامة غير الإمام.
(من روى الحديث أيضا) رواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ورواه مالك والنسائي بلفظ أن عبد الله بن أرقم كان يؤم أصحابه فحضرت الصلاة يوما فذهب لحاجته ثم رجع فقال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
يقول إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة. ورواه أحمد وابن ماجه والشافعي وابن خزيمة وابن حبان
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو ضَمْرَةَ، هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرْقَمَ وَالْأَكْثَرُ الَّذِينَ رَوَوْهُ، عَنْ هِشَامٍ، قَالُوا: كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ.
(ش) غرض المصنف بهذا بيان أن الحفاظ اختلفوا في سند هذا الحديث، فمنهم من لم يذكر واسطة بين عروة وعبد الله بن أرقم، ومنهم من أثبتها وأن الأكثر على الأول، ولا منافاة لاحتمال أن عروة لم يكن مع عبد الله بن أرقم في سفره فأخبره رجل عنه بهذا الحديث ثم لقي عروة عبد الله وتلقى منه من غير واسطة فمرّة يروى هكذا ومرّة هكذا
(قوله وشعيب بن إسحاق) ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد القرشى مولاهم الدمشقى الأموى البصرى. روى عن ابن جريج وأبي حنيفة والأوزاعي والثورى وغيرهم. وعنه إبراهيم بن موسى الرازى وإسحاق بن راهويه والليث بن سعد وهو من شيوخه والحكم بن موسى وجماعة، قال أبو حاتم صدوق ثقة مأمون وقال أحمد ثقة ما أصح حديثه ووثقه النسائي وغير واحد. ولد سنة ثماني عشرة ومائة وتوفي في رجب سنة تسع وثمانين ومائة على الصحيح
(قوله وأبو ضمرة) هو أنس بن عياض ابن ضمرة الليثى المدني، روى عن الأعرج وشريك بن عبد الله والأوزاعي وابن جريج وغيرهم وعنه أحمد بن حنبل وقتيبة ومحمد بن إسحاق وابن وهب وعلى ابن المديني وآخرون. وثقه النسائي وابن عدى وابن معين وقال أبو زرعة لا بأس به وقال ابن سعد كان ثقة كثير الخطأ وقال أبو داود عن مروان كانت فيه غفلة الشاميين ووثقه ولكنه كان يعرض كتبه على الناس. ولد سنة أربع ومائة. وتوفي سنة مائتين. روى له الجماعة
(قوله حدّثه الخ) أى حدّث الرجل عروة عن عبد الله بن أرقم، فهؤلاء زادوا بين عروة وبين عبد الله بن أرقم رجلا، ورجح البخارى روايتهم، ففى تهذيب التهذيب قال الترمذى في العلل الكبير سألت محمدا "يعنى البخارى" عنه قال رواه وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل عن ابن أرقم وكان هذا أشبه عندى اهـ
(قوله والأكثر رووه الخ) أى أن أكثر الحفاظ مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وحفص بن غياث وأيوب بن موسى وحماد بن زيد ووكيع وأبي معاوية والمفضل بن فضالة ومحمد بن كنانة وغيرهم رووا حديث عبد الله بن أرقم كما قال زهير بن معاوية بلا واسطة بين عروة وعبد الله وقد أخرج الترمذى رواية أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم قال
أقيمت الصلاة فأخذ بيد رجل فقدّمه وكان إمام القوم وقال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء. وأخرج عبد الرزاق رواية أيوب بن موسى عن هشام عن عروة قال خرجنا في حج أو عمرة مع عبد الله ابن الأرقم الزهرى فأقام الصلاة ثم قال صلوا وذهب لحاجته فلما رجع قال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا أقيمت الصلاة وأراد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط فهذا الإسناد يشهد بأن رواية زهير ومالك ومن تابعهما متصلة لأن عروة سمعه من عبد الله ابن الأرقم، وابن جريج وأيوب ثقتان حافظان.
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَمُسَدَّدٌ، الْمَعْنَى قَالُوا: ثَنَا يَحْيَى ابْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي حَزْرَةَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ - قَالَ ابْنُ عِيسَى فِي حَدِيثِهِ: ابْنُ أَبِي بَكْرٍ - ثُمَّ اتَّفَقُوا أَخُو الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ - قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ فَجِيءَ بِطَعَامِهَا، فَقَامَ الْقَاسِمُ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يُصَلَّى بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله المعنى) راجع إلى روايتي مسدد وابن عيسى يعني أن ما ذكره المصنف هو لفظ أحمد ومعنى ما روى عن مسدد ومحمد بن عيسى
(قوله عن أبي حزرة) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاى اسمه يعقوب بن مجاهد القاصّ القرشى المدني مولى بني مخزوم، وأبو حزرة لقب له. روى عن عبادة بن الوليد والقاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق وعبد الرحمن بن جابر ومحمد بن كعب وغيرهم، وعنه يحيى بن سعيد الأنصارى ويحيى القطان. وحاتم بن إسماعيل وصفوان بن عيسى وآخرون، قال أبو زرعة لا بأس به ووثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان قليل الحديث وقال ابن معين هو صويلح الحديث. مات سنة تسع وأربعين أو خمسين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والبخارى في الأدب
(قوله عبد الله بن محمد) بن أبي بكر التيمى المدني. روى عن عائشة، وعنه نافع وسالم بن عبد الله، وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات، قتل يوم الحرّة في ذى الحجة سنة ثلاث وستين، وعبد الله هذا أخو القاسم بن محمد كما صرّح المصنف به بخلاف عبد الله الذى روى عنه أبو حزرة في رواية مسلم فإنه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر فهو ابن ابن عمّ القاسم لا أخوه، ولا منافاة بين رواية المصنف ورواية مسلم لأن كلا منهما من
الطبقة الثالثة يروى عن عائشة ويروى عنه أبو حزرة، وقد اشتبه الأمر على العيني ففهم أن عبد الله هنا هو الذى في رواية مسلم. لكن ينافيه تصريح المصنف بأنه أخو القاسم
(قوله قال ابن عيسى في حديثه ابن أبي بكر) أى زاد محمد بن عيسى في روايته لفظ ابن أبي بكر بعد عبد الله ابن محمد واقتصر أحمد ومسدد على ذكر عبد الله بن محمد، فقوله ابن أبي بكر صفة لمحمد، وقوله قال ابن عيسى جملة معترضة بين الصفة والموصوف
(قوله ثم اتفقوا أخو القاسم) أى اتفق أحمد ومسدد ومحمد في روايتهم فقالوا أخو القاسم بن محمد، وأخو القاسم مرفوع على أنه صفة لعبد الله
(قوله فقام القاسم الخ) سبب قيامه ما في مسلم عن ابن أبي عتيق قال تحدّثت أنا والقاسم عند عائشة حديثا وكان القاسم رجلا لحانة وكان لأم ولد فقالت له عائشة مالك لا تحدّث كما يتحدّث ابن أخى هذا أما إني قد علمت من أين أتيت هذا أدبته أمه وأنت أدبتك أمك فغضب القاسم (وأضبّ بفتحتين فموحدة مشدّدة أى حقد) عليها فلما رأى مائدة عائشة قد أتي بها قام قالت أين قال أصلى قالت اجلس قال إني أصلى قالت اجلس غدر إني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان.
(معنى الحديث)
(قوله لا يصلى بحضرة الطعام) بالبناء للمفعول، وفي نسخ بحضور الطعام، وفي رواية مسلم لا صلاة بحضرة الطعام، أى طعام تميل نفس مريد الصلاة إليه أى لا يشرع أحدكم في صلاة ولو فرضا عند حضور أى طعام تتعلق به النفس إلا بعد الأكل وأخذ النفس حاجتها من الطعام، والنفي هنا بمعنى النهى للتنزيه عند الجمهور وللتحريم عند الظاهرية وابن حزم وأبي ثور وجماعة وجزموا ببطلان الصلاة إذا قدّمت، والطعام المتيسر حضوره عن قرب كالحاضر، وهذا ما لم يضق الوقت بحيث يخاف خروج وقت الصلاة وإلا صلى وجوبا ولا يؤخرها محافظة على حرمة الوقت، هذا ما ذهب إليه الجمهور لما جاء عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا تؤخروا الصلاة لطعام ولا لغيره رواه البغوى في شرح السنة وسيأتي للمصنف، قال ابن الملك يحمل هذا الحديث على ما إذا كان متماسكا في نفسه لا يزعجه الجوع أو كان الوقت ضيقا يخاف فوته توفيقا يين الأحاديث اهـ (قال) في النيل في الصلاة بحضرة الطعام المرغوب فيه مذاهب فالجمهور على أن تقديم الأكل على الصلاة مندوب إذا كان الوقت متسعا وإلا لزم تقديم الصلاة، وحكى أبو سعيد المتولي عن بعض الشافعية أن تقديم الأكل على الصلاة مطلوب ولو ضاق الوقت، وإليه ذهب ابن حزم ونقل القاضى عياض عن أهل الظاهر أن تقديمه على الصلاة واجب إذا كان الوقت متسعا فلو قدّمها لا تصح، ونسبه الترمذى إلى أبي بكر وعمر وابن عمر وأحمد وإسحاق، ويلحق بالطعام ما كان في معناه مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع اهـ ملخصا
(قوله ولا وهو يدافعه الأخبثان)
أى ولا تصلى صلاة والحال أن مريدها يدافعه الأخبثان البول والغائط، وفي معناهما القئ والريح فلا داخلة على محذوف والواو للحال، والمدافعة إما على حقيقتها لأنهما يدافعانه بطلب خروجهما وهو يدافعهما بمنعهما من الخروج وإما بمعنى الدفع مبالغة، وما قيل من أن في هذا تقديم حق العبد على حق الله تعالى مردود بأنه ليس كذلك وإنما فيه صيانة حق الله ليدخل العبد في العبادة بقلب خاشع غير مشغول، قال الخطابي إنما أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يبدأ بالطعام لتأخذ النفس حاجتها منه فيدخل المصلى في صلاته وهو ساكن الجأش لا تنازعه نفسه شهوة الطعام فيعجله ذلك عن إتمام ركوعها وسجودها وإيفاء حقوقها وكذلك إذا دافعه البول فإنه يضيع به نحو من هذا، وهذا إذا كان في الوقت متسع فإن لم يكن بدأ بالصلاه اهـ.
(فقه الحديث) دلّ الحديث على كراهة الصلاة بحضور طعام يريد المصلى الأكل منه في الحال لاشتغال القلب به، ويلحق بهذا ما في معناه مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع في الصلاة، وعلى كراهة الصلاة حال احتياجه إلى قضاء الحاجة بولا أو غائطا.
(من روى الحديث أيضا) رواه مسلم من طريقين بلفظ تقدم وابن حبان بلفظ لا يصلي أحدكم وهو يدافع الأخبثين.
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي حَيٍّ الْمُؤَذِّنِ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ: لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ، وَلَا يَنْظُرُ فِي قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ دَخَلَ، وَلَا يُصَلِّي وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ"
(ش)(رجال الحديث)
(قوله ابن عياش) إسماعيل
(قوله حبيب بن صالح) أبو موسى الطائى الحمصى. روى عن على بن أبى طلحة وعبد الرحمن بن سابط وراشد بن سعد ويحيى بن جابر وغيرهم، وعنه بقية بن الوليد وإسماعيل بن عياش وصفوان بن عمرو وحريز بن عثمان. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه، قال أبو زرعة مشهور في بلده بالعلم والفضل وتركه الأخذ عن كل أحد ولا نعلم أحدا من أهل العلم طعن عليه ووثقه يزيد بن عبد ربه وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو داود شيوخ حريز كلهم ثقات. مات سنة سبع وأربعين ومائة
(قوله يزيد بن شريح) مصغرا الحمصى. روى عن عائشة وأبى حىّ المؤذن وأبى أمامة الباهلى وثوبان مولى
النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكعب الأحبار، وعنه حبيب بن صالح ويحيى بن جابر ومحمد بن الوليد وثور بن يزيد وآخرون، وثقه ابن حبان وقال بقية هو صالح أهل الشام. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه
(قوله الحضرمى) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء منسوب إلى حضرموت بلد بأقصى اليمن أو قبيلة، قال بعضهم المراد هنا النسبة إلى القبيلة
(قوله عن أبي حىّ) بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية هو شداد بن حىّ الحمصى الشامى. روى عن ثوبان وأبي هريرة وذى مخبر بن أخى النجاشي، وعنه راشد بن سعد ويزيد ابن شريح وشرحبيل بن مسلم، ذكره ابن حبان في أتباع التابعين. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه والبخارى في الأدب حديثا واحدا
(قوله ثوبان) بن بجدد بضم الموحدة وسكون الجيم وضم الدال المهملة الأولى ويقال ابن جحدر بفتح الجيم وسكون الحاء وفتح الدال المهملتين القرشي الهاشمى أبو عبد الله مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعة وعشرون ومائة حديث انفرد مسلم بعشرة. روى عنه معدان بن أبي طلحة وجبير بن نفير وأبو إدريس الخولاني وراشد ابن سعد وآخرون، أصله من اليمن وسبي فاشتراه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأعتقه وقال إن شئت أن تلحق بمن أنت منهم فافعل وإن شئت أن تثبت فأنت منا أهل البيت فثبت ولم يزل معه في سفره وحضره حتى توفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم خرج إلى الشام وتوطن بحمص ومات بها سنة أربع وخمسين. روى عنه المصنف أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من يتكفل لى أن لا يسأل الناس وأتكفل له بالجنة فقال ثوبان أنا فكان لا يسأل أحدا شيئا، روى له الجماعة إلا البخارى.
(معنى الحديث)
(قوله ثلاث الخ) مبتدأ سوّغ الابتداء به كونه صفة لمحذوف والتقدير خصال ثلاث أو أنه على تقدير مضاف أى ثلاث خصال، وقوله لا يحلّ لأحد أن يفعلهن جملة في محل رفع خبره والمصدر المنسبك بأن فاعل يحلّ أى لا يحلّ لأحد فعل واحدة منها والمراد بعدم الحلّ الحرمة في الثانية والكراهة في الأولى والثالثة عند الجمهور
(قوله لا يؤم الرجل) بالرفع خبر في معنى النهى، ويحتمل أن يكون مجزوما على أن لا ناهية وهذه إحدى الخصال الثلاث، ومثل الرجل المرأة للنساء عند من يجوّز إمامتها لمثلها
(قوله فيخص نفسه الخ) يصح رفعه عطفا على يؤم والمعنى لا يحسن أن يوجد منه إمامة قوم وتخصيص نفسه بالدعاء أى لا يحلّ اجتماعهما لأن في ذلك توهم حصر الخير لنفسه وحجره عن غيره، ويصح نصبه بأن مقدرة بعد الفاء في جواب النفي أو النهى على حدّ "لا يقضى عليهم فيموتوا" وفي رواية لا يؤمنّ بنون التوكيد فلا ناهية ويخص منصوب بأن مضمرة بعد الفاء في جواب النهى، وقوله دونهم أى دون
إشراكهم معه في الدعاء ولو مرّة، وهذا في نحو القنوت من كل ما يجهر به لأن القوم مأمورون فية بسماع الإمام بخلاف ما لو خص نفسه بالدعاء فيما يسرّ فيه كدعاء الاستفتاح والركوع والسجود فلا يكره لأن كل واحد منهم يدعو لنفسه فإنه المحفوظ في أدعيته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة كلها كقوله في دعاء الاستفتاح اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياى كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس "الحديث" رواه الجماعة إلا الترمذى عن أبي هريرة، وقوله في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لى رواه الجماعة إلا الترمذى عن عائشة، وقوله بين السجدتين اللهمّ اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني رواه الترمذى عن ابن عباس، وقوله في آخر الصلاة اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات اللهم إني أعوذ بك من المغرم والمأثم رواه الجماعة إلا ابن ماجه عن عائشة وقوله دبر كل صلاة اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بلك من عذاب القبر رواه البخارى والترمذى وصححه، وهذا الجمع أولى من دعوى ابن خزيمة أن حديث ثوبان موضوع، وقيل في الجمع إن المراد أن يدعو لنفسه وينفي الدعاء عنهم كما قال الأعرابي اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا، وهذا حرام
(قوله فإن فعل فقد خانهم) أى إن خص نفسه بالدعاء دونهم. فقد خانهم لأنه ضيع حقهم في الدعاء فإنهم يعتمدون على دعائه ويؤمنون جميعا اعتمادا على تعميمه فينبغى أن يشملهم بدعائه، ولأن الجماعة شرعت ليفيض كل من الإمام والمأموم الخير على صاحبه ببركة قربه من الله تعالى فمن خص نفسه فقد خان صاحبه، وإنما خص الإمام بالخيانه لأنه هو الداعي
(قوله ولا ينظر في قعر بيت) أى داخل بيت الغير ففي الترمذى لا يحلّ لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئ حتى يستأذن، وقعر الشئ في الأصل أسفله والجمع قعور مثل فلس وفلوس، والمراد هنا داخل أىّ مكان للغير مستور، وإنما نهى عن ذلك لئلا يقع نظره على عورات البيت
(قوله فإن فعل فقد دخل) أى فإن نظر في قعر البيت بلا إذن فقد صار في حكم الداخل فيه بلا إذن لأن الاستئذان إنما شرع لئلا يقع النظر على الحرام فلما نظر قبل الاستئذان فكأنه دخل البيت وصار مرتكبا إثم من دخل بلا إذن
(قوله ولا يصلى وهو حقن) بالبناء للفاعل أى لا يصلى أحد أى صلاة والحال أنه حابس بوله أو غائطه كما تقدم فهو عام لأن الفعل في معنى النكرة والنكرة إذا جاءت بعد النفي تعمّ فتدخل في الصلاة المنهى عنها صلاة فرض العين والكفاية والسنة
(قوله حتى يتخفف) بمثناة تحتية فمثناة فوقية مفتوحتين أى إلى أن يخفف نفسه بإخراج الفضلة والريح حيث أمن خروج الوقت وإنما نهى عن ذلك لأن الصلاة
مناجاة وتقرب إلى الله تعالى واشتغال عن الغير، والحاقن إن صلى بحاله فقد خان نفسه في حقها باشتغاله عن الصلاة بما حبسه، وإنما ذكر الاستئذان مع حالتي الصلاة للجمع بين مراعاة حق الله تعالى وحق العباد، وخص الاستئذان من حقوق العباد لأن من راعى أمره الدقيق راعى ما فوقه بالأولى (قال) العيني في هذا الحديث ثلاث منهيات "الأول" نهى تنزيه "الثاني" نهى تحريم "الثالث" نهى شفقة حتى لو صلى وهو حاقن صحت صلاته "فإن قيل" كيف يجوز أن يفرق بين أشياء يجمعها نظم واحد "قلت" قد جاء مثل ذلك كثيرا عند قيام دليل لبعضها بصيغة مخصوصة كما روى أنه كره من الشاة سبعا الدم والمرارة والحياء والغدّة والذكر والأنثيين والمثانة. والدم حرام بالإجماع وبقية المذكورات معه مكروهة "فإن قيل" كيف يكون ذلك هاهنا وقد نصّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله لا يحلّ لأحد أن يفعلهن "قلت" هذا خارج مخرج المبالغة في المنع. وأمثال هذا كثيرة في النصوص اهـ.
(فقه الحديث) دلّ الحديث على كراهة تخصيص الإمام نفسه بالدعاء دون المأمومين وأنه إن فعل ذلك كان خائنا لهم، وعلى تحريم النظر داخل بيت الغير قبل الإذن بالدخول وعلى نهى المحتاج إلى قضاء الحاجة عن الدخول في الصلاة قبل أن يقضى حاجته.
(من روى الحديث أيضا) رواه أحمد والترمذى وقال حديث ثوبان حديث حسن وقد روى هذا الحديث عن معاوية بن صالح عن السفر بن نسير عن يزيد بن شريح عن أبي أمامة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وروى هذا الحديث يزيد بن شريح عن أبي هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكأن حديث يزيد بن شريح عن أبي حىّ المؤذن عن ثوبان في هذا أجود إسنادا وأشهر اهـ وروى ابن ماجه الجملة الأولى في كتاب الصلاة بلفظ لا يؤمّ عبد فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم، والجملة الأخيرة في كتاب الطهارة بلفظ لا يقوم أحد من المسلمين وهو حاقن حتى يخفف "يعنى لا يصلى".
(ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ السُّلَمِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا ثَوْرٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي حَيٍّ الْمُؤَذِّنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ» - ثُمَّ سَاقَ نَحْوَهُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ قَالَ: «وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا إِلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَلَا يَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله محمود بن خالد) بن يزيد أبو على الدمشقي، روى عن أبيه وعبد الله بن كثير ويحيى بن معين وعلى بن عياش والوليد بن مسلم وغيرهم، وعنه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأبو زرعة وأبو حاتم وبقية بن مخلد وآخرون، وثقه النسائي وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال أحمد بن أبي الحوارى هو الثقة الأمين، ولد سنة ست وسبعين ومائة، ومات سنة تسع وأربعين ومائتين
(قوله السلمى) بفتح السين المهملة واللام نسبة إلى سلمية مدينة بالشام وكان محمود إمام مسجدهم فنسب إليهم
(قوله أحمد بن على) النميرى بضم النون ويقال النمرى بفتحتين، روى عن ثور بن يزيد وصفوان بن عمرو وعبيد الله بن عمرو وأرطاة بن المنذر، وعنه محمود بن خالد ويزيد بن عبد ربه ومحمد بن أبي أسامة، روى له أبو داود قال الأزدى متروك الحديث ساقط وقال الحافظ صدوق وضعفه الأزدى بلا حجة وقال أبو حاتم أرى أحاديثه مستقيمة.
(معنى الحديث)
(قوله ثم ساق نحوه الخ) أى ساق ثور بن يزيد حديثه عن يزيد ابن شريح نحو حديث حبيب بن صالح عن يزيد، وغرض المصنف بهذا بيان أن تلميذى يزيد بن شريح اختلفا في روايتهما عنه، فحبيب بن صالح ذكر في روايته قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن فإن فعل فقد دخل وثور بن يزيد ذكر بدلها قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوما إلا بإذنهم، وأنهما اتفقا في الخصلتين الأخريين في المعنى دون اللفظ
(قوله لا يحلّ لرجل الخ) أى يحرم على من صدّق بأن الله إله واحد وبأن القيامة آتية لا ريب فيها وهناك الجزاء الأوفى أن يؤم قوما إلا بإذنهم، قال الخطابي ما ملخصه: يريد أنه إذا لم يكن أقرأهم ولا أفقههم لم يجز له الاستبداد عليهم بالإمامة فأما إذا كان جامعا لأوصاف الإمامة بأن يكون أقرأهم وأفقههم فهو أحقهم بها أذنوا له أو لم يأذنوا، وقد قيل إن النهى عن الإمامة إلا بالاستئذان إنما هو إذا كان في بيت غيره. فأما في سائر البقاع فلا حاجة به إلي الاستئذان إذا وجدت فيه أوصاف الإمامة اهـ
(قوله ولا يخص نفسه بدعوة) وفي بعض النسخ لا يختص يقال خصه بشئ واختصه به أى جعله له دون غيره، والدعوة بفتح الدال المهملة الدعاء إلى الله تعالى والدعاء إلى الطعام وغيره وبكسر الدال في النسب يقال دعوته بابن زيد دعوة وقال الأزهرى الدعوة بالكسر ادعاء الولد الدعي غير أبيه اهـ
(قوله فإن فعل فقد خانهم) راجع إلى الخصلتين أى فإن أمهم بلا إذنهم واختص نفسه بدعوة دونهم فقد خانهم لأنه أضاع حقهم ومن أضاع حقا من حقوق الناس فهو خائن والخيانة من أوصاف المنافقين فلا يفعلها من يؤمن بالله واليوم الآخر (وبالحديث) استدلّ بعض الظاهرية وبعض