الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
قال المعلمي: اشتهر في هذا الباب العنعنة مع أن كلمة "عن" ليست من لفظ الراوي الذي يذكر اسمه قبلها، بل هي لفظُ مَن دونه.
وذلك كما لو قال همام: "حدثنا قتادة عن أنس" فكلمة "عن" من لفظ همام؛ لأنها متعلقة بكلمة "حدثنا" وهي من قول همام، ولأنه ليس من عادتهم أن يبتدىء الشيخ فيقول: "عن فلان
…
"، وإنما يقول: حدثنا، أو أخبرنا، أو قال، أو ذكر، أو نحو ذلك، وقد يبتدىء فيقول: "فلان
…
" كما ترى بعض أمثلة ذلك في بحث التدليس من "فتح المغيث" وغيره، ولهذا يكثر في كتب الحديث إثبات "قال" في أثناء الإسناد قبل: "حدثنا"، و"أخبرنا"، وذلك في نحو قول البخاري: "حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا يحيى بن سعيد" وكثيرًا ما تحذف فيزيدها الشراح أو قراء الحديث، ولا تثبت قبل كلمة "عن"، وتصفح إن شئت "شرح القسطلاني على صحيح البخاري".
فبهذا يتضح أنه في قول همام: "حدثنا قتادة عن أنس" لا يُدرى كيف قال قتادة، فقد يكون قال:"حدثني أنس" أو "قال أنس" أو "حدَّث أنس" أو"ذَكَر أنس" أو "سمعت أنسًا" أو غير ذلك من الصيغ التي تصرح بسماعه من أنس أو تحتمله، لكن لا يحتمل أن يكون قال:"بلغني عن أنس"؛ إذ لو قال هكذا، لزم همامًا أن يحكي لفظه أو معناه؛ كأن يقول:"حدثني قتادة عمَّن بلَّغَهُ عن أنس" وإلا كان همام مدلسًا تدليس التسوية، وهو قبيح جدًّا، وإن خف أمره في هذا المثال لما يأتي في قسم التراجم في ترجمة الحجاج بن محمد.
والمقصود هنا أنه لو قال راوٍ لم يُعرف بتدليس التسوية: "حدثني عبد العزيز بن صهيب عن أنس" كان متصلًا؛ لثبوت لقاء عبد العزيز لأنس، وأنه غير مدلس، مع أننا لا ندري كيف قال عبد العزيز، فقد يكون قال:"قال أنس" أو "ذكر أنس" أو
"حدث أنس" أو ابتدأ فقال: "أنس" فالحمل على السماع في العنعنة يستلزم الحمل على السماع في هذه الصيغ وما أشبهها، وقد صرحوا بذلك كما تراه في "فتح المغيث"(ص 69) وغيره (1).
وما ذكروه من الخلاف في كلمة "أن" إنما هو في نحو أن يجيء "عن عبد العزيز أن أنسا سأل النبي صلى الله عليه وسلم
…
" ومعلوم أن عبد العزيز لم يدرك ذلك، ومن حمله على السماع إنما مال إلى أن الظاهر أن عبد العزيز سمع القصة من أنس، فكأنه قال: "حدثني أنس أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم
…
" وفي هذا المثال لا مزية لكلمة "أن" بل لو قال عبد العزيز "سأل أنس النبي صلى الله عليه وسلم
…
" لكان هذا كقوله: "عن عبد العزيز أن أنسًا سأل
…
" بل إن كلمة "أن" في المثال ليست من لفظ عبد العزيز وإنما هي من لفظ الراوي عنه فقوله: "حدثني عبد العزيز أن أنسًا سأل" إنما تقديره: "حدثني عبد العزيز بأن أنسًا سأل" وقد يكون عبد العزيز قال: "سأل أنس" وقد يكون قال غير ذلك. والله أعلم. اهـ.
* * *
(1) قد جاءت عبارات للأئمة تدل بمنطوقها على أن لفظة: "عن" قد تكون من قول الراوي نفسه.