الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
أهميةُ الضبطِ بالكتابة، وعنايةُ المحدثين بأصلِ السماعِ، والمطالبةُ به إذا حَدَثتْ رِيبةٌ، وهل يُغمزُ الراوي حينيذٍ إذا لم يُبْرِزْهُ؟ وهل يُعذر أحيانا إذا لم يبرز بروايته أصلا
؟
• قال الشيخ المعلمي في ترجمة: أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست أبي عبد الله العلاف، رقم (37) من "التنكيل":
"اعلم أن المتقدمين كانوا يعتمدون على الحفظ، فكان النقادُ يعتمدون في النقد عدالةَ الراوي واستقامةَ حديثه، فمن ظهرت عدالتُه وكان حديثه مستقيما وثَّقُوه.
ثم صاروا يعتمدون الكتابةَ عند السماع، فكان النقادُ إذا استنكروا شيئا من حديث الراوي طالبوهُ بالأصل.
ثم بالغوا في الاعتماد على الكتابة وتقييد السماع، فشَدَّدَ النقادُ، فكان أكثرُهم لا يسمعون من الشيخ حتى يُشاهدوا أصلَهُ القديم الموثوقَ به، المقيدَ سماعُه فيه، فإذا لم يكن للشيخِ أصلٌ لم يعتمدوا عليه، وربما صرح بعضُهم بتضعيفه، فإذا ادَّعَى السماعَ ممن يستبعدون سماعَه منه كان الأمرُ أَشَدَّ، ولا ريبَ أن في هذه الحال الثالثة احتياطا بالغا.
لكن إذا عُرِفَتْ عدالةُ الرجل، وضبطُه، وصدقُه في كلامه، وادَّعى سماعا محتملا ممكنا، ولم يُبرزْ به أصلا، واعتذر بعذرٍ محتملٍ قريبٍ، ولم يأت بما يُنكَر، فبأي حُجَّةٍ يُرَدُّ خبره؟ ". اهـ.
• وفي ترجمة: محمد بن أحمد بن الحسن بن القاسم بن الغطريف أبي أحمد الجرجاني الغطريفي الحافظ، رقم (186) من "التنكيل":
قال الكوثري:
…
أنكروا عليه حديثه في إهداء الرسول صلى الله عليه وسلم جملا لأبي جهل، وكان يزعم أن فلانا وفلانا أفاداه من غير أن يخرج أصله
…
فقال الشيخ المعلمي:
"أما حديث الجمل ففي "الموطأ" في المناسك، باب: ما يجوز من الهدي: مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى جملا كان لأبي جهل بن هشام في حج أو عمرة.
وهكذا رواه الناس عن مالك، حتى رواه سويد بن سعيد عن مالك فقال: عن الزهري عن أنس عن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم
…
فأُنكر على سويد حتى قال ابن معين لما ذُكر له هذا: لو أن عندي فرسا خرجت أغزوه.
وممن رواه عن سويد: أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، فاستنكره الناس، فأبرز الصوفي أصله العتيق، ثم تبين أن جماعة رووه عن سويد كذلك.
ثم رواه الغطريفي، إما عن الصوفي كما يظهر من بعض العبارات، وإما عن ابن صاعد، وابن مظاهر عن الصوفي كما يظهر من بعضها.
قال حمزة السهمي في ترجمة الغطريفي من "تاريخ جرجان"(ص 387): وقد أنكروا على أبي أحمد الغطريفي: حيث روى حديث مالك
…
وكان يذكر أن ابن صاعد وابن مظاهر أفاداه عن الصوفي هذا الحديث ولا يبعد أن يكون قد سمع، إلا أنه لم يُخرج أصله، وقد حَدَّثَ غيرُ واحد من المتقدمين والمتأخرين هذا الحديث عن الصوفي
…
وفي "تاريخ بغداد"(ج 4 ص 83): أَخْبَرَنَا البرقاني قال: سألتُ أبا بكر الإسماعيلي عن حديثِ الصوفي
…
: أهدى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جملا لأبي جهل؟ فقال: حدثناه بحضرة ابن صاعد وابن مظاهر فاختلفا فيه
…
فأخرج الصوفي أصله العتيق فكان كما قال.
قال البرقاني: وحدثناه عن الصوفي أيضًا أبو أحمد الغطريفي كذلك وذكر القصة نحو هذا.
والإسماعيلي إمام، وكذلك البرقاني، وكان الغطريفي رفيق الإسماعيلي في الطلب، ثم كان نازلا في بيته، وروى عنه الإسماعيلي في "الصحيح" أحاديث كثيرة، وسئل عنه فقال: ما علمته إلا صواما قواما.
وكأن الذين أنكروا عليه الحديث توهموا أنه تفرد به، وقد اتضح خطأهم في ذلك.
فأما عدم إبرازه أصله فلا يضره؛ إذ قد يكون قَصَّرَ فلم يكتبه، أو كتبه وغاب عنه أصلُه، أو لم يعثر عليه حينيذٍ؛ فإنه كان مكثرا جدا". اهـ.
* * *