الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - نفي السماع لا يلزم منه انتفاء جميع صور التحمل كالإجازة والمكاتبة ونحوها:
نقل الشيخ المعلمي عن الخطيب أمورا انتقدت على ابن بطة فيما يتعلق بالرواية، فمن ذلك (1/ 353):
الثالث: ذكر الخطيب عن ابن برهان قال: وروى ابن بطة عن أحمد بن سلمان النجاد عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي نحوًا من مائة وخمسين حديثًا، فأنكر ذلك عليه علي بن محمد بن ينال، وأساء القول فيه، وقال: إن النجاد لم يسمع من العطاردي شيئًا حتى همت العامة أن توقع بابن ينال واختفى. قال: وكان ابن بطة قد خرج تلك الأحاديث في تصانيفه وضرب على أكثرها وبقي بقيتها على حاله.
فقال المعلمي:
"قد مر الكلام في ابن برهان، ولكن دخول الوهم عليه في هذا بعيد، والنجاد يقال إنه ولد سنة (253) وسمع من الحسن بن مكرم المتوفى سنة (274) ورحل إلى البصرة وسمع بها من أبي داود المتوفى سنة (275)، ووفاة العطاردي سنة (272)، فلا مانع من أن يكون النجاد قد سمع من العطاردي، فإن قبلنا ما حكاه ابن برهان عن ابن ينال فلا مانع من أن يكون للنجاد إجازة من العطاردي ولابن بطة إجازة من النجاد فروى ابن بطة تلك الأحاديث بحق الإجازة، فكان ماذا؟ فأما حكه لبعضها فلعله وجدها أو ما يغني عنها بالسماع من وجه آخر فحك ما رواه بالإجازة وأثبت السماع".
3 - لا ملازمة بين عدم التحديث وعدم اللقاء أو السماع؛ فإن كثيرا من الرواة لقوا جماعة من المشايخ وسمعوا منهم ثم لم يحدثوا عنهم بشيء:
نظر الشيخ المعلمي في سماع قيس بن سعد من عمرو بن دينار، وذلك فيما رواه مسلم من حديث سيف بن سليمان: أخبرني قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن العباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بيمين وشهادة". وهو في المسألة (15) من القسم الثاني من التنكيل (ص 165)، ودفع قول الكوثري بالانقطاع بينهما بقوله:
"وأما الانقطاع بين قيس وعمرو فلا وجه له، ولم يقله من يعتد به
…
وقيس ولد بعد عمرو ومات قبله، وكان معه في مكة وسمع كل منهما من عطاء وطاوس وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم، وكان عمرو لا يدع الخروج الى المسجد الحرام والقعود فيه إلي أن مات، كما تراه في ترجمته من (طبقات ابن سعد)، وكان قيس قد خلف عطاء في مجلسه كما ذكره ابن سعد أيضا، وسمع عمرو من ابن عباس وجابر وابن عمر وغيرهم ولم يدركهم قيس، فهل يظن بقيس أنه لم يلق عمرا وهو معه بمكة منذ ولد قيس إلى أن مات؟ أو لم يكونا يصليان في المسجد الحرام الجمعة والجماعة؟ أو لم يكونا يجتمعان في حلقة عطاء وغيره في المسجد ثم كان لكل منهما حلقة في المسجد قد لا تبعد إحدى الحلقتين عن الأخرى إلا بضعة أذرع. أو يظن بقيس أنه استنكف السماع من عمرو لأنه قد شاركه في صغار مشايخه ثم يرسل عنه إرسالا؟
…
وسبب الوهم في هذا أن الطحاوي ذكر هذا الحديث فقال: "وأما حديث ابن عباس فمنكر لأن قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء" فتوهم جماعة من -آخرهم الأستاذ الكوثري- أن الطحاوي قصد بهذا أن قيسا عن عمرو منقطع لعدم ثبوت اللقاء بناء على القول باشتراط العلم به، القول الذي رده مسلم في مقدمة (صحيحه)، ونقل إجماع أهل العلم على خلافه.
وعبارة الطحاوي لا تعطي ما توهموه فإنه ادعى أن الحديث منكر، ثم وجه ذلك بقوله:"لأن قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء" ولم يتعرض لسماعه منه ولقائه له بنفي ولا إثبات.
ولا ملازمة بين عدم التحديث وعدم اللقاء أو السماع؛ فإن كثيرًا من الرواة لقوا جماعة من المشايخ وسمعوا منهم ثم لم يحدثوا عنهم بشيء.
فإن قيل: إنما ذاك لاعتقادهم ضعف أولئك المشايخ، وعمرو لم يستضعفه أحد.
قلت: بل قد يكون لسبب آخر، كما امتنع ابن وهب من الرواية عن المفضل بن فضالة القتباني لأنه قضى عليه بقضية، وامتنع مسلم من الرواية عن محمد بن يحيى الذهلي لما جرى له معه في شأن اختلافه مع البخاري.
فكأن الطحاوي رأى أن قيس لو كان يروي عن عمرو لجاء من روايته عنه عدة أحاديث؛ لأن عَمرًا كان أقدم وأكبر وأجل، وقد سمع من الصحابة، وحديثه كثيرٌ مرغوب فيه، وكان قيس معه بمكة منذ ولد، فحدس الطحاوي أن قيسًا كان ممتنعًا من الرواية عن عمرو، فلما جاء هذا الحديث استنكره كما قد نستنكر أن نرى حديثًا من رواية ابن وهب عن المفضل، أو من رواية مسلم عن محمد بن يحيى. فإن قيل: فقد يكون لاستنكاره خشي انقطاعه.
قلت: كيف يبنى على ظن امتناع قيس من الرواية عن عمرو نفسه أن يحمل هذا الحديث على أنه أرسله عنه؟ بل المعقول أنه إذا امتنع من الرواية عنه نفسه كان أشد امتناعًا من أن يروي عن رجل عنه، فضلًا عن أن يرسل عنه -أو بعبارة أخرى- يدلس، وقيس غير مدلس.
فإن قيل: فعلى ماذا يحمل؟
قلت: أما الطحاوي فكأنه خشي أن يكون سيف وهو راوي الحديث عن قيس - أخطأ في روايته عن قيس عن عمر.
فإن قيل: فهل تقبلون هذا من الطحاوي؟
قلت: لا؛ فإن أئمة الحديث لم يعرجوا عليه، هذا البخاري مع استبعاده لصحة الحديث فيما يظهر إنما حدس أن عمرًا لم يسمعه من ابن عباس، وذلك يقضي أن الحديث عنده ثابت عن عمرو، وهذا مسلم أخرج الحديث في (صحيحه)، وثبته النسائي وغيره. وليس هناك مظنة للخطأ، وسيف ثقة ثبت لو جاء عن مثله عن ابن وهب عن المفضل بن فضالة، أو عن مسلم عن محمد بن يحيى لوجب قبوله، لأن