المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابعفي عدالة التابعين - النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد - جـ ٣

[إبراهيم بن سعيد الصبيحي]

فهرس الكتاب

- ‌الْقسم الثالث«القواعد النظرية والاستقرائية التي بنى عليها المعلمي منهجه في النقد»

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأولفي فصول نافعة في السنة وأهلها، وعناية الأئمة بها، ومدح أصحاب الحديث، وذم مخالفيهم من أهل الكلام والرأي

- ‌الفصل الأولفي تعريف "السنة

- ‌الفصل الثانيفي منزلة السنة من الدين

- ‌الفصل الثالثكتابة الحديث في العهد النبوي، وأسباب عدم انتشار ذلك حينئذٍ، والاستدلال بحفظ الله تعاله للسنة على دحض شبهات المخالف

- ‌الفصل الرابعتحقيق المقال في الأحاديث الواردة في النهى عن كتابة الحديث

- ‌الفصل الخامسعناية الأئمة بحفظ السنة واحتياطهم البالغ في نقد الرواة والأخبار

- ‌الفصل السادسفي الانتصار لأصحاب الحديث، وبيان مراعاتهم للعقل في نقد الأسانيد والمتون، وذم ما عليه المتكلمون والمتفلسفون لخوضهم في غوامض المعقول

- ‌الفصل السابعفي بيان بعض ما انتقد على أهل الرأي والكلام والكُتَّاب العصريين في دفع الصحيح من المرويات وقدح الثقات من الرواة وغير ذلك

- ‌الفصل الثامنفي رفع الإشكال عن كلمات في ذم الحديث وطلبته خرجت من أصحابها دون قصد ظاهرها

- ‌الفصل التاسعالإشارة إلى إعراض كثير من الناس في العصور المتأخرة عن هذا العلم العظيم، ووجوب تسليم مَن دون أئمة الحديث لهم في معرفة المقبول من المردود

- ‌الباب الثانيفي قواعد نقد الخبر وشرائط قبول الحديث

- ‌الفصل الأولالقواعد النظرية ومنزلتها من النقد

- ‌الفصل الثانيمراتب نقد الخبر، وشرائط قبول الحديث

- ‌المرتبة الأولى: النظر في أحوال رجال سنده واحدًا واحدًا

- ‌الشرط الأول: الإسلام

- ‌الشرط الثاني: البلوغ

- ‌الشرط الثالث: العقل

- ‌الشرط الرابع: العدالة

- ‌المبحث الأولفي معنى العدالة

- ‌المبحث الثانيفي ذكر بعض شروط تحقيق العدالة

- ‌المبحث الثالثفي عدالة الصحابة

- ‌المبحث الرابعفي عدالة التابعين

- ‌المبحث الخامسأوجه الطعن في العدالة

- ‌الوجه الأولرمي الراوي بالكذب في الحديث النبوي

- ‌المطلب الأولفي بيان حفظ الله تعالى للسنة من اختلاط الكذب ونحوه بها وأن وقوع الكذب في الرواية لا يمنع من معرفة الصدق فيها

- ‌المطلب الثانيفي ذم الكذب

- ‌المطلب الثالثفي الرواية عن الكذابين والمتروكين ونحوهم

- ‌المطلب الرابعفي رواية الأحاديث المكذوبة والباطلة والمنكرة في الكتب

- ‌المطلب الخامسفي سرقة الحديث

- ‌أولًا: المقصود بسرقة الحديث:

- ‌ثانيًا: الباعث على سرقة الحديث وقيمة معرفة ذلك:

- ‌ثالثًا: من دلائل الاتهام بسرقة الحديث:

- ‌رابعًا: بعض مسالك الكذابين والسارقين:

- ‌1 - تركيب الأسانيد على متون مسروقة:

- ‌2 - السارق يُدخل الحديثَ على من لا يُظن به الكذب ترويجًا له:

- ‌3 - الكذب على المغمورين أبعد عن الفضيحة:

- ‌4 - أمثلة للتهمة بسرقة الحديث ونظر المعلمي في ذلك:

- ‌خامسًا: السارق لا يُعتد بمتابعته:

- ‌المطلب السادسمن قواعد الحكم على الحديث بالبطلان أو الوضع، وأنه لا يلزم اشتمال إسناده على كذاب

- ‌أولا: قال الشيخ المعلمي في مقدمة الفوائد المجموعة:

- ‌ثانيًا: نماذج من تطبيق المعلمي لتلك القواعد:

- ‌الوجه الثانيأنواع من الكذب تُلحق بالكذب في الحديث النبوي

- ‌الوجه الثالثرمي الراوي بالكذب في غير الحديث النبوي

- ‌الوجه الرابعالتهمة بالكذب

- ‌الوجه الخامسخوارم المروءة

- ‌الوجه السادسالبدعة

- ‌ قال العلامة المعلمي في كتاب "الاستبصار

- ‌ وقال في "عمارة القبور

- ‌ وقال المعلمي في القاعدة الثالثة من قسم القواعد من "التنكيل

- ‌الوجه السابعالجهالة

- ‌الفائدة الأولى: مناهج بعض الأئمة في توثيق المجاهيل

- ‌الفائدة الثانية: المجهول قد يَسْقُطُ أو يُتَّهَمُ بما يرويه إذا قامت القرائن على ذلك:

- ‌الفائدة الثالثة: عدم وقوف أمثالنا على ترجمة للرجل لا يُسَوِّغُ لنا الحكم عليه بالجهالة:

- ‌الفائدة الرابعة: أمثلة لـ: "مجهول الحال

- ‌الشرط الخامس من الشروط الواجب توفرها في الراوي: الضبط

- ‌ ضبط الصدر

- ‌المسألة الأولىالأصل فى الحفظ هو حفظ الصدور

- ‌المسألة الثانيةضبط الصغير المميز

- ‌المسألة الثالثةفي بيان حد الضابط لحديثه، وهل من شرط الضابط أن لا يقع له النسيان أو الشك

- ‌المسألة الرابعةهل الضبط يتجزأ

- ‌المسألة الخامسةالأمية وأثرها في ضبط الراوي

- ‌المسأله السادسةأوجه الطعن في ضبط الراوي أو مظاهر خفة ضبط الراوي

- ‌الوجه الأولوقوع الخطأ في حديث الراوي

- ‌المطلب الأولتفاوت درجات وقوع الخطأ في حديث الراوي، وأثر ذلك في الحكم عليه بالقبول والرد

- ‌المطلب الثانيالإصرار على الخطأ وأثره في قبول الراوي

- ‌الوجه الثاني من أوجه الطعن في ضبط الراوي

- ‌المطلب الأولكبر السن أو ذهاب البصر لا يستلزم التغير، فإنا كان فإنه لا يستلزم الاختلاط الاصطلاحي

- ‌المطلب الثانيقد يتغير الرجل أو يختلط ولا يظهر له في ذلك الحال ما يُنكر عليه

- ‌المطلب الثالثرواية حاكي الاختلاط عن المختلط هل يُعتد بها

- ‌الوجه الثالث من أوجه الطعن في الضبط: قبول التلقين

- ‌المطلب الأولمعنى التلقين وعلاقته بالوضع ونحوه

- ‌المطلب الثانيجواز التلقين على سبيل الامتحان مع بيان ذلك في المجلس وأن الشيخ يسقط بكثرة قبوله له

- ‌المطلب الثالثالإعلال باحتمال وقوع التلقين ممن جُرِّبَ عليه ذلك

- ‌الوجه الرابع من أوجه الطعن في الضبط: الإدخال في حديث الراوي

- ‌المطلب الأولالإدخال القادح وغير القادح

- ‌المطلب الثانيشأن من أُدخلت عليه أحاديث ألا يُقبل منه إلا ما رواه عنه متثبت ينظر في أصول كتبه

- ‌المطلب الثالثقد يسقط الرجل إذا حدث بأحاديث أدخلت عليه

- ‌الوجه الخامس من أوجه الطعن في الضبط: الغفلة

- ‌الوجه السادس من أوجه الطعن في الضبط: النسيان

- ‌ ضبط الكتاب

- ‌المطلب الأولأهميةُ الضبطِ بالكتابة، وعنايةُ المحدثين بأصلِ السماعِ، والمطالبةُ به إذا حَدَثتْ رِيبةٌ، وهل يُغمزُ الراوي حينيذٍ إذا لم يُبْرِزْهُ؟ وهل يُعذر أحيانا إذا لم يبرز بروايته أصلا

- ‌المطلب الثانيصحة كتاب الراوي تغني عن النص على ضبطه إذا كان صدوقا

- ‌المطلب الثالثهل تصح رواية الراوي من غير أصله إذا وثق به

- ‌المطلب الرابعهل الروايةُ من أصلٍ موثوقٍ فيه موثوقٍ أمتنُ أم الرواية من الحفظ

- ‌المطلب الخامستقديم المفضول على الفاضل في شيخٍ لروايته عنه من أصله

- ‌المطلب السادسرواية أهل الثبت والتحري عمن في أصوله سُقْمٌ واضطراب ونحو ذلك

- ‌المطلب السابعوقع الخطأ في الحداثة وبقاؤه في الأصل العتيق للشيخ

- ‌المطلب الثامنضياع الكتب أو دفنها وأثر ذلك على ضبط الراوي

- ‌المطلب التاسعرواية الضرير من كتبه

- ‌المطلب العاشرفوائد تتعلق بالنُسَخِ والأصولِ، وذِكْرِ التسميعات والتصحيحات، وعادة المحدثين في كتابة السماع في كل مجلس، وكيف تصح رواية الحفاظ المتأخرين للكتب الستة ونحوها

- ‌كثرةُ التسميعات والتصحيحات في الأصول القديمة لا ينفي وقوع الخلل فيها

- ‌عادةُ المحدثين كتابةُ السماع في كل مجلس، وما يترتب على ذلك

- ‌استغناء أهل العلم بالوثوق بصحة النسخة عن اشتراهما صحة السند إليها

- ‌المرتبة الثانية: النظر في اتصال الخبر

- ‌المطلب الأولقضية اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين

- ‌1 - البحث الذى ذكره الشيخ المعلمي في "عمارة القبور

- ‌2 - القاعدة التاسعة من مقدمة "التنكيل" تحت عنوان: مباحث في الاتصال والانقطاع:

- ‌المبحث الأول

- ‌المبحث الثاني

- ‌المبحث الثالث

- ‌المبحث الرابع

- ‌المبحث الخامس

- ‌3 - جواب المعلمي

- ‌المطلب الثانيفوائد متفرقة تتعلق بقضية التدليس

- ‌الأولى: أثر التدليس على العدالة

- ‌الثانية: الفرق بين حدِّ التدليس والإرسال:

- ‌الثالثة: الوصف بمطلق التدليس يُحمل على أخف أنواعه وهو: تدليس الشيوخ، أما تدليس التسوية فلا بد فيه من التصريح به:

- ‌الرابعة: عنعنة المدلسين داخل "الصحيحين

- ‌الخامسة: الإعلال بالتدليس:

- ‌المطلب الثالثضرورة إجراء القواعد في نقد صيغ الأداء الواردة في الأسانيد

- ‌المطلب الرابعقضايا ومسائل تتعلق بالسماع

- ‌1 - معنى السماع بمعناه الواسع:

- ‌2 - نفي السماع لا يلزم منه انتفاء جميع صور التحمل كالإجازة والمكاتبة ونحوها:

- ‌3 - لا ملازمة بين عدم التحديث وعدم اللقاء أو السماع؛ فإن كثيرا من الرواة لقوا جماعة من المشايخ وسمعوا منهم ثم لم يحدثوا عنهم بشيء:

- ‌4 - عادة المحدثين إثبات سماع الحاضرين في مجالس السماع:

- ‌المطلب الخامسالاعتماد على النظر في سني الولادة والوفاة للرواة لبحث قضية السماع أو الإدراك لاسيما إذا لم توجد نصوص في ذلك

- ‌المطلب السادسنقد بعض صور التحمل سوى السماع

- ‌1 - الوجادة:

- ‌2 - الإجازة:

الفصل: ‌المبحث الرابعفي عدالة التابعين

‌المبحث الرابع

في عدالة التابعين

قال المعلمي في "الاستبصار"(ص 9):

"التابعي: من أدرك بعض الصحابة، ورأى بعضهم، وسمع منه سماعا يُعتد به بأن يكون السامع مميزا، وقيل بل تكفي الرؤية مع التمييز.

والذي يظهر في حديث: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم" أن الدخول في الذين يلونهم يشترط فيه زيادة على ما تقدم.

قال ابن الأثير في "النهاية" عن أبي عبيد الهروي فيه: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم" يعني: الصحابة ثم التابعين، والقرن أهل كل زمان وهو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان مأخوذ من الاقتران، وكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم، وأحوالهم، وقيل القرن: أربعون سنة، وقيل: ثمانون، وقيل: مائة".

أقول: والقول الثاني كأنه ضابط تقريبي للأول.

هذا، والقرون تتداخل -أعني أن القرن الأول إذا أخذ في النقصان أخذ الذي يليه في الزيادة، وهكذا- فقد يقال: إن قرنه صلى الله عليه وسلم بقي على الغلبة إلى تمام ثلاثين سنة من الهجرة، ثم أخذ في الضعف، وذلك حين بدأ الناس في الإنكار على أمراء عثمان، وأخذ القرنان يصطرعان، فكان بعد خمس سنين قبل عثمان، وذلك مصداق حديث البراء بن ناجية، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم:"تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما، قال: فقلت: مما بقى أو مما مضى؟ قال: مما مضى"(1).

(1) أخرجه أبو داود (4254)(2/ 454)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(2/ 236)، والبغوي في "شرح السنة"(4225)(15/ 17)، كلهم من طريق منصور عن ربعي عن البراء به.

ص: 204

وفي بعض الروايات "مما بقي"(1).

وروى شريك، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود مرفوعا:"إن رحى الإسلام ستزول بعد خمس وثلاثين، فإن اصطلحوا فيما بينهم على غير قتال يأكلوا الدنيا سبعين عاما رغدًا، وإن يقتتلوا يركبوا سنن من قبلهم"(2).

فكان لخمس وثلاثين حصر عثمان، ولم يقم الدين كما ينبغي؛ إذ لم يصطلحوا على غير قتال، بل كان هلاك (3) بالقتل والفرقة والفتنة، فكان سبيلهم سبيل الأمم الماضية من الاختلاف، ثم تمت الغلبة للقرن الثاني بعد سنوات بقتل أمير المؤمنن علي عليه السلام، ثم بتسليم ابنه الحسن الخلافة لمعاوية، وذلك مصداق حديث سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون بعد ذلك الملك"(4).

أقول: فتمت الغلبة للقرن الثاني نحو أربعين سنة من الهجرة، فثلاثون سنة فيها كانت للقرن الأول، وعشر بينه وبين الثاني، ثم تمت للقرن الثاني ثلاثون سنة لستين من الهجرة، فكانت ولاية يزيد، ثم قتل الحسين بن علي عليه السلام، وقد صح عن أبي هريرة أنه كان يتعوذ من عام الستن وإمارة الصبيان، فمات قبلها.

ثم كانت وقعة الحرف وإحراق الكعبة، ثم كان بعد السبعين رمي الكعبة بالمجانيق، وقتل ابن الزبير، واستتباب الأمر لعبد الملك.

وعلى هذا المنوال يكون انتهاء القرن الثاني سنة سبعين، وانتهاء الثالث على رأس المائة.

(1) أخرجه أحمد (1/ 393)، و (395)، وأبو نعيم في الفتن (1963)(2/ 692)، والطحاوي (2/ 236). والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/ 393) من طريق منصور بلفظ: قال عمر: أمن هذا أو من مستقبله؟ قال: من مستقبله.

(2)

أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار"(2/ 236).

(3)

مقدار كلمة غير واضحة ولعلها "فيها" كذا قال محقق "الاستبصار".

(4)

"المسند"(5/ 220، 221) والترمذي: كتاب الفتن - باب ما جاء في الخلافة ح (2225).

ص: 205

ومن أسباب الفضل للثاني والثالث أنه لم يزل فيهما بقايا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومنتهى ذلك بعد انتهاء المائة بقليل مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم قبيل موته:"أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة [منها] لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد"(1).

هذا، والظاهر أنه يدخل في القرن الأول من أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجتمع به، وكذلك من أسلم بعده بقليل، وكذا من ولد بعده بقليل، بحيث يكون منشؤه في عهد كثرة الصحابة وظهورهم؛ فإنه يقتدي بهم، ويقتبس من أخلاقهم وآدابهم حتى يستحكم خلقه على ذلك، ولا مانع من أن يكون هؤلاء في القرن الأول وإن لم يكونوا صحابة.

وعلى هذا فالدرجات تتفاوت: فمن ولد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أقرب إلى نيل خصائص القرن الأول ممن ولد بعده بخمس سنوات -مثلا- وهكذا، حتى إن من ولد بعده صلى الله عليه وسلم بخمس عشرة سنة أقرب إلى القرن الثاني، وقد يكون بعض من يولد متأخرا أمكن في خصائص القرن الأول ممن ولد متقدما لأسباب أخرى، ككثرة مجالسة أفاضل الصحابة، وقس على هذا.

ومن استحكمت قوته في عهد القرن الأول فهو منهم وإن بقي إلى القرن الثاني والثالث، وهكذا، وقد يكون هذا هو السر -والله أعلم- في الشك في أكثر روايات الحديث وكرر النبي صلى الله عليه وسلم:"ثم الذين يلونهم" مرتين أو ثلاثا، وذلك أنه بعد انتهاء قرنه ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، تبقى جماعة من أهل الثالث يعيشون في الرابع.

هذا وقد احتج بهذا الحديث على أن الظاهر في التابعن وأتباعهم العدالة، فمن لم يجرح منهم فهو عدل.

(1) أخرجه البخاري (116)(1/ 255)، و (564)(2/ 54)، و (601)(2/ 88)، ومسلم (2537)(4/ 1965) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 206

وقد يوجه ذلك بأن الخير لم يرتفع من الأمة جملة بعد تلك القرون، فثناؤه صلى الله عليه وسلم عليها، وذمُّهُ منْ بعدها إنما هو بناء على الأغلب، فكأنه يقول: إن غالب أهلها أخيار، وغالب من بعدهم أشرار، وإذا ثبت أن غالبهم أخيار فمن لم يعرف حاله منهم حمل على الغالب.

أقول: وفي هذا نظر من وجهين:

الوجه الأول: أنه قد يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم راعَى الكثرة، فيكون حاصل ذلك أن القرن الأول -وهم الصحابة ومن انضم إليهم- غالبهم عدول، والقرن الثاني نصفهم عدول، والقرن الثالث ثلثهم عدول، والثلث كثير، وأما بعد ذلك فإن العدالة تقل عن ذلك، وعلى تسليم الغلبة في القرن الثاني -أيضا- فقد يكون في الثالث التعادل، واستحقوا الثناء؛ لأن شرهم لم يكن كثر من خيرهم، بخلاف من بعدهم.

الوجه الثاني: أن الغلبة تصدق بخمسة وخمسين في المائة -مثلا- ومثل هذا لا يحصل به الظن المعتبر في أن من لم يعرف حاله من المائة فهو من الخمسة والخمسين، ولو قال المحدث: أكثر مشايخي ثقات لما كان توثيقا لمن لا يعرف حاله منهم.

وتمام هذا البحث يأتي في الكلام على المجهول - إن شاء الله تعالى. اهـ.

قال أبو أنس:

تجدر الإشارة في هذا المقام إلى ارتباط هذا المبحث بمناقشة طائفة ممن صنفوا في ثقات الرواة؛ إذ اعتمدوا على ما حكاه المعلمي من اعتبار أن الظاهر في التابعين وأتباعهم العدالة، فمن لم يجرح منهم فهو عدل.

راجع مزيدًا من إلقاء الضوء على هذه القضية في ترجمة ابن حبان من القسم السابق من هذا الكتاب.

وانظر كذلك مبحث المجهول في هذا القسم.

ص: 207

وهذه تتمات موجزة:

1 -

يأتي في تعريف التابعي أكثر ما سبق في تعريف الصحابي، فهو من التقى أو اجتمع بمن صحب النبي صلى الله عليه وسلم مسلما، واحدا أو أكثر.

وبقية تعريف الصحابي لا وجه له غالبا هنا.

ووصف التابعي منه ما هو وصف فضيلة فقط، ومنه ما هو وصف رواية. فالأول من كان صغيرا غير مميز، أو من له رؤية من البالغين لكن ليس له سماع ولا رواية، كالأعمش رأى أنسا ولم يسمع منه شيئا.

وأما الثاني فكثير.

2 -

لا شك أن التابعن يتفاوتون في القِدَمِ والفضل والعلم، وكذلك في العدالة، ليسوا على درجة واحدة، حسبما يقتضيه صنيع جمهور أهل العلم من تناولهم لهذه الطبقة بالنقد والجرح والتعديل، خلافا لمن شذ فأطلق القول بعدالتهم جميعا.

نعم، العدالة فيهم أغلبية لاعتبارات معلومة، كما شرح المعلمي، لكن الأغلبية لا تنفي وجود ما يستثنى منها.

3 -

اعتنى المحدثون بالنظر في سماع التابعين من الصحابة، وميزوا من سمع ومن لم يسمع، ومن له رؤية فقط، ومن سمع حديثا أو أحاديث قليلة وما عداه فمرسل.

والناظر في كتب المراسيل المصنفة على تراجم الرواة يرى أكثر ما فيها العناية بمرويات التابعين عن الصحابة لنقد سماعاتهم.

4 -

ممن اعتنى بذكر التابعين: مسلم، وابن سعد، وخليفة بن خياط، وأبو بكر بن البرقي، وأبو الحسن بن سميع في طبقاتهم، وفيهم من أفردهم بالتصنيف كأبي حاتم الرازي، وأبي القاسم بن منده وغيرهما.

ص: 208

5 -

المخضرمون؛ هم من أدركوا الجاهلية والإسلام، إلا أنهم لم يجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وربما أسلموا في حياته أو بعد موته، هؤلاء لهم في الرواية حكم كبار التابعين، وقد أفردهم البرهان الحلبي الحافظ في جزء سماه:"تذكرة الطالب المعلم فيمن يقال: إنه مخضرم" منهم: الأسود بن هلال المحاربي، والأسود بن يزيد النخعي، وثمامة بن حزن القشيري، وجبير بن نفير الحضرمي، وحجر بن عنبس، وربيعة ابن زرارة العتكي، وزيد بن وهب الجهني، وسعد بن إياس أبو عمرو الشيباني، وسويد بن غفلة، وشبيل بن عوف الأحمسي، وشريح بن الحارث القاضي، وشريح بن هانىء، وشقيق بن سلمة أبو وائل، وأبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب، وعبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الله الصنابحي، وعبد الرحمن بن غنم الأشعري، وعبد الرحمن بن مل أبو عثمان النهدي، وعبيدة السلماني، وعلقمة بن قيس، وعمران بن ملحان أبو رجاء العطاردي، وعمرو بن ميمون الأودي، وقيس بن أبي حازم، ومسروق بن الأجدع، والمعرور بن سويد وغيرهم.

* * *

ص: 209