الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع
الإشارة إلى إعراض كثير من الناس في العصور المتأخرة عن هذا العلم العظيم، ووجوب تسليم مَن دون أئمة الحديث لهم في معرفة المقبول من المردود
تناول العلامة المعلمي في "الأنوار"(ص 87 - 88) معنى التساهل في رواية الفضائل عند المتقدمين والمتأخرين، فقال:
"كان من الأئمة من إذا سمع الحديث لم يروه حتى يتبين له أنه صحيح أو قريب من الصحيح أو يوشك أن يصح إذا وجد ما يعضده، فإذا كان دون ذلك لم يروه البتة.
ومنهم من إذا وجد الحديث غير شديد الضعف وليس فيه حكم ولا سنة، إنما هو في فضيلة عمل متفق عليه كالمحافظة على الصلوات في جماعة ونحو ذلك، لم يمتنع من روايته، فهذا هو المراد بالتساهل في عباراتهم.
غير أن بعض من جاء بعدهم فهم منها التساهل فيما يرد في فضيلةٍ لأمر خاص قد ثبت شرعه في الجملة، كقيام ليليةٍ معينة فإنها داخلة في جملة ما ثبت من شرع قيام الليل، فبنى على هذا جواز أو استحباب العمل بالضعيف.
وقد بيَّن الشاطبي في "الاعتصام" خطأ هذا الفهم، ولي في ذلك رسالة لا تزال مسودة (1).
على أن جماعة من المحدثين جاوزوا في مجاميعهم ذاك الحد، فأثبتوا فيها كل حديث سمعوه ولم يتبين لهم عند كتابته أنه باطل.
(1) ولي في ذلك رسالة: "حكم العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال" وهي مطبوعة.
وأفرط آخرون فجمعوا كل ما سمعوا، معتذرين بأنهم لم يلتزموا إلا أن يكتبوا ما سمعوه ويذكروا سنده، وعلى الناس أن لا يثقوا بشيء من ذلك حتى يعرضوه على أهل المعرفة بالحديث ورجاله.
ثم جاء المتأخرون فزادوا الطين بلة بحذف الأسانيد.
والخلاص من هذا أسهل، وهو أن تُبَيَّنَ للناس الحقيقة، ويُرجع إلى أهل العلم والتقوى والمعرفة.
لكن المصيبة حق المصيبة إعراض الناس عن هذا العلم العظيم، ولم يبق إلا أفراد يلمّون بشيء من ظواهره، ومع ذلك فالناس لا يرجعون إليهم، بل في الناس من يمقتهم ويبغضهم ويعاديهم ويتفنن في سبهم عند كل مناسبة ويدّعي لنفسه ما يدّعي، ولا ميزان عنده إلى هواه لا غير، وما يخالف هواه لا يبالي به ولو كان في "الصحيحين" عن جماعة من الصحابة، ويحتج بما يحلو له من الروايات في أي كتاب وجد، وفيما يحتج به: الواهي والساقط والموضوع، كما ترى التنبيه عليه في مواضع من كتابي هذا، والله المستعان". اهـ
• وقال المعلمي في "التنكيل"(2/ 34):
"أئمة الحديث قد يتبين لهم في حديث من رواية الثقة الثبت المتفق عليه أنه ضعيف، وفي حديث من رواية من هو ضعيف عندهم أنه صحيح.
والواجب على مَنْ دونهم التسليمُ لهم". اهـ
قال أبو أنس:
راجع مقدمتي لهذا القسم، ففيها إشارة إلى ذلك.
* * *