المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأولالقواعد النظرية ومنزلتها من النقد - النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد - جـ ٣

[إبراهيم بن سعيد الصبيحي]

فهرس الكتاب

- ‌الْقسم الثالث«القواعد النظرية والاستقرائية التي بنى عليها المعلمي منهجه في النقد»

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأولفي فصول نافعة في السنة وأهلها، وعناية الأئمة بها، ومدح أصحاب الحديث، وذم مخالفيهم من أهل الكلام والرأي

- ‌الفصل الأولفي تعريف "السنة

- ‌الفصل الثانيفي منزلة السنة من الدين

- ‌الفصل الثالثكتابة الحديث في العهد النبوي، وأسباب عدم انتشار ذلك حينئذٍ، والاستدلال بحفظ الله تعاله للسنة على دحض شبهات المخالف

- ‌الفصل الرابعتحقيق المقال في الأحاديث الواردة في النهى عن كتابة الحديث

- ‌الفصل الخامسعناية الأئمة بحفظ السنة واحتياطهم البالغ في نقد الرواة والأخبار

- ‌الفصل السادسفي الانتصار لأصحاب الحديث، وبيان مراعاتهم للعقل في نقد الأسانيد والمتون، وذم ما عليه المتكلمون والمتفلسفون لخوضهم في غوامض المعقول

- ‌الفصل السابعفي بيان بعض ما انتقد على أهل الرأي والكلام والكُتَّاب العصريين في دفع الصحيح من المرويات وقدح الثقات من الرواة وغير ذلك

- ‌الفصل الثامنفي رفع الإشكال عن كلمات في ذم الحديث وطلبته خرجت من أصحابها دون قصد ظاهرها

- ‌الفصل التاسعالإشارة إلى إعراض كثير من الناس في العصور المتأخرة عن هذا العلم العظيم، ووجوب تسليم مَن دون أئمة الحديث لهم في معرفة المقبول من المردود

- ‌الباب الثانيفي قواعد نقد الخبر وشرائط قبول الحديث

- ‌الفصل الأولالقواعد النظرية ومنزلتها من النقد

- ‌الفصل الثانيمراتب نقد الخبر، وشرائط قبول الحديث

- ‌المرتبة الأولى: النظر في أحوال رجال سنده واحدًا واحدًا

- ‌الشرط الأول: الإسلام

- ‌الشرط الثاني: البلوغ

- ‌الشرط الثالث: العقل

- ‌الشرط الرابع: العدالة

- ‌المبحث الأولفي معنى العدالة

- ‌المبحث الثانيفي ذكر بعض شروط تحقيق العدالة

- ‌المبحث الثالثفي عدالة الصحابة

- ‌المبحث الرابعفي عدالة التابعين

- ‌المبحث الخامسأوجه الطعن في العدالة

- ‌الوجه الأولرمي الراوي بالكذب في الحديث النبوي

- ‌المطلب الأولفي بيان حفظ الله تعالى للسنة من اختلاط الكذب ونحوه بها وأن وقوع الكذب في الرواية لا يمنع من معرفة الصدق فيها

- ‌المطلب الثانيفي ذم الكذب

- ‌المطلب الثالثفي الرواية عن الكذابين والمتروكين ونحوهم

- ‌المطلب الرابعفي رواية الأحاديث المكذوبة والباطلة والمنكرة في الكتب

- ‌المطلب الخامسفي سرقة الحديث

- ‌أولًا: المقصود بسرقة الحديث:

- ‌ثانيًا: الباعث على سرقة الحديث وقيمة معرفة ذلك:

- ‌ثالثًا: من دلائل الاتهام بسرقة الحديث:

- ‌رابعًا: بعض مسالك الكذابين والسارقين:

- ‌1 - تركيب الأسانيد على متون مسروقة:

- ‌2 - السارق يُدخل الحديثَ على من لا يُظن به الكذب ترويجًا له:

- ‌3 - الكذب على المغمورين أبعد عن الفضيحة:

- ‌4 - أمثلة للتهمة بسرقة الحديث ونظر المعلمي في ذلك:

- ‌خامسًا: السارق لا يُعتد بمتابعته:

- ‌المطلب السادسمن قواعد الحكم على الحديث بالبطلان أو الوضع، وأنه لا يلزم اشتمال إسناده على كذاب

- ‌أولا: قال الشيخ المعلمي في مقدمة الفوائد المجموعة:

- ‌ثانيًا: نماذج من تطبيق المعلمي لتلك القواعد:

- ‌الوجه الثانيأنواع من الكذب تُلحق بالكذب في الحديث النبوي

- ‌الوجه الثالثرمي الراوي بالكذب في غير الحديث النبوي

- ‌الوجه الرابعالتهمة بالكذب

- ‌الوجه الخامسخوارم المروءة

- ‌الوجه السادسالبدعة

- ‌ قال العلامة المعلمي في كتاب "الاستبصار

- ‌ وقال في "عمارة القبور

- ‌ وقال المعلمي في القاعدة الثالثة من قسم القواعد من "التنكيل

- ‌الوجه السابعالجهالة

- ‌الفائدة الأولى: مناهج بعض الأئمة في توثيق المجاهيل

- ‌الفائدة الثانية: المجهول قد يَسْقُطُ أو يُتَّهَمُ بما يرويه إذا قامت القرائن على ذلك:

- ‌الفائدة الثالثة: عدم وقوف أمثالنا على ترجمة للرجل لا يُسَوِّغُ لنا الحكم عليه بالجهالة:

- ‌الفائدة الرابعة: أمثلة لـ: "مجهول الحال

- ‌الشرط الخامس من الشروط الواجب توفرها في الراوي: الضبط

- ‌ ضبط الصدر

- ‌المسألة الأولىالأصل فى الحفظ هو حفظ الصدور

- ‌المسألة الثانيةضبط الصغير المميز

- ‌المسألة الثالثةفي بيان حد الضابط لحديثه، وهل من شرط الضابط أن لا يقع له النسيان أو الشك

- ‌المسألة الرابعةهل الضبط يتجزأ

- ‌المسألة الخامسةالأمية وأثرها في ضبط الراوي

- ‌المسأله السادسةأوجه الطعن في ضبط الراوي أو مظاهر خفة ضبط الراوي

- ‌الوجه الأولوقوع الخطأ في حديث الراوي

- ‌المطلب الأولتفاوت درجات وقوع الخطأ في حديث الراوي، وأثر ذلك في الحكم عليه بالقبول والرد

- ‌المطلب الثانيالإصرار على الخطأ وأثره في قبول الراوي

- ‌الوجه الثاني من أوجه الطعن في ضبط الراوي

- ‌المطلب الأولكبر السن أو ذهاب البصر لا يستلزم التغير، فإنا كان فإنه لا يستلزم الاختلاط الاصطلاحي

- ‌المطلب الثانيقد يتغير الرجل أو يختلط ولا يظهر له في ذلك الحال ما يُنكر عليه

- ‌المطلب الثالثرواية حاكي الاختلاط عن المختلط هل يُعتد بها

- ‌الوجه الثالث من أوجه الطعن في الضبط: قبول التلقين

- ‌المطلب الأولمعنى التلقين وعلاقته بالوضع ونحوه

- ‌المطلب الثانيجواز التلقين على سبيل الامتحان مع بيان ذلك في المجلس وأن الشيخ يسقط بكثرة قبوله له

- ‌المطلب الثالثالإعلال باحتمال وقوع التلقين ممن جُرِّبَ عليه ذلك

- ‌الوجه الرابع من أوجه الطعن في الضبط: الإدخال في حديث الراوي

- ‌المطلب الأولالإدخال القادح وغير القادح

- ‌المطلب الثانيشأن من أُدخلت عليه أحاديث ألا يُقبل منه إلا ما رواه عنه متثبت ينظر في أصول كتبه

- ‌المطلب الثالثقد يسقط الرجل إذا حدث بأحاديث أدخلت عليه

- ‌الوجه الخامس من أوجه الطعن في الضبط: الغفلة

- ‌الوجه السادس من أوجه الطعن في الضبط: النسيان

- ‌ ضبط الكتاب

- ‌المطلب الأولأهميةُ الضبطِ بالكتابة، وعنايةُ المحدثين بأصلِ السماعِ، والمطالبةُ به إذا حَدَثتْ رِيبةٌ، وهل يُغمزُ الراوي حينيذٍ إذا لم يُبْرِزْهُ؟ وهل يُعذر أحيانا إذا لم يبرز بروايته أصلا

- ‌المطلب الثانيصحة كتاب الراوي تغني عن النص على ضبطه إذا كان صدوقا

- ‌المطلب الثالثهل تصح رواية الراوي من غير أصله إذا وثق به

- ‌المطلب الرابعهل الروايةُ من أصلٍ موثوقٍ فيه موثوقٍ أمتنُ أم الرواية من الحفظ

- ‌المطلب الخامستقديم المفضول على الفاضل في شيخٍ لروايته عنه من أصله

- ‌المطلب السادسرواية أهل الثبت والتحري عمن في أصوله سُقْمٌ واضطراب ونحو ذلك

- ‌المطلب السابعوقع الخطأ في الحداثة وبقاؤه في الأصل العتيق للشيخ

- ‌المطلب الثامنضياع الكتب أو دفنها وأثر ذلك على ضبط الراوي

- ‌المطلب التاسعرواية الضرير من كتبه

- ‌المطلب العاشرفوائد تتعلق بالنُسَخِ والأصولِ، وذِكْرِ التسميعات والتصحيحات، وعادة المحدثين في كتابة السماع في كل مجلس، وكيف تصح رواية الحفاظ المتأخرين للكتب الستة ونحوها

- ‌كثرةُ التسميعات والتصحيحات في الأصول القديمة لا ينفي وقوع الخلل فيها

- ‌عادةُ المحدثين كتابةُ السماع في كل مجلس، وما يترتب على ذلك

- ‌استغناء أهل العلم بالوثوق بصحة النسخة عن اشتراهما صحة السند إليها

- ‌المرتبة الثانية: النظر في اتصال الخبر

- ‌المطلب الأولقضية اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين

- ‌1 - البحث الذى ذكره الشيخ المعلمي في "عمارة القبور

- ‌2 - القاعدة التاسعة من مقدمة "التنكيل" تحت عنوان: مباحث في الاتصال والانقطاع:

- ‌المبحث الأول

- ‌المبحث الثاني

- ‌المبحث الثالث

- ‌المبحث الرابع

- ‌المبحث الخامس

- ‌3 - جواب المعلمي

- ‌المطلب الثانيفوائد متفرقة تتعلق بقضية التدليس

- ‌الأولى: أثر التدليس على العدالة

- ‌الثانية: الفرق بين حدِّ التدليس والإرسال:

- ‌الثالثة: الوصف بمطلق التدليس يُحمل على أخف أنواعه وهو: تدليس الشيوخ، أما تدليس التسوية فلا بد فيه من التصريح به:

- ‌الرابعة: عنعنة المدلسين داخل "الصحيحين

- ‌الخامسة: الإعلال بالتدليس:

- ‌المطلب الثالثضرورة إجراء القواعد في نقد صيغ الأداء الواردة في الأسانيد

- ‌المطلب الرابعقضايا ومسائل تتعلق بالسماع

- ‌1 - معنى السماع بمعناه الواسع:

- ‌2 - نفي السماع لا يلزم منه انتفاء جميع صور التحمل كالإجازة والمكاتبة ونحوها:

- ‌3 - لا ملازمة بين عدم التحديث وعدم اللقاء أو السماع؛ فإن كثيرا من الرواة لقوا جماعة من المشايخ وسمعوا منهم ثم لم يحدثوا عنهم بشيء:

- ‌4 - عادة المحدثين إثبات سماع الحاضرين في مجالس السماع:

- ‌المطلب الخامسالاعتماد على النظر في سني الولادة والوفاة للرواة لبحث قضية السماع أو الإدراك لاسيما إذا لم توجد نصوص في ذلك

- ‌المطلب السادسنقد بعض صور التحمل سوى السماع

- ‌1 - الوجادة:

- ‌2 - الإجازة:

الفصل: ‌الفصل الأولالقواعد النظرية ومنزلتها من النقد

‌الفصل الأول

القواعد النظرية ومنزلتها من النقد

• قال العَلّامةُ المعلمي في القاعدة "الخامسة" من مقدمة "الفوائد المجموعة"(ص 9):

"القواعد المقررة في مصطلح الحديث:

منها ما يُذكر فيه خلاف، ولا يُحقق الحق فيه تحقيقًا واضحًا، وكثيرًا ما يختلف الترجيح باختلاف العوارض التي تختلف في الجزئيات كثيرًا.

وإدراك الحق في ذلك يحتاج إلى ممارسة طويلة لكتب الحديث والرجال والعلل، مع حسن الفهم وصلاح النيّة". اهـ.

• وقال في "الأنوار الكاشفة": (ص 285 - 286):

"أما القواعد النظرية قديمها وحديثها فحقها أن تضاف بلى القواعد السندية بعد دراسة الناقد لهذه دراسة وافية وإيفائها حقها.

فأما الاقتصار على القواعد النظرية أو ترجيح غير القطعي الحقيقي منها على رواية الثقات الأثبات، أو الاستدلال به على صدق الحكايات الواهية، فضرره أكثر من نفعه.

كثيرًا ما يبلغنا حدوثُ حادثةٍ في عصرنا هذا، فنرى صحتها؛ لأننا نرى أن الأسباب تستدعيها وتكاد توجب وقوعها، ثم يتبين أنها لم تقع.

وتبلغنا واقعةٌ فنرتاب فيها، ونكاد نجزم بتكذيبها، ثم يتبين أنها وقعت، فإن قيل: إنما ذلك لخطئنا في اعتقاد أن هذا سببٌ أو مانعٌ، أو في تقدير قوته، أو لجهلنا بزماننا ومكاننا وبيئتنا، فكيف بما مضى عليه بضعة عشر قرنا؟

ص: 101

ومما يجب التنبيه له أنه قد يثبت من جهة السند نصٌ يستنكره بعض النقاد، وحَقُّ مثل هذا أن لا يبادَر إلى ردِّه، بل يمعن النظر في أمرين:

الأول: معنى النص، فقد يكون المراد منه معنى غير الذي استنكر.

الثاني: سبب الاستنكار، فكثيرا ما يجيء الخلل من قِبَلِهِ.

وقد تقضي القرائنُ وقوعَ أمرٍ سكتت عنه الروايات الصحيحة، وتَرِد روايةٌ واهيةُ السند فيها ما يؤدى ذاك الأمر في الجملة فيبادر الناقد إلى تثبيتها، وفي هذا ما فيه.

ألا ترى أنه قد يجيئك شخصٌ ضربه آخر فتسأله: لم ضربك؟ فيقول: بلا سبب. فترتاب في صدقه، فإذا جاء خصمه فقال: إنما ضربته لأنه سبني سبا شنيعا، قال: كيت وكيت، ظننتَ أنه صادقٌ في الجملة، أي أنه قد كان سبٌّ، ولكنه قد يكون دون ما ذكره الضارب بكثير.

فالصواب أن تذكر الرواية، وأنها واهية السند، ثم يقال: ولكن القرائن تقتضي أنه قد كان شيءٌ من ذاك القبيل.

هذا هو مقتضى التحقيق والأمانة". اهـ.

قال أبو أنس:

نطرح هاهنا سؤالًا مُهِمًّا، ونحاول الجواب عنه؛ تَتِمَّةً لهذا الموضوع، وهو:

مِنْ أين تُؤْخَذُ القواعدُ النظريةُ في هذا الفن؟ وكيف يُفهم التطبيقُ العَمَليّ لها؟

فأقول، وبالله تعالى التوفيق:

أما الشِّقُّ الأول من السؤال؛ فلا يختلف ناظران ولا باحثان في علمٍ من العلوم أو فَنٍّ من الفنون أن لِكُلٍّ رجالًا يُؤْخَذُ عنهم حدودُه وأقسامُه، ومعاني مصطلحاته، وغير ذلك مما لا يقوم إلا به.

وهؤلاء الرجال يتعاقبون جيلًا بعد جيلٍ، يضع الأوائل منهم قواعدَه وأصولَه، ويُبَيِّنُون أُسسَهُ ومبادئه، ويحدُّون ضوابطَه، ثم يسير مَن بَعْدهم على خُطاهم.

ص: 102

ولا شَكَّ أن تلك الأَوَّليَّة مِن بديهياتها أن يكون كلامُ السابقين: منتشرًا في ثنايا الكتب؛ ليس مجموعًا في مكانٍ واحدٍ، قليلًا بحسب ما اقتضاه السؤال والمقام، ليس كثيرًا مُتكلفًا، موجزًا مجملًا في غالب الأحيان، لا مُسهبًا مطولًا مشروحًا، معتمدًا أكثره على إشارات وإيماءات يفهمها أهل الفن في حينها، وهي كاللغة؛ فلا يحتاج الطلبة إلى تفسيرها وشرح المقصود منها.

ثم تتابع المعتنون بهذا العلم في تَأمُّل ما ورثوه عن الأوائل، محاولين جمع ما تشتت منه، وتصنيفه وتبويبه، وذكر أنواعه، وشرح ما غمض منه، فكانت الكتب المصنفة في "مصطلح الحديث" على مَرِّ العصور.

وأَلْفِتُ النظر هنا إلى أوائل ما كُتب في هذا الشأن كتابةً خاصَّةً؛ إرشادا للطالب إلى مطالعة تلك المصنفات، فهي أصل هذا العلم، وعليها المعوَّل، بالإضافة إلى تصرفات النقاد العملية في ذلك، فأقول وبالله التوفيق:

(1)

ضَمَّنَ الشافعي رحمه الله تعالى (المتوفَّى سنة 240 هـ) كتابه "الرسالة" بعض الأبحاث المتعلقة بعلم المصطلح، منها:

الصفات اللازم توفرها في خبر الخاصة كي يكون حجة، فقال:

1 -

أن يكون من حدَّث به ثقةً في دينه.

2 -

معروفًا بالصدق في حديثه.

3 -

عاقلًا لما يحدث به.

4 -

عالمًا بما يُحيلُ معاني الحديث من اللفظ.

5 -

أن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمعه، لا يحدث به على المعنى

6 -

حافظًا إن حدَّث به من حفظه.

ص: 103

7 -

حافظًا لكتابه إن حدَّث من كتابه.

8 -

إذا شرك أهل الحفظ في حديثٍ وافق حديثهم.

9 -

بريًّا من أن يكون مدلسًا يحدث عمن لقي ما لم يسمع منه.

10 -

و [بريًّا أن] يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يحدث الثقات خلافه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

11 -

ويكون هكذا مَنْ فوقه مِمَّن حدثه.

12 -

حتى ينتهي بالحديث موصولًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى من انتهى به إليه دونه. اهـ

فقد تَضمَّنَ كلامُ الشافعي ما اشتهر بعد ذلك بـ: "شروط صحة الحديث"، وهي:

• العدالة (رقم 1، 2).

• الضبط (رقم 6، 7).

• الاتصال (9، 12).

• انتفاء الشذوذ والعلة (8، 10).

ويزيد عليها ما عُرف بـ:

"دراية" المحدث لما يحدث به (3، 4).

• رواية الحديث على اللفظ دون المعنى (5).

ثم ذكر مسألة الرواية بالمعنى بشيء من التفصيل.

وذكر قبول عنعنة غير المدلس، وأن من دلّس مَرَّة فقد أبان عورته في روايته.

وأن من كثر غلطه من المحدثين، ولم يكن له أصل كتابٍ صحيح، لم يقبل حديثه.

وذكر تقديم المعروف بطلب علم الحديث وسماعه وطول مجالسة أهل التنازع فيه على من خالفه من أهل التقصير عنه.

وبيَّن طريقة الاستدلال على حفظ الراوي بموافقة أهل الحفظ فيما رَوَوْا.

ص: 104

وتكلم على الحديث المنقطع والمرسل، وذكر شروط الاحتجاج بالحديث المرسل عنده.

وكذا ذكر بعض القضايا الأصولية، كالاحتجاج بخبر الواحد، والفرق بين شروط الرواية والشهادة.

(2)

ووَضَعَ مسلمٌ (المتوفَّى سنة 261 هـ) مقدمةً لصحيحه، أبان فيها شيئًا من قواعد هذا الفن، منها:

مراتب ناقلي الأخبار، وبيَّن انقسامهم إلى ثلاثة أو أربعة مراتب:

الأولى: أهل الاستقامة في الحديث، والإتقان، وصفتهم: أنه لا يوجد في روايتهم اختلافٌ شديد، ولا تخليطٌ فاحش.

الثانية: من لم يوصف بالحفظ والإتقان، لكن اسم السِّتر والصدق وتعاطي العلم يشملهم، وهم أنزل من المرتبة الأولى.

الثالثة: قوم عند أهل الحديث أو أكثرهم مُتَّهَمُون.

الرابعة: من كان الغالب على حديثه المُنكر أو الغلط.

ثم شرح ما يُستدل به على المنكر، فقال:

"وعلامةُ المنكر في حديث المحدث: إذا ما عُرِضَتْ روايتُه للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا: خالفتْ روايتُه روايتَهم، أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك، كان مهجورَ الحديث، غيرَ مقبوله ولا مستعمله".

قال: "فلسنا نعُرج على حديث هذا الضرب ولا نتشاغل به؛ لأنَّ حُكم أهل العلم، والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما تفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك

ص: 105

الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رَوَوْا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وُجد كذلك، ثم زاد بعد ذلك شيئًا ليس عند أصحابه، قُبلتْ زيادته.

فأما مَنْ تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثُهما عند أهل الحديث مبسوطٌ مشتركٌ قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما أو عن أحدهما العَدَد من الحديث، مما لا يعرفُه أحدٌ من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبولُ حديثِ هذا الضرب من الناس".

* ثم ذكر أن الواجب على كُلِّ أحدٍ عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الغافلين لها من المتهمين، أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع.

ثم ذكر ما يدل على ذلك من القرآن.

ثم ذكر أبوابًا في:

• تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

• والنهي عن الحديث بكل ما سمع.

• والنهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها.

• وبيَّن أن الإسناد من الدين.

• ووجوب بيان ما في الرواة من الجرح حفظًا للسنة.

• والتنبيه على أن صلاح المرء في نفسه ودينه شيء، وثقته في الحديث وأخذه عنه شيء آخر، وأنه يكثر وقوع الكذب -وهو هنا بمعنى الخطأ- على لسان أهل الخير والصلاح -من غير أهل الثبت في الحديث- من غير تعمّد منهم لذلك.

• وأهمية التفتيش عن صدق الرواة وكيفية تحديثهم للحديث في الأوقات المختلفة، والنظر في كتب البعض إن احتاج الأمر وحصلت الريبة.

ص: 106

• وذمّ مجالسة القُصَّاص لكثرة تحديثهم بالغرائب والمناكير.

• وذم الرافضة وترك حديثهم.

• وكشف الذين يَدَّعون سماعاتٍ كذبًا.

• والذين يضعون كلامًا صحيح المعنى، وينسبونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذبًا.

• ومن يكذب لِيُرَوِّجَ بدعتَه.

• وأن من لا يؤتمن على دينه لا يؤتمن على الحديث.

• ومن أطلق الكذب أحيانًا بمعنى مخالفة الرواية للواقع، وإن لم يكن هناك تعمُّد.

• وكشف كذب الراوي بروايته عن شيخه ما ثبت عنه خلافه إذا تكرر منه ذلك، وبروايته الحديث الواحد مراتٍ عن شيوخ مختلفين.

• وبيان التصحيف في الأسانيد والمتون.

• وذم تدليس الشيوخ، فربما دُلِّسَ الكذاب فلا يُعرفُ.

• والعناية بمعرفة التاريخ في نقد الروايات.

• وأن جرح الرواة ليس بالغيبة المحرمة.

• وذِكْر إنصاف أهل الحديث وتقديمهم له على أهليهم، فيجرح الراوي أخاه ويبيِّن ضعفه لئلا يؤخذ عنه الحديث.

ثم قال رحمه الله:

"وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في مُتَّهَمي رواة الحديث وإخبارهم عن معايبهم كثيرٌ يطول الكتابُ بذكره على استقصائه، وفيما ذكرنا كفاية لمن تفهَّم وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبيَّنُوا.

وإنما ألزموا أنفسهم الكشفَ عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك حين سُئِلُوا؛ لما فيه من عظيم الخطر؛ إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليلٍ

ص: 107

أو تحريم أو أمرٍ أو نهي أو ترغيبٍ أو ترهيبٍ، فإذا كان الراوي لها ليس بمعدنٍ للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبيِّن ما فيه لغيره ممن جهل معرفته، كان آثمًا بفعله ذلك، غاشًا لعوام المسلمين؛ إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها، ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها، مع أن الأخبار الصحاح من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من أن يضطر إلى نقل من ليس بثقة ولا مقنع.

ولا أحسب كثيرًا ممن يعرج من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة، ويعتدّ بروايتها بعد معرفته بما فيها من التوهن والضعف إلا أن الذي يحمله على روايتها والاعتداد بها إرادة التكثر بذلك عند العوام، ولأن يقال: ما أكثر ما جمع فلان من الحديث وألَّف من العَدد.

ومَنْ ذهب في العلم هذا المذهب، وسَلك هذا الطريق فلا نصيب له فيه، وكان بأن يُسَمَّى جاهلًا أَوْلى من أن يُنسب إلى علم" اهـ

فتأمَّلْ أيها اللبيبُ عناوينَ تلك المسائل، وطالِعْها في تلك المقدمة، تحظى بعلم وافر.

ثم انتقل مسلم إلى مناقشة قضية صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن، وقد أطال في تقرير مذهبه فيها، ولعلَّ هذه القضية هي ما يستحوذ على الناظر في تلك المقدمة دون غيرها من الفوائد، ويأتي تحقيقها إن شاء الله عند الكلام على شرط الاتصال من شروط صحة الحديث، فلينظر هناك.

ولمسلم كتاب "التمييز" وهو كتاب حافلٌ، شرح فيه مسلم أنواعَ العلل والأخطاء الواقعة في الأحاديث، والقطعة التي وُجدت منه تنمُّ عن علمٍ جَمٍّ وتمكُّنٍ بالغٍ، وتعطي إشارة مجملة عن قواعد هذا الفن.

وكذا وضع مسلم أصنافًا أخرى من الكتب؛ ككتاب "العلل"، و"أوهام المحدثين"، و"أفراد الشاميين"، و"الوحدان"، و"الأفراد" وغيرها، وإن لم يبلغنا أكثر ذلك.

ص: 108

(3)

وكتب ابن أبي حاتم (المتوفَّى سنة 327 هـ) مقدمةً لكتاب "الجرح والتعديل" له، بَيَّن فيها:

وجوب التمييز بين عدول الرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والمثبت والإتقان منهم، وبَيْن أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب.

ثم بيَّن تمييز طبقات الرواة ومراتبهم إلى خمسٍ:

الأولى: أهل الحفظ والانتقاد والبحث عن الرجال، وهم أهل التزكية والجرح.

الثانية: أهل العدالة والثبت والصدق والورع والحفظ.

الثالثة: الصدوق الورع الثبت الذي يهم أحيانًا، وقد قبله النقاد، فهو يحتج بحديثه.

الرابعة: الصدوق الورع المغفل الغالب عليه الوهم والخطأ، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب ونحوه، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام.

الخامسة: مَن أَلْصَقَ نفسه بمن سبق، ودلَّسَها بينهم وليس من أهل الصدق والأمانة، فهذا يترك حديثه ويُطرح.

ثم ذكر طبقات العلماء الجهابذة النقاد، وذكر من أحوالهم ما يستدل به على مكانتهم وبراعتهم وحفظهم، وشيء من مناهجهم وطرائقهم في النقد.

ثم ذكر أبوابًا في الجرح والتعديل وشرح أحوال الرواة، منها:

• نفي تهمة الكذب عن الصحابة في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

• وأن الأخبار من الدين ووجوب التحرز والتوقي فيها.

• وأن للأخبار جهابذة نُقَّادًا. فذكر منهم:

ص: 109

إبراهيم النخعي، وقتادة، والزهري، وأيوب، ووكيع، والثوري، وشعبة، وحماد ابن زيد، ومالك، وابن عيينة، والأوزاعي، وابن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وابن المديني، وأبو زرعة.

ثم قال ابن أبي حاتم: قيل لأبي: فغير هؤلاء -يعني آخر أربعة- تعرف اليوم أحدًا؟ قال: لا.

• وأن وصف الرواة بالضعف ليس بغيبة.

• ووجوب تبيين أمر المجروح.

• وأن صحة الأسانيد خير من علوّها.

• واختيار الأسانيد، وتفضيل بعضها على بعض.

• وعدم سقوط عدالة أهل الكوفة بشرب النبيذ.

• وأنه لا يضر الراوي إذا لم يرزق الحفظ إذا اقتصر على ما في كتابه فحدث به، ولم يزد فيه، ولم ينتقص منه، ولم يقبل التلقين، وهو قول الحميدي.

• وبيان صفة من يحتمل منه الرواية في الأحكام والسنن:

1 -

فذكر وصية غير واحدٍ بأن لا يؤخذ الحديث إلا من الثقات.

2 -

وذكر قول ابن عون وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر: لا يؤخذ العلم إلا ممن شُهد له بالطلب.

3 -

وقول ابن سيرين في الأخذ من أهل السنة وترك أهل البدع.

4 -

وقول يزيد بن هارون: لا يكتب عن الرافضة؛ فإنهم يكذبون.

5 -

وأن وقوع الغلط في حديث الراوي لا يمنع من الكتابة عنه إلا إذا كان غالبًا.

6 -

وقول شعبة: خذوا العلم من المشهورين.

7 -

وقول الشافعي في "الرسالة" والذي سبق نقله قريبًا.

ص: 110

• وذِكر ما تحتمل الرواية عنه من الضعفاء في الآداب والمواعظ ونحوها.

• وبيان صفة من لا يحتمل الرواية عنه في الأحكام والسنن، فذكر:

1 -

قول من نهى عن أخذ الحديث ممن يعتمد على الصحف دون السماع.

2 -

وقول شعبة في صفة مَن يترك حديثه: إذا حدَّث عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون، وإذا أكثر الغلط، وإذا اتُّهم بالكذب وإذا روى حديثًا غلطا مجتمعًا عليه فلم يتهم نفسه فيتركه.

3 -

وقول مالك في الثقة الذي له كتاب إلا أنه لا يحفظ حديثه: أنه لا يؤخذ عنه؛ لأنه لا يؤمن عليه إذا زيد في الحديث شيء لم يعرفه.

4 -

وقوله أيضًا فيمن لا يؤخذ عنه العلم؛ قال:

رجل معلن بالسَّفَه وإن كان أروى الناس، ورجل يكذب في أحاديث الناس إذا حدَّث بذلك وإن لم يتهم أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، وشيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث به.

5 -

وذم السماع من أهل الأهواء.

6 -

وقول الحميدي في صفة الغفلة التي يرد بها حديث الرجل، قال:

أن يكون في كتابه غلط، فيقال له في ذلك فيترك ما في كتابه ويحدّث بما قالوا، أو يغيره في كتابه بقولهم؛ لا يعقل فرق ما بين ذلك، أو يصحف تصحيفًا فاحشًا فيقلب المعنى لا يعقل ذلك فيكف عنه.

وكذلك من لُقِّنَ فتلقَّن، التلقين يرد حديثه الذي لقّن فيه، وأخذ عنه ما أتقن حفظه، إذا علم أن ذلك التلقين حادثٌ في حفظه لا يعرف به قديمًا، فأما من عرف به قديمًا في جميع حديثه فلا يقبل حديثه ولا يؤمن أن يكون ما حفظ مما لُقِّن.

ص: 111

• وذكر بابًا في التيقظ في أخذ العلم والتثبت فيه، وفيه:

1 -

كلامٌ لهشام بن عروة وشعبة ويحيى بن سعيد القطان في توقيف المحدث على سماع ما يرويه من الحديث: هل سمعه ممن رواه عنه أم لا؟ ويتأكد الأمر في حَقِّ من عرف بالتدليس إذا لم يصرح بالسماع.

2 -

وقول يحيى القطان في ذم من تدفع إليه كتبه فيقرأ منها ولا يحفظها.

3 -

وقول عبد الرحمن بن مهدي: خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن: الحُكم والحديث - يعني: لا يستعمل حسن الظن في قبول الرواية عمن ليس بمرضي.

4 -

وقوله: لا يكون الرجل إمامًا مَن يسمع مِن كُلِّ أحدٍ، ولا يكون إمامًا في الحديث مَنْ يحدث بكل ما سمع، ولا يكون إمامًا في الحديث من يتبع شواذ الحديث، والحفظ هو الإتقان.

5 -

وقول مروان بن محمد فيمن أخطأه الحفظ، فرجع إلى كتب صحيحة: لم يضره.

• وذكر بابًا في رواية الثقة عن غير المطعون عليه أنها تقويه وعن المطعون عليه أنها لا تقويه.

1 -

وقال: سألت أبي عن رواية الثقات عن رجلٍ غير ثقة مما يقويه؟ قال: إذا كان معروفًا بالضعف لم تقوه روايته عنه، وإذا كان مجهولًا نفعه رواية الثقة عنه.

2 -

ونحوه عن أبي زرعة، وتعليله رواية الثوري عن الكلبي مع ضعفه عنده: بأنه كان على وجه الإنكار والتعجب، لا على وجه القبول له.

• وختم بباب في بيان درجات رواة الآثار، فذكر ثمانية مراتب:

1 -

ثقة أو متقن ثبت، فهو ممن يحتج بحديثه.

2 -

صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به، فهو ممن يكتب حديثه، وينظر فيه.

3 -

شيخ، وهذا يكتب حديثه وينظر فيه، إلا أنه دون المنزلة السابقة.

4 -

صالح الحديث، فهذا يكتب حديثه للاعتبار.

ص: 112

5 -

لين الحديث، فهو ممن يكتب حديثه، وينظر فيه اعتبارًا.

6 -

ليس بقوي، فهو بمنزلة السابق إلا أنه دونه.

7 -

ضعيف الحديث، فهو دون السابق، لا يطرح حديثه بل يعتبر به.

8 -

متروك الحديث أو ذاهب الحديث أو كذاب، فهذا ساقط الحديث، لا يكتب حديثه.

وهي عنده أربعة منازل:

رقم (1) المنزلة الأولى، ورقم (2) المنزلة الثانية، ومن (3) إلى (7) المنزلة الثالثة وهي متفاوتة، و (8) المنزلة الرابعة.

ثم ذكر قول ابن مهدي في تقسيم الرواة إلى ثلاث مراتب:

الأولى: الحافظ المتقن، وهذا لا يُختلف فيه.

الثانية: مَنْ يهم والغالب على حديثه الصحة، فهذا لا يترك حديثه.

الثالثة: من يهم والغالب على حديثه الوهم، فهذا يترك حديثه.

(4)

ثم وضع الرامهرمزي (المتوفى بعد سنة 350 هـ) كتاب "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" ذكروا أنه أول كتاب صُنِّفَ في علوم الحديث، مدحه الذهبي وقال: كتاب ينبىءُ بإمامته.

وهذا تلخيصٌ لما تعرَّض له الرامهرمزي في هذا الكتاب:

• السِّنّ الذي يصلح معه طلب الحديث، وعادة أهل الأمصار في ذلك.

• سِنُّ التحديث والامتناع منه.

• العلوّ والنزول في طلب الحديث.

• فضل الجمع بين الرواية والدراية.

ص: 113

• تقييد العلم وما يتعلق به.

• من كان يحفظ ثم يكتبه بعد ذلك، وليس في المجلس.

• الصفات الواجب توفرها فيمن يؤخذ منه الحديث.

• العرض على المحدث، والإجازة، والمناولة.

• صيغ الأداء الواردة في الأسانيد.

• قولهم: وجدت في كتاب فلان كذا وكذا.

• إصلاح اللحن والخطأ.

• الرواية بالمعنى.

• التقديم والتأخير، واختصار الحديث.

• المعارضة.

• المذاكرة.

• من كان يتهيب الرواية ويتوقاها ويكثر التشكك.

• من كره كثرة الرواية.

• من كره أن يروي أحسن ما عنده - يعني أغرب ما عنده.

• من كان يقول: مثله ونحوه، ومن كره ذلك.

• في الذي يسمع من المحدث ولا يرى وجهه.

• في الجماعة يسأل بعضهم بعضًا، ويستفهم بعضهم بعضًا في المجلس.

• الانتخاب.

• نقل السماع من الكتب أو من الحفظ بعد المجلس.

• الحك والضرب والحواشي والعلامات والنقط والشكل.

• الجمع بين الرواة.

وهي مباحث مفيدة تلفت النظر إلى قضايا حديثية مهمة في دقائق علم الإسناد والمتن.

ص: 114

(5)

ثم جاء أبو عبد الله الحاكم (المتوفى سنة 405 هـ) فوضع كتاب "معرفة علوم الحديث" وهو أوسع وأشمل ما كُتب في ذلك حتى زمانه، وهو بديعٌ في بابه، محكمٌ في تصنيفه، جوَّده الحاكم، وأكثر من أنواعه، وشرح أجناس العلل الواقعة في الأسانيد والمتون؛ ونقل عن أئمة هذا الشأن وأهل الاختصاص فيه قواعدَ جمَّة، وتقريرات مهمّة في هذا الباب.

إلا أنه: قد عاد فنقض طائفة من تلك التقريرات والتحريرات في كتابه "المستدرك"، لا سيما بعض الأنواع مثل: النوع (التاسع عشر) وهو: "معرفة الصحيح والسقيم"، الذي يقول فيه:

"إن الصحيح لا يُعرف بروايته فقط، إنما يُعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع، وليس لهذا النوع من العلم عونٌ أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة ليظهر ما يخفى من علة الحديث.

فإذا وجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم لزم صاحب الحديث التنقير عن علته، ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علته". اهـ

فقارن هذا بما قاله في صدر كتاب "المستدرك" والذي أسَّس عليه تصنيفه له.

وكذلك النوع (السابع والعشرين) في "معرفة علل الحديث"، فذكر عشرة أجناس للعلة وجعلها كالمثال لغيرها.

وقارن ذلك بما أُخذ عليه في كتابه "المستدرك" من إخراج كثير من الأخبار المعلَّة. وراجع ترجمة "الحاكم" في القسم الثاني من هذا الكتاب.

ص: 115

(6)

ثم جاء الخطيب البغدادي (المتوفى سنة 463 هـ) فوضع كتبًا شتى في مجالات علوم الحديث، أهمها "الكفاية في علم الرواية" وهو من أجمع ما كُتب في هذا الشأن، وقد اعتمد كل من أتى بعد الخطيب على كتبه المتنوعة في فنون المصطلح.

وكتاب الخطيب: "الكفاية" من أنفع ما وضع في هذا الباب، إلا أن الخطيب قد خلَط أحيانًا أقوال أهل الاختصاص من أئمة النقد بكلام غيرهم من الأصوليين والمتكلمين.

مثال ذلك ما ذكره في مسألة "زيادة الثقة"(ص 424)، حيث قال:

"باب القول في حُكم خبر العدل إذا انفرد برواية زيادةٍ فيه لم يروها غيره"، وكذلك ذكر ما اختلف فيه وصلًا وإرسالًا (ص 409) ورفعًا ووقفًا (ص 417) وذكر مذاهب الناس في ذلك، واختار قبول زيادة الثقة مطلقًا في جميع الأحوال، وكذا تقديم الوصل والرفع على الإرسال والوقف.

وقد انتقده في صنيعه هذا ابنُ رجب في "شرح علل الترمذي"(ص 428) عند الكلام على هذا النوع من الاختلاف، فقال:

"كلام أحمد وغيره من الحفاظ يدور على اعتبار قول الأوثق في ذلك والأحفظ

وذكر الحاكم أن أئمة الحديث على أن القول قول الأكثرين الذين أرسلوا الحديث، وهذا يخالف تصرفه في "المستدرك"، وقد صنَّف في ذلك الحافظ أبو بكر الخطيب مصنفًا حسنًا سماه:"تمييز المزيد في متصل الأسانيد" وقسمه قسمين:

أحدهما: ما حَكم فيه بصحة ذكر الزيادة في الإسناد وتركها.

والثاني: ما حَكم فيه برد الزيادة وعدم قبولها.

ص: 116

ثم إن الخطيب تناقض، فذكر في كتاب "الكفاية" للناس مذاهب في اختلاف الرواة في إرسال الحديث ووصله، كلها لا تُعرف عن أحدٍ من متقدمي الحفاظ، وإنما هي مأخوذة من كتب المتكلمين.

ثم إنه اختار أن الزيادة من الثقة تقبل مطلقًا، كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء، وهذا يخالف تصرفه في كتاب "تمييز المزيد". اهـ

ثم ذكر ابنُ رجب أن مراد الأئمة في قبول زيادة الثقة أحيانًا إذا كان الثقة مبرزًا في الحفظ.

قلت: هذا هو الأصل، والقبول يدور على القرائن، فربما توقفوا في زيادة بعض الحفاظ، والميزان بأيديهم، رحمة الله عليهم.

(7)

ثم جاء القاضي عياض (المتوفى سنة 544 هـ) فأخذ من ذلك بنصيب، فألَّف كتابه "الإلمام إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع"، وضَمَّنَهُ:

• ضوابط سماع الصغير.

• أنواع الأخذ والتحمل، وصحة الاحتجاج بكل منها.

• صيغ التعبير عن تلك الأنواع.

• ضوابط التحديث من الكتب، ومداخل الخلل في الاعتماد على ذلك دون الحفظ لما فيها، وتقديم صاحب الحفظ والكتاب على صاحب الكتاب فقط.

• عناية الراوي بالنقط والشكل، وأثر غياب ذلك في وقوع التصحيف والتحريف لمن لم يتقن حفظ كتابه.

• ضوابط مقابلة ومعارضة الأصول.

• آداب تناول الأصول بالإلحاقات والتصحيح والتمريض والتضبيب والضرب والحك والمحو، ونحو ذلك.

ص: 117

• تحري الرواية باللفظ، وضوابط الرواية بالمعنى.

• ضوابط تغيير اللحن والخطأ في الكتب.

• ضرورة ضبط اختلاف الروايات في الكتاب الواحد، حتى تتميز ولا تختلط على صاحبها مع طول الزمن وكبر السن، أو على الناظر في كتابه من بعده.

• كيفية رواية الشيخ أحاديثه من كتبه، وكيف يسوق إسناده في كل حديث.

• ضوابط سِنّ ابتداء التحديث والامتناع منه.

• قولٌ لابن مهدي في أهمية انتقاء المحفوظ من العلم، وترك الشاذ، وانتقاء من يروي عنه، وما يرويه.

(8)

ثم صنف أبو حفص الميانشي (المتوفى سنة 580 هـ) جزءًا سماه: "ما لا يسع المحدث جهله" اعتنى به من بعده، ونقلوا عنه في غير موضع.

* * *

وبَعْدُ، فهذا أشهر ما كُتب في هذا الفن رأسًا حتى نهاية القرن الخامس الهجري، وتبقى بعض كتب السؤالات والتواريخ ونحوها، والمتدبر لما حاولتُ سردَه من فوائد تلك الكتب، والمطالع لأصلها، يستطيع الإلمام بحدود هذا العلم وقواعده وأصوله عند أهله على سبيل الإجمال، وعلى التفصيل أحيانا.

وستأتي قريبا أطروحاتٌ بهذا الصدد.

وما سبق سردُه إنما هو دلالةٌ لما يُمكن استخراجُه من كتب أهل الاختصاص، ومحاولةٌ إلى بعث المكنون من مصنفاتهم، فهكذا ينبغي أن تكون فهرسة ما فيها من الفوائد والفرائد، ويبقى كثير منها يحتاج إلى قراءةٍ متأنية، وتحليل لما تحويه من ذلك،

ص: 118

مع محاولة دفع التأثر بالأفكار المسبقة التي يتداولها أهل المصطلح من المتأخرين، حتى تكون النتائج صافية نقية خالية من العوارض والمؤثرات الخارجية، ثم يُعرض كلامُ المتأخرين على تلك النتائج؛ ليتبين مدى قربه أو بعده منها.

لكن يبقى هنا الشق الثاني من السؤال المتقدم وهو: كيف نفهم التطبيق العملي لتلك القواعد النظرية؟

والجواب:

أن هذا ليس بالأمر الله الهيِّن، وقد كان ما قام به الشيخ العلامة عبد الرحمن المعلمي جهدا من تلك الجهود، بأطروحاته العلمية وتحقيقاته النقدية، ولقد حاولتُ في هذا الكتاب بأقسامه إبراز ذلك الجهد، بما فتح الله عليَّ من ذلك. أسأله تبارك وتعالي أن يجعل هذا العمل خطوة موفقة على هذا الدرب.

وإن من المؤسف أنه قد هُجرت كثيرٌ من قواعد هذا الفن، فنتج عن ذلك ميلٌ واضحٌ عن أحكام المتقدمين وتصرفاتهم حيال الأخبار والاختلاف في أسانيدها ومتونها، ووسَّع المتأخرون ما ضيَّقه المتقدمون واحتاطوا فيه، فتاهت بعض الحقائق، فلزمت العودة إلى أصول هذا الفن لكشف تلك الحقائق.

وإن للأئمة مصنفات، هي كالبيان التطبيقي لكيفية التعامل مع المرويات ورواتها، من ذلك: الكتب المصنفة في التواريخ، والسؤالات، والعلل، والسنن، والصحاح، ونحوها.

• أما كتب التواريخ فمثالها: "تاريخ" ابن معين برواية كل من: الدوري، والدارمي، وتواريخ البخاري الثلاثة:"الكبير"، و"الأوسط"، و"الصغير"، و"تاريخ" يعقوب الفسوي، و"تاريخ" أبي زرعة الدمشقي، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر، و"تاريخ بغداد" للخطيب، وغيرها.

ص: 119

• وأما كتب السؤالات فمنها: ما كان عن الإمام أحمد بن حنبل مثل: "سؤالات أبي داود" له في جرح الرواة وتعديلهم، ويلتحق بها: مسائل ابنه صالح، وابن هانىء وأبي داود، والكرماني، والكوسج، وهي مسائل عامة في الفقه والحديث وغيرهما.

ومنها سؤالات لابن معين حكاها عنه: عثمان بن أبي شيبة، والدقاق، وابن محرز، وابن مرثد الطبراني، وغيرهم.

ومنها سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي.

ويلتحق بها: سؤالات جماعة للدارقطني مثل: الحاكم، والسهمي، والبرقاني، والسلمي، وغيرهم.

• أما كتب العلل فمنها: كتاب "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد رواية ابنه عبد الله، ورواية المروذي، و"علل" الخلال عنه أيضًا.

ومنها: "علل" ابن المديني، و"علل" يعقوب بن شيبة، و"العلل" المنقولة عن أبي زرعة وأبي حاتم الرازي، وما صنفه الذهلي وغيره من الحفاظ في علل أحاديث بعض مشاهير الرواة كالزهري وغيره، ويلتحق بها "علل الدارقطني".

• يضاف إلى ما سبق بعض الكتب المصنفة في الضعفاء ككتاب "الضعفاء الكبير" و"الصغير" للبخاري، وكتاب النسائي أيضًا، ثم كتاب العقيلي، وابن عدي، ويلتحق بها كتاب "المجروحين" لابن حبان.

• بالإضافة إلى بعض كتب السنن التي عنيت بشرح بعض أحوال الرجال، وعلل أحاديثهم، ككتاب "السنن" لأبي داود والنسائي.

• وكذلك اختيارات الشيخين في "صحيحيهما".

* * *

ص: 120

والسبيل إلى الوقوف على دقائق هذا الفن وخفاياه إنما هو بالتصدي لاستقراء تلك الكتب، ممن له الأهلية في ذلك؛ إذ الأمر يحتاج إلى خلفيات متعددة يُستقرأ من خلالها، من أهمها:

1 -

الإلمام بأحوال مشاهير الرواة، ومَن تدور عليهم الأحاديث في البلدان المختلفة، من حيث: طبقاتهم، ومراتبهم، وأصحاب كل منهم، ورحلاتهم، ونحو ذلك من أحوالهم.

2 -

ثم ينبغي أن يتحلى المستقرأ بالخبرة اللازمة لفهم عبارات وتصرفات الأئمة.

3 -

ويتصف مع ذلك بالإنصاف والخشية والورع.

4 -

ويكون مُنْزلا لكل إنسان منزلته اللائقة به، فلا يضع مَنْ حَقُّهُ الرفعُ أو العكس.

5 -

ويكون محترِما لأهل هذا الفن، مُقَدِّرًا لهم، لا يتقدم عليهم بهواه أو بإعجابه برأيه، بل يَتَّهِم نفسه بالقصور نحوهم، ويضع من نفسه حيال علمهم، وما حباهم الله عز وجل، ضارعا إلى الله تعالى أن يَمُنَّ عليه بفهم طريقتهم كأقرب ما يكون مرادهم، ثم التوفيق من عند الله سبحانه.

ثم إن مما يُعينُ الطالبَ على إدراك حدودِ هذا العلم ورَسْمِه: ما بدأه أبو عمرو بن الصلاح (المتوفى سنة 643 هـ) من محاولة جمع الأبواب والفصول المستخرجة مِنْ كتب مَنْ سبق، فوضع كتابه الشهير في "أنواع علوم الحديث"، وتلاه جمعٌ من أهل الحديث وغيرهم ممن أَثْرَوا هذا المجال بمصنفات عِدَّه، اعتمدوا في وضعها على كتاب ابن الصلاح.

وقد وصف ابن الصلاح نفسُهُ كتابَه وسبب تأليفه له، فقال في صدره:

"لقد كان شأن الحديث فيما مضى عظيمًا، عظيمةً جموعُ طلبته، رفيعةً مقاديرُ حفاظه وحملته، وكانت علومهم بحياتهم حَيَّةً وأفنان فنونه ببقائهم غَضَّة، ومغانيه بأهله آهلة.

ص: 121

فلم يزالوا في انقراضٍ، ولم يزل في اندراسٍ، حتى آضت به الحال إلى أن صار أهلُه إنما هم شرذمة قليلة العَدد، ضعيفة العُدد، لا تُعنى على الأغلب في تحمله بأكثر من سماعه غُفْلا، ولا تتعنى في تقييده بأكثر من كتابته عُطْلا، مُطَّرحين علومه التي بها جَلَّ قدرُه، مباعدين معارفه التي بها فخم أمره.

فحين كاد الباحثُ عن مُشْكَلِه لا يُلفي بها عارفا، منَّ الله الكريم تبارك وتعالى وله الحمد أجمع- بكتاب "معرفة أنواع علوم الحديث" هذا الذي أباح بأسراره الخفية، وكشف عن مشكلاته الأبية، وأحكم معاقده، وقعَّد قواعده، وأنار معالمه، وبيَّن أحكامه، وفصَّل أقسامه، وأوضح أصوله، وشرح فروعه وأصوله، وجمع شتات علومه وفوائده، وقنص شوارد نكته وفوائده".

فذكر من ذلك خمسة وستين نوعا من أنواع علوم الحديث.

وقد اعتنى بهذا الكتاب جماعة من أهل العلم -على اختلاف تخصصاتهم ومشاربهم- بَيْنَ ناظمٍ ومختصر وشارح له، ومن هؤلاء من تناول كثيرًا من قضاياه ومسائله بالتنكيت والتعقيب والاعتراض، وهذا شأن من يُنشىء فنًّا ويبتدؤه، فيأتي من بعده فيزيدُ المسائل تحريرًا وتقعيدًا، كلٌّ بحسب اجتهاده.

فألف النووي (631 - 676) عليه كتابي "الإرشاد"، و"التقريب"، وابن جماعة (639 - 733) كتاب "المنهل الروي"، وابن دقيق العيد (625 - 702) كتاب "الاقتراح"، وابن كثير (701 - 774) كتاب "اختصار علوم الحديث"، والزركشي (745 - 794) كتاب "النكت"، وابن الملقن (723 - 804) كتاب "المقنع"، والبلقيني (724 - 805) وكتاب "محاسن الاصطلاح"، وزين الدين العراقي (725 - 806)"الألفية وشرحها"، وكتاب "التقييد والإيضاح"، وابن حجر (773 - 852) كتاب "النكت"، و"نزهة النظر"، والسخاوي المتوفى (902) كتاب "فتح المغيث"، والسيوطي المتوفى (911) كتاب "تدريب الراوي" على "تقريب" النووي، والصنعاني المتوفى (1182) كتاب "توضيح الأفكار".

ص: 122

وغيرهم، لكنَّ هؤلاءِ أشهرُهم.

وكثيرٌ من مباحث هذه الكتب يبْنِيها المتأخر على كلام المتقدم ويزيد شيئًا، أو يحرر قضية، أو يخالف نتيجة، أو يخصص عامًّا، أو يقيد مطلقًا، أو عكسهما، ونحو ذلك من ثمرات النظر.

وقد كانت مباحث هذا الفن وأصوله وقواعده ودقائقه إنما مرجعها إلى أهله الذين هم أعرف به من غيرهم -كدأب أي فن من الفنون- وكان التسليم لهم هو شأن المنصفين من أهل سائر الفنون، حتى إن إمامًا كالشافعي وهو محدث فقيه لا يُنْكَرُ علمُه وفضلُه فيهما، إلا أنه لم يكن يرى في نفسه في كثير من الأحيان أهليةً للاستقلال بالحكم على الحديث، فَيَكِلُ علمَ ذلك إلى أهله، ويُوقفُ عملَه وذهابَه إلى مقتضاه على قول أصحاب الحديث فيه، وهذا مستفيضٌ عنه.

والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

* * *

ص: 123