الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
في معنى العدالة
قال العلامة المعلمي في "الاستبصار"(ص 16):
"والعدالة مصدر عدل الرجل صار عادلًا، والعدل في الحكم: الإنصاف فيه، كأنه من عدل الغِرَارَتين (1) على البعير مثلا، أي التسوية بينهما حتى تكونا متعادلتين، فيبقى الحمل معتدلًا مستقيمًا لا ميل فيه، فالعدل في الحكم إذًا: أن ننظر ميل المائل عن الحق فيرده (2) إليه، وحاصله أن يُتحرى الحق فيقضي به.
فالعدالة إذًا:
هي الاستقامة على حدود الشرع، والفسق هو الخروج عن هذه الصفة، قالوا: وأصله من فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرتها. اهـ.
قال أبو أنس:
تعريف العدالة إجمالا: هو ملكة في الشخص تحمله على ملازمة التقوى والمروءة.
وسيأتي شيء من ذلك في الكلام على الوجه الخامس والسادس من أوجه الطعن في العدالة من المبحث الخامس منه.
سؤال: هل تقتضي العدالةُ انتفاءَ "هوى النفس" عن صاحبها؟
قال المعلمي في القاعدة الثالثة من قسم القواعد من "التنكيل" وهي "رواية المبتدع":
(1) الغِرارَةُ: وعاء من الخيش ونحوه يوضع فيه القمح ونحوه. "المعجم الوسيط".
(2)
كذا في المطبوع والظاهر أن الصواب: "فنرده".
"قد عَرَّفَ أهلُ العلم العدالةَ بأنها "ملكة تمنع عن اقتراف الكبائر وصغائر الخسّة
…
" زاد السبكي: "وهوى النفس"، وقال: "لا بد منه، فإن المتقي للكبائر وصغائر الخسّة مع الرذائل المباحة قد يتبع هواه عند وجوده لشيء منها فيرتكبه، ولا عدالة لمن هو بهذه الصفة".
نقله المحلى في "شرح جمع الجوامع" لابن السبكي، ثم ذكر أنه صحيح في نفسه ولكن لا حاجة إلى زيادة القيْد، قال:"لأن من عنده ملكة تمنع عن اقتراف ما ذكر ينتفي عنه اتباع الهوى لشيء منه، وإلا لوقع في المهوي فلا يكون عنده ملكة تمنع منه".
أقول: ما من إنسان إلا وله أهواء فيما ينافي العدالة، وإنما المحذور اتباع الهوى. ومقصود السبكي تنبيه المعدِّلين، فإنه قد يخفى على بعضهم معنى "الملكة" فيكتفي في التعديل بأنه قد خبر صاحبه فلم يره ارتكب منافيًا للعدالة فيعدِّله، ولعله لو تدبَّر لعلم أن لصاحبه هوى غالبًا يُخشى أن يحمله على ارتكاب منافي العدالة إذا احتاج إليه وتهيأ له، ومتى كان الأمر كذلك فلم يغلب على ظن المعدِّل حصول تلك الملكة وهي العدالة لصاحبه، بل إما أن يترجح عنده عدم حصولها فيكون صاحبه ليس بعدل، وإما أن يرتاب في حصولها لصاحبه، فكيف يشهد بحصولها له؟ كما هو معنى التعديل.
وأهل البدع كما سماهم السلف: "أصحاب الأهواء" واتّباعهم لأهوائهم في الجملة ظاهر، وإنما يبقى النظر في العمد والخطأ، ومن ثبت تعمده أو اتهمه بذلك عارفوه لم يُؤمن كذبه.
وفي "الكفاية" للخطيب (ص 123) عن علي بن حرب الموصلي:
"كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي".
يريد والله أعلم أنهم مظنة ذلك، فيحترس من أحدهم حتى يتبين براءته.
هذا إذا كانت حجج السنة بينة، فالمخالف لها لا يكون إلا معاندًا أو متبعًا للهوى معرضًا عن حجج الحق، واتباع الهوى والإعراض عن حجج الحق قد يفحش جدًّا حتى لا يحتمل أن يعذر صاحبه، فإن لم يجزم أهل العلم بعدم العذر فعَلَى الأقَلّ لا يمكنهم تعديل الرجل، وهذه حال الداعية
…
فأما غير الداعية فقد مَرَّ نقل الإجماع على أنه كالسني، إذا ثبتت عدالته قبلت روايته
…
".
* * *