الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
كتابة الحديث في العهد النبوي، وأسباب عدم انتشار ذلك حينئذٍ، والاستدلال بحفظ الله تعاله للسنة على دحض شبهات المخالف
قال العلامة المعلمي في "الأنوار الكاشفة"(ص 31):
"كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم".
ونقل عن أبي رية قوله: "تضافرت الأدلة
…
على أن أحاديث الرسول صلوات الله عليه لم تُكتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يُكتب القرآن، ولا كان لها كُتَّابٌ يقيدونها عند سماعها منه وتلفظه بها
…
".
فقال رحمه الله:
أقول: قد وقعت كتابةٌ في الجملة كما يأتي، لكن لم تشمل ولم يؤمر بها أمرًا.
* أما حِكْمَة ذلك فمنها: أن الله تبارك وتعالى كما أراد لهذه الشريعة البقاء، أراد سبحانه أن لا يكلف عبادة من حفظها إلا بما لا يشق عليهم مشقة شديدة، ثم هو سبحانه يحوطها ويحفظها بقدرته.
* كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يعجل بقراءة ما يوحى إليه قبل فراغه خشية أن ينسع شيئًا منه، فأنزل الله عليه:{وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 14].
وقوله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} [القيامة: 16 - 19].
وقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى: 6 - 8].
* وكانت العرب أمة أمية يندر وجود من يقرأ أو يكتب منهم، وأدوات الكتابة عزيزة ولا سيما ما يكتب فيه.
* وكان الصحابة محتاجين إلى السعي في مصالحهم، فكانوا في المدينة: منهم من يعمل في حائطه، ومنهم من يبايع في الأسواق، فكان التكليف بالكتابة شاقًّا، فاقتصر منه على كتابة ما ينزل من القرآن شيئًا فشيئا ولو مرة واحدة في قطعة من جريد النخل أو نحوه تبقى عند الذي كتبها.
وفي "صحيح" البخاري (1) وغيره من حديث زيد بن ثابت في قصة جمعه للقرآن بأمر أبي بكر: "فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُبِ والِّلخافِ وصدور الرجال، حتَّى وجدت آخر سورة التربة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} حتَّى خاتمة سورة براءة.
وفي "فتح الباري": إن العُسُبَ جريدُ النخل، وإن الِّلخاف الحجارةُ الرقاق، وإنه وقع في روايةٍ: القصب والعُسُب والكرانيف وجرائد النخل، ووقع في روايات أُخر ذكر الرقاع وقطع الأديم والصحف.
* وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقن بعض أصحابه ما شاء الله من القرآن، ثم يلقن بعضهم بعضًا، فكان القرآن محفوظًا جملة في صدورهم، ومحفوظًا بالكتابة في قطع مفرقة عندهم.
والمقصود أنه اقتصر من كتابة القرآن على ذلك القدر؛ إذ كان كر منه (2) شاقًّا عليهم، وتكفَّل الله عز وجل بحفظه في صدورهم وفي تلك القطع، فلم يتلف منها شيء، حتَّى جُمعت في عهد أبي بكر، ثم لم يتلف شيء حتَّى كُتبت عنها المصاحف في عهد عثمان.
(1) رقم (7191).
(2)
يعني: من ذلك القدر.
وقد قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9].
وتَكَفُّلُهُ سبحانه بحفظه لا يعفي المسلمين أن يفعلوا ما يمكنهم كما فعلوا -بتوفيقه لهم- في عهد أبي بكر ثم في عهد عثمان.
فأما السنة:
* فقد تكفل الله بحفظها أيضا؛ لأن تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة، وحفظ لسانه وهو العربية، إذ المقصود بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من يطلبها؛ لأن محمدًا خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع، بل دلَّ على ذلك قوله {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} .
* فحفظ الله السنة في صدور الصحابة والتابعن حتى كُتبت ودُونت كما يأتي، وكان التزام كتابتها في العهد النبوي شاقًّا جدا؛ لأنها تشمل جميع أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله وما يقوله غيره بحضرته أو يفعله وغير ذلك.
* والمقصود الشرعي منها معانيها، ليست كالقرآن المقصود لفظه ومعناه؛ لأنه كلام الله بلفظه ومعناه، ومعجز بلفظه ومعناه، ومتعبد بتلاوته بلفظه بدون أدنى تغيير.
لا جرم خفف الله عنهم واكتفى من تبليغ السنة غالبًا بأن يطلع عليها بعض الصحابة، ويكمل الله تعالى حفظها وتبليغها بقدرته التي لا يعجزها شيء.
* فالشأن في هذا الأمر هو العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلَّغ ما أُمر به التبليغ الذي رضيه الله منه، وأن ذلك مظنَّهُ بلوغِهِ إلى من يحفظه من الأمة، ويبلغه عند الحاجة ويبقى موجودًا بين الأمة.
وتَكَفُّلُ الله تعالى بحفظ دينه يجعل تلك المظنَّة مَئِنَّة، فتمَّ الحفظُ كما أراد الله تعالى.
وبهذا التكفُّل يُدفع ما يتطرق إلى تبليغ القرآن كاحتمال تلف بعض القطع التي كُتبت فيها الآيات، واحتمال أن يغير فيها من كانت عنده ونحو ذلك.
* ومن طالع تراجم أئمة الحديث من التابعين فمن بعدهم وتدبر ما آتاهم الله تعالى من قوة الحفظ والفهم والرغبة الأكيدة في الجدِّ والتشمير لحفظ السنة وحياطتها بأن له ما يحير عقله، وعلم أن ذلك ثمرة تكفل الله تعالى بحفظ دينه، وشأنهم في ذلك عظيم جدًّا، أو هو عبادة من أعظم العبادات وأشرفها.
* وبذلك يتبين أن ذلك من المصالح المترتبة على ترك كتابة الأحاديث كلها في العهد النبوي، إذ لو كُتبت لانْسَدَّ باب تلك العبادة، وقد قال الله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56].
وثَمَّ مصالح أخرى:
* منها: تنشئة علوم تحتاج إليها الأمة.
فهذه الثروة العظيمة التي بيد المسلمين من تراجم قدمائهم إنما جاءت من احتياج المحدثين إلى معرفة أحوال الرواة فاضطروا إلى تتبع ذلك، وجمع التواريخ والمعاجم، ثم تبعهم غيرهم.
* ومنها: الإسناد الذي يُعرف به حال الخبر.
كان بدؤه في الحديث ثم سرى إلى التفسير والتاريخ والأدب، هذا والعالِم الراسخ هو الذي إذا حصل له العلم الشافي بقضيةٍ لزمها ولم يبال بما قد يشكك فيها، بل إما أن يعرض عن تلك المشككات، وإما أن يتأملها في ضوء ما قد ثبت.
* فهاهنا، من تدبر كتاب الله وتتبع هدي رسوله ونظر إلى ما جرى عليه العمل العام في عهد أصحابه وعلماء أمته بوجوب العمل بأخبار الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها من صُلْب الدين، فمن أعرض عن هذا وراح يقول: لماذا لم تُكتب الأحاديث؟ بماذا؟ لماذا؟ ويتبع قضايا جزئية -إما أن لا تثبت، وإما أن تكون شاذة، وإما أن يكون لها محمل لا يخالف المعلوم الواضح- من كان هذا شأنه فلا ريب في زَيْغِه .. اهـ.
وفي موضع آخر من "الأنوار"(ص 238 - 239) أوضح الشيخ المعلمي أسباب عدم اعتناء الصحابة بجمع الحديث في كتابٍ كما فعلوا مع القرآن الكريم، فقال: "بين القرآن والسنة فرقٌ من وجوه:
وبيان ذلك أن الله تبارك وتعالى تكفل بحفظ الشريعة مما فيه الكتاب والسنة كما مَرَّ، ومع ذلك كَلَّف الأمةَ القيام بما يتيسر لها من الحفظ.
ولما كان القرآن مقصودًا حفْظ لفظِه ومعناه، وفي ضياع لفظة واحدة منه فواتُ مقصود ديني، وهو مقدار محصور يسهل على الصحابة حفظه في الصدور وكتابته في الجملة - كُلِّفوا بحفظه بالطريقتين.
وبذلك جرى العمل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فتوفاه الله تبارك وتعالى والقرآنُ كلُّه محفوظٌ في الصدور مفرقًا، إلا أن معظمَه عند جماعةٍ معروفين، وإنما حفظه جميعَه بضعةُ أشخاص، ومحفوظ كله بالكتابة مفرقًا في القِطع التي بأيدي الناس كما مَرَّ.
فلما استحَرَّ القتل بالقُرَّاء في اليمامة، وخشي أن يستحرَّ بهم في كل موطن، ومن شأن ذلك -مع صرف النظر عن حفظ الله تعالى- أن يؤدي إلى نقصٍ في الطريقة الأولى - رأى الصحابة أنهم إذا تركوا تلك القطع -كما هي مفرقة بأيدي الناس- كان من شأن ذلك احتمال أن يتلف بعضها، فيقع النقص في الطريقة الثَّانية أيضًا، ورأوا أنه يمكنهم الاحتياط للطريقة الثَّانية بجمع تلك القطع وكتابة القرآن كله في صحف تُحفظ عند الخليفة، وإذ كان ممكنًا بدون مشقة شديدة -وهو من قبيل الكتابة التي ثبت الأمر بها ولا مفسدة فيه البتة- علموا أنه من جملة ما كُلفوا به، فوفقهم الله تعالى للقيام به.
أما السنة:
فالمقصود منها معانيها، وفوات جملة من الأحاديث لا يتحقق به فوات مقصود ديني؛ إذ قد يكون في القرآن وفيما بقي من الأحاديث ما يفيد معاني الجملة التي فاتت، وهي مع ذلك منتشرة لا تتيسر كتابتها كما تقدم.
فاكتفى النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة بحفظها في الصدور كما تيسر، بأن يحفظ كل واحد ما وقف عليه، ثم يبلغه عند الحاجة، ولم يأمرهم بكتابتها، ولم يكن حفظ معظمها مقصورًا على القُرَّاء، بل كان جماعةٌ ليسوا من القراء عندهم من السنة أكثر مما عند بعض القراء.
فالدلائل والقرائن التي فهم منها الصحابة أن عليهم أن يصنعوا ما صنعوا من جمع القرآن لم يتوفر لهم مثلها ولا ما يقاربها لكي يفهموا منه أن عليهم أن يجمعوا السنة
…
وتوقفهم عن الجمع كما تقدم لا يعني عدم العناية بالأحاديث، فقد ثبت بالتواتر تدينهم بها وانقيادهم لها وبحثهم عنها كما تقدم في مواضعه، ولكنهم كانوا يؤمنون بتكفل الله تعالى بحفظها ويكرهون أن يعملوا من قِبَلِهم غيرَ ما وضح لهم أنه مصلحة محضة (1) ويعلمون أنه سيأتي زمان تتوفر فيه دواعي الجمع وتزول الموانع عنه، وقد رأوا بشائر ذلك من انتشار الإسلام وشدة إقبال الناس على تلقي العلم وحفظه والعمل به، وقد أتم الله ذلك كما اقتضته حكمته". اهـ.
وأفاض المعلمي: في بيان هذا المعنى (ص 44 - 45) فقال:
"أعلم أن الله تبارك وتعالى تكفل بحفظ القرآن وبيانه وهو السنة كما مر، وما تكفل الله بحفظه فلا بد أن يُحفظ.
وقد علمنا من دين الله أن على عبادة مع إيمانهم بحفظ ما تكفل بحفظه أن يعملوا ما من شأنه في العادة حفظ ذاك الشيء وأنه لا تنافي بين الأمرين.
وفي "جامع" الترمذي و"المستدرك" وغيرهما عن أبي خزامة عن أبيه قال: "قلت يا رسول الله: أرأيت رقى نسترقي بها ودواء نتداوى به وتُقاة نتقيها هل تَردُّ من قدر الله شيئًا؟ قال: هو من قدر الله"(2).
(1) راجع (ص 30).
(2)
هذا الحديث رواه الزهري، واختلف عليه، فرواه الأكثر عنه عن أبي خزامة عن أبيه به مرفوعًا.
فأما القرآن فأمروا بحفظه بطريقين:
الأولى: حفظ الصدور، وعليها كان اعتمادهم في الغالب.
الثانية: بالكتابة، فكان يُكتب في العهد النبوي في قطع صغيرة من جريد النخل وغيرها، قلما غزا المسلمون اليمامة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل، استحرَّ القتل بالقرَّاء قبل أن يأخذ عنهم التابعون، فكان ذلك مظنَّة نقصٍ في الطريق الأولى، فرأى عمر المبادرة إلى تعويض ذلك بتكميل الطريق الثانية، فأشار عَلَى أبي بكر بجمع القرآن في صحف، فنفر منها أبو بكر وقال:"كيف نفعل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ". فقال عمر: "هو والله خير" يريد أنه عملٌ يتم به مقصود الشرع من حفظ القرآن، وعدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم له إنما كان لعدم تحقق المقتضى وقد تحقق، ولا يترتب على الجمع محذور، فهو خيرٌ محضٌ.
فجمع القرآن في صحف بقيت عند أبي بكر، ثم عند عمر، ثم عند ابنته حفصة أم المؤمنين حتى طلبها عثمان في خلافته وكتب المصاحف.
ومعنى هذا أنه طول تلك المدة التي لم تَبْدُ حاجةٌ إلى تلك الصحف، بل بقي القراء يبلغون القرآن من صدورهم، ومنهم من كتب من صدره مصحفًا لنفسه، فلما كان في زمن عثمان احتيج إلى تلك الصحف لاختيار الوجه الذي دعت الحاجة إلى قصر الناس على القراءة به دون غيره - وكتب عثمان بضعة مصاحف وبعث بها إلى الأمصار، لا لتبليغ القرآن، بل لمنع أن يقرأ أحد بخلاف ما فيها.
= ورواه بعضهم عنه عن ابن أبي خزامة عن أبيه به مرفوعًا. وروي عن ابن عيينة عن الزهري على الوجهين، ورجح الإِمام أحمد والترمذي والبيهقي الوجه الأول، انظر:"المسند"(3/ 421)، و"جامع" الترمذي (2065 - 2148)، و"سنن البيهقي الكبرى"(9/ 349)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح
…
ولا يُعرف لأبي خزامة غير هذا الحديث. اهـ.
وأبو خزامة هذا قد تفرد عنه الزهري، وليس له سوى هذا الحديث الواحد، ولا يعرف أبوه إلا بروايته عنه هذا الحديث، وبه ذكروه في الصحابة. وأبو خزامة هذا فيه جهالة.
هذا شأن القرآن، فأما السنة فمخالِفةٌ لذلك في أمور:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعْنَ بكتابتها، بل اكتفى بحفظهم في صدورهم وتبليغهم منها، أي بنحو الطريق الأولى في القرآن.
الثاني: أنها كانت منتشرة، لا يمكن جمعها كلها بيقين.
الثالث: أنه لم يتفق لها في عهد الصحابة ما اتفق للقرآن؛ إذ استحر القتل بحفاظه من الصحابة قبل أن يتلقاه التابعون، فإن الصحابة كانوا كثيرا، ولم يتفق أن استحر القتل بحفاظ السنة منهم قبل تلقي التابعين.
الرابع: أنهم كانوا إذا هَمُّوا بجمعها رأوا أنه لن يكون كما قال عمر في جمع القرآن: "هو والله خير" أي خيرٌ محضٌ لا يترتب عليه محذور. كانوا يرون أنه يصعب جمعها كلها، وإذا جمعوا ما أمكنهم خشوا أن يكون ذلك سببًا لرد من بعدهم ما فاتهم منها.
وقد مَرَّ (ص 24) عن أبي بكر في سبب تحريقه ما كان جمعه منها: "أو يكون قد بقي حديث لم أجده فيقال: لو كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي على أبي بكر".
وخشوا أيضًا من جمعها في الكتب قبل استحكام أمر القرآن أن يُقبل الناسُ على تلك الكتب ويدعوا القرآن لما مَرَّ (ص 25) عن عمر و (ص 27) عن أبي موسى، فلذلك رأوا أن يكتف وابن شرها بطريق الرواية، ويَكِلُوها إلى حفظ الله تعالى الذي يؤمنون به. اهـ.
وأجاب المعلمي: عن شبهات المستشرقين ومن نحا نحوهم في التشكيك في السنة جملة بسبب وقوع "الوضع" في الحديث، فقال (ص 89):
"هو واقع في الجملة، ولكن المستشرقين والمنحرفين عن السنة يُطوِّلُون في هذا ويُهوِّلُون ويهملون ما يقابله، ومثلهم مثل من يحاول منع الناس من طلب الحقيقي الخالص من الأقوات والسمن والعسل والعقاقير والحرير والصوف والذهب والفضة
واللؤلؤ والياقوت والمسك والعنبر وغير ذلك بذكر ما وقع من التزوير والتلبيس والتدليس والغش في هذه الأشياء، ويطيل في ذلك.
والعاقل يعلم أن الحقيقي الخالص من هذه الأشياء لم يُرفع من الأرض، وأن في أصحابها وتجارها أهلَ صدق وأمانة، وأن في الناس أهلَ خبرة ومهارة، يميزون الحقيقي الخالص من غيره، فلا يكاد يدخل الضرر إلا على من لا يرجع إلى أهل الخبرة من جاهل ومقصر ومن لا يبالي ما أخذ.
والمؤمن يعلم أن هذه ثمرة عناية الله عز وجل بعبادة في دنياهم، فما الظن بعنايته بدينهم؟ لا بد أن تكون أتم وأبلغ.
ومن تتبع الواقع وتدبره وأنعم النظر تبين له ذلك غاية البيان. اهـ.
* * *