الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع
في رواية الأحاديث المكذوبة والباطلة والمنكرة في الكتب
• ترجم المعلمي لأبي نعيم الأصبهاني الحافظ في "التنكيل" رقم (21) ونقل غمز الكوثري لأبي نعيم بقوله: "
…
ويذكر الخبر الكاذب وهو يعلم أنه كذب، ويعلم أيضًا ما يترتب على ذلك من اغترار جهلة أهل مذهبه بذكره الخبر المذكور
…
ومن المعروف أن عادة أبي نعيم سوق الأخبار الكاذبة بأسانيده بدون تنبيه على كذبها".
فقال العلامة المعلمي:
"أما سياقه في مؤلفاته الأخبار والروايات الواهية التي ينبغي الحكم على كثير منها بالوضع فمعروف، ولم ينفرد بذلك، بل كثير من أهل عصره ومن بعدهم شاركوه في ذلك، ولاسيما في كتب الفضائل والمناقب، ومنها مناقب الشافعي ومناقب أبي حنيفة، ثم يجيء من بعدهم فيحذفون الأسانيد ويقتصرون على النسبة إلى تلك الكتب، وكثيرًا ما يتركون هذه النسبة أيضًا كما في "الإحياء" وغيره.
وفي "فتح المغيث"(ص 106) في الكلام على رواية الموضوع: "لا يبرأ من العهدة في هذه الأعصار بالاقتصار على إيراد إسناده بذلك لعدم الأمن من المحذور به وإن صنعه كثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلم جرا، خصوصًا الطبراني. وأبو نعيم وابن منده، فإنهم إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته
…
قال شيخنا: وكان ذكر الإسناد عندهم من جملة البيان
…
".
أقول: "مدار التشديد في هذا على الحديث الصحيح: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".
ومن تدبر علم أنه إنما يكون كاذبا على أحد وجهين:
الأول: أن يرسل ذاك الحديث جازمًا كأن يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم
…
الثاني: أن يكون ظاهر حاله في تحديثه أن ذاك الخبر عنده صدق أو محتمل أن يكون صدقًا فيكون موهمًا خلاف الواقع فيكون بالنظر إلى ذاك الإيهام كاذبًا، وقد علمنا أن قول من صحب أنسًا: "قال أنس
…
" موهم بل مفهم إفهامًا تقوم به الحجة أنه سمع ذلك من أنس، إلا أن يكون مدلسًا معروفًا بالتدليس، فإذا كان معروفًا بالتدليس فقال فيما لم يسمعه من أنس: "قال أنس
…
" لم يكن كاذبًا ولا مجروحًا، وإنما يلامُ على شرهه، ويُذْكَرُ بعادته لتعرف فلا تحمل على عادة غيره، وذلك أنه لما عُرف بالتدليس لم يكن ظاهرُ حاله أن لا يقول: "قال أنس
…
" إلا فيما سمعه من أنس، وبذلك زال الإفهام والإيهام فزال الكذب.
فهكذا وأولى منه: من عُرف بأنه لحرصه على الجمع والإكثار والإغراب وعلو الإسناد يروي ما سمعه من الأخبار وإن كان باطلًا ولا يبّين، فإنه إذا عرف بذلك لم يكن ظاهر حاله أنه لا يحدث غير مبين إلا بما هو عنده صدق أو محتمل للصدق، فزال الإيهام فزال الكذب، فلا يجرح ولكن يلام على شرهه ويذكر بعادته لتعرف، وكما يكفي المدلس أن يعرف عادتَه أهلُ العلم وإن جهلها غيرهم فكذلك هذا؛ لأن الفرض على غير العلماء مراجعة العلماء، على أن العامّة يشعرون في الجملة بما يدفع اغترارهم الذي هوّل به الأستاذ، ولذلك كثيرًا ما نسمعهم إذا ذكر لهم حديث قالوا: هل هو في البخاري؟
فعلى هذا القول في أبي نعيم ومن جرى مجراه: إن احتمل أنهم لانهماكهم في الجمع لم يشعروا ببطلان ما وقع في رواياتهم من الأباطيل فعذرهم ظاهر، وهو أنهم لم يحدثوا بما يرون أنه كذب، وإنما يلامون على تقصيرهم في الانتقاد والانتقاء، وإن كانوا شعروا ببطلان بعض ذلك فقد عرفت عادتهم فلم يكن في ظاهر حالهم ما
يوجب الإيهام، فلا إيهام ولا كذب فإن اغتر ببعض ما ذكروه مَنْ قد عَرفَ عادتهم من العلماء بالرواية فعليه التَّبعَةُ، أو مَنْ لم يعرف عادتهم ممن ليس من العلماء بالرواية فَمِنْ تقصيره أُتِيَ؛ إذ كان الفرض عليه مراجعة العلماء بالرواية، ولذلك لم يَجْرَحْ أهلُ العلم أبا نعيم وأشباهه، بل اقتصروا على لومهم والتعريف بعادتهم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات". اهـ.
• وترجم المعلمي لأبي الشيخ الأصبهاني الحافظ في "التنكيل" رقم (129) وأورد قول الكوثري فيه: "صاحب كتاب "العظمة" وكتاب "السنة" وفيهما من الأخبار التالفة ما لا آخر له".
فقال المعلمي:
"أما ما في كتبه من الأخبار الواهية فهو كغيره من حفاظ عصره وغيرهم. قال ابن حجر في "لسان الميزان" (ج 3 ص 75) في ترجمة الطبراني: "عاب عليه إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي جَمْعَهُ الأحاديث الأفراد مع ما فيها من النكارة الشديدة والموضوعات
…
وهذا أمر لا يختص به الطبراني
…
بل أكثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلم جرا إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته".
وقد مَرَّ النظر في ذلك في ترجمة أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني". اهـ.
• وترجم المعلمي لأبي بكر الخطيب في "التنكيل" رقم (26) وأورد من مزاعم ابن الجوزي في الخطيب قوله: "وقد ذكر في كتاب الجهر أحاديث يعلم أنها لا تصح، وفي كتاب القنوت أيضًا، وذكر في مسألة صوم يوم الغيم حديثًا يَدْري أنه موضوع، فاحتج به ولم يذكر عليه شيئًا، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من روى حديثا يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".
فقال المعلمي:
الجواب من أوجه:
الأول: أن الخطيب إن كان قصد بجمع تلك الرسائل جمع ما ورد في الباب فلا احتجاج، وإن كان قصد الاحتجاج فبمجموع ما أورده، لا بكل حديث على حدة.
الثاني: أننا عرفنا من ابن الجوزي تسرعه في الحكم بالوضع والبطلان، وترى إنكار أهل العلم عليه في كتب المصطلح في بحث "الموضوع".
الثالث: أن من جملة ما أورده في "الموضوعات" وَحْدها أكثر من ثلاثين حديثًا رواها الإمام أحمد في "مسنده" ولعله أورد في "الأحاديث الواهية" أضعاف ذلك، فيقال له: إن كنت ترى أنه خفي على الإمام أحمد ما عَلِمْتَهُ من كون تلك الأحاديث موضوعة أو باطلة، فما نراك أحسنت الثناء عليه، وعلى ذلك فالخطيب أَوْلى أن يخفى عليه.
الرابع: لا يلزم من زعم ابن الجوزي أن الحديث موضوع باطل أن يكون الخطيب يرى مثل رأيه.
الخامس: قد يجوز أن يكون الحديث موضوعًا أو باطلًا ولم ينتبه الخطيب لذلك.
السادس: إذا رُوي الحديث بسند ساقط لكنه قد روي بسند آخر حسن أو صالح أو ضعيف ضعفًا لا يقتضي الحكم ببطلانه لم يجز الحكم ببطلان المتن مطلقًا، ولا يدخل من رواه بالإسنادين معًا في حديث:"من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".
وقد يُتوسع في هذا فَيُلْحق به ما إذا كان المتن المروي بالسند الساقط ولم يُرو بسند أقوى لكن قد رُوي معناه بسند أقوى، يقوي هذا أن المفسدة إنما تعظم في نسبة الحكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع ظن أنه كذب، لا في نسبة اللفظ، وشاهد هذا جواز الرواية بالمعنى. اهـ.
فائدة: في النظر في كتب الهلكى والمتروكين لأغراض صحيحة لا لأجل الاعتماد على
ما فيها:
• ساق المعلمي في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل رقم (32) من "التنكيل" ما جاء في "تاريخ" الخطيب (3/ 177) أن أحمد كان ربما نظر في كتب أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وكان أكثر نظره في كتب الواقدي، ثم قال المعلمي:
"في الحكاية أنه كان قليل النظر في كتبهما، كثير النظر في كتب الواقدي، هذا مع أنه من أسوأ الناس رأيا في الواقدي، فلم يكن ينظر في كتبه ليعتمد عليه، بل رجاء أن يرى فيها الشيء مما يهمه فيبحث عنه من غير طريق الواقدي على حَدِّ قول الله تبارك وتعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} فلم يأمر بإلغاء خبر الفاسق إذ لعلّه صادق، بل أمر بالتبيّن، فخبر الفاسق يكون تنبيهًا يستدعي الالتفات إلى ما أخبر به والاستعداد له وعدم الاسترسال مع ما يقتضيه الأصل من عدمه حتى يبحث عنه فيتبين الحال. اهـ.
* * *