الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الأول
وقوع الخطأ في حديث الراوي
وفيه مطلبان:
المطلب الأول
تفاوت درجات وقوع الخطأ في حديث الراوي، وأثر ذلك في الحكم عليه بالقبول والرد
وفيه قضايا:
القضية الأولي
الخطأ اليسير لم يسلم منه أحد، ولا يقدح في ضبط الراوي
• قال الشيخ المعلمي في ترجمة: الحارث بن عمير رقم (68) من "التنكيل":
"
…
ومثل هذا الخطأ -وهو وصلُ المرسل- وأظهرُ منه: قد يقعُ للأكابر؛ كمالك والثوري، والحُكم المُجمعُ عليه في ذلك: أنَّ من وقع منه ذلك قليلا لم يضره، بل يُحتجّ به مطلقا، إلا فيما قامت الحجةُ على أنه أخطأ فيه". اهـ.
• وقال في ترجمة حنبل بن إسحاق رقم (86):
"قال الدارقطني: كان صدوقا، وقال الخطيب: كان ثقة ثبتا، وتخطئته في حكايةٍ إنما تدل على اعتقاد أنه لم يكن معصوما من الخطأ، وليس هذا مما يوهن الثقة المكثر
كحنبل، وقد خَطَّأَ أهلُ العلم جماعةً من أَجِلَّةِ الصحابة، بل قالوا: إن الأنبياء عليهم الصّلاة والسلام قد يُخطئون في أمور الدنيا، بل قال بعضهم: قد يُعرض لهم الخطأ في شيء من أمر الدين ولكن يُنبَّهون في الحال؛ لمكان العصمة في التبليغ، وقد تعرضت لذلك في قسم الاعتقاديات.
والمقرر عند أهل العلم جميعا: أن الثقةَ الثبتَ قد يُخطىء، فإن ثبت خطؤه في شيء، فإنما يُترك ذاك الشيءُ، فأما بقية روايته فهي على الصواب، ومن ادَّعَى الخطأ في شيء فعليه البيان". اهـ.
• وقال في ترجمة: محمد بن عثمان بن أبي شيبة رقم (219):
"وليس من شرط الثقة أن لا يخطىء ولا يهم، فما من ثقة إلا وقد أخطأ، وإنما شرط الثقة أن يكون صدوقا، الغالب عليه الصواب، فإذا كان كذلك فما تبين أنه أخطأ فيه اطرح، وقُبل ما عداه، والله الموفق". اهـ.
• وقال في ترجمة: هشام بن عروة رقم (261):
"أما الوهم، فإذا كان يسيرا، يقع مثله لمالك وشعبة وكبار الثقات، فلا يستحق أن يُسمَّى خللا في الضبط، ولا ينبغي أن يُسمى تغيرا". اهـ.
• وفي ترجمة: الهيثم بن جميل (263):
قال ابن عدي: لم يكن بالحافظ، يغلط على الثقات.
فذكر الشيخ المعلمي مَنْ وثقه ووصفه بالحفظ، ثم قال:
"أما الغلط، فذكر له الذهبي في "الميزان" حديثًا واحدًا، فإن كان هو الذي أشار إليه ابن عدي، فابن عدي هو الغالط
…
وذكره الدارقطني في "السنن"(ص 498) ثم قال: لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ.
أقول: فإن حُكم للهيثم كما قد يُشعر به كلام الدارقطني فذاك (1)، وإن ترجح خطؤه كما يُشير إليه كلامُ ابن عدي، فمثل هذا الخطأ اليسير لم يَسْلم منه كبار الأئمة، كما يُعلم من كتب العلل". اهـ.
* * *
(1) يعني: لإردافه تفرد الهيثم بقوله: وهو ثقة حافظ، فكأن فيه ميلا إلى عدم تخطئته في ذلك. والله تعالى أعلم.
القضية الثانية
تقديم من لم يوصف بالخطأ على من وصف به
• قال الشيخ المعلمي في "التنكيل"(2/ 159):
"عبد الله بن الحارث (1) فإنه أثبت من زيد بن الحباب؛ فإن زيدًا قد وصف بأنه يخطىء، ولم يوصف بذلك عبد الله، وكلاهما ثقتان من رجال مسلم". اهـ.
القضية الثالثة
كثرة الخطأ وأثرها في قبول حديث الراوي
• في ترجمة: مؤمل بن إسماعيل (253):
يقول فيه البخاري: منكر الحديث. ويقول أبو زرعة: في حديثه خطأ كثير.
فقال الشيخ المعلمي:
"وثقه إسحاق بن راهويه ويحيى بن معين، ووثقه أيضًا ابن سعد والدارقطني، ووصفاه بكثرة الخطأ، ولَخَّصَ محمد بن نصر المروزي حالَهُ، فقال: إذا انفرد بحديثٍ وجب أن يُتوقف فيه ويُتثبت؛ لأنه كان سيء الحفظ كثير الغلط.
فَحَدُّه أن لا يُحتج به إلا فيما تُوبع فيه، وفيما ليس من مظانِّ الخطأ". اهـ.
(1) يعني: ابن عبد الملك المخزومي.
القضية الرابعة: ليس كل من وصف بالغلط أو الخطأ ونحوه من أوجه الطعن في الضبط يجب تخطئته في كل موضع، بل فيما قامت الحجة على خطئه فيه أو كان من مظان الخطأ.
• في ترجمة: سفيان بن وكيع من "التنكيل"(100):
في "تاريخ بغداد"(13/ 379) عنه (أعني: سفيان بن وكيع) قال: جاء عمر بن حماد بن أبي حنيفة، فجلس إلينا فقال: سمعت أبي حمادًا يقول: بعث ابنُ أبي ليلى إلى أبي حنيفة، فسأله عن القرآن
…
قال الكوثري: كان وراقُه كذابا، يُدخل في كتبه ما شاء من الأكاذيب، فيرويها هو، فنبهوه على ذلك، وأشاروا عليه أن يُغير وراقَهُ، فلم يفعل، فسقط عن مرتبة الاحتجاج عند النقاد.
فقال الشيخ المعلمي:
"حَسَّنَ الترمذي بعضَ أحاديثه، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: كان شيخًا فاضلا صدوقا، إلا أنه ابتلي بوراق سوء
…
وهو من الضرب الذين لأن يخر أحدهم من السماء أحب إليهم من أن يكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر له ابن عدي خمسة أحاديث معروفة، إلا أن في أسانيدها خللا، ثم قال: إنما بلاؤه أنه كان يتلقن، يقال: كان له وراق يلقنه من حديث موقوف فيرفعه، أو مرسل يوصله، أو يبدل رجلا برجل.
والحكاية التي ساقها الخطيب ليست من مظنة التلقين، ولا من مظنة الإدخال في الكتب، فإذا صح أن هذا الرجل صدوق في نفسه، لم يكن في الطعن فيه بقصة الوراق فائدة هنا". اهـ.
• وفي ترجمة: سلام بن أبي مطيع رقم (101):
قول سلام: كان أيوب قاعدا في المسجد الحرام فرآه أبو حنيفة
…
فرد الكوثري الحكاية بقوله: قال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج بما ينفرد به.
فقال الشيخ المعلمي:
"هذا رجل من رجال "الصحيحين" منسوبٌ إلى العقل، لا إلى الغفلة، فكأن الحاكم صَحَّف، قال أبو داود: كان يُقال هو أعقل أهل البصرة.
وقال البزار: كان من خيار الناس وعقلائهم.
وقال أحمد وأبو داود: ثقة.
وقال ابن عدي: لم أر أحدا من المتقدمين نسبه إلى الضعف، وأكثر ما فيه أن روايته عن قتادة فيها أحاديث ليست بمحفوظة، وهو مع ذلك كله عندي لا بأس به.
فكأن ابن حبان رأى بعض حديثه عن قتادة غريبا، فأطلق.
وروايته هنا ليست عن قتادة، وإنما هي قصة جرت لأيوب شهدها سلام، وليس ذلك من مظنة الغلط". اهـ.
• وفي ترجمة: سلمة بن كلثوم رقم (103) منه:
أبو توبة: حدثنا سلمة بن كلثوم، وكان من العابدين، ولم يكن في أصحاب الأوزاعي أحيى منه، قال: قال الأوزاعي لما مات أبو حنيفة
…
فرد الكوثري هذه الحكاية بقوله: يقول عنه الدارقطني: كثير الوهم -يعني سلمة.
فقال الشيخ المعلمي:
"عبارة الدارقطني على ما في "التهذيب": "يهم كثيرا"، وليست حكايته هذه مظنة للوهم، وقد توبع عليها، وقال أبو اليمان: كان يقاس بالأوزاعي". اهـ.
• وفي ترجمة: محمد بن أعين أبي الوزير رقم (194) من "التنكيل":
أنه حضر واقعة لعبد الله بن المبارك
…
كما في "تاريخ بغداد"(ج 13 ص 384)، وقد كان خادمه ووصيه، فطعن الكوثري في الحكاية بقوله: وكون المرء خادما أو كاتبا أو وصيا أو معتمدا عنده في شيء ليس بمعنى توثيقه في الرواية عندهم
…
فقال الشيخ المعلمي:
"
…
وابن أعين قالوا: أوصى إليه ابن المبارك وكان من ثقاته، وابن المبارك كان رجلا في الدين، ورجلا في الدنيا، فلم يكن ليعتمد بثقته في حياته وإيصائه بعد وفاته إلا إلى عدل أمين يقظ، لا يُخشى منه الخطأ في حفظ وصاياه وتنفيذها، فهذا توثيق فعلي، قد يكون أبلغ من التوثيق القولي.
غاية الأمر أنه قد يقال: ليس من الممتنع أن يكون ابن أعين ممن ربما أخطأ في المواضع الملتبسة من الأسانيد، وهذا لا يضر هنا؛ لأن روايته في "تاريخ بغداد" إنما هي واقعة لابن المبارك
…
". اهـ.
• وفي ترجمة: إسحاق بن إبراهيم الحنيني رقم (42) من "التنكيل":
في "تاريخ بغداد"(13/ 396) من طريق: الحسن بن الصباح، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني قال: قال مالك
…
... قال البزار: كُفَّ بصرُهُ، فاضطربَ حديثُه.
قال المعلمي:
"
…
كلمةُ البزار تقضي أن حديثَه كان قبل عماه مستقيما، فينظر متى عمي؟ ومتى سمع منه الحسن بن الصباح؟ وهل روايته التي ساقها الخطيب من مظانِّ الغلط؟ ". اهـ.
• وفي ترجمة: مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار أبي مصعب اليساري الأصم، رقم (247) من "التنكيل":
في "تاريخ بغداد"(13/ 399) من طريق القاسم بن المغيرة الجوهري حدثنا مطرف أبو مصعب الأصم قال: سئل مالك بن أنس عن قول عمر في العراق: بها الداء العضال. قال: الهلكة في الدين
…
فرد الكوثري هذا الأثر بقول ابن عدي في مطرف: يروي المناكير عن ابن أبي ذئب ومالك.
فقال الشيخ المعلمي بعد النظر فيما أورده ابن عدي في ترجمة مطرف من أحاديث:
"والأثر: إن بالعراق الداء العضال، ثابت في "الموطأ" عن مالك، ومطرف يقول: سئل مالك، فليس هنا مظنة الخطأ.
ومطرف قال فيه أبو حاتم: مضطرب الحديث، صدوق. ورجحه على إسماعيل ابن أبي أويس.
وقال ابن سعد والدارقطني: ثقة.
وروى عنه أبو زرعة، ومن عادته أن لا يروي إلا عن ثقة، كما مر مرارا، وروى
عنه البخاري في "صحيحه"". اهـ.
• وفي ترجمة: مؤمل بن إسماعيل رقم (253) من "التنكيل":
قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال أبو زرعة: في حديثه خطأ كثير.
ووثقه إسحاق بن راهويه ويحيى بن معين، ووثقه أيضًا ابن سعد والدارقطني، ووصفاه بكثرة الخطأ، ولَخَّصَ محمد بن نصر المروزي حاله، فقال: إذا انفرد بحديثٍ وجب أن يُتوقف فيه ويُتثبت؛ لأنه كان سيء الحفظ، كثير الغلط.
فَحَدُّهُ أن لا يُحتج به إلا فيما توبع فيه، وفيما ليس من مظانِّ الخطأ". اهـ.
• وفي ترجمة: علي بن عاصم رقم (162):
قال الشيخ المعلمي:
"فأما علي بن عاصم فالذي يظهر من مجموع كلامهم فيه أنه خلط في أول أمره، ثم تحسَّنت حالُه، وبقي كثرة الغلط والوهم، فما حدث به أخيرا ولم يكن مظنة الغلط فهو جيد". اهـ.
* * *