المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشرط الثاني: البلوغ - النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد - جـ ٣

[إبراهيم بن سعيد الصبيحي]

فهرس الكتاب

- ‌الْقسم الثالث«القواعد النظرية والاستقرائية التي بنى عليها المعلمي منهجه في النقد»

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأولفي فصول نافعة في السنة وأهلها، وعناية الأئمة بها، ومدح أصحاب الحديث، وذم مخالفيهم من أهل الكلام والرأي

- ‌الفصل الأولفي تعريف "السنة

- ‌الفصل الثانيفي منزلة السنة من الدين

- ‌الفصل الثالثكتابة الحديث في العهد النبوي، وأسباب عدم انتشار ذلك حينئذٍ، والاستدلال بحفظ الله تعاله للسنة على دحض شبهات المخالف

- ‌الفصل الرابعتحقيق المقال في الأحاديث الواردة في النهى عن كتابة الحديث

- ‌الفصل الخامسعناية الأئمة بحفظ السنة واحتياطهم البالغ في نقد الرواة والأخبار

- ‌الفصل السادسفي الانتصار لأصحاب الحديث، وبيان مراعاتهم للعقل في نقد الأسانيد والمتون، وذم ما عليه المتكلمون والمتفلسفون لخوضهم في غوامض المعقول

- ‌الفصل السابعفي بيان بعض ما انتقد على أهل الرأي والكلام والكُتَّاب العصريين في دفع الصحيح من المرويات وقدح الثقات من الرواة وغير ذلك

- ‌الفصل الثامنفي رفع الإشكال عن كلمات في ذم الحديث وطلبته خرجت من أصحابها دون قصد ظاهرها

- ‌الفصل التاسعالإشارة إلى إعراض كثير من الناس في العصور المتأخرة عن هذا العلم العظيم، ووجوب تسليم مَن دون أئمة الحديث لهم في معرفة المقبول من المردود

- ‌الباب الثانيفي قواعد نقد الخبر وشرائط قبول الحديث

- ‌الفصل الأولالقواعد النظرية ومنزلتها من النقد

- ‌الفصل الثانيمراتب نقد الخبر، وشرائط قبول الحديث

- ‌المرتبة الأولى: النظر في أحوال رجال سنده واحدًا واحدًا

- ‌الشرط الأول: الإسلام

- ‌الشرط الثاني: البلوغ

- ‌الشرط الثالث: العقل

- ‌الشرط الرابع: العدالة

- ‌المبحث الأولفي معنى العدالة

- ‌المبحث الثانيفي ذكر بعض شروط تحقيق العدالة

- ‌المبحث الثالثفي عدالة الصحابة

- ‌المبحث الرابعفي عدالة التابعين

- ‌المبحث الخامسأوجه الطعن في العدالة

- ‌الوجه الأولرمي الراوي بالكذب في الحديث النبوي

- ‌المطلب الأولفي بيان حفظ الله تعالى للسنة من اختلاط الكذب ونحوه بها وأن وقوع الكذب في الرواية لا يمنع من معرفة الصدق فيها

- ‌المطلب الثانيفي ذم الكذب

- ‌المطلب الثالثفي الرواية عن الكذابين والمتروكين ونحوهم

- ‌المطلب الرابعفي رواية الأحاديث المكذوبة والباطلة والمنكرة في الكتب

- ‌المطلب الخامسفي سرقة الحديث

- ‌أولًا: المقصود بسرقة الحديث:

- ‌ثانيًا: الباعث على سرقة الحديث وقيمة معرفة ذلك:

- ‌ثالثًا: من دلائل الاتهام بسرقة الحديث:

- ‌رابعًا: بعض مسالك الكذابين والسارقين:

- ‌1 - تركيب الأسانيد على متون مسروقة:

- ‌2 - السارق يُدخل الحديثَ على من لا يُظن به الكذب ترويجًا له:

- ‌3 - الكذب على المغمورين أبعد عن الفضيحة:

- ‌4 - أمثلة للتهمة بسرقة الحديث ونظر المعلمي في ذلك:

- ‌خامسًا: السارق لا يُعتد بمتابعته:

- ‌المطلب السادسمن قواعد الحكم على الحديث بالبطلان أو الوضع، وأنه لا يلزم اشتمال إسناده على كذاب

- ‌أولا: قال الشيخ المعلمي في مقدمة الفوائد المجموعة:

- ‌ثانيًا: نماذج من تطبيق المعلمي لتلك القواعد:

- ‌الوجه الثانيأنواع من الكذب تُلحق بالكذب في الحديث النبوي

- ‌الوجه الثالثرمي الراوي بالكذب في غير الحديث النبوي

- ‌الوجه الرابعالتهمة بالكذب

- ‌الوجه الخامسخوارم المروءة

- ‌الوجه السادسالبدعة

- ‌ قال العلامة المعلمي في كتاب "الاستبصار

- ‌ وقال في "عمارة القبور

- ‌ وقال المعلمي في القاعدة الثالثة من قسم القواعد من "التنكيل

- ‌الوجه السابعالجهالة

- ‌الفائدة الأولى: مناهج بعض الأئمة في توثيق المجاهيل

- ‌الفائدة الثانية: المجهول قد يَسْقُطُ أو يُتَّهَمُ بما يرويه إذا قامت القرائن على ذلك:

- ‌الفائدة الثالثة: عدم وقوف أمثالنا على ترجمة للرجل لا يُسَوِّغُ لنا الحكم عليه بالجهالة:

- ‌الفائدة الرابعة: أمثلة لـ: "مجهول الحال

- ‌الشرط الخامس من الشروط الواجب توفرها في الراوي: الضبط

- ‌ ضبط الصدر

- ‌المسألة الأولىالأصل فى الحفظ هو حفظ الصدور

- ‌المسألة الثانيةضبط الصغير المميز

- ‌المسألة الثالثةفي بيان حد الضابط لحديثه، وهل من شرط الضابط أن لا يقع له النسيان أو الشك

- ‌المسألة الرابعةهل الضبط يتجزأ

- ‌المسألة الخامسةالأمية وأثرها في ضبط الراوي

- ‌المسأله السادسةأوجه الطعن في ضبط الراوي أو مظاهر خفة ضبط الراوي

- ‌الوجه الأولوقوع الخطأ في حديث الراوي

- ‌المطلب الأولتفاوت درجات وقوع الخطأ في حديث الراوي، وأثر ذلك في الحكم عليه بالقبول والرد

- ‌المطلب الثانيالإصرار على الخطأ وأثره في قبول الراوي

- ‌الوجه الثاني من أوجه الطعن في ضبط الراوي

- ‌المطلب الأولكبر السن أو ذهاب البصر لا يستلزم التغير، فإنا كان فإنه لا يستلزم الاختلاط الاصطلاحي

- ‌المطلب الثانيقد يتغير الرجل أو يختلط ولا يظهر له في ذلك الحال ما يُنكر عليه

- ‌المطلب الثالثرواية حاكي الاختلاط عن المختلط هل يُعتد بها

- ‌الوجه الثالث من أوجه الطعن في الضبط: قبول التلقين

- ‌المطلب الأولمعنى التلقين وعلاقته بالوضع ونحوه

- ‌المطلب الثانيجواز التلقين على سبيل الامتحان مع بيان ذلك في المجلس وأن الشيخ يسقط بكثرة قبوله له

- ‌المطلب الثالثالإعلال باحتمال وقوع التلقين ممن جُرِّبَ عليه ذلك

- ‌الوجه الرابع من أوجه الطعن في الضبط: الإدخال في حديث الراوي

- ‌المطلب الأولالإدخال القادح وغير القادح

- ‌المطلب الثانيشأن من أُدخلت عليه أحاديث ألا يُقبل منه إلا ما رواه عنه متثبت ينظر في أصول كتبه

- ‌المطلب الثالثقد يسقط الرجل إذا حدث بأحاديث أدخلت عليه

- ‌الوجه الخامس من أوجه الطعن في الضبط: الغفلة

- ‌الوجه السادس من أوجه الطعن في الضبط: النسيان

- ‌ ضبط الكتاب

- ‌المطلب الأولأهميةُ الضبطِ بالكتابة، وعنايةُ المحدثين بأصلِ السماعِ، والمطالبةُ به إذا حَدَثتْ رِيبةٌ، وهل يُغمزُ الراوي حينيذٍ إذا لم يُبْرِزْهُ؟ وهل يُعذر أحيانا إذا لم يبرز بروايته أصلا

- ‌المطلب الثانيصحة كتاب الراوي تغني عن النص على ضبطه إذا كان صدوقا

- ‌المطلب الثالثهل تصح رواية الراوي من غير أصله إذا وثق به

- ‌المطلب الرابعهل الروايةُ من أصلٍ موثوقٍ فيه موثوقٍ أمتنُ أم الرواية من الحفظ

- ‌المطلب الخامستقديم المفضول على الفاضل في شيخٍ لروايته عنه من أصله

- ‌المطلب السادسرواية أهل الثبت والتحري عمن في أصوله سُقْمٌ واضطراب ونحو ذلك

- ‌المطلب السابعوقع الخطأ في الحداثة وبقاؤه في الأصل العتيق للشيخ

- ‌المطلب الثامنضياع الكتب أو دفنها وأثر ذلك على ضبط الراوي

- ‌المطلب التاسعرواية الضرير من كتبه

- ‌المطلب العاشرفوائد تتعلق بالنُسَخِ والأصولِ، وذِكْرِ التسميعات والتصحيحات، وعادة المحدثين في كتابة السماع في كل مجلس، وكيف تصح رواية الحفاظ المتأخرين للكتب الستة ونحوها

- ‌كثرةُ التسميعات والتصحيحات في الأصول القديمة لا ينفي وقوع الخلل فيها

- ‌عادةُ المحدثين كتابةُ السماع في كل مجلس، وما يترتب على ذلك

- ‌استغناء أهل العلم بالوثوق بصحة النسخة عن اشتراهما صحة السند إليها

- ‌المرتبة الثانية: النظر في اتصال الخبر

- ‌المطلب الأولقضية اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين

- ‌1 - البحث الذى ذكره الشيخ المعلمي في "عمارة القبور

- ‌2 - القاعدة التاسعة من مقدمة "التنكيل" تحت عنوان: مباحث في الاتصال والانقطاع:

- ‌المبحث الأول

- ‌المبحث الثاني

- ‌المبحث الثالث

- ‌المبحث الرابع

- ‌المبحث الخامس

- ‌3 - جواب المعلمي

- ‌المطلب الثانيفوائد متفرقة تتعلق بقضية التدليس

- ‌الأولى: أثر التدليس على العدالة

- ‌الثانية: الفرق بين حدِّ التدليس والإرسال:

- ‌الثالثة: الوصف بمطلق التدليس يُحمل على أخف أنواعه وهو: تدليس الشيوخ، أما تدليس التسوية فلا بد فيه من التصريح به:

- ‌الرابعة: عنعنة المدلسين داخل "الصحيحين

- ‌الخامسة: الإعلال بالتدليس:

- ‌المطلب الثالثضرورة إجراء القواعد في نقد صيغ الأداء الواردة في الأسانيد

- ‌المطلب الرابعقضايا ومسائل تتعلق بالسماع

- ‌1 - معنى السماع بمعناه الواسع:

- ‌2 - نفي السماع لا يلزم منه انتفاء جميع صور التحمل كالإجازة والمكاتبة ونحوها:

- ‌3 - لا ملازمة بين عدم التحديث وعدم اللقاء أو السماع؛ فإن كثيرا من الرواة لقوا جماعة من المشايخ وسمعوا منهم ثم لم يحدثوا عنهم بشيء:

- ‌4 - عادة المحدثين إثبات سماع الحاضرين في مجالس السماع:

- ‌المطلب الخامسالاعتماد على النظر في سني الولادة والوفاة للرواة لبحث قضية السماع أو الإدراك لاسيما إذا لم توجد نصوص في ذلك

- ‌المطلب السادسنقد بعض صور التحمل سوى السماع

- ‌1 - الوجادة:

- ‌2 - الإجازة:

الفصل: ‌الشرط الثاني: البلوغ

‌الشرط الثاني: البلوغ

قال المعلمي في "الاستبصار"(ص 15):

"وأما البلوغ فهو حَدُّ التكليف، ولا يتحقق الخوف من الله عز وجل والخوف من الناس إلا بعده؛ لأن الصبي مرفوع عنه القلم، فلا يخاف الله عز وجل، وكذلك لا يخاف الناس؛ لأنهم إن ظهروا على كذبٍ منه قالوا: صبي، ولعله لو قد بلغ وتمَّ عقلُه لتحرز، ومع هذا فلا تكاد تدعو الحاجة إلى رواية الصبي؛ لأنه إن روى فالغالب أن المروي عنه حي، فيُراجع، فإن كان قد مات فالغالب إن كان الصبي صادقًا أن يكون غيره ممن هو أكبر قد سمع من ذلك المخبر أو غيره، فإن اتفق أن لا يوجد ذلك الخبر إلا عند ذلك الصبي فمثل هذا الخبر لا يوثق به.

هذا، وعامَّةُ الأدلة على شرع العمل بخبر الواحد موردها في البالغين. اهـ.

قال أبو أنس:

ما ذكره الشيخ المعلمي: ينطبق على الراوي حال الأداء، أما التحمّل ففي الكُتب المعنية بهذا الشأن جدلٌ وكلامٌ لكبار الأئمة بهذا الصدد، أرى من تمام الفائدة أن ألقي الضوء عليها:

• فمن أول من تعرض لهذه المسألة: الرامهرمزي في كتاب "المحدث الفاصل" ففيه باب: "القول في أوصاف الطالب والحد الذي إذا بلغه صلح يطلب فيه".

وهو باب طويل، أسند فيه إلى ابن عيينة قوله: قال الزهري: ما رأيت طالبا للعلم أصغر منه، يعنيني، وسمعت منه وأنا ابن خمس عشرة سنة. قال الرامهرمزي: وقد أخبر ابن عيينة من رواية الجوهري أنه كتب عن الزهري وهو ابن خمس عشرة، فصار بين ابتداء كتبه عنه إلى يوم توفي الزهري سنتان أو نحوهما، واستصغره الزهري لخمس عشرة، وهي حدّ البلوغ عند مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد.

ص: 132

ثم قال: وحكى لي حال أن الأوزاعي سُئل عن الغلام يكتب الحديث قبل أن يبلغ الحدَّ الذي تجري عليه فيه الأحكام؟ فقال: إذا ضبط الإملاء جاز سماعه وإن كان دون العشر، واحتج بحديث سبرة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر".

قال: وهذه حكاية عن الأوزاعي لا أعرف صحتها، إلا أنها صحيحة الاعتبار؛ لأنَّ الأمر بالصلاة والضرب عليها إنما هو على وجه الرياضة، لا على وجه الوجوب. وكذلك كَتْبُ الحديث، إنما هو لِلِّقاء وتحصيل السماع، وإذا كان هذا هكذا فليس المعتبر في كَتب الحديث البلوغ ولا غيره، بل يُعتبر فيه الحركة والنضاجة والتيقظ والضبط.

قال: وقد دَلَّ قولُ الزهري: ما رأيت طالبا للعلم أصغر من ابن عيينة، على أن طلاب الحديث عصر التابعين كانوا في حدود العشرين، وكذلك يُذكر عن أهل الكوفة

وذكر أخبارا في ذلك.

ثم قال: ولو كان السماع لا يصح إلا بعد العشرين لسقطت رواية كثير من أهل العلم سوى من هو في عداد الصحابة ممن حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، ثم ذكر من هؤلاء: الحسن بن علي، وعبد الله بن عباس، قال: وقال علي بن المديني: حفظ المسور بن مخرمة وهو ابن ثمان، وحفظ عمر بن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين، وكذلك السائب بن يزيد، وكذلك سهل بن أبي حثمة وثابت بن الضحاك الأشهلي، هؤلاء أبناء ثمان سنين، فأما عبد الله بن حنظلة الراهب، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن سبع سنين، وله رواية.

قال: وقال أحمد بن حنبل: حدثني ثابت بن الوليد بن عبد الله بن جميع حدثني أبي قال: قال أبو الطفيل: أدركت ثماني سنين من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولدت عام أحد.

وإلى مسلمة بن مخلد قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن أربع سنين، ومات وأنا ابن أربع عشرة.

ص: 133

ثم ذكر حكايات في حضور ما عُبِّرَ عنه بـ"الصبيان" مجالس بعض المشايخ مثل: الأعمش، وحماد بن سلمة، وعبد الله بن المبارك، وإسماعيل بن رجاء، ثم ذكر حكاية عن ابن عيينة استدل بها على أنه حفظ عن عبدة بن أبي لبابة وهو ابن عشر أو في حدودها.

• ثم جاء الخطيب فذكر في كتابه "الكفاية"(ص 54) بابًا في: "ما جاء في صحة سماع الصغير"، صدَّره بقوله: قد اختلف أهل العلم في التحمُّل قبل البلوغ، فمنهم من صحح ذلك، ومنهم من دفع صحته.

قال: قلَّ من كان يثبت -وفي رواية: يكتب- الحديث على ما بلغنا في عصر التابعين وقريبًا منه إلا من جاوز حدَّ البلوغ، وصار في عداد من يصلح لمجالسة العلماء ومذاكرتهم وسؤالهم.

وقيل إن أهل الكوفة لم يكن الواحد منهم يسمع الحديث إلا بعد استكماله عشرين سنة، ويشتغل قبل ذلك بحفظ القرآن وبالتعبد.

وقال قوم: الحد في السماع خمس عشرة سنة: وقال غيرهم: ثلاث عشرة، وقال جمهور العلماء: يصح السماع لمن سنه دون ذلك، وهذا عندنا هو الصواب.

ثم ذكر الخطيب حكايات عن بعض العلماء تؤيد ما ذكره آنفا، ثم نقل عن الرامهرمزي -وهو ابن خلاد- ما نقلناه عنه قريبا في سماع جماعة من الصحابة وهم صبية، وزاد: وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين، وابتنى بها وهي بنت تسع، وروت عنه ما حفظته في ذلك الوقت. وروى معاوية بن قرة المزني عن أبيه قال: كنت غلاما صغيرا فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسي ودعا لي.

وممن كثرت الرواية عنه من الصحابة وكان سماعه في الصغر: أنس بن مالك، وعبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري.

وكان محمود بن الربيع يذكر أنه عقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه من دلو كان معلقا في دارهم، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله خمس سنين.

ص: 134

ثم ذكر الخطيب بأسانيده سماع طائفة من الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم وهم صغار، ثم ذكر جماعة كسعيد بن عامر وسفيان بن عيينة احتج أهل العلم بروايتهم ما سمعوه قبل الاحتلام.

ثم أسند الخطيب إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي: متى يجوز سماع الصبي في الحديث؟ فقال: إذا عقل وضبط. قلت: فإنه بلغني عن رجل سميته أنه قال: لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنة؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رد البراء وابن عمر استصغرهم يوم بدر، فأنكر قوله هذا، وقال: بئس القول، يجوز سماعه إذا عقل، فكيف يصنع بسفيان بن عيينة ووكيع، وذكر أيضًا قوما.

وفي رواية لاحقة عن أحمد أيضًا: "إنما ذلك في القتال، يعني: ابن خمس عشرة سنة"، أو كلاما ذا معناه، وفي أخرى: سئل عن سماع الصغير متى يصح؟ قال: إذا عقل. وسئل عن إسحاق بن إسماعيل وقيل له: إنهم يذكرون أنه كان صغيرا، فقال: قد يكون صغيرا يضبط. قيل له: فالكبير وهو لا يعرف الحديث ولا يعقل؟ قال: إذا كتب الحديث فلا بأس أن يرويه.

قال الخطيب: أراد أبو عبد الله بذلك أن يكون الكبير يضبط كتابه، غير أنه لا يعرف علل الأحاديث واختلاف الروايات ولا يعقل المعاني واستنباطها، فمثل هذا يكتب عنه لصدقه وصحة كتابه وثبوت سماعه.

وممن قال بما استنكره أحمد: ابن معين.

فأسند الخطيب إلى عباس الدوري قال: سمعت يحيى بن معين يقول: حد الغلام في كتاب الحديث: أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة، أو كما قال (1).

(1) قال السخاوي في "فتح الغيث"(2/ 12): "على أن قول ابن معين هذا يُوَجَّهُ بحمله على إرادة تحديد ابتداء الطلب بنفسه، أما من سمع اتفاقا أو اعتُني به فسُمِّعَ وهو صغير فلا". وهذا قاله ابن حجر في "الفتح"(1/ 206) بلفظه.

ص: 135

وإلى أبي داود السجستاني قال: سمعت الحسن بن علي يعني الحلواني يقول: سمعت يزيد يعني ابن هارون يقول: مقدار الغلام عندنا في الحديث يعني ثلاث عشرة سنة، ثم أورد الخطيب حديثا لحفص بن غياث من رواية علي بن المديني عنه، وذكر ابن المديني عن حفص قوله: سمعت هذا الحديث من سبعين سنة ولم أبلغ عشر سنين.

ثم اسند إلى الرامهرمزي ما نقلناه عنه آنفا حتى قوله:

فليس المعتبر في كتب الحديث البلوغ ولا غيره، بل يعتبر فيه الحركة والنضاجة والتيقظ والضبط. فقال الخطيب: قد تقدمت منا الحكاية عن بعض أهل العلم أن السماع يصح بحصول التمييز والإصغاء حسب، ولهذا بكروا بالأطفال في السماع من الشيوخ الذين علا إسنادهم.

ثم ذكر شواهد على ذلك، منها: رواية الدبري عن عبد الرزاق، وقد مات الثاني وللأول ست سنين أو سبع، قال الخطيب: روى الدبري عن عبد الرزاق عامّة كتبه، ونقلها الناس عنه، وسمعوها منه.

ومنها: رواية القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي عن أبي علي اللؤلؤي كتاب "السنن" لأبي داود وأكبر سن سمعه فيه وله خمس سنين. قال الخطيب: واعتد الناس بذلك السماع ونقل عنه الكتاب عامةُ أهل العلم من حفاظ الحديث والفقهاء وغيرهم.

ثم ذكر حالات كأنها نادرة مستظرفة في سماع البعض في سن الرابعة، وأخرى في سن أقل من الثالثة.

ثم أسند إلى موسى بن هارون الحمال وسأله أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن بكير التميمي: متي يسمع الصبي الحديث؟ فقال: إذا فرق بين البقرة والحمار.

ثم عاد الخطيب بعد أبواب، فذكر فصل (ص 76) قال فيه:

قد ذكرنا حكم السماع، وأنه يصح قبل البلوغ، وأما الأداء بالرواية فلا يكون صحيحا يلزم العمل به إلا بعد البلوغ، ويجب أيضًا أن يكون الراوي في وقت أدائه عاقلا مميزا.

ص: 136

واستدل الخطيب على ذلك بحديث أبي الضحى عن علي (ولم يدركه) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق"(وفي الحديث خلاف كثير، وفي رفعه ووقفه وغير ذلك، راجع نصب الراية 4/ 209).

قال الخطيب: ولأن حال الراوي إذا كان طفلا أو مجنونا دون حال الفاسق من المسلمين، وذلك أن الفاسق يخاف ويرجو ويتجنب ذنوبا ويعتمد قربات، وكثير من الفساق يعتقدون أن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعمد له ذنب كبير وجرم غير مغفور، فإذا كان خبر الفاسق الذي هذه حاله غير مقبول، فخبر الطفل والمجنون أَوْلى بذلك، والأمة مجمعة على ما ذكرناه، لا نعرف بينها خلافا فيه.

هذا آخر ما أورده الخطيب حيال هذه القضية.

ولخص أبو عمرو بن الصلاح ذلك، وجمع شتاته في النوع الرابع والعشرين من كتابه "معرفة علوم الحديث" (ص 241) فقال:

"يصح التحمل قبل وجود الأهلية، فتقبل رواية من تحمل قبل الإسلام وروى بعده، وكذلك رواية من سمع قبل البلوغ وروى بعده، ومنع من ذلك قوم فأخطئوا؛ لأن الناس قبلوا رواية أحداث الصحابة كـ: الحسن بن علي، وابن عباس، وابن الزبير، والنعمان بن بشير، وأشباههم من غير فرق بين ما تحملوا قبل البلوغ وما بعده، ولم يزالوا قديما وحديثا يحضرون الصبيان مجالس التحديث والسماع، ويعتدون بروايتهم لذلك، والله أعلم".

ثم قال بعد قليل:

"أما الاشتعال بكتبة الحديث وتحصيله وضبطه وتقييده، فمن حين يتأهل لذلك ويستعد له، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، وليس ينحصر في سن مخصوص".

ص: 137

ثم ذكر الاختلاف في أول زمان يصح فيه سماع الصغير، فأورد ما سبق نقله عن موسى بن هارون، وأحمد بن حنبل في ذلك.

ثم نقل عن القاضي عياض قوله: قد حدد أهل الصنعة في ذلك أن أقله سن محمود بن الربيع. وذكر رواية البخاري في "صحيحه" بعد أن ترجم: "متى يصح سماع الصغير" بإسناده عن محمود بن الربيع قال: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو -وفي رواية أخرى- أنه كان ابن أربع سنين.

هذا ما نقله عن القاضي وأزيد عنه قوله:

وليعلم إنما أرادوا أن هذا السن أقل ما يحصل به الضبط وعقل ما يسمع وحفظه وإلا فمرجع ذلك للعادات؛ فرب بليد الطبع غبي الفطرة لا يضبط شيئًا فوق هذا السن.

ثم قال ابن الصلاح:

"التحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين، فيكتبون لابن خمس فصاعدا: سمع، ولمن لم يبلغ خمسًا: حضر، أو أُحضر.

والذي ينبغي في ذلك أن نعتبر في كل صغير حاله على الخصوص، فإن وجدناه مرتفعا عن حال من لا يعقل فهما للخطاب وردا للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه، وإن كان دون خمس، وإن لم يكن كذلك، لم نصحح سماعه وإن كان ابن خمس بل ابن خمسين".

ثم قال بعد:

"وأما حديث محمود بن الربيع فيدل على صحة ذلك من ابن خمس مثل محمود، ولا يدل على انتفاء الصحة فيما لم يكن ابن خمس، ولا على الصحة فيمن كان ابن خمس ولم يميز تمييز محمود رضي الله عنه، والله أعلم. اهـ

ص: 138

قال أبو أنس:

مع صحة سماع من يُميز ما يسمعه، دون التقيد بسن في ذلك كما سبق رجحانه، فإن الأئمة لم يُنزلوا سماعَ الصغير والكبير منزلة واحدة، فإن من الأسباب التي ربما أعلوا بها رواية رجل عن شيخه إذا قامت القرائن عندهم على ذلك: استصغار الرجل في شيخه؛ كما قيل في:

قبيصة بن عقبة السوائي في سفيان الثوري، وابن وهب في ابن جريح، ومعمر في قتادة وأبي بكر بن أبي الأسود في ابن عيينة، وإسحاق بن إسماعيل الطالقاني في نحو جرير بن عبد الحميد، وغيرهم.

وممن تكلم في بعض هذا السماع للصغر: أحمد بن حنبل، وهو الذي سبق النقل عنه أنه يرى أن الصغر ليس يلزم معه عدم الضبط، وترى شرح ذلك بشيء من التفصيل في رسالتي "ثمرات النخيل في شرح أسباب التعليل".

والله تعالى الموفق.

* * *

ص: 139