الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس
الاعتماد على النظر في سني الولادة والوفاة للرواة لبحث قضية السماع أو الإدراك لاسيما إذا لم توجد نصوص في ذلك
1 -
تعرض الشيخ المعلمي في ترجمة ابن الصلت من "التنكيل" إلى مسألة سماع الإمام أبي حنيفة من بعض الصحابة، فقال هناك (1/ 189):
"قضية سماع أبي حنيفة ترتبط بقضية ميلاده فلا بأس بالنظر فيها هنا". فراجعه فإنه مهم لكنه مطول.
2 -
نقل الذهبي في ترجمة ابن الصلت من "الميزان" عن "تاريخ نيسابور" للحاكم من طريق ابن الصلت: حدثنا محمد بن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال: حججت مع أبي ولي ثمان عشرة سنة، فمررنا بحلقة، فإذا رجل، فقلت: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله عنه.
ثم قال الذهبي: "هذا كذب؛ فابن جزء مات بمصر ولأبي حنيفة ست سنين".
عقبه الكوثري في "التأنيب"(ص 241) بقوله: "تغافل الذهبي عن أن في مواليد رجال الصدر الأول ووفياتهم اختلافًا كثيرًا لتقدمهم على تدوين كتب الوفيات بمدة كبيرة فلا يبت في أغلب الوفيات برواية أحد النقلة، وها هو أبي بن كعب رضي الله عنه من أشهر الصحابة اختلفوا في وفاته من سنة (18) إلى سنة (32) والذهبي يصر على أن وفاته سنة (22) في كتبه جميعًا مع أنه عاش إلى سنة (32) وشارك جمع القرآن في عهد عثمان كما يظهر من طبقات ابن سعد، وأين منْزلة ابن جزء من منْزلة أُبي حتى يبت بوفاة تروي له عن ابن يونس وحده، وقد قال الحسن بن علي الغزنوي أن وفاته سنة (96) كما في "شرح المسند" لعلي القاري، ولعل ذلك هو الصواب في وفاته .. ".
فَكَرَّ عليه الشيخُ المعلمي في ترجمه ابن الصلت من "التنكيل"(1/ 183) بقوله: "الجواب من وجوه:
الأول: وقوع الاختلاف في ذلك في الجملة إنما هو بمنْزلة وقوعه في أدلة الأحكام لا يبيح إلغاء الجميع جملة بل يؤخذ بما لا يخالف له وينظر في المتخالفين فيؤخذ بأرجحها، فإن لم يظهر الرجحان أخذ بما اتفقا عليه، مثال ذلك ما قيل في وفاة سعد ابن أبي وقاص سنة 51، 54، 55، 56، 57، 58، فإن لم يترجح أحدها أخذ بما دل عليه مجموعها أنه لم يعش بعد سنة 58. فإن جاءت رواية عن رجل أنه لقي سعد بمكة سنة 65 مثلًا استنكرها أهل العلم، ثم ينظرون في السند فإذا وجدوا فيه من لم تثبت ثقة حملوا عليه. فابن جزء قيل في وفاته سنة 85، 86، 87، 88، وأرجحها الثاني لأنه قول ابن يونس مؤرخ مصر وهي مع ذلك مجتمعة على أنه لم يعش بعد سنة 88، فلما جاءت تلك الرواية أنه لقى بمكة سنة 96 أو 98 استنكرها أهل العلم ووجدوا أحق من يحمل عليه ابن الصلت فأما قول الغرنوى المتأخر أن ابن جزء توفي سنة 99 فهو من نمط ما في (المناقب) للموفق ج 1 ص 26 روى من طريق الجعابي القصة وفيها أن اللقاء كان سنة 96 ثم حكى عن الجعابي أن ابن جزء مات سنة 97 فهذان القولان مع تأخر قائليهما إنما حاولا بهما تمشية القصة، رأيا أن فيها أن اللقاء كان بالموسم وأن المعروف في وفاة ابن جزء أنها بمصر بقرية يقال لها سفط القدور كما جاء عن الطحاوي وأن من شهد الموسم لا يمكن أن يصل إلى مصر إلا في السنة التالية فبنيا على ذلك ولم تمكنهما الزيادة على ذلك لئلا تفحش المخالفة لما نقل عن المؤرخين جدًّا.
الوجه الثاني: ابن جزء أقرب إلى عصر تدوين الوفيات من أبي بن كعب ففي (فهرست ابن النديم) ص 281 أن لليث بن سعد تاريخًا، وتواريخ المحدثين مدارها على بيان الوفيات والليث ولد سنة 94 ومات سنة 175 ومن أشهر شيوخه يزيد بن
أبي حبيب المتوفى سنة 128 وهو أشهر الرواة عن ابن جزء. وفي (تدريب الراوي) في شرح النوع الستين: "وقال سفيان الثوري لا استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ" والثوري ولد سنة 97 ومات سنة 161 فيظهر أن البحث والسؤال عن الوفيات قد شرع فيه في حياة الرواة عن ابن جزء وهكذا غيره ممن تأخرت وفاته فلم يكن بين العوني وبين الصحابي إلا رجل واحد فيخبره عما أدركه بخلاف الحال في متقدمي الوفاة كأُبيّ بن كعب.
الوجه الثالث: كان الصحابة في عهد أبي بن كعب متوافرين فلم يكن لطلبة العلم كبير حرص على لقائه لأنهم يجدون غيره من الصحابة ويرون أنه مات لم يفتهم شيء لبقاء كثير من الصحابة، وهو لعلمه بذلك لم يكن يبذل نفسه حتى نسب إلى شراسة الخلق فلعله لم يكن يتجشم لقاءه إلا ذوو الأسنان، فإذا نظرنا في الرواة عنه فلم نجد فيهم إلا من كان رجلًا في عهد عمر لم يكن في ذلك دلالة بينة على أنه توفي في عهد عمر، فأما ابن جزء فكان آخر الصحابة بمصر فطلبة العلم بغاية الحرص على السماع منه لأنهم يرون أنه إن مات لم يجدوا صحابيًا آخر وتزلوا طبقة كظيمة وهو لعلمه بذلك يبذل نفسه لتحديث من يريد أن يسمع منه، صغيرًا كان أم كبيرًا كما كان سهل بن سعد يقول:"لو مت لم تسمعوا أحدًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" كما في ترجمته من (الاستيعاب)، يحرضهم بذلك والله أعلم على السماع منه. ولما مات أنس قال مورق العجلي: ذهب اليوم نصف العلم. قيل كيف ذاك؟ قال: كان الرجل من أهل الأهواء إذا خالفنا في الحديث قلنا تعال إلى من سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فالظن بمن كان من طلحة العلم بمصر أنه إذا بلغ سن الطلب في حياة ابن جزء كان أهم شيء عنده أن يلقاه ويسمع منه فلو عاش ابن جزء إلى سنة 97 أو 99 لكان في الرواة عنه من لم يبلغ سن الطلب إلا قبل ذلك بقليل، ولو كان فيهم من هو كذلك لأشتهر أمره لعلو سنده ولما خفي على مثل ابن يونس وغيره ممن
ذى وفاة ابن جزء، وقد تتبع الرواة عن ابن جزء فإذا أخرهم وفاة عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب توفي سنة 131 وقد روى عبيد الله أيضًا عن ناعم مولى أم سلمة ووفاة ناعم سنة 80 على ما قيل ولم يذكروا خلافه.
الوجه الرابع: لو حج ابن جزء سنة ست وتسعين أو ثماني وتسعين في الموسم واجتمع الناس حواليه كما تزعمه تلك الرواية لكان من حضر الموسم من أهل العلم وطلبة الحديث أحرص الناس على لقائه والسماع منه، أنه لم يبق حينئذ على وجه الأرض صحابي سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحدث عنه إلا هو فرض صحة الرواية، ثم لتناقلوا ما يسمعون منه وتنافسوا فيه لعلوه، ولا سيما ذاك الحديث المذكور في تلك الرواية "من تفقه في دين الله كفاه الله همه ورزقه من حيث لا يحتسب" فإن فيه بشارة عظيمة لهم وفضيلة بينة وترغيبًا في طلب العلم، ولا يعرفونه من رواية غيره فما بالنا لا نجد لذلك أثرًا إلا ما تضمنته تلك القصة؟
الوجه الخامس: لو لم يكن فيما يدل على تأخر وفاة أُبيّ بن كعب إلا ما أشار إليه الأستاذ من الرواية التي عند ابن سعد لاستنكرها أهل العلم لكن لذلك شواهد وعواضد منها ما روي عن عبد الرحمن بن أبزي أنه قال: "قلت لأبي لما وقع الناس في أمر عثمان يا أبا المنذر" ومنها ما روى عن زر بن حبيش أنه لقي أُبيًا في خلافة عثمان، ومنها ما روي عن الحسن البصري في قصة أن أُبيًا مات قبل مقتل عثمان بجمعة. فأما الرواية في لقى ابن جزء بمكة سنة ست وتسعين أو ثماني وتسعين فلا شاهد لها ولا عاضد. فإن قيل أرأيت لو وجد لها شواهد وعواضد قوية أتقبلونها؟ قلت أن صح سندها فنعم وأي شيء في هذا؟ أرأيت من قامت عليه البينة العادلة بما يوجب القتل أيدرأ عنه القتل أن يقال لو وجدت بينة عادلة بجرح الشهود لما كان عليه قتل؟.
الوجه السادس: متأخرو الوفاة من صاحبٍ قد يقع الاختلاف في تاريخ وفاته لكنه لا يكاد يكون التفاوت شديدًا فعبد الله بن أبي أوفى سنة 86، 87، 88، وسهل ابن سعد الساعدي سنة 88، 91، وأنس سنة 91، 93، 95، وأشد ما رأيته من التفاوت ما قيل في وفاة السائب بن يزيد وذلك نادر مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توفي وللسائب نحو سبع سنين وعامة روايته عن الصحابة، وقد يرسل، أما ابن جزء فروى عن النبي صلى الله عليه وسلم سماعًا ولم يذكروا له رواية عن غيره فالحرص على السماع من ابن جزء محقق بخلاف السائب.
ثم قال الأستاذ: "على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توفي عمن يزيد على مائة ألف من الصحابة ولم تحتو الكتب المؤلفة في الصحابة عشر معشار ذلك ولا مانع من اتفاق كثير منهم في الاسم واسم الأب والنسب لا سيما المقلين في الرواية".
أقول: حاصل هذا أنه يحتمل أن يكون هناك صحابي آخر وافق عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي في الاسم واسم الأب والنسب فيكون هو الذي جاء في تلك القصة أن أبا حنيفة لقيه بمكة سنة 97 أو 98، ولا يخفى أن مثل هذا الاحتمال لا يكفي لدفع الحكم مع أنه قد علم مما تقدم في الوجه الرابع وغيره ما يدفع هذا الاحتمال، فإن كان الأستاذ يشير بقوله:"في الاسم واسم الأب والنسب" ولم يذكر اسم الجد - إلى عبد الله بن الحارث الزبيدي النجراني المكتب فذاك تابعي معروف.
ثم ذكر الأستاذ أن ابن عبد البر "نص على أبا حنيفة رأى أنس بن مالك وعبد الله ابن جزء الزبيدي رواية عن ابن سعد".
أقول: يحكي الذهبي عن ابن سعد أنه روى عن سيف بن جابر عن أبي حنيفة أنه رأى أنسًا، ولم أر في (الطبقات) المطبوع لا ذا ولا ذاك فلا أدري أفي كتاب آخر لابن سعد؟ أم حكاية مفردة رويت بسند، فإن كان الثاني فلا أدري ما حال ذاك السند وكيف وقعت لابن عبد البر زيادة (وعبد الله بن جزء الزبيدي) مع أني لم أعرف
سيف بن جابر، وما دام الحال هكذا فلا تقوم بذلك حجة مع أن صنيع ابن عبد البر في (الاستيعاب) يقتضي أنه لم يعتد بما حكاه في (كتاب العلم) كان رؤية أبي حنيفة لابن جزء، فإنه قال في ترجمة أنس بعد أن ذكر أنه توفي سنة 91 و 92 و 93:"ولا أعلم أحدًا مات بعده ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أبا الطفيل" وقال في ترجمة ابن جزء: "كانت وفاته بعد الثمانين وقد قيل سنة ثمان أو سبع وثمانين سنة خمس وثمانين".
3 -
في ترجمة: عبد الله بن محمد بن حميد أبي بكر بن أبي الأسود من "التنكيل"(18316): قال ابن أبي خيثمة: "كان ابن معين سيء الرأي في أبي بكر بن أبي الأسود".
قال الشيخ المعلمي:
"هذا مجمل، وقد جاء عن ابن معين أنه قال: "ما أرى به بأسا" وجاء عنه أيضًا أنه قال: "لا بأس به ولكنه سمع من أبي عوانة وهو صغير وقد كان يطلب الحديث" فهذا يفسر رواية ابن أبي خيثمة.
وقال ابن المديني: "بيني وبين ابن أبي الأسود ستة أشهر، ومات أبو عوانة وأنا في الكتاب" ومولد ابن المديني سنة 161 وذكر هو أن وفاة أبي عوانة سنة 175 وقال غيره سنة 176.
فعلى ذلك يكون سن ابن أبي الأسود حين وفاة أبي عوانة خمس عشرة سنة أو أكثر -وكان ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي- فقد يكون ساعده هو أو غيره في الضبط، وقد صحيح الجمهور السماع في مثل تلك السن وفيما دونها. نعم يؤخذ من كلام بعضهم أن أبا عوانة توفي سنة 270 ووقع في (تاريخ جرجان) لحمزة السهمي حكاية ذلك عن بعض الحفاظ كما يأتي في ترجمة أبي عوانة، فعلى هذا يكون سن ابن أبي الأسود نحو تسع سنين، لكن ذلك القول شاذ، ومع ذلك فابن تسع سنين قد يصح سماعه عندهم.
والذي يرفع النزاع من أصله أنه ليس في سماع الرجل وهو صغير ما يوجب الطعن فيه، إنما يتوجب الطعن فيه وإنما يتوجه الطعن إذا كان السماع غير صحيح، ومع ذلك كان الرجل يبني عليه ويروي بدون أن يبين، وهذا منتف هاهنا، أما أولًا فلأن احتمال صحة سماعه من أبي عوانة ظاهر، ولا سيما على المعروف من أن وفاة أبي عوانة كانت سنة خمس أو ست وسبعين ومائة. وأما ثانيًا فلأن البخاري وأبا داود والترمذي أخرجوا لابن أبي الأسود ولم يذكروا شيئًا من روايته عن أبي عوانة وذلك يدل على أحد أمرين: إما أن يكون ابن أبي الأسود لم يرو عن أبي عوانة شيئا، وإما أن يكون ربما روى عنه مع بيان الواقع. وعلى هذا فيكون كلام ابن معين وابن المديني إنما هو على سبيل الاحتياط علمًا أنه سمع من أبي عوانة وهو صغير فخشيا أن يعتمد على ذلك فيروي من غير بيان" اهـ.
4 -
حكى الشيخ المعلمي في ترجمة: عبيد الله بن محمد بن حمدان أبي عبد الله ابن بطة العكبري من "التنكيل"(1/ 351) تسعة أمور هي ما ذكره الخطيب فيما انتقد عليه مما يتعلق بالرواية، أولها:
"أنه روى عن حفص بن عمر الأردبيلي عن رجاء بن مرجي (كتاب السنن) له فذكر الخطيب أن أبا ذر عبد بن أحمد الهروي كتب إليه من مكة أنه سمع نصر الأندلسي.
قال: وكان يحفظ ويفهم، فذكر قصة حاصلها أنه سمع من ابن بطة (كتاب السنن) لرجاء بن مرجى من ابن بطة عن الأردبيلي عن رجاء فذكر ذلك للدارقطني، قال:"هذا محال؛ دخل رجاء بن مرجى بغداد سنة أربعين، ودخل حفص بن عمر الأردبيلي سنة سبعين ومائتين، فكيف سمع منه؟ " وذكر الخطيب عن ابن برهان قصة حاصلها أن ابن بطة ورد بغداد فحدث عن حفص بن عمر الأردبيلي عن رجاء بن مرجى (كتاب السنن) قال: "فأنكر ذلك أبو الحسن الدارقطني وزعم أن
حفصًا ليس عنده عن رجاء، وأنه يصغر عن السماع منه، فأبردوا بريدًا إلى (أردبيل) وكان ابن حفص بن عمر حيًا هناك وكتبوا إليه يستخبرونه عن هذا الكتاب، فعاد جوابه بأن أباه لم يرو عن رجاء بن مرجي ولا رآه قط، مولده كان بعد موته بسنين" قال ابن برهان: "فتتبع ابن بطة النسخ التي كتبت عنه وغيَّر الرواية وجعلها عن ابن الراجيان عن (فتح بن) شحرف (1) عن رجاء.
أجاب ابن الجوزي بأن أبا ذر أشعري وأن ابن برهان مبتدع على ما تقدم في ترجمتيهما.
ولا يخفي سقوط هذا الجواب؛ فإن أبا ذر ثقة كما، وابن برهان يدل سياقه للحكاية على أنه صادق فيها، ورواية ابن بطة عن الأردبيلي عن رجاء ثابتة كما تقدم أن الخطيب روى عن الحسن بن شهاب عن ابن بطة بهذا السند، والحسن بن شهاب حنبلي ثقة. ورجاء توفي ببغداد وكان قد أقام بها آخر عمره مدة، والأردبيلي توفي سنة 339 وبين وفاتيهما تسعون سنة، يضاف إليها مدة إقامة رجاء ببغداد آخر عمره؛ لأن الأردبيلي إنما سمع منه -إن كان سمع- بسمرقند، على ما رواه الخطيب عن الحسن بن شهاب، وأضف إلى ذلك مقدار سن الأردبيلي الذي مكَّنه أن يرحل من بلده إلى سمرقند حيث سمع رجاء، وهذان المقداران يمكن حَزْرُهما بعشرين أو ثلاثين سنة تضاف إلى التسعين التي بين الوفاتين، وعلى هذا يكون الأردبيلي بلغ من العمر مائة وبضع عشرة سنة على الأقل، فيكون مولده قريبًا من سنة 220 على الأقل، وهذا باطل حتمًا؛ وبيانه أن عادة الذهبي في (تذكرة الحفاظ) أن يذكر من مشايخ الرجل أقدمهم، وإنما قال في ترجمة الأردبيلي:"سمع أبا حاتم الرازي ويحيى ابن أبي طالب وعبد الملك بن محمد الرقاشي وإبراهيم بن ديزيل" وهؤلاء كلهم
(1) كذا الأصل بالحاء المهملة، وفي (التاريخ)(10/ 373) بالمعجمة.
ماتوا بعد سنة 274 فهل رحل الأردبيلي وسمع سنة 230 فسمع من رجاء بسمرقند ثم رقد بعد ذلك أربعين سنة ثم استيقظ فسمع من الذين سماهم الذهبي؟ فالوهم لازم لابن بطة حتمًا؛ وسببه أنه ساح في أول عمره، فكان يسمع ولا يكتب، ولم يكن يؤمل أن يحتاج آخر عمره إلى أن يروي الحديث، ولهذا لم تكن له أصول، وفي (لسان الميزان):"قال أبو ذر الهروي: جهدت على أن يخرج في شيئًا من الأصول فلم يفعل، فزهدت فيه" وبعد رجوعه من سياحته انقطع في بيته مدة ثم احتاج الناس إلى أن يسمعوا منه فكان يتذكر ويروي على حسب ظنه فيهم، وكأنه سمع (سنن رجاء بن مرجى) من الأردبيلي عن رجل، فتوهم بآخره أن الأردبيلي رواها عن رجاء نفسه، وقد رجع ابن بطة عن هذا السند لما تبين له أنه وهم. والله أعلم" اهـ.
5 -
ذكر الشيخ المعلمي في ترجمة حماد بن سلمة من "التنكيل"(1/ 250) أن الكلام فيه يعود إلى أربعة أوجه، حتى بلغ: الوجه الثالث، فقال:
"زعم بعضهم إنه كان له ربيب يدخل في كتبه وقيل ربيبان وصحَّف بعضهم "ربيب حماد" إلى "زيد بن حماد" راجع (لسان الميزان) ج 2 ص 506.
ومدار هذه التهمة الفاجرة على ما يأتي، قال الذهبي في (الميزان):"الدولابي حدثنا محمد بن شجاع ابن الثلجي حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال: كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث -يعني التي في الصفات- حتى خرج مرة إلى (عبادان) فجاء وهو يرويها، فلا أحسب إلا شيطانًا خرج إليه من البحر فألقاها إليه. قال ابن الثلجي: فسمعت عباد بن صهيب يقول إن حمادًا كان لا يحفظ، وكانوا يقولون إنها دست في كتبه، وقد قيل: إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه".
قال الذهبي: "قلت: ابن الثلجي ليس بمصدق على حماد وأمثاله وقد اتهم. نسأل الله السلامة".
أقول: الدولابي حافظ حنفي له ترجمة في (لسان الميزان) ج 5 ص 41 وهو بريء من هذه الحكاية إن شاء الله إلا في قبوله لها من ابن الثلجي وروايتها عنه. كان ابن الثلجي من أتباع بشر المريسي جهميًا داعية عدوًا للسنة وأهلها
…
فأما ما نسب إليه من التوسع في الفقه وإظهار التعبد فلا يدفع ما تقدم.
وحكايته هذه يلوح عليها الكذب، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي ولد أبوه سنة 135 فمتى ترى ولد إبراهيم؟ ومولد ابن الثلجي كما ذكر عن نفسه سنة 181 فمتى تراه سمع من إبراهيم؟ وفي ترجمة قيس بن الربيع من (التهذيب) شيء من رواية ابن المديني عن إبراهيم، وهذا يشعر بأنه عاش بعد أبيه، وأبوه مات سنة 198، فإذا كان إبراهيم مات سنة 200 فمتى تراه ولد؟ وقد قال الخليلي:"مات وهو شاب لا يعرف له إلا أحاديث دون العشرة، يروي عنه الهاشمي جعفر بن عبد الواحد أحاديث أنكروها على الهاشمي، وهو من الضعفاء".
وحماد بن سلمة توفي سنة 167، ومقتضى ما تقدم أن يكون إبراهيم حينئذ إما صبيا وإما لم يولد، فمتى صحب حماد بن سلمة حتى عرف حديثه وعرف أنه لم يكن يروي تلك الأحاديث حتى خرج إلى "عبادان"؟ وكيف عرف هذا الأمر العظيم ولم يعرفه أبوه وكبار الأئمة من أقران حماد وأصحابه؟ وكلهم أبلغوا في الثناء على حماد كما يأتي، ولا داعي إلى الحمل على إبراهيم لأنه لم يوثقه أحد، وذِكْرُ ابن حبان له في (الثقات) لا يجدي لأنه لم يثبت عنه أحاديث كئيرة يعرف باعتبارها أثقة هو أم لا؟ ولا إلى أن يقال لعل إبراهيم سمع ذلك من بعض الهلكي، بل الحمل على ابن الثلجي كما ذكر الذهبي.
وكذلك ما ذكره عن عباد بن صهيب مع أن عبادًا متروك، وقال عبدان: لم يكذبه الناس وإنما لقنه صهيب بن محمد بن صهيب أحاديث في آخر الأمر. فعلى هذا فعباد وهو المبتلى يابن أخيه يدخل عليه في حديثه، وفي "الميزان" أحاديث من مناكيره". اهـ.
6 -
في الترجمة رقم (203) من "التنكيل":
"محمد بن حماد في (تاريخ بغداد) 13/ 402 من طريق: عبد الله بن أُبيّ القاضي يقول: سمعت محمد بن حماد يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام .... " قال الأستاذ -الكوثري-: ص 141: "وضَّاع معروف من أصحاب مقاتل".
أقول: صاحب مقاتل قديم ففي ترجمته من "اللسان" أنه قال: "أشخصني هشام بن عبد الملك من الحجاز إلى الشام
…
" وقد مر في ترجمة عبد الله بن أُبي القاضي أن أعلى شيخ له: أحمد بن عبد الله بن يونس المتوفى سنة 227، وهشام مات سنة 125، فأني يدرك عبدَ الله بن أُبي من كان في زمن هشام رجلا؟ فهذا رجل آخر. والله المستعان اهـ.
7 -
في حاشية "الفوائد المجموعة"(ص 247):
"عبد الواحد بن قيس لا يتحقق له إدراك لعُبادة، بل الظاهر البين أنه لم يدركه. توفي عبادة سنة 34، ومن زعم أنه تأخر إلى خلافة معاوية، إنما اغتر بحوادث جرت له مع معاوية في إمارته، والمراد بالإمارة إذ كان عاملا على الشام في خلافة عمر وعثمان، ولو عاش عبادة بعد عثمان لكان له شأن، وعامة شيوخ عبد الواحد من التابعين، روى عن أبي أمامة المتوفى سنة 86، وذكروا أنه روى عن أبي هريرة ولم يره، فإن لم يدرك أبا هريرة فلم يدرك عبادة؛ لأن أبا هريرة عاش بعد عبادة نيفًا وعشرين سنة، وإن كان أدركه ومع ذلك روى عنه ولم يسمعه، فهذا ضرب من التدليس يحتمل أن يقع منه في الرواية عن عبادة على فرض إدراكه له اهـ.
8 -
في "الفوائد المجموعة"(ص 65) حديث: "من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود فإنها صدقة" قال الشوكاني: رواه الخطيب عن أبي هريرة، وفي إسناده: متروكان. ورواه الخطيب أيضًا عن عائشة مرفوعًا. وقال [يحيى بن معين: هذا كذب و] باطل لا يحدث بهذا أحد يعقل.
فعلق الشيخ المعلمي بقوله:
"الحديث أورده الخطيب في ترجمة يعقوب بن محمد الزهري، وروى عن ابن معين قال: "يعقوب ..... صدوق، ولكن لا يبالي عمن حدث، حدث عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود، هذا كذب - الخ" يريد أن يعقوب يحدث عن الضعفاء والمتروكين، فحدث عن بعضهم عن هشام بن عروة بهذا الخبر الباطل.
وفي "الميزان" في ترجمة يعقوب: "أخطأ من قال: إنه يروي عن هشام بن عروة، لم يلحقه، ولا كأنه ولد إلا بعد هشام".
أقول: مات هشام سنة 145، وعامة شيوخ يعقوب ماتوا بعد سنة 180، وكأن يعقوب روى هذا الخبر عن عبد الله بن محمد بن زاذان عن أبيه، عن هشام" اهـ.
* * *