الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال لو دخلوها ما خرجوا منها الى يوم القيامة
[مطلب في الكلام علي قصة العرنيين]
قصة العرنيين وكانت بعد ذي قرد بستة أشهر وذكرها البخارى قبلها وقد رويناها فى الصحيحين من طرق عديدة عن أنس حاصلها قال ان نفرا من عكل أو عرينة ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا واستوخموا المدينة فأمرهم رسول الله أن يخرجوا في ابل الصدقة فيشربوا من أبوالها والبانها ففعلوا فصحوا فارتدوا وحكي كسرها أى طفئت فبلغ النبى صلى الله عليه وسلم (فقال لو دخلوها ما خرجوا منها الى يوم القيامة) لا طاعة في معصية الله وانما الطاعة في المعروف قال بعض العلماء انما أمرهم بدخول النار مداعبة منه ليختبرهم واشارة الى ان مخالفته توجب النار لتضمنها مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف يصبرون على النار الكبرى اذا لم يصبروا على هذه ولو رأي منهم الجد في ولوجها لمنعهم وقوله صلى الله عليه وسلم لو دخلوها ما خرجوا منها أى لبقوا معذبين على قتلهم أنفسهم مع علمهم عدم وجوب الطاعة في المعصية وقوله لا طاعة في معصية الله أى واجبة ولا مندوبة بل محرمة اذا لم يفض الامر الى الاكراه والا أباحها غالبا وانما الطاعة الواجبة في المعروف واجبا كان أو مندوبا كما مر في الاستسقاء. قصة العرنيين (وكانت بعد ذي قرد بستة أشهر) في جمادي الاخرى قاله ابن اسحاق (وقد رويناها في الصحيحين من طرق عديدة عن) أنس وقد رواها عنه أيضا أبو داود والترمذي والنسائي (أن نفرا) وفي رواية للبخاري وغيره ان ناسا (من عكل أو عرينة) كذا للبخاري في الطهارة والشك فيه من حماد وجزم بالاول في الجهاد وبالثاني في الزكاة وفي المغازى من عكل وعرينة بواو الجمع العاطفة قال في التوشيح وهو الصواب فعند أبي عوانة من طريق أنس قال كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل وللبخاري في الديات انهم كانوا ثمانية وكان الثامن من غير القبيلتين أو كان من اتباعهم فلم ينسبه وعكل بضم المهملة وسكون الكاف قبيلة من تيم الرباب قال في القاموس واسم عكل عوف بن عبد مناة حقنته أمه بدماء عكل فلقب به (وعرينة) بالعين والراء المهملتين والنون مصغر مرة بن بجيلة (واستوخموا المدينة) أي وجدوها وخيمة أي وبئة وفي رواية في الصحيح فاجتووا المدينة بالجيم والاجتواء كراهة المقام في البلد قاله الخطابي وقال ابن العربي الجواء داء يصيب الجوف من الربا وذلك انهم عظمت بطونهم كما في رواية عند أبي عوانة أو ورمت صدورهم كما في رواية لمسلم وللبخاري في الطب ان ناسا كان بهم سقم فلما صحوا قالوا ان المدينة وخمة فالمراد بالسقم الاول الجوع كما في رواية أبى عوانة كان بهم هزال شديد (فى ابل الصدقة) كذا في صحيح مسلم وغيره وفي البخاري وغيره وانها لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي وكلاهما صحيح فان بعض الابل للصدقة وبعضها للنبي صلى الله عليه وسلم قال فان قيل كيف اذن لهم في شرب لبن ابل الصدقة فالجواب أن ألبانها للمحتاجين من المسلمين وهم منهم قال وذكر ابن سعد في طبقاته انها كانت
وقتلوا راعيها واستاقوها فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الطلب في آثارهم فما ترجل النهار حتى جيء بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم ولم يحسموا وكحلت أعينهم وطرحوا بالحرة يستسقون فلا يسقون وكان أحدهم يكدم الارض بفيه حتى ماتوا قال أبو قلابة قتلوا وسرقوا وحاربوا الله ورسوله وسعوا في الارض فسادا قلت وروى خارج الصحيحين انهم كحلوا الرعاة وقد ترجم البخارى عليه قال سعيد بن جبير ونزل في ذلك قوله تعالى «إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً» الآية قال الليث بن سعد هي معاتبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعليم خمس عشرة وانها فقدت منها واحدة (راعيها) اسمه يسار بالتحتية والمهملة (واستاقوها) أي ساروا بها سيرا عنيفا (فبعث النبي صلى الله عليه وسلم الطلب) سمى منهم كرز بن جابر الفهري وسعيد بن زيد وكان أمير السرية كرز ذكر ذلك ابن سعد أو سعيد بن زيد حكاه موسى بن عقبة وروي الطبري من حديث جرير ابن عبد الله انه كان أمير السرية ولا يصح وسيأتي في ذلك كلام عند ذكر اسلام جرير (فما ترجل النهار) بالجيم المشددة أي استوى (فقطعت أيديهم وأرجلهم) زاد الترمذي (من خلاف لم يحسموا) بالحاء المهملة والحسم قطع مادة الدم بجعل المقطوع في نحو زيت مغلى كيلا ينزفه الدم (وكحل أعينهم) قال الخطابى الكحل فقء العين بميل أو مسمار محمى وفي الصحيح سمرت بتشديد الميم وتخفيفها ولمسلم باللام مع التخفيف والسمر فقء العين بأي شيء كان قاله الخطابي وزعم الواقدي انهم صلبوا قال ابن حجر والروايات الصحيحة ترده قال في التوشيح لكن في رواية أبي عوانة من طريق انه صلب اثنان وقطع اثنان وسمل اثنان قال فان صح ذلك فهو أوّل صلب وقع في الاسلام (بالحرة) الارض ذات الحجارة السوداء (يستسقون فلا يسقون) لانهم محاربون مرتدون فلا حرمة لهم في سقى الماء ولا غيره وقول القاضي وقد اجمع المسلمون ان من وجب عليه القتل اذا استسقى لا يمنع الماء قصدا فيجتمع عليه عذابان محله في المسلم (يكدم) بكسر الدال المهملة أي يعضها باسنانه (أبو قلابة) بكسر القاف وتخفيف اللام اسمه عبد الله بن زيد الجرمى بالجيم والراء ساكنة (وروي خارج الصحيحين انهم كحلوا الرعاة) بل ذلك في صحيح مسلم من طريق أنس ورواه أيضا الترمذي وابن اسحاق وموسي بن عقبة وأهل السير (قال سعيد بن جبير ونزل في ذلك قوله تعالى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الآية) وقال الضحاك نزلت في قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوا وقطعوا السبيل وأفسدوا في الارض وقال الكلبي نزلت في قوم هلال بن عويمر كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم هدنة مشروط فيها أن لا يعينه ولا يعين عليه ومن مر بهلال الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو آمن فمر قوم من بني كنانة يريدون الاسلام بناس من قوم هلال ولم يكن شاهدا فقتلوهم وأخذوا أموالهم فنزلت الآية في ذلك (قال الليث بن سعد هى معاتبة الى آخره) حكاه عنه البغوى في التفسير وروى أبو داود والنسائي عن أبي الزناد واسمه عبد الله بن ذكوان قال لما قطع النبى صلى الله عليه وسلم الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله تعالى في ذلك ونزل إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الآية
له يقول انما كان جزاؤهم هذا لا المثلة فلذلك ما قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا الا نهى عن المثلة قلت وثبت في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان اذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله تعالى ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا بسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ثم اختلف العلماء في ترديد أو في الآية الكريمة فقال مالك هى على التخيير فيتخير الامام بين هذه الامور الا القاتل فيتحتم قتله وقال أبو حنيفة الامام بالخيار وان قتلوا وقال الشافعي أوهنا للتقسيم فان قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا وان قتلوا وأخذوه صلبوا مع القتل وان أخذوه ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وان اخافوا الطرق ولم يأخذوا عزروا وهو النفي عنده قال أصحابنا فكما تفاوت ضررها اختلفت عقوبتها وفي هذا الحديث حجة لمالك وأحمد حيث (يقول انما كان جزاؤهم هذا) أى القتل وما بعده (لا المثلة) وحاصل كلام الليث وابي الزناد ان فعله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين ذلك كان قبل نزول الحدود وآية المحاربة والنهى عن المثلة وان ذلك منسوخ والصحيح ما مر انه صلى الله عليه وسلم انما فعل ذلك بهم قصاصا (أو سرية) هى قطعة من الجيش تخرج منه تغير وترجع اليه قال ابراهيم الحربي هى الخيل تبلغ اربعمائة ونحوها سميت سرية لانها تسرى بالليل وتخفي ذهابها فعلية بمعنى فاعلة من سرى وأسرى اذا ذهب ليلا (في خاصته) في ذات نفسه (ولا تغدروا) بكسر الدال (ولا تقتلوا وليدا) فيه تحريم الغدر والغلول وقتل الصبيان اذا لم يقاتلوا وكراهة المثلة واستحباب وصية الامام الامير والجيش بتقوى الله والرفق بتباعهم وتعريفهم ما يحتاجون اليه في غزوهم وما يجب عليهم وما يحل لهم وما يكره وما يستحب (وقال أبو حنيفة الامام بالخيار وان قتلوا) انما نقل البغوى هذه المقالة عن سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد وأما أبو حنيفة فمذهبه في ذلك كمذهبنا نعم عنده فيما اذا قتل وأخذ المال الامام مخير بين القطع من خلاف والقتل وبين القتل والصلب (وقال) قتادة والاوزاعي و (الشافعي أوهنا) أى في الآية للتقسيم لا للتخيير (فان قتلوا) قتلا يوجب قودا (ولم يأخذوا المال قتلوا) حتما قودا فان عفى ولى الدم فحدا (وان قتلوا) قتلا يوجب قودا (وأخذوا) المال وقدره ربع دينار كالسرقة (صلبوا مع القتل) فقيل يصلبون أحياء ثلاثة أيام ثم يقتلون وهو قول ابن عباس والليث بن سعد وذهب اليه أبو حنيفة ومذهب الشافعى ان الصلب يكون بعد القتل وبعد ان يغسلوا ويصلى عليهم (وأخذوه) أى المال (ولم يقتلوا) أو قتلوا قتلا لا يوجب قودا (قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف) فيقطع في المرة الاولى كوع اليد اليمنى ورجله اليسري أو ما بقى منهما وفي المرة الثانية كوع اليد اليسرى ورجله اليمني أو ما بقى منهما (ولم يأخذوا عزروا وهو النفى) المذكور في قوله تعالى أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ (عنده) أى الشافعي وكذا عند موافقيه ويجب رد المال الى أهله ومن تاب من قطاع الطريق قبل الظفر به سقط عند الحد الذى لله تعالى
يقولان بطهارة بول ماكول اللحم وروثه وأجاب الشافعى والاكثرون بأن هذا للتداوي وهو جائز بكل النجاسات سوى الخمر والمسكرات* وفيها غزا زيد بن حارثة بني فزارة فأصيب أصحابه ونجا زيد جريحا فحلف أن لا يغتسل من جنابة حتى يغزوهم فغزاهم ثانية فظفر بهم وقتل أم قرفة وكانت في بيت شرف من قومها وتقول العرب أعز من أم قرفة قيل كان يعلق في بيتها خمسون سيفا كلهم ذو محرم لها* وفي هذه السنة ماتت أم رومان زوجة أبى بكر وأم ولديه عائشة وعبد الرحمن ويقال ماتت أم رومان سنة أربع وهو وهم من حيث انه جرى ذكرها في حديث الافك في الصحيحين والافك بعد ذلك ووهم كثيرون أيضا ممن ادعي موتها في حياة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لتصريح مسروق في صحيح البخارى بالسماع منها وقوله سألت أم رومان وقال الآخرون صوابه سئلت بالياء والله أعلم ولما ماتت دخل النبي صلى وبقي غيره وهو مستثنى في ذلك من سائر حدود الله فلا يسقط منها شىء بالتوبة (سوي الخمر) لقوله صلى الله عليه وسلم انه ليس بدواء ولكنه داء رواه مسلم قال السبكى وما تقوله الاطباء في التداوى بها فشئ كان قبل التحريم وأما بعده فان الله قادر على كل شىء سلبها ما كان فيها من المنافع وقيس بها سائر (المسكرات) نعم ان أفضي الامر الي الهلاك وجب شربها كما يجب على المضطر أكل الميتة نقله الامام عن اجماع الاصحاب وفيها غزا زيد بن حارثة (أم قرفة) بكسر القاف وسكون الراء ثم فاء اسمها فاطمة بنت حذيفة بن بدر قال الواقدي كنيت بابنها قرفة قتله النبي صلى الله عليه وسلم وما في الكتاب كسيرة ابن اسحاق ان زيدا هو الذي قتلها هو الصحيح لا ما في سيرة الواقدى انها قتلت يوم بزاخة مع بنيها حكمة وجبلة وشريك ووالان ورمل وحصن قال السهيلي وذكر الدولابي ان زيدا حين قتلها ربطها بفرسين ثم ركضهما حتى ماتت لسبها رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي وفي هذه السنة (أم رومان) بضم الراء زينب وقيل كما سبق (من حيث انه) بكسر الهمزة (ووهم) الخطيب (وكثيرون) من الحفاظ (ادعي وفاتها) سنة ست (فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعا للواقدى وذلك (لتصريح مسروق) هو ابن الاجدع (في صحيح البخارى) فى غزوة انمار وغيرها (وقوله سألت أم رومان) وفي أخرى أيضا حدثتنى أم رومان فكيف يسألها أو تحدثه اذا كانت ماتت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم يأت المدينة الا بعد وفاته فتعين تأخر وفاتها عن وفاته صلى الله عليه وسلم اذ جاء ذلك في الاسانيد الصحيحة ويدل عليه ما في الصحيح ان آية التخيير لما نزلت قال لا تعجلي حتى تؤامري أبا بكر زاد أحمد في مسنده أبا بكر وأم رومان ولمسلم حتى تستشيري أبويك وكان نزولها سنة تسع وقد نظر البخاري في تاريخه الاوسط والصغير في مقالة الواقدى وتباعه وروى ذلك فيهما عن على بن زيد عن القاسم قال في التوشيح وقد جزم الحربي بان مسروقا سمع منها وله خمس عشرة سنة (وقال الآخرون صوابه سئلت) بالبناء للمفعول يرده