المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مطلب فى غزوة بدر الكبري والكلام عليها تفصيلا] - بهجة المحافل وبغية الأماثل - جـ ١

[العامري الحرضي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌[خطبة الكتاب والكلام على تفسيرها]

- ‌[مطلب في الكلام على أما بعد]

- ‌[الكلام على المؤلفات في التاريخ النبوى وتقسيم الكتاب الى قسمين]

- ‌[القسم الاول في تلخيص سيرته]

- ‌[الباب الاول من القسم الاول في مولده وشرف نسبه ومحتده]

- ‌[مطلب في الكلام على أنكحة الجاهلية]

- ‌[فصل: وأما ما مهد الله له في قدم نبوته وذكره]

- ‌[فصل: فيما ورد من فضل بلدى مولده ووفاته]

- ‌[مطلب في الكلام على ما ورد في فضل مكة]

- ‌[مطلب وأما ما جاء في فضل المدينة]

- ‌[فصل في ذكر آبائه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فصل فيما نقل من مزايا آبائه عليه الصلاة والسلام]

- ‌[الباب الثاني من القسم الاول في تاريخ مولده الى نبوته]

- ‌[مطلب حمل أمه به صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مطلب فى الآيات التى ظهرت لمولده عليه الصلاة والسلام]

- ‌[مطلب في مراضعه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مطلب في شق الملكان صدره الشريف]

- ‌[مطلب في الكلام على إحياء الله تعالى له أبويه حتى آمنا به]

- ‌[مطلب في وفاة جده عبد المطلب وخروجه مع عمه أبى طالب]

- ‌[مطلب فى حضوره صلى الله عليه وسلم حرب الفجار مع قريش وحلف الفضول]

- ‌[مطلب في خروجه الى الشام بتجارة لخديجة وزواجه بها صلى الله عليه وسلم الى الشام]

- ‌[مطلب في بناء قريش الكعبة ووضعه الحجر الاسود بيده الشريفة مكانه من البيت]

- ‌[مطلب في الكلام على أول من بني المسجد الحرام والكلام على أول ما ظهر من لوائح نبوته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[من ذلك خبر زيد بن نفيل وورقة بن نوفل وغيرهما]

- ‌[ومن ذلك خبر سلمان الفارسي رضى الله عنه]

- ‌[ومن ذلك ابن الهيبان من يهود الشام]

- ‌[مطلب في تحنثه صلى الله عليه وسلم بغار حراء وما قيل في عصمته وما كان يراه من أمارت النبوة]

- ‌[الباب الثالث في ذكر نبوته وما بعدها الى هجرته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مطلب في بدء نبوته صلي الله عليه وسلم وظهور جبريل له بغراء حراء]

- ‌[مطلب في أخبار صلى الله عليه وسلم لورقد بن نوفل عن ظهور جبريل له]

- ‌[مطلب في تعليم جبريل له عليه الصلاة والسلام الوضوء والصلاة]

- ‌[فصل: في صفة جبريل عليه السلام وانه سفير الانبياء وعدد نزوله على النبى صلي الله عليه وسلم وبيان كيفيات الوحي]

- ‌[مطلب في تاريخ رسالته الى الخلق على ما حكاه أهل التاريح والدعوة اليها سرا]

- ‌[الكلام على حديث ان هذا الدين بدأ غريبا وسيعود كما بدأ]

- ‌[مطلب في ذكر أول من آمن به صلي الله عليه وسلم]

- ‌[الكلام على منابذة قريش له حين أمره الله باظهار الدعوة وان يصدع بما يؤمر]

- ‌[خبر اشتداد قريش على أبي طالب ووثوب كل قبيلة على من اسلم منها يعذبونه]

- ‌[خبر اجتماع قريش الى الوليد بن المغيرة وتآمرهم فيما يرمونه به صلي الله عليه وسلم]

- ‌[مطلب في مناواة قريش له صلى الله عليه وسلم بالذي وذكر طرفا مما آذوه به]

- ‌[تتمة لهذا المطلب في العوارض البشرية التى لحقته صلى الله عليه من جراء ذلك]

- ‌[مطلب في الكلام على تعذيب قريش للمستضعفين من المؤمنين]

- ‌[مطلب في الكلام على الهجرة الأولى الى الحبشة وبيان من هاجر إليها من الأصحاب]

- ‌[مطلب في تعقب قريش لمهاجرى الحبشة وعودتهم بالخيبة]

- ‌[مطلب في مكاتبته صلى الله عليه وسلم للنجاشى ليزوجه ام حبيبة بنت أبي سفيان وخبر ذلك]

- ‌[فصل وكان صلى الله عليه وسلم يكرم مهاجرة الحبشة ويلاطفهم ويذكر من فضلهم]

- ‌[فصل في حكم الفرار بالدين والعجز عن مقاومة المشركين]

- ‌[مطلب في إسلام سيدنا حمزة عمه صلى الله عليه وسلم وسبب ذلك]

- ‌[مطلب في إسلام سيدنا عمر بن الخطاب وتعزيز الله به ضعفة المسلمين]

- ‌[مطلب في اجتماع بطون قريش على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب وكتبهم بذلك الصحيفة ودخول أبي طالب ومن انحاذ معه الشعب محاصرين من قريش]

- ‌[ذكر خبر نقض الصحيفة المذكورة]

- ‌[109- الكلام على وقعة بعاث بين الأوس والخزرج وقدوم سويد بن الصامت الأوسى عليه صلي الله عليه وسلم وأول خبر الأنصار]

- ‌[الكلام على وفات عمه أبى طالب والسيدة خديجة وحزنه صلى الله عليه وسلم لذلك وما ناله من أذى قريش عقب ذلك]

- ‌[مطلب في خروجه صلى الله عليه وسلم لثقيف بالطائف وخبر ما لقي من أذاهم وخبر جن نصيبين]

- ‌[فصل في الكلام على الجن واختلاف الناس فيهم]

- ‌[مطلب في عرض نفسه صلى الله عليه وسلم على القبائل لحمايته من أذى قريش وليتمكن من نشر دعوته وخبر ذلك]

- ‌[مطلب في بدء اسلام الأنصار وقصة الإسراء]

- ‌[مطلب فى قدوم الأنصار اليه صلى الله عليه وسلم وخبر بيعة العقبة الأولى]

- ‌[مطلب فى قدوم الأنصار اليه ثانية وبيعة العقبة الثالثة المتفق على صحتها]

- ‌[مطلب في أسماء النقباء من الأوس والخزرج وطرفا من أحوالهم ومواخذة قريش لهم في ذلك]

- ‌[الكلام على بدء الهجرة الى المدينة وأول من هاجر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]

- ‌[الباب الرابع في هجرته صلى الله عليه وسلم وما بعدها الى وفاته]

- ‌[مطلب في الكلام على وصوله صلى الله عليه وسلم المدينة]

- ‌[فصل: في المسجد الشريف النبوى وعمارته]

- ‌[فصل: في ذكر منازل المهاجرين على الأنصار ومواساتهم لهم]

- ‌[فصل: في ان الله تعالى أوعد الوعيد العظيم على من أسلم قبل الهجرة ولم يهاجر والكلام على ذلك]

- ‌[فصل: فى مناواة يهود المدينة الاذي للنبى صلي الله عليه وسلم بعد ما قدم اليها]

- ‌[فصل: فى ذكر ما أصاب المهاجرين من حمي المدينة ودعائه صلى الله عليه وسلم بان يصح هواءها ويجببها اليهم]

- ‌[فصل ولما اطمأن برسول الله الدار وأعز الله جنده أذن له بقتال قريش ومن ناواه من غيرهم]

- ‌[مطلب في كتبه صلي الله عليه وسلم الكتاب بين المهاجرين والأنصار ومواخاته بينهما وموادعته يهود المدينة]

- ‌[مطلب في مشروعية في الأذان]

- ‌[مطلب في إسلام عبد الله بن سلام وخبر ذلك]

- ‌[مطلب في غزوة ودان وتحويل القبلة]

- ‌[مطلب في مشروعية صيام رمضان]

- ‌[مطلب في بنائه صلى الله عليه وسلم بعائشة وتزويج علي بفاطمة رضى الله عنهم ومشروعية صدقة الفطر]

- ‌[مطلب في إسلام سيدنا العباس والكلام على أول راية عقدها رسول الله]

- ‌[مطلب فى غزوة بدر الكبري والكلام عليها تفصيلا]

- ‌[مطلب فى خبر حاطب بن أبي بلتعة ومكاتبة لمشركي قريش]

- ‌[فصل: وسمى يوم بدر باسم المكان]

- ‌[مطلب في الكلام على قتل كعب بن الأشرف وأبي رافع بن أبى الحقيق]

- ‌[الكلام على ولادة سيدنا الحسن بن على رضى الله عنهما]

- ‌[الكلام على غزوة أحد تفصيلا]

- ‌[فصل في فضل الشهادة ومزية شهداء أحد]

- ‌[فصل فى الكلام من أكرم بالشهادة يوم أحد]

- ‌[مطلب في الكلام على غزوة حمراء الاسد]

- ‌[مطلب فى الكلام على غزوة النضير]

- ‌[مطلب في الكلام على غزوة بدر الصغرى]

- ‌[مطلب في سرية عاصم بن ثابت الأنصاري وخبر ذلك]

- ‌[مطلب في سيرته بئر معونة وخبر ذلك]

- ‌[فصل في شهداء بئر معونة وفضل الشهداء ومزيتهم]

- ‌[مطلب في مشروعية قصر الصلاة وما يلحق ذلك من الأحكام]

- ‌[مطلب في الكلام زواج رسول الله عليه وسلم بأم سلمة]

- ‌[الكلام على ولادة سيدنا الحسين وخبر ابن ابيرق]

- ‌[مطلب في الكلام على غزوة ذات الرقاع ومشروعية صلاة الخوف]

- ‌[تتمة في الكلام علي تارك الصلاة]

- ‌[استطراد لذكر قصة غوث بن الحارث]

- ‌[الكلام على حديث جابر وشراء النبى صلى الله عليه وسلم جمله منه]

- ‌[مطلب في الكلام على غزوة بنى المصطلق وهي غزوة المريسيع]

- ‌[الكلام علي سبب نزول سورة المنافقين]

- ‌[تتمة في زواج رسول الله بجويرية بنت الحارث من سبايا بنى المطلق واسلامهم]

- ‌[الكلام على رخصة التيمم وسببها وأحكامه]

- ‌[الكلام على حديث الإفك وخبر ذلك]

- ‌[فصل: في فوائد هذا الحديث بعد مقصوده الأعظم]

- ‌[فصل: اما أحكام القذف]

- ‌[الكلام على غزوة الخندق وخبرها تفصيلا]

- ‌[الكلام علي غزوة بني قريظة وسببها]

- ‌[الكلام على موت سعد بن معاذ ومناقبه رضي الله عنه]

- ‌[مطلب في الكلام على مشروعية تحريم الخمر وسبب ذلك]

- ‌[مطلب في الكلام على مشروعية الحج]

- ‌[مطلب في قدوم ضمام بن ثعلبة أخي بني سعد بن بكر وإسلامه]

- ‌[تتمة فى الكلام على فوائد حديث ضمام]

- ‌[مطلب في تزويج الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدية وخبر ذلك]

- ‌[مطلب في الكلام على مشروعية الحجاب وسببه]

- ‌[مطلب في شرح الفوائد التى تضمنت خير زواج السيدة زينب]

- ‌[مطلب في الكلام على غزوة دومة الجندل]

- ‌[الكلام على مشروعية الاستسقاء وصلاة الكسوف وشرح ذلك]

- ‌[الكلام على مشروعية حكم يمين الظهار وسببه]

- ‌[الكلام على صلح الحديبية وصد قريش لرسول الله ومن معه عن مكة]

- ‌[مطلب فى الكلام على بيعة الرضوان]

- ‌[مطلب في الكلام علي الشجرة التى كانت البيعة عندها]

- ‌[الكلام على اسلام خالد بن الوليد وعمرون بن العاص وخبر ذلك]

- ‌[الكلام على اسلام عقيل بن أبى طالب رضى الله عنه]

- ‌[الكلام على غزوة ذي قرد وتسمى غزوة الغابة]

- ‌[مطلب في الكلام علي قصة العرنيين]

- ‌[مطلب في ارسال رسول الله بكتبه الى ملوك الاقاليم الجبابرة]

- ‌[فصل: في فوائد خبر هرقل وما تضمنه من الآداب والأخلاق]

- ‌[تتمة في خبر النجاشي وتكريمه لكتابه صلى الله عليه وسلم وعودة مهاجري الحبشة]

- ‌[الكلام على فتح خيبر وخبر الشاة المسمومة التي أهديت اليه صلي الله عليه وسلم]

- ‌[مطلب في زواجه صلي الله عليه وسلم بصفية بنت حي]

- ‌[مطلب في إسلام أبي هريرة رضي الله عنه وبعض خبره]

- ‌[مطلب في غزوة زيد بن حارثة جذام وذكر سببها]

- ‌[الكلام على غزوة ذات السلاسل وشرح ذلك]

- ‌[مطلب في الكلام الإمارة والتنفير من التعرض للرياسة والوعيد لأهلها]

- ‌[تتمة في بعث عمرو بن العاص أميرا على جيش ذات السلاسل وذكر بعض مناقبة والكف عن ذكر أصحاب رسول الله إلا بخير]

- ‌[الكلام على عمرة القضاء وزواجه صلى الله عليهو سلم بميمونة بنت الحارث الهلالية]

- ‌[مطلب فى الكلام على وفد عبد القيس وخبر سيدهم الأشج العصري]

- ‌[مطلب في وفات السيدة زينب أكبر بناته صلى الله عليه وسلم وخبر ذلك]

- ‌[مطلب في اتخاذه صلى الله عليه وسلم المنبر وخبر حنين الجذع]

- ‌[ذكر فضل المنبر المنيف وما بينه وبين القبر الشريف]

- ‌[الكلام على غزوة مؤتة وخبر مقتل زيد حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة]

- ‌[الكلام على غزوة سيف البحر وخبر ذلك]

- ‌[الكلام على فتح مكة ويسمى فتح الفتوح]

- ‌[مطلب في كتابة حاطب بن أبي بلتعة لقريش بمسير رسول الله اليهم وإخبار جبريل له بذلك]

- ‌[الكلام على إسلام أبو سفيان بن حرب وإكرام النبي صلى الله عليه وسلم وله]

- ‌[مطلب في دخوله صلى الله عليه وسلم الكعبة ورد مفتاحها لبني شيبة وكسر ما فيها من الأصنام]

- ‌[فصل: فى ذكر شيء من الواردات يوم الفتح مما ذكره البخاري ومسلم]

- ‌[من ذلك خبر أم هانيء وقد اجارت ابن هبيرة فاجاز صلى الله عليه وسلم جوارها]

- ‌[ومن ذلك قضاء رسول الله لابن من وليدة زمعة بان الولد للفراش]

- ‌[ومن ذلك خبر المخزومية التي سرقت وإقامة الحد عليها]

- ‌[ومن ذلك حرمة مكة وان دخلوها عنوة يوم الفتح كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الكلام على غزوة حنين وشرح خبر ذلك]

- ‌[مطلب في ذكر من ثبت مع رسول الله يوم حنين]

- ‌[الكلام على غزوة أوطاس ومقتل أبي عامر الأشعري رضى الله عنه]

- ‌[الكلام على غزوة الطائف وحصاره]

- ‌[مطلب المخنثون على عهد رسول الله أربعة]

- ‌[الكلام على غنائم حنين وتقسيمها]

- ‌[تتمة في مؤاخذة النبي صلي الله عليه وسلم الأنصار حين بلغه موجدتهم لتقسيمه غنائم حنين في قريش]

- ‌[الكلام على وفد هوازن واستعطافهم النبي صلى الله عليه وسلم في سباياهم]

- ‌[مطلب ومما اتصل بالفتح بعث خالد بن الوليد الى بني جذيمة يدعوهم إلى الإسلام]

- ‌[مطلب ومما اتصل بالفتح إرسال البعوث الى هدم أصنام العرب]

- ‌[مطلب في مقدم كعب بن زهير مسلما وانشاده قصيدته المشهورة]

- ‌[تتمة في الكلام على كعب هذا وشىء من شعره في مدح النبى صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مطلب في الكلام على قصة محلم بن جثامة الليثى وخبرها]

الفصل: ‌[مطلب فى غزوة بدر الكبري والكلام عليها تفصيلا]

النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

[مطلب فى غزوة بدر الكبري والكلام عليها تفصيلا]

غزوة بدر الكبرى وهي الرابعة من غزواته وكانت وقعتها يوم الجمعة السابع عشر من رمضان وذلك على رأس سنة من الهجرة وثمانية أشهر وسبع عشرة ليلة وثبت في عدد المسلمين فيها ما رواه المحدثون في كتبهم واللفظ للبخاري عن البراء بن عازب قال كنا أصحاب محمد نتحدث ان عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه ولم يجاوز معه مؤمن الا بضع عشرة وثلاثمائة فسر البضع هنا بأربعة فمن المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلا وبقيتهم من الانصار فمن سائر بطون الاوس ابن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر احد وستون ومن سائر بطون الخزرج بن حارثة مائة وسبعون وعد منهم من ضرب له رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بسهمه وأجره ولم يحضرها فجعله كمن حضرها وكان معهم ثمانون بعيرا يعتقبونها وفرس واحد للمقداد بن الاسود قيل وآخران للزبير وابي مرثد الغنوي وعدد المشركين ما بين التسع المائة والالف (غزوة بدر الكبرى) وتسمى العظمى وبدر الثانية وبدر القتال لوقوعه فيها دون الاولى والثانية وتسمى أيضا بدر الفرقان وهى قرية مشهورة بين مكة والمدينة على نحو أربع مراحل من المدينة قاله النووى في تهذيب الاسماء واللغات وفي معجم ما استعجم للبكرى على ثمانية وعشرين فرسخا من المدينة يذكر ولا يؤنث جعلوه اسم ماء وفي المعجم لياقوت بدر بالفتح ثم السكون ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء (وهى الرابعة من غزواته) التي غزاها صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه. قال في المواهب وكان خروجهم يوم السبت وعند ابن سعد يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان على رأس تسعة عشر شهرا ويقال لثمان خلون منه قاله ابن هشام واستخلف أبا لبابة وقيل رفاعة بن عبد المنذر الاوسى رده من الروحاء واليا على المدينة قاله ابن اسحاق وقال الحاكم لم يتابع على ذلك وقال ابن هشام واستعمل على الصلاة ابن أم مكتوم وقال ابن القيم استخلفه على المدينة والصلاة معا حتى رد أبا لبابة من الروحاء (وكانت وقعتها يوم الجمعة) أي القتال (بضع عشرة وثلاثمائة) هذا هو المشهور عند ابن اسحاق ورواه أحمد والبزار والطبرانى عن ابن عباس وللطبرانى والبيهقي عن أبي أيوب قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بدر فقال لاصحابه تعادوا فوجدهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا ثم قال لهم تعادوا فتعادوا مرتين فأقبل رجل على بكر له ضعيف وهم يتعادون فتمت العدة ثلاثمائة وخمسة عشر وفي حديث عمر عند مسلم ثلاثمائة وتسعة عشر فمن المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلا ذكرهم ابن اسحاق بأسمائهم وحلفائهم ومواليهم فبلغوا ذلك وزاد ابن هشام ثلاثة وسردهم وعند الواقدي خمسة وثمانين رجلا ولاحمد والبزار والطبراني عن ابن عباس ان المهاجرين ببدر كانوا سبعة وسبعين قال من تعقب ذلك فلعله لم يذكر من ضرب له بسهم ممن لم يشهدها حسا وقال الداودي كانوا على التحرير أربعة وثمانين ومعهم ثلاثة أفراس (وبقيتهم من الانصار) قال في المواهب وخرجت معه

ص: 180

قيل تسعمائة وخمسون وكان معهم ثمانون فرسا وجملة من استشهد بها من المسلمين أربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية من الانصار وقتل من المشركين سبعون وأسر سبعون وتلخيص خبرها على ما ذكر ابن اسحق وغيره ان النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سمع بأبى سفيان صخر بن حرب خرج في تجارة الى الشام معه ثلاثون او أربعون رجلا فلما فاتته فى ذهابها طمع بها في إيابها وجعل العيون عليها فحين جاءه عينه بسيسة بن عمرو الجهنى بخبرها خرج بمن خف معه من المسلمين واستعمل على الصلاة ابن أم مكتوم وعلى المدينة أبا لبابة ودفع لواءه وكان أبيض الى مصعب بن عمير العبدري وكان له رايتان سوداوان إحداهما مع علي رضى الله عنه والأخرى بيد رجل من الانصار ثم ان أبا سفيان لما قارب الحجاز اشتد خوفه وجعل يتجسس الاخبار فلما أخبر بمخرج النبى صلى الله عليه وآله وسلم بعث الى قريش يستنفرهم فأوعبت قريش في الخروج فلم يتخلف من بطونها أحد الا بنو عدى ولا من أشرافها الا ان أبا لهب استأجر مكانه العاص بن هشام بن المغيرة فقتل العاص فيمن قتل ولم تمتد حياة أبى لهب بعده رماه الله بالعدسة بعد مصاب أهل بدر بليال ولما كان النبى صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق وصح له نفير قريش استشار أصحابه في طلب العير وحرب النفير وكانت العير أحب اليهم كما قال الله تعالى وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ثم عمر فأعرض كذلك ثم المقداد فأحسن القول وأجاده وهو في كل ذلك يقول أشيروا وانما يريد الانصار لانهم العدد الكثير وأيضا فكان يتخوف منهم انهم لا يرون نصرته الا على من دهمه بالمدينة كما هو في أصل بيعتهم ليلة العقبة وكان اذ ذاك الايمان قد تمكن في قلوبهم وتحققوا وجوب طاعته فلو أمرهم بقتل آبائهم وأبنائهم لفعلوا فقام سعد بن عبادة وقال ايانا تريد يا رسول الانصار ولم تكن قبل ذلك خرجت معه (بسيسة) بضم الموحدة وبمهملتين بينهما تحتية ساكنة (يستنفرهم) الاستنفار طلب النصرة من الناس لينفروا معه الى مقصده ويساعدوه فيما ندبهم اليه (بالعدسة) بعين مهملة هي بثرة تشبه العدسة قل ان يسلم من يصاب بها يقال انها تشبه الطاعون والصحيح انها الجدري (وتودون أن غير ذات الشوكة) أي ترغبون ان تصادفوا العير لا الخيل التى خرجت لتدفع عنه كما مر (كما هو في أصل بيعتهم ليلة العقبة) قال أهل السير قالوا يا رسول الله انا نبرأ من ذمامك حتى تصل الى ديارنا فاذا وصلت الينا فانت في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فلما استشهارهم أجابوه أحسن جواب بالموافقة التامة رضى الله عنهم قال النووي ففيه استشارة الاصحاب وأهل الرأي والخبرة (فقام سعد بن عبادة وقال الى آخره) للبغوي وغيره سعد بن معاذ وجمع بينهما بانهما قالا ذلك يومئذ (ايانا)

ص: 181

الله والذى نفسى بيده لو أمرتنا ان نخيضها البحر لاخضناها ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها الى برك الغماد لفعلنا فسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله ونشطه ثم قال سيروا على بركة الله وابشروا فان الله وعدنى احدى الطائفتين والله لكانى أنظر الآن الى مصارع القوم ولما نزل صلى الله عليه وآله وسلم بدرا وكان بالعدوة الدنيا وهو شفير الوادى الادنى الى المدينة والمشركون بالعدوة القصوى وهو شفير الوادى الاقصى من المدينة وكان الركب حينئذ أسفل منهم الى ساحل البحر على ثلاثة اميال من بدر ولا علم عند أحد منهم بالآخر وقد حجب الوادى بينهم. وأوّل العلم بهم ماورد في صحيح مسلم أنها وردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فأخذوه فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسئلونه عن أبى سفيان وأصحابه فيقول مالى علم بأبى سفيان ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس فاذا قال ذلك ضربوه فقال نعم انا أخبركم هذا أبو سفيان فاذا تركوه فسئلوه قال مالى بأبى سفيان علم ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وامية بن خلف فاذا قال هذا ضربوه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يصلي فلما رأى ذلك انصرف وقال والذي نفسى بيده لتضربونه اذا صدقكم وتتركونه اذا كذبكم وروى انهما غلامان وان النبى صلى الله عليه وسلم حين أخبراه قال لاصحابه هذه مكة قد ألقت اليكم افلاذ كبدها وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل بدرا نزل على أدنى ماء الى العدوة وترك المياه كلها خلفه بمشورة استفهام حذفت اداته (ان نخيضها) يعني الخيل (برك الغماد) بفتح الموحدة وكسرها وسكون الراء والغين معجمة مكسورة ويجوز ضمها موضع من وراء مكة بخمس ليال من ناحية الساحل وقيل بثمان وقيل موضع في اقاصي هجر وقيل مدينة بالحبشة كما مر آنفا قال النووى وقال ابراهيم الحربى برك الغماد وسمفات هجر كناية يقال فيما تباعد (الى مصارع القوم) أي مواضع سقوطهم قتلى (وأوّل العلم بهم ما في صحيح مسلم) وسنن أبي داود من حديث أنس (روايا قريش) جمع رواية وهي في الاصل البعير الذي يسقى عليه ثم استعمل توسعا في غيره (انصرف) أي سلم من صلاته (والذي نفسى بيده) فيه انه لا بأس بالحلف على تأكيد أمر وقد جمع بعضهم حلفه صلى الله عليه وآله وسلم على مثل هذا فناف على ثمانين (فيهم غلام اسود لبني الحجاج) سماه ابن سيد الناس في سيرته أسلم وكان حبشيا عده ابن شاهين في الصحابة (وروي) في كتب السير (انهما غلامان) واسم الثانى عريص أبو يسار غلام بني العاص بن سعيد كما في سيرة ابن اسحاق (لتضربونه اذا صدقكم وتتركونه اذا كذبكم) فيه معجزة له صلى الله عليه وسلم (أفلاذ كبدها) بالفاء والمعجمة وأصل الفلذة القطعة من كبد البعير قاله ابن السكيت وقال غيره القطعة من اللحم (بمشورة)

ص: 182

الحباب بن المنذر وبنى له عريش يستظل فيه بمشورة سعد بن معاذ ولما أصبحت قريش ارتحلت فلما رآها النبى صلى الله عليه وآله وسلم نصوب من العقنقل وهو الكثيب المتراكم الذي هبطوا منه الى الوادي قال اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتنى اللهم احنهم الغداة اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الاسلام لا تعبد في الارض وما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداؤه. وفي صحيح البخارى ان أبا بكر أخذ بيده فقال حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك وهو في الدرع فخرج وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبربل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر. وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا مصرع فلان ويضع يده على الارض هاهنا وهاهنا فما ماط أحد عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدّل الصفوف وأمر أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم وقال اذا أكثبوكم فعليكم بالنبل واستبقوا نبلكم ثم رجع الى العريش ومعه أبو بكر فخفق خفقة ثم انتبه فقال يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا باسكان المعجمة وفتح الواو وبضم المعجمة وسكون الواو (والحباب) بضم المهملة وتخفيف الباء الموحدة (ابن المنذر) ابن الجموح بن زيد السلمي بفتحتين من بنى سلمة يكني أبا عمرو قال ابن عبد البر شهد بدرا ومات فى خلافة عمر رضى الله عنه (تصوب) بفتح الفوقية والمهملة والواو المشددة أصله تتصوب (من العقنقل) بمهملة قافين مفتوحات وبينهما نون ساكنة أصله كل رمل منعقد (يحادك) يشاقك وخالفك (اللهم فنصرك) بالفتح على المصدر (اللهم احنهم) أي أهلكهم والحين الهلاك (اللهم ان تهلك) بفتح أوله ورفع العصابة وبضمه ونصبها (وما زال يهتف) بكسر المثناة فوق أي يصيح ويستغيث بالدعاء وكان ذلك الدعاء مع استقبال القبلة (مادا يديه) كما في الصحيحين وغيرهما ففيه استحباب الاستقبال للدعاء ورفع اليدين وأنه لا بأس برفع الصوت في الدعاء (ان أبا بكر أخذ بيده الى آخره) قال أحمد بن محمد بن ابراهيم الخطابي لا يجوز ان أحد يتوهم ان أبا بكر كان أوثق بربه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تلك الحال بل الحامل له على ذلك شفقته على أصحابه وتقوية قلوبهم لانه كان أوّل مشهد شهدوه فبالغ في التوجه والابتهال لتسكن نفوسهم عند ذلك لانهم كانوا يعلمون ان وسيلته مستجابة فلما قال أبو بكر ما قال علم انه أستجيب له لما وجد عند أبي بكر من القوة والطمأنينة فكف عن ذلك (حسبك) أي كفاك وهو كذلك في رواية مسلم (فما ماط) بالمهملة أي ما عدل ففيه معجزة له صلى الله عليه وسلم (اذا أكثبوكم) بمثلثة فموحدة أي قربوا منكم ولابي داود يعنى غشوكم بمعجمتين قال في التوشيح وهو أشبه بالمراد (واستبقوا) بسكون الموحدة أمر من الاستبقاء أى طلب

ص: 183

جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع وفي رواية عليه اداة الحرب ولما تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض قال أبو جهل اللهم اقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فاحنه الغداة فكان هو المستفتح على نفسه وآخر ذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حفنة من الحصباء ورماهم بها وقال لاصحابه شدوا فكانت الهزيمة ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أمرهم أسرا وقتلا قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم من ينظر لنا ما صنع أبو جهل فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد البقي أي لا تبادروا بالرمي حتى يقربوا منكم لئلا تضيع النبال في غير فائدة (بعنان) بكسر العين الحبل الذي يربط في اللجام من الجانبين (فرسه) اسمه حيزوم وكان ذكرا كما يدل عليه سياق الحديث والتي تقدم بها قبل فرعون كانت انثي وانما جاء راكبا ليكون على عادة امداد الجيوش رعاية لصور الاسباب كما سيأتي عن السبكى (النقع) بنون فقاف ساكنة فمهملة أي الغبار (اداة) الحرب بفتح الهمزة وتخفيف المهملة أي آلتها (اللهم اقطعنا) أي من كان اقطعنا كما في تفسير البغوى وغيره (وآتانا) بمد الهمزة على وزن أفعلنا للتفضيل (وكان هو المستفتح على نفسه) في الحقيقة لانه دعا على الاقطع للرحم والآتى بما لا يعرف وهذا الوصف له لا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وان كان اراده في دعائه فأنزل الله عز وجل «إِنْ تَسْتَفْتِحُوا» أي تستنصروا «فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ» أى النصر وقيل الخطاب في الآية للمسلمين وذلك انهم كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الا تدعو تستنصر لنا كما في حديث خباب رضي الله عنه (حفنة) بفتح المهملة واسكان الفاء ما علا الكفين من تراب عليه في تفسير البغوي وغيره من الحصا وفيه ان ذلك كان باشارة جبريل حين دعاه صلى الله عليه وسلم قل له خذ قبضة من تراب فارمهم بها (ورماهم بها) زاد البغوى وغيره وقال شاهت الوجوه أي قبحت فلم يبق منهم مشرك الا دخل في عينيه وفمه ومنخريه منها شئ وقال قتادة بن زيد ذكر لنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمي بحصاة في ميمنة القوم وحصاة في مسيرة القوم وحصاة في اظهرهم وقال شاهت الوجوه فانهزموا ونزل قوله تعالى وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ أى ما بلغت اذ رميت بقوتك لان ذلك ليس في وسعك وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى أي بلغ وقيل وَما رَمَيْتَ بالرعب في قلوبهم إِذْ رَمَيْتَ بالحصا وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى بالرعب في قلوبهم حتي انهزموا (من ينظر لنا ما صنع أبو جهل) أى هل قتل أم لا اللهم لا يعجزنك كما في سيرة ابن اسحاق عن عبد الله بن أبى بكر عن معاذ بن أبي عمرو بن الجموح قال معاذ فلما سمعتها جعلتها من شأني فعمدت نحوه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه قال فضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي فاجهضتني وتمطيت بها حتى طرحتها ثم مر بأبي جهل وهو عقير معوذ بن عفراء وهو أخو الاول فضربه حتى أثبته وتركه وبه رمق (فوجده قد ضربه ابنا عفراء) المذكوران آنفا (حتي برد) بفتح الموحدة والراء أى مات أو حتى صار في حالة من سيموت وقيل معناه فتر وفي رواية لمسلم برك بالكاف أي سقط على

ص: 184

فأخذ بلحيته وقال أنت أبو جهل فقال وهل فوق رجل قتلتموه أو قال قتله قومه رواه الشيخان وفي رواية لهما قال فلو غير أكار قتلنى وروى انه قال لابن مسعود لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا قال ابن مسعود ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله هذا رأس عدو الله أبى جهل فقال آلله الذي لا إله غيره وكانت يمين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت نعم والله الذي لا إله غيره ثم ألقيت رأسه بين يديه فحمد الله تعالى وممن تبارز يومئذ حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وعتبة وشيبة بنا ربيعة والوليد بن عتبة فقتل حمزة رضي الله عنه شيبة وعلي رضي الله عنه الوليد واختلف بين عبيدة وعتبة ضربتان كلاهما أثبت صاحبه فكر حمزة وعلي على عتبة فذففا عليه واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الارض (فأخذ بلحيته) إهانة له وفي سيرة ابن اسحاق أنه وضع رجله على عنقه وقال هل أخزاك الله (وقال أنت) بالاستفهام (أبو جهل) كذا للمستملى في صحيح البخارى والثابت في أكثر النسخ أبا جهل قال في التوشيح وهو علي لغة كنانة أو منصوب بأعني أو بالنداء أي أنت المقتول يا أبا جهل أقوال أصحها الثالث (وهل فوق رجل قتلتموه) أي لا عار على قتلكم إياي (أو قال قتله قومه) شك من التيمى زاد ابن اسحاق ثم قال أخبرنى لمن الدائرة قال قلت لله ولرسوله (فلو غير أكار قتلني) جواب لو محذوف أي لكان أحب الي والاكار الفلاح والزراع وهو عند العرب ناقص أشار الى أن الذين قتلوه من الانصار وهم أصحاب نخل وزرع (وروي أنه قال لابن مسعود لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا) ذكره ابن اسحاق في السيرة قال السهيلي وهو يعارض ما وقع في سيرة ابن شهاب وفي مغازى ابن عقبة أن ابن مسعود وجده جالسا لا يتحرك ولا يتكلم فسلبه درعه فاذا في بدنه نكت سود مثل سبيعة البيضة وهو لا يتكلم فاخترط سيفه يعني سيف أبي جهل فضرب به عنقه ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين احتمل رأسه اليه عن تلك النكت السود التي رآها في بدنه فاخبره الرسول صلى الله عليه وسلم ان الملائكة قتلته وأن تلك آثار ضرب الملائكة له (آلله الذي لا اله غيره) بهمزة ممدودة للاستفهام والهاء مكسورة بتاء القسم المقدرة (وكانت) هذه اليمين (يمين) بالنصب خبر كانت (فحمد الله) سرورا بقتله (وممن تبارز يومئذ الى آخره) كان سبب المبارزة كما ذكره ابن اسحاق ان عتبة وشيبة والوليد دعوا الى المبارزة فخرج اليهم عوف ومعوذ بنا عفراء وعبد الله بن رواحة فقالوا من أنتم فقالوا رهط من الانصار فقالوا حين انتسبوا أكفاء كرام ثم طلبوا ان يخرج اليهم أكفاؤهم من قومهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا عبيدة بن الحارث ويا حمزة بن عبد المطلب ويا على بن أبي طالب فلما دنوا قالوا من أنتم فذكروا قالوا نعم أكفاء كرام (وعبيدة بن الحرث بن عبد المطلب) صوابه ابن المطلب كما سبق ذكره (اثبت) فعل ماض من الاثبات أى ترك كل واحد صاحبه لا يتحرك ولا يزول من موضعه (وقد قطعت رجله) زاد

ص: 185

ألست شهيدا قال بلى فقال عبيدة لو كان أبو طالب حيا لعلم أنا أحق بما قال منه حيث يقول

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن ابنائنا والحلائل

وكان أبو ذر يقسم قسما ان هذه الآية نزلت فيهم (هذان خصمان اختصموا في ربهم) قال علي رضي الله عنه وأرضاه انا أوّل من يجثو بين يدي الرحمن عز وجل للخصومة يوم القيامة رواه البخاري وفيه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بأربعة وعشرين رجلا فقذفوا في القليب وكان اذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليالي فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا ما نراه ننطلق الا لبعض حاجته حتى قام على شفير الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ويقول أيسركم انكم أطعتم الله ورسوله فانا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا فقال عمر يا رسول الله ابن اسحاق ومخها يسيل (الست شهيدا) كانه أيقن ان موته فيها لما يجده من الالم وعرف انه لا يموت فيها الآن بل بعد انقضاء الحرب فسأل هل يكون ذلك شهادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلي) وكان موته بالصفراء كما سبق. قال ابن عبد البر ويروى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مع أصحابه بالمأزمين قال له أصحابه انا نجد ريح مسك فقال وما يمنعكم وهاهنا قبر أبى معاوية يعنى عبيدة رضى الله عنه (لعلم أنا أحق منه) لانا مؤمنون وهو غير مؤمن

(ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

هذا البيت معطوف على الذي قبله

كذبتم وبيت الله نبزي محمدا

ولما نطاعن دونه ونناضل

(كان أبوذر يقسم قسما ان) بكسر الهمزة (هذان خصمان اختصموا في ربهم) أي جادلوا في دينه وأمره والخصم اسم شبيه بالمصدر فلذلك قال اختصموا بلفظ الجمع وقال ابن عباس وقتادة نزلت الآية في المسلمين وأهل الكتاب وقيل هم المؤمنون والكافرون كلهم وقيل هما الجنة والنار (أنا أوّل من يجثو) بالجيم والمثلثة أى يقعد على ركبتيه مخاصما قال في التوشيح والمراد بهذه الاولية تقييده بالمجاهدين لان هذه أوّل مبارزة وقعت في الاسلام (فقذفوا) أي رموا (فى القليب) بالقاف وهي البئر التى لم تطو. قال الواقدى وكان حفرها رجل من بنى النار فناسب ان يلقى فيها هؤلاء الكفار (ما نراه) بضم النون أى نظن (على شفير الركى) أى على طرف البئر وفي بعض نسخ البخارى شفة الركي وهو بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد آخره البئر التى لم تطو وفي صحيح البخارى قيل ذلك انهم القواطوي وهي البئر التي طويت وبنيت بالحجارة قال في التوشيح والجمع بين ذكر اللفظين فيما يظهر من تصرف الرواة (فجعل يناديهم باسمائهم واسماء آبائهم) يا أبا جهل بن هشام يا أمية بن خلف يا عتيبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة (فقال عمر) مستفيدا لا معترضا

ص: 186

ما تكلم من اجساد لا أرواح فيها فقال النبى صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده ما أنتم باسمع لما أقول منهم قال قتادة أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما وروى ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له بعد الهزيمة هذه العير ليس دونها شيء فانهض في طلبها فناداه العباس وهو أسير لا يصلح ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم ذاك قال لان الله وعدك احدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدقت. ولما انتصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة الى المدينة يبشران قال أسامة فأتانا الخبر حين سوينا على رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التراب ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم راجعا فلما كان بمضيق الصفراء قسم النفل ولما كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنونه وأمر بقتل النضر بن الحارث بالصفراء وبقتل عقبة بن أبى معيط بعرق الظبية وقدم النبى صلى الله عليه وآله وسلم قبل الاسارى بيوم ولما قدم بالأسارى فرقهم بين الصحابة وقال استوصوا بهم خيرا واستمر فداؤهم على أربعة آلاف درهم ومنهم من نقص عنه ومنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بعضهم بغير فداء والله أعلم.

(فصل) واعلم ان بدرا ملحمة شريفة عظيمة من ملاحم الجنة العظام وأوّل فتح (ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها) أي فما الفائدة في ذلك (ما أنتم باسمع لما أقول منهم) زاد مسلم غير انهم لا يستطيعون ان يردوا على شيأ ففيه تحقيق سماعهم ولا تعارض بينه وبين قوله تعالى فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى قال القرطبي في التذكرة لانه جائز ان يكونوا يسمعون في وقت ما أوفي حال ما فان تخصيص العموم ممكن وصحيح اذا وجد مخصص وقد وجد هنا على ان المراد بالموتي في الآية الكفار مجازا فلا تعارض فيها أصلا (وقال قتادة) هو ابن دعامة بكسر المهملة وفتحها السدوسي المفسر (بمضيق الصفراء) بفتح الميم وكسر المعجمة واسكان التحتية أي بالقرب منها (النفل) بفتح النون والفاء وهو لغة الزيادة سميت الغنائم نفلا لانها زيادة من الله تعالى لهذه الامة خاصة (وأمر بقتل النضر بن الحرث بالصفراء) فضرب عنقه عامر بن ثابت بن أبي الافلح وقيل عاصم أخوه ذكره ابن عبد البر وغيره (بعرق الظبية) بضم المعجمة واسكان الموحدة ثم تحتية قال الواقدي هى من الروحاء على ثمانية أميال مما يلي المدينة (واستمر فداؤهم على أربعة آلاف درهم) وقال ابن عبد البر وابن منده وأبو نعيم وأوّل من فدى بذلك يومئذ أبو وداعة بن ضميرة بن سعيد*

(فصل) واعلم ان بدرا (ملحمة) بفتح الميمين والمهملة واسكان اللام وهي موضع القتال العظيم

ص: 187