الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ففي صحيح البخاري من رواية أخرى ان قيس بن سعد قال لأبيه كنت في الجيش فجاعوا قالوا انحر قال نحرت قال ثم جاعوا قالوا انحر فنحرت قال ثم جاعوا قالوا انحر فنحرت قال ثم جاعوا قالوا انحر قال نهيت*
[الكلام على فتح مكة ويسمى فتح الفتوح]
وفي رمضان من هذه السنة كان فتح مكة وسمي فتح الفتوح لأن العرب كانت تنتظر باسلامها اسلام قريش ويقولون هم أهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل فان غلبوا فلا طاقة لأحد به فلما فتح الله مكة دخلوا في دين الله أفواجا قبائل على جملتها بعد ان كانوا يدخلون أفرادا ولم يقم للشرك قائمة بعده* روينا في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فقال بعضهم لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا ابنا مثله فقال انه ممن قد علمتم قال فدعاهم ذات يوم ودعانى معهم فما رأيت انه دعاني يومئذ إلا ليريهم قال ما تقولون في قول الله عز وجل إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذ فتح علينا وسكت بعضهم فلم يقل شيئا فقال لى أكذلك تقول يابن عباس فقلت لا قال فما تقول قلت هو أجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعلمه له قال اذا جاء نصر الله والفتح وذلك علامة أجلك فسبح بحمد وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم عن جابر وفي الحديث انه صلى الله عليه وسلم زودهم جرابا من تمر لم يجد لهم غيره وكان أبو عبيدة يعطيهم تمرة تمرة فكانوا يمصونها ثم يشربون عليها الماء وانهم وجدوا فقدها لما فنيت وفيه أنهم تزودوا من لحمه فلما قدموا المدينة ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هو رزق أخرجه الله تعالى لكم فهل معكم من لحمه فأرسلوا اليه منه فأكل فيؤخذ من الحديث طلب الصبر على الجوع ونحوه سيما في الغزو ونحوه من الطاعات وانتظار الفرج وسرعة اذهاب العسر باليسر وان رزق المتقين من حيث لا يحتسبون وفيه التأنى والتثبت في الاجتهاد وفيه طهارة ميتة البحر وحل أكلها (فائدة) روى مسلم في صحيحه عن جابر وقوع مثل هذه القصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطن بواط وقد شكى الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فقال عسى الله ان يطعمكم قال فأتينا سيف البحر فزجر البحر زجرة فألقي دابة فأورينا على شقها النار فأطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا قال جابر فدخلت أنا وفلان وفلان حتى عد خمسة في حجاج عينها ما يرانا أحد حتى خرجنا وأخذنا ضلعا من أضلاعه فقوسناه ثم دعونا بأعظم رجل في الركب وأعظم جمل في الركب وأعظم كفل في الركب فدخل تحته ما يطأطيء رأسه* تاريخ غزوة الفتح (كان) تامة (ويسمى) هذا الفتح (فتح الفتوح روينا في صحيح البخاري) وسنن الترمذي (قال بعضهم) هو عبد الرحمن بن عوف (ولنا ابنا) بالصرف (مثله) بالرفع (انه ممن قد علمتم) أي فضله بالعلم وقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرنا) مبني للمفعول (اذا فتح علينا) مبنى للفاعل وفي الحديث فضيلة ظاهرة لابن عباس ولعمر أيضا حيث عرف فضيلته ووافقه
ربك واستغفره انه كان توابا فقال عمر ما أعلم منها الا ما تقول وكان سبب غزوة الفتح على ما ذكر أهل السير انه كان بين خزاعة وبني بكر عداوة وترات وقد كانت خزاعة دخلت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية ودخلت بنو بكر في عهد قريش فمكثوا على ذلك ثمانية عشر شهرا ثم بيتت بنو بكر خزاعة على ماء لهم يسمى الوتير ناحية عرنة وأعانتهم قريش مختفين في سواد الليل فقتلوا رجالا من خزاعة فلما كان ذلك منهم ركب عمرو بن سالم الخزاعي الكعبي الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوقف عليه وهو في المسجد بين ظهرانى الناس فأنشد:
يا رب اني ناشد محمدا
…
حلف أبينا وابيه الأتلدا
قد كنت والدا وكنا ولدا
…
ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصرا أعتدا
…
وادع عباد الله يأتوا مددا
في هذا التأويل (وترات) جمع ترة وهي لغة النقص وأراد أنهم كانت بينهم حروب (ثم تبيتت) أي جاءت بياتا أي ليلا (بنو بكر) زاد البغوي ومعهم نوفل بن معاوية الدئلي في بنى الدئل مع بني بكر (الوتير) بفتح الواو وكسر الفوقية ما بين عرفة الى ادام قال في القاموس والوتير في اللغة الورد الابيض قاله السهيلى (عرنة) بضم المهملة وفتح الراء كما مر (وأعانتهم قريش) بالسلاح وحضر معهم صفوان بن أمية وعكرمة ابن أبى جهل وسهيل بن عمرو مع عبيدهم (مختفين في سواد الليل) أى ظلمته ففيه ان عقد الهدنة ينتقض بنقض بعض الكفار مع سكوت الباقين (فقتلوا رجلا «1» من خزاعة) لم أقف على اسمه (عمرو بن سالم الخزاعى) عده ابن عبد البر وغيره في الصحابة (يا رب) وللبغوي في التفسير لاهم أى اللهم (اني ناشد) سائل مع رفع صوتي (حلف أبينا وأبيه) بكسر الحاء المحالفة أي اني سائله عن الحلف الذي كان بيننا وبينهم هل هم باقون عليه أم لا (الأتلدا) بالفوقية وألف الاطلاق أي الاقدم (قد كنت والدا وكنا ولدا) وللبغوى كنت لنا أبا وكنا ولدا وأراد بذلك عقد المحالفة فانه كان في الجاهلية بهذه المثابة حتى كانوا يتوارثون به وكان كذلك الى أوّل الاسلام ثم نسخ بقوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» وذكر السهيلي انه انما قال ذلك لان بني عبد مناف أمهم من خزاعة وكذلك قصي أمه فاطمة بنت سعد الخزاعية (ثمت) أي ثم (أسلمنا) أراد الاسلام اللغوي دون الحقيقى لانهم كانوا لم يسلموا يومئذ (ولم ننزع) ولم نخرج (يدا) عن طاعتك ولم تنقض الحلف الذى كان بيننا وبينك (نصرا اعتدا) ضبط بضم الهمزة وسكون المهملة وكسر الفوقية أي أحصر وهي من الشيء العتيد وهو المهيأ الحاضر وضبط بهمز وصل مع فتح الفوقية أى نصرا تاما متعديا الينا (مددا)
(1) نص المتن رجالا خلافا للشارح فليحرر.
فيهم رسول الله قد تجردا
…
ان سيم خسفا وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يجرى مزبدا
…
ان قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا
…
وجعلوا لى في كداء رصدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا
…
وهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا
…
وقتلونا ركعا وسجدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصرت يا عمرو بن سالم وعرصت سحابة في السماء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب وغير بعيد أن جاء أبو سفيان يبتغي تأكيد العهد والمزايدة في المدة فأبى عليه رسول الله صلى بفتح الميم أى يمدانهم (قد تجردا) بألف الاطلاق أى خرج من العلائق المانعة له من المسير (ان سيم) بكسر المهملة وسكون التحتية أى طلب (خسفا) بفتح المعجمة وسكون المهملة أى أمرا دنيا (تربدا) بألف الاطلاق وهو بالمهملة أي انه صلى الله عليه وسلم لا يرضى النقص بل يتربد منه (وجهه) أي يتغير ويتكدر ويعلوه ربدة بكسر الراء وهي لون بين السواد والغبرة قاله أبو عمر أولون كدر قاله ابن دريد (في فيلق) متعلق بقوله قد تجردا والفيلق بفتح الفاء واللام وسكون التحتية بينهما آخره قاف الجيش العظيم كالجحفل وجمعه فيالق (في كداء) بفتح الكاف وبالمد اسم لا على مكة (وزعموا ان لست أدعو) أي أعبد (أحدا) أشار الى قول نوفل بن معاوية الدئلى حيث قال له بنو بكر يا نوفل انا دخلنا الحرم أي وقتلنا خزاعة فيه إلهك إلهك أي خف منه فقال انه لا إله له اليوم أصبوا آثاركم فيه ذكره البغوي (هجدا) بضم الهاء وفتح الجيم المشددة وهو نصب على الحال أي حال كوننا هجدا أي نياما جمع هاجد أي نائم (يا عمرو بن سالم) بنصب ابن وفي عمرو الرفع والنصب كنظائره (وعرضت سحابة) وللبغوي عياب بفتح العين وهو السحاب أيضا (ليستهل) من الاهلال وهو رفع الصوت (بنصر بنى كعب) زاد البغوي وهم رهط عمرو بن سالم (وغير بعيدن) بفتح الهمزة (جاء أبو سفيان الي آخره) وتقدم قبل مجيء أبى سفيان مجيء بديل بن ورقاء الخزاعي رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من خزاعة معلما له بما أصيب منهم وبمظاهرة قريش بنى بكر عليهم ثم انصرفوا فلقيهم أبو سفيان بعسفان فسألهم هل أتوا محمدا فجحد بديل فقال أبو سفيان لئن كان الدئلى جاء المدينة لقد علف بها النوى فلما ارتحل بديل جاء أبو سفيان الى مبرك ناقته ففت من بعرها فاذا فيه النوى فحلف لقد جاء بديل محمدا ذكر معنى ذلك البغوى وغيره وذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان قد قال للناس كأنكم بأبى سفيان قد جاء يشدد العقدة ويزيد في المدة ففيه معجزة له صلى الله عليه وسلم وذكر أيضا انه لما جاء المدينة دخل على ابنته أم حبيبة فطوت عنه فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يجلس عليه فقال أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني فقالت بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وانت رجل مشرك نجس فلم أحب أن تجلس عليه فقال والله لقد أصابك