الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكا لمدلج الحيران أظلم ليله
…
فهذا أواني حين أهدى واهتدى
هدانى هاد غير نفسى ونالنى
…
مع الله من طردت كل مطردى
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنت طردتني كل مطرد فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكديد أفطر وأمر الناس بذلك ثم مضى حتى نزل مر الظهر ان في عشرة آلاف
[الكلام على إسلام أبو سفيان بن حرب وإكرام النبي صلى الله عليه وسلم وله]
ثم ان العباس لحقته رأفة بقريش فخرج على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجاء أن يصادف أحدا يبعثه اليهم فيستأمنوا فلقى أبا سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل ابن ورقاء وقد كانوا خرجوا يتجسسون الأخبار فأخبرهم الخبر فقال له أبو سفيان فما الحيلة قال اركب خلفى حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمنه لك فردفه ورجع صاحباه (لكالمدلج) اللام فيه لام الابتداء الداخلة على معمول ان والمدلج السائر بالليل وهو بسكون الدال اسما وفعلا ومصدرا (الحيران) المتحير الذي لا يهتدي الى طريق (فهذا أواني) الاوانّ الوقت والحين (حين أهدى) مبنى للمفعول أي أدل على طريق الحق (واهتدى) اليها فأسلكها (هداني هاد) يعني به رسول الله صلى الله عليه وسلم (غير نفسي) بضم الراء (ونالني مع الله) أى لحقني وأدركني اذ كنت كالشارد عنه وفي بعض النسخ ودلني على الله (من) أي الذي (طردت) بتشديد الراء أي بعدت (كل مطرد) مبالغة في ذلك (فائدة) قال في الاستيعاب قال عروة كان سبب موت أبي سفيان انه حج فلما حلق الحالق رأسه قطع اثلولا كان في رأسه فلم يزل مريضا حتى مات بعد مقدمه من الحج الى المدينة سنة عشرين ودفن في دار عقيل بن أبي طالب وصلى عليه عمر بن الخطاب وقيل بل مات بالمدينة بعد أخيه نوفل بأربعة أشهر الا ثلاثة عشر ليلة وكان هو الذي حفر قبر نفسه قبل ان يموت بثلاثة أيام وكانت وفاة نوفل سنة خمس عشرة (الكديد) بفتح الكاف وبالمهملة المكررة والتحتية الساكنة قال البغوي ما بين عسفان وانج وللمستملي في صحيح البخاري ما بين عسفان وقديد قال النووي بينه وبين مكة اثنان وعشرون ميلا وفي رواية في الصحيح حتى اذا بلغ كراع الغميم بفتح المعجمة وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال وكان الكديد وكراع الغميم متقاربان فمتهم من يذكر هذا ومنهم من يذكر هذا قال النووي وقد غلط بعض العلماء فتوهم ان الكديد وكراع الغميم فريب من المدينة (مر الظهران) مضى ذكره (في عشرة آلاف من المسلمين) زاد البغوي ولم يتخلف عنه من المهاجرين والانصار أحد (فيستأمنوا) أى يطلبوا الامان (بديل) بالموحدة والمهملة والتحتية مصغر (ابن ورقاء) بفتح الواو والقاف وسكون الراء والمد (فأخبرهم الخبر) قال البغوي قال العباس سمعت أبا سفيان يقول والله ما رأيت كالليلة نيرانا قط فقال له بديل هذه والله نيران خزاعة حمستها الحرب فقال أبو سفيان خزاعة الأم من ذلك وأذل فعرفت صوته فقلت أنا حنظلة فعرف صوتي فقال أبو الفضل قلت نعم قال مالك فداك أبي وأمي قلت ويحك يا أبا سفيان هذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبحك قد جاء بمالا قبل لكم به قال (فما الحيلة) قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك
فلما مر به العباس على منزل عمر لحقه عمر محرشا عليه ومذكرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم سالف اساءته فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس اذهب به الى رحلك فاذا أصبحت فأتنى به فلما أصبح جاء به فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسلام فتلكأ قليلا ثم أسلم فقال العباس يا رسول الله ان أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا فقال نعم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن. روينا في صحيح البخاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار قال للعباس احبس أبا سفيان عند حطم الخيل وفي رواية عند خطيم الجبل حتى ينظر الى المسلمين فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر مع النبي صلى الله عليه وسلم تمر كتيبة كتيبة على أبى سفيان فمرت كتيبة فقال يا عباس من هذه قال هذه غفار قال مالى ولغفار ثم مرت جهينة قال مثل ذلك ثم مرت سعد بن هذيم فقال مثل ذلك ثم مرت سليم فقال مثل ذلك حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلهم قال من هذه قال هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية فقال سعد بن عبادة يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة (فلما مر به العباس على منزل عمر) ولم يعرفه أحد من المسلمين قبله (محرشا) مغريا ومحرضا (ومذكرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم سالف أساءته) قال البغوي فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد دعني أضرب عنقه فقال العباس يا رسول الله اني قد أجرته وقال العباس مهلا يا عمر فو الله ما تصنع هذا الا انه رجل من بني عبد مناف ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا قال مهلا يا عباس فو الله لا سلامك يوم أسلمت كان أحب الىّ من اسلام الخطاب لو أسلم (فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسلام) فقال له يا أبا سفيان ألم يأن لك ان تعلم أنه لا إله الا الله قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت ان لو كان مع الله غيره لا غنى عنى شيئا بعد قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك ان تعلم اني رسول الله حق فقال واما هذه ففى النفس منها شيء حتى الآن (فتلكأ) توقف وزنا ومعنا فقال له العباس أسلم قبل ان تضرب عنقك (فأسلم) حينئذ كرها (فاجعل له شئأ) يفتخر به (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن الى آخره) زاد أبو داود عن ابن عباس ومن القى سلاحه فهو آمن (روينا في صحيح البخاري) عن عروة بن الزبير (حطم) بحاء وطاء مهملتين (الخيل) بمعجمة وبتحتية ساكنة أى محل ازدحامها (وفي رواية) للبيهقى في صحيح البخارى (خطم) بمعجمة وطاء مهملة أى أنف (الجبل) بالجيم والموحدة أى طرفه وللبغوي احتبسه بمضيق الوادي عن حطم الخيل (فحبسه العباس) حيث أمره النبى صلى الله عليه وسلم (كتيبة) هي القطعة من الجيش سميت بذلك لاجتماعها (مالى ولغفار) أى ما كان بيني وبينهم من حرب كما ورد في رواية (سعد بن هذيم) بالذال المعجمة والتصغير (ثم مرت سليم) زاد البغوي ثم مرت مزينة (اليوم يوم الملحمة) بفتح الميم والحاء المهملة وسكون اللام بينهما أى يوم حرب
اليوم تستحل الكعبة فقال أبو سفيان يا عباس حبذا يوم الذمار ثم جاءت كتيبة وهى أقل الكتائب يعنى أقلهم عددا وهى أجلهم قدرا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله وأصحابه وراية رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الزبير فلما مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبى سفيان قال ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال ما قال قال كذا وكذا فقال كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسي فيه الكعبة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تركز رايته بالحجون وقال عبد الله بن مغفل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يرجع فيها انتهت رواياتنا عن البخاري. وروى ان أبا سفيان لما مرت به القبائل وكانت قد أوعبت في تلك الغزاة فألفت مزينة وسبعت سليم وقيل ألفت وفي كل القبائل عدد قال للعباس يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما قال العباس فقلت له ويحك انها النبوة قال فنعم اذا قلت الحق الآن بقومك فحذرهم فخرج سريعا فقال لهم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن قالوا وما يغني عنا دارك قال ومن دخل المسجد فهو عظيم لا مخلص منه أو يوم المقتلة العظيمة يوم (تستحل الكعبة) أراد الاستحلال اللغوي أو أراد تستحل بزعمك (حبذا الذمار) أى يوم الهلاك وقيل يوم الغضب وهو بكسر المعجمة وتخفيف الميم (وراية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت يومئذ بيضاء كما أخرجه أبو داود والترمذي عن جابر (مع الزبير) وكان قد قدمه بها وأمره أن يركزها بأعلا مكة بالحجون وقال لا تبرح حتى آتيك ودخلها صلى الله عليه وسلم من جهة الحجون وهناك ضربت قبته (فقال كذب سعد) فيه دليل لما مر ان الكذب الاخبار عن الشىء على خلاف ما هو عمدا أو سهوا زاد البغوي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي أدركه فخذ الراية منه فكن أنت الذى تدخل بها (بالحجون) بفتح المهملة وضم الجيم أعلا مكة كما مر وكداء بفتح الكاف وبالمد غير مصروف قال في التوشيح وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي انتهى وكان دخوله صلى الله عليه وسلم يومئذ منها قال ابن اسحاق وغيره وسببه ان أبا سفيان قال للعباس لا أسلم حتى أرى الخيل تطلع من كداء فقال العباس ما هذا قال شئ طلع بقلبي وان الله لا يطلع الخيل هناك أبدا قال العباس فذكرت أبا سفيان بذلك لما دخل وأخرج البيهقي من حديث عمر قال قال النبى صلى الله عليه وسلم لابي بكر كيف قال حسان فأنشده:
عدمت بنيتي ان لم تروها
…
تثير النقع مطلعها كداء
فتبسم وقال ادخلوها من حيث قال حسان (ابن مغفل) بفتح المعجمة والفاء المشددة هو المزني (يقرأ سورة الفتح) يعني اذا جاء نصر الله والفتح واتسمى سورة النصر وتسمى سورة التوديع (وروى ان أبا سفيان الى آخره) رواه البغوى في التفسير (أوعبت) جمعت (فألفت مزينة) كانت الفا (وسبعت) سليم كانت سبعمائة (ويحك) مضى ذكرها (وما يغني عنا دارك) أى ما ينفعنا
آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن فتفرق الناس ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعلا مكة ولم يعرض له قتال وأمر خالد بن الوليد في عدد من المسلمين فدخلوا من أسفلها فعرض لهم عكرمة بن ابي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو بالخندمة فهزمهم خالد بن الوليد وقتل منهم اثنى عشر أو ثلاثة عشر رجلا ولم يقتل من خيل خالد الاسلمه بن الميلاء الجهني واما كرز بن جابر الفهري وحبيش بن الاشعر فشذا عن خالد وسلكا طريقا غير طريقه فقتلا جميعا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد الى امرائه ان لا يقتلوا إلا من قاتلهم الا انه أمر بقتل جماعة سماهم وان كانوا تحت استار الكعبة فقتل بعضهم واستؤمن لبعضهم (ولم يعرض) بكسر الراء وضمها (بالخندمة) بالمعجمة والنون والدال المهملة بوزن الملحمة جبل بمكة (سلمة) بفتح اللام (ابن الميلاء) بفتح الميم وكسرها وبالمد (واما كرز) بضم الكاف وسكون الراء آخره زاى (وحبيش) مصغر وهو بالمهملة فالموحدة آخره معجمة أو بمعجمة فنون آخره مهملة قولان أصوبهما الاول قاله أبو الوليد (ابن الاشعر) بالشين المعجمة والعين المهملة والأشعر لقب واسمه خالد بن حنيف بن منقذ بن ربيعة بن أصرم ابن خبس بن حرام بن حبيشة بن كعب بن عمرو الخزاعي وهو أبو أم معبد التى مر ذكرها في حديث الهجرة (شذا) بمعجمتين خرجا وبقي من شهد الفتح حبلة بن الاشعر أخو حبيش ذكره ابن عبد البر وخالد الاشعري الخزاعي ذكره الواقدي (الا انه أمر بقتل جماعة) كانت لهم سالف اساآت وكانوا يؤذونه صلى الله عليه وسلم (سماهم) وهم عبد الله بن سعد بن أبى سرح بفتح المهملة وسكون الراء وكان مسلما ثم ارتد وعبد الله بن خطل وسيأتى ضبطه لانه كان مسلما فبعثه صلى الله عليه وسلم مصدقا وكان له مولى يخدمه وكان مسلما فنزل منزلا وأمره ان يذبح له تيسا ويصنع له طعاما فنام فاستيقظ ولم يصنع له شيأ فقتله ثم ارتد وكانت له قينتان يغنيان بهجائه صلى الله عليه وسلم فأمر بقتلهما معه والحويرث بن نفيذ بن وهب كان ممن يؤذيه صلى الله عليه وسلم ومقيس بن صبابة لانه قتل الانصاري الذي قتل أخاه خطأ ورجع الى مكة مرتدا كما مر وسارة مولاة لبعض بني المطلب وكانت ممن يؤذيه صلى الله عليه وسلم وعكرمة بن أبي جهل (وان وجدوا تحت استار الكعبة) فيه دليل لجواز استيفاء العقوبات في الحرم سواء كانت لله تعالى أم لآدمي لان قتله لا يوجب ضمانا وكان كالفواسق الخمس هذا مذهب الشافعي رحمه الله لكن يشكل عليه عدم جواز استيفاء ذلك في المسجد ان خيف تلويثه ويجاب بانه صلى الله عليه وسلم خاف من التأخير الى اخراجهم ما يمنع قتلهم من أمان أو هرب أو نحوهما وكان في قتلهم مصلحة للمسلمين عامة فانهم كانوا أعداء الدين ورؤساء المفسدين فقدم صلى الله عليه وسلم المصلحة العامة على ذلك (فقتل بعضهم) كابن خطل وسيأتي قريبا ذكر من قتله ومقيس بن ضبابة قتله تميله بالفوقية والتصغير رجل من قومه والحويرث ابن نفيذ قتله علي بن أبي طالب واحدى قينتى ابن خطل (واستؤمن لبعضهم) كابن أبي سرح استأمن له عثمان وكان أخاه من الرضاعة ثم جاء به وقت البيعة حتى وقفه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال