الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثله فلما تم وضوؤه أخذ جبريل كفا من ماء فرش به فرجه ثم قام فصلى ركعتين والنبي صلى الله عليه وآله وسلم مقتدبه ثم قال الصلاة هكذا فجاء النبى صلى الله عليه وسلم الى مكة وقص ذلك على خديجة وعلمها الوضوء والصلاة (قال المؤلف غفر الله زلته) وأقال عثرته وفي سيرة ابن اسحاق أن تعليم الوضوء والصلاة كان في مرة أخرى وقد التقيا بأعلا مكة وفيها ما يدل على أن فرض الصلوات الخمس كان يومئذ وليس كذلك فان فرضها انما كان ليلة الاسراء وكان الواجب أولا قيام بعض الليل كما في صدر سورة المزمل ثم نسخ بآخرها فاقرؤا ما تيسر منه ثم نسخ الجميع بفرض الخمس ليلة الاسراء ذكره النووى رحمه الله في فتاويه
[فصل: في صفة جبريل عليه السلام وانه سفير الانبياء وعدد نزوله على النبى صلي الله عليه وسلم وبيان كيفيات الوحي]
(فصل) واعلم أن جبريل عليه السلام ملك عظيم ورسول كريم مقرب عند الله أمين على وحيه وهو سفيره الى أنبيائه كلهم ورسوله باهلاك من طغى من أممهم ووصفه الله تعالى في القرآن العظيم بالقوة والامانة وقرب المنزلة عنده وعظم المكانة وأخبر بطاعة الملائكة له في (فرش به فرجه) أي الجهة التى فيها الفرج من الآدميين ويحتمل ان يخلق الله له فرجا عند تصوره في صورة الآدميين تتميما للخلقة ثم اذا أعاده الى صورته التى جبل عليها زال عنه ذلك فلا يستدل به على وجود فرج لجبريل ولا لغيره من الملائكة مع قيامهم في صورهم الجبلية وانما فعل ذلك ليعلم النبى صلى الله عليه وسلم. ففي سنن ابن ماجه من حديث زيد بن حارثة علمني جبريل الوضوء وأمرنى ان أنضح تحت ثوبي مما يخرج من البول وفيه ندب فعل ذلك للمتوضيء (ثم قام فصلي ركعتين) قد يؤخذ منه ندب سنة الوضوء وعددها (وكان الواجب) بالرفع اسم كان (قيام) بالنصب خبرها ويجوز عكسه
(فصل واعلم ان جبريل) بكسر الجيم بوزن زنبيل وفتحها بوزن مهليل وبالهمز فيهما مع المد واثبات الياء وحذفها وجبرال بالكسر والفتح أيضا وجبرايل بالتحتية معهما وجبرال بتشديد اللام وجبراييل بألف وتحتيتين وجبراين بالنون قيل ان جبروميك واسراف معناها العبد بالسريانية وال وايل اسمان لله تعالى ورده أبو علي الفارسي بان ايل وال لا يعرفان من أسماء الله وانه لو كان كذلك لم ينصرف آخر الاسم في وجوه العربية ولكان آخره مجرورا أبدا كعبد الله. قال النووي وهذا هو الصواب انتهى. قال في الديباج ورد في أثر ان تفسير جبريل عبد الله وميكائيل عبد الله واسرافيل عبد الرحمن وذكر الجزولي من المالكية ان اسرافيل سمى بذلك لكثرة أجنحته وميكائيل لكونه وكل بالمطر والنبات يكيله ويزنه. وذكر المجد في الصلاة والبشر ان جبريل يكني أبا الفتوح واسرافيل أبا الغنائم (وهو سفيره) بالسين المهملة والفاء بوزن عظيم هو الرسول (من طغي) أي جاوز الحد بالكفر (ووصفه الله تعالى في القرآن العظيم بالقوة والامانة الى آخره) أى على القول بأنه المراد في قوله تعالى إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وهو ما قاله أكثر المفسرين وقال على بن موسى وغيره انه محمد صلى الله عليه وسلم فجميع الاوصاف بعد هذا له وعليه يبطل استدلال الزمخشرى بالآية على تفضيل جبريل على نبينا صلى الله عليه وسلم بل وعلى الاول فان الثناء على
السماء وانه يؤيد به عباده الانبياء وسماه روح القدس والروح الامين واختصه لوحيه من بين الملائكة المقربين وحكى في قوله تعالى في حق النبى صلى الله عليه وآله وسلم وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لجبريل هل أصابك من هذه الرحمة شيء قال نعم كنت أخشى العاقبة فامنت لثناء الله عز وجل علىّ بقوله ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ووصفه الله سبحانه وتعالى بالقدس لانه لم يقترف ذنبا وسماه روحا للطافته ولمكانته من الوحي الذي هو مسبب حياة القلوب* وأما عدد نزوله على النبى صلى الله عليه وآله وسلم فرأيت في بعض التواريخ أنه نزل عليه ستا وعشرين ألف مرة ولم يبلغ أحد من الانبياء هذا العدد وأما صفة مجيئه الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فثبت في صحيح البخارى عن عائشة ان الحرث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس شخص لا يلزم منه تفضيله على من سواه (وسماه روح القدس) في قوله تعالى إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ على القول بأن الروح جبريل وقوله تعالى قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ والقدس بضم القاف وفي الدال الضم والسكون الطهارة سمي جبريل بذلك لانه لم يقارف ذنبا (وحكي في قوله تعالى في حق النبى صلى الله عليه وآله وسلم الى آخره) ذكره عياض في الشفا بهذه الصيغة (كنت أخشى العاقبة) قبل بعثتك فلما بعثت أثنى الله علي في الكتاب المنزل عليك بقوله ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (فامنت) العاقبة (لثناء الله عز وجل على) الذى كنت السبب في معرفتي اياه فكنت رحمة لي من هذه الحيثية كسائر العالمين (نزل عليه ستا وعشرين ألف مرة) الذى ذكره ابن عادل أربعا وعشرين ألفا (ولم يبلغ أحد من الانبياء هذا العدد) بل كان نزوله على آدم اثنتي عشرة مرة وعلى ادريس أربع مرات وعلى ابراهيم اثنين وأربعين مرة وعلى نوح خمسين مرة وعلى موسى أربعمائة مرة وعلى عيسى عشر مرات ذكر ذلك ابن عادل أيضا (فثبت في صحيح البخارى) وصحيح مسلم وغيرهما ان الحرث بن هشام هو شقيق أبي جهل أسلم يوم الفتح وحسن اسلامه واستشهد يوم اليرموك أيام عمر في رجب سنة خمس عشرة وقيل في طاعون عمواس سنة سبع عشرة أو خمس عشرة قولان وظاهر ذلك ان الحديث في مسند عائشة وعليه اعتمد أصحاب الاطراف فكانها حضرت القصة ويحتمل كما قال السيوطي وغيره ان يكون الحرث أخبرها بذلك ويكون مرسل صحابي وحكمه الوصل ويؤيده ان في مسند أحمد وغيره من طريق عامر بن صالح الزبيرى عن هشام عن أبيه عن عائشة عن الحرث ابن هشام قالت سألت ولكن عامر بن صالح ضعيف اعتضد بمتابعه عند ابن منده (صلصلة) بفتح المهملتين وهي في الاصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض ثم أطلق على كل صوت له طنين وقيل هو صوت متدارك لا يفهم في أوّل وهلة. قال النووى قال العلماء والحكمة في ذلك ان يتفرغ سمعه ولا يبقى فيه ولا في قلبه مكان لغير صوت الملك انتهى وقيل انما كان يأتيه كذلك اذا نزلت آية وعيد أو تشديد والصلصلة المذكورة هي صوت الملك بالوحي وقيل صوت خفق أجنحته (الجرس) بفتح الجيم والراء آخره مهملة
وهو أشده على فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فأعى ما يقول قالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه الوحى في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه ليتفصد عرقا أى يسيل وورد في الصحيح أيضا انه كان يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه فيكلمه في صورة سائل مستفت على صورة دحية بن خليفة وأصله من الجرس بفتح الجيم وسكون الراء وهو الصوت الخفي ويقال بكسر أوله (وهو أشده على) قال السيوطي سبب هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى والدرجات (فيفصم عني) بفتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة من فصم أى يقلع وينجلي ما يغشاني والفصم هو القطع بلا ابانة وأما القصم بالقاف فقطع مع ابانة وانفصال ومعنى الحديث ان الملك يفارقه على ان يعود ولا يفارقه مفارقة قاطع لا يعود ويروى بضم أوله من افصم ويروى بالبناء للمفعول (وعيت) بفتح المهملة أى فهمت وحفظت ويقال في المال والمتاع أوعيت (يتمثل) أى يتصور بتصوير الله عز وجل (الملك) اللام فيه للعهد أى جبريل كما صرح به في رواية عبيد بن سعيد (رجلا) أي مثل رجل فنصبه على المصدر وقيل تمييز وقيل حال على تأويله بمشتق أي مرئيأ محسوسا قال المتكلمون الملائكة أجسام علوية لطيفة تتشكل أي شكل أرادوا أي باذن الله عز وجل وقال عبد الملك إمام الحرمين معنى تمثل جبريل ان الله تعالى أفنى الزائد من خلقه وأزاله عنه ثم يعيده اليه وجزم ابن عبد السلام بالازالة دون الفناء وقال البلقيني يجوز ان يكون أتى بشكله الاصلي من غير فناء ولا ازالة الا انه انضم فصار على قدر هيئة الرجل واذا ترك ذلك عاد الى هيئته ومثال ذلك القطن اذا جمع بعد أن كان منتفشا فانه بالنفش يحصل له صورة كبيرة وذاته لم تتغير وهذا على سبيل التقريب. قال السيوطى والحق ان تمثل الملك رجلا ليس معناه ان ذاته انقلبت رجلا بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه والظاهر أيضا ان القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائى فقط (فيكلمنى) بالكاف وصحفه البيهقى بالعين (فاعي ما يقول) عبر فى الشق الاول بلفظ الماضى وهنا بلفظ المستقبل قال السيوطى لان الوعى حصل في الاول قبل الفصم وفي الثاني عقب المكالمة وكان هذا أهون عليه كما أخرجه أبو عوانة في صحيحه وروي ابن سعد من طريق ابن سلمة الماجشون أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول كان الوحي يأتينى على نحوين يأتينى به جبريل فيلقيه على كما يلقى الرجل على الرجل فذاك ينفلت منى ويأتينى في مثل صلصلة الجرس حتى يخالط قلبى فذاك الذي لا ينفلت منى (الشديد البرد) بالاضافة غير المحضة (ليتفصد) بالفاء وتشديد المهملة من الفصد وهو قطع العرق لاسألة الدم وصحف من رواها بالقاف. قال العسكري ان ثبت فهو من قولهم تقصد الشيء اذا تكسر وتقطع ولا يخفي بعده (عرقا) بالنصب على التمييز (أي يسيل) سيلان العرق المفصود من كثرة العرق (وورد في) الحديث (الصحيح) في الصحيحين وغيرهما (دحية) بكسر الدال وفتحها وسكون الحاء المهملتين ثم تحتية مخففة هو (ابن خليفة) بالمعجمة والفاء بوزن عظيمة ابن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن عامر
الكلبى أو غيره وكان دحية رجلا جميلا ولم يره النبي صلى الله عليه وآله وسلم على صورته التي جبل عليها وهى ستمائة جناح الامرتين مرة في الارض في الافق الاعلى وهى ناحية المشرق من حراء ومرة في السماء عند سدرة المنتهي على ما تضمنته سورة النجم* ولم يره أحد من الانبياء عليهم السلام على تلك الصورة الا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومرة كان يأتيه الوحي صلى الله عليه وآله وسلم مناما ومرة ينفث في (الكلبي) بالجر منسوب الى كلب بن وبرة الخزج بفتح المعجمة وسكون الزاى ثم جيم شهد دحية أحدا وما بعدها أخرج ابن سعد عن الشعبي مرسلا دحية الكلبي يشبه جبريل وعروة بن مسعود الثقفى يشبه عيسى بن مريم وعبد العزى يشبه الدجال ويشهد لذلك حديث البخاري وغيره (التى جبل) أي خلق والجبلة الخلقة (وهى ستمائة جناح) قال السهيلي قال العلماء في أجنحة الملائكة انها ليست كما يتوهم مثل أجنحة الطير وانما هي صفة ملكية وقوة ربانية لا تفهم الا بالمعاينة واحتجوا بقوله تعالى أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فكيف تكون كاجنحة الطير ولا يري طائر له ثلاثة أجنحة ولا أربعة فكيف ستمائة جناح فدل على انها صفة لا تنضبط كيفيتها بالفكر انتهي وسيأتي في ذلك مزيد كلام في ذكر جعفر ذي الجناحين (مرة في الارض في الافق الاعلى) أى الناحية العليا (وهى ناحية المشرق من حراء) قال البغوى في معالم التنزيل وذلك ان جبريل كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي النبيين فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه على صورته التى جبل عليها فاراه نفسه مرتين مرة في الافق الاعلى ومرة في السماء فاما التى في الارض ففى الافق الاعلى والمراد بالاعلى جانب المشرق وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم كان بحراء وطلع له جبريل من المشرق فسد الافق الى المغرب فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم مغشيا عليه فنزل جبريل في صورة الآدميين فضمه الى نفسه وجعل يمسح التراب عن وجهه (عند سدرة المنتهى) سيأتي الكلام على محلها وعلى سبب تسميتها بذلك. قال الشمني ان قيل لما اختيرت سدرة المنتهى لهذا الامر دون غيرها من الاشجار. أجيب بان شجرة السدر تختص بالظل المديد والطعم اللذيذ والرائحة الطيبة (ولم يره أحد من الأنبياء الى آخره) أي لعدم اطاقتهم رؤيته في تلك الصورة (ومرة كان يأتيه الوحي مناما) ولم يذكره في حديث الحرث بن هشام. قال النووى لان مقصود السائل ما يختص به النبي صلى الله عليه وسلم ويخفى فلا يعرف الا من جهته وأما الرؤيا فمشتركة معروفة انتهى ثم هل أنزل عليه شيء من القرآن في المنام أم لا قال الرافعى في أماليه الاشبه لا وأما الحديث المشهور في سورة الكوثر انه اغفى اغفاءة فقال الاولي أن تفسر الاغفاءة بالحالة التى كانت تعتريه عند الوحي ويقال لها برحاء الوحى فانه كان يؤخذ عن الدنيا (ومرة ينفث) بالفاء والمثلثة مبني للمفعول والنفث تفل خفيف لا ريق معه فعبر به عن الالقاء اللطيف والنافث جبريل كما في الحديث ان روح القدس نفث في روعى ان نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي امامة (فى