الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقالة السوء الى أهلها
…
أسرع من منحد رسائل
ومن دعا الناس الى ذمه
…
ذموه بالحق وبالباطل
[مطلب في الكلام على قصة محلم بن جثامة الليثى وخبرها]
ومن النوازل في سفر الفتح قصة محلم بن جثامة الليثى وخبرها ان النبى صلى الله عليه وسلم قد كان بعث عبد الله بن أبى حدرد الأسلمى في جيش فلما كانوا ببطن إضم مر بهم عامر بن الاسبط الاشجعي فسلم عليهم فكف القوم عنه فحمل عليه محلم فقتله لعداوة كانت بينهما وذلك قبل الفتح فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه عظم ذلك عليه ونزل في ذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً الآية فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين جاءه عيينة بن حصن يطلب القود من محلم لكونه يومئذ رئيس غطفان وجاءه الاقرع بن حابس يدافع عن محلم لكونه وإياه من خندف فاختصما في ذلك وجعل صلى الله عليه وسلم يشير بالدية فقال عيينة والله لا أدعه حتي أذيق نساءه من الحر ما أذاق نسائى فقام رجل يقال له مكيتل أو مكيتر فقال يا رسول الله ما وجدت لهذا القتيل مثلا في غرة الاسلام الا كغنم وردت فرمت أولاها فنفرت أخراها أسنن اليوم وغير عدا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال بل يأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا وخمسين اذا رجعنا فقبلوا فقام محلم فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنته بالله ثم قتلته ثم رفع رسول الله صلى الله عليه (مقالة السوء الى أهلها الى آخره) هو رابع بيت من قصيدة له أولها
ان كنت لا ترهب ذمي لما
…
تعرف من صفحى عن الجاهل
فاخش سكوتي إذ أنا منصت
…
فيك لمسموع خنا القائل
فالسامع الذم شريك له
…
ومطعم المأكول كالآكل
قصة محلم بن جثامة وهو بضم الميم وفتح المهملة وكسر اللام المشددة وجثامة بفتح الجيم وتشديد المثلثة وهو أخو الصعب بن جثامة قال السهيلي مات في حمص أيام ابن الزبير انتهي ويرده سياق القصة (ابن أبى حدرد) بحاء مهملة مفتوحة فدالين مهملتين الاولى ساكنة بينهما راء مفتوحة مصروف (ببطن إضم) بكسر الهمزة وفتح المعجمة وتخفيف الميم واد بين مكة واليمامة (ابن الاضبط) باعجام الضاد واهمال الطاء بينهما موحدة (رئيس غطفان) بالنصب خبر كان وغطفان بفتح المعجمة والمهملة والفاء (خندف بكسر) المعجمة وسكون النون وكسر المهملة وفتحهما كما مر (من الحر) بالمهملة والراء أى الحرقة وهى المصيبة (مكيتل أو مكيتر) بتقديم التحتية على الفوقية مصغرا ويكبر كالاول الا ان فيه ابدال اللام (في غرة الاسلام) بضم المعجمة وتشديد الراء أي في الاسلام والغرة صلة (اسنن) أمر من السنن (وغير) أمر من التغيير
وسلم يديه وقال اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ثلاثا فقام وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه فمكث بعدها سبعا ومات فدفنوه ثلاث مرات فلم تقبله الارض فألقوه بين جبلين فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبره قال ان الارض لتقبل من أشر منه ولكن الله أراد ان يعظكم به في جرم ما بينكم بما أراكم منه رواه ابن اسحق وأبو داود وابن عبد البر وتفاوتت ألفاظهم فيه وروي كثير من المفسرين في سبب نزول الآية غير هذا ولا خلاف ان الذي لفظته الارض محلم بن جثامة والله أعلم* وفي هذه السنة ولد ابراهيم بن محمد صلى الله عليه وسلم وكان مولده في ذي الحجة مرجع أبيه من سفر الفتح وكانت قابلته سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه مارية بنت شمعون القبطية من هدايا المقوقس واسترضع عند أبي سيف (اللهم لا تغفر لمحلم) انما دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم زجرا وتنكيلا له ولغيره عن الجرأة على اراقة الدماء ولا يلزم من الدعاء عليه بعدم المغفرة عدم كونه مسلما ولا صحابيا لان عدمها انما يقتضى التعذيب على ذلك الذنب الصادر منه ثم ربما كان في الدنيا والآخرة وربما كان في أحداهما فقط وكان تعذيب محلم عدم قبول الارض له ولا يلزم من ذلك نفي صحبته وعدالته اذ قرينة الحال دالة على انه جاء تائبا (فمكث) مثلث الكاف والضم والفتح أشهر (بعدها) أى بعد هذه القصة قال في الشفاء كان مكثه (سبعا) أي سبعة أيام وهذا يرد ما مر آنفا عن السهيلي ثلاث مرات وفي الشفاء مرات بعد ذكر ثلاث (بين جبلين) وفي الشفاء بين صدين بضم الصاد وفتحها وتشديد الدال المهملتين والصد جانب الوادى (في جرم) بضم الجيم وسكون الراء (رواه) محمد (ابن اسحق) فى السيرة (وأبو داود) في السنن (و) ساق ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابن عباس رضى الله عنهما (وروي كثير من المفسرين في سبب نزول الآية غير هذا) وهو انها انما نزلت في شأن اسامة بن زيد حين قتل مرداس بن نهيك بعد ان قال لا اله الا الله محمد رسول وقصته مشهورة أو فى نفر من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مر عليهم رجل من بنى سليم معه غنم فسلم عليهم فقالوا ما سلم عليكم الا ليتعوذ منكم فقاموا فقتلوه وأخذوا غنمه وأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله الآية رواه الشيخان وأبو داود والترمذى عن ابن عباس (لفظته) بكسر الفاء أي أخرجته* تاريخ ولادة ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان مولده في) يوم الاربعاء آخر يوم من (ذي الحجة) بكسر الحاء أشهر من فتحها كما مر (وكانت قابلته) بالفتح خبر كان و (سلمى) اسمها ويجوز عكسه وسلمى بفتح السين المهملة وسكون اللام بلا خلاف (مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل مولاة صفية عمته وهي زوجة أبي رافع وداية فاطمة الزهراء (مارية) بوزن حارثة (بنت شمعون) بفتح المعجمة وسكون الميم وضم المهملة (القبطية) نسبة الي القبط (المقوقس) بضم الميم وفتح القاف الاولى وكسر الثانية بينهما واو ساكنة كما مر (واسترضع) مبني للمفعول فيه كما قال النووي جواز الاسترضاع (أبي سيف) اسمه البراء بن أوس
القين وامرأته أم سيف وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب اليه فيزوره عنده وفي الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ولد لى الليلة ولد فسميته باسم أبى ابراهيم وانه دخل عليه في مرضه فوجده يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله فقال يا ابن عوف انها رحمة ثم اتبعها بأخرى فقال ان العين يدمع والقلب يحزن ولا نقول الا ما يرضى ربنا وانا بفراقك يا ابراهيم لمحزون وكان عمره سبعين ليلة (القين) بفتح القاف وسكون التحتية ثم نون الحداد (و) عند (امرأته أم سيف) اسمها خولة بنت المنذر (وكان يذهب اليه فيزوره عنده) كما روى مسلم عن أنس قال ما رأيت أحدا كان ارحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ابراهيم مسترضعا له في عوالى المدينة فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وانه ليدخلن وكان ظئره قينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع انتهي قال النووي فيه استتباع العالم والكبير بعض أصحابه اذا ذهب الى منزل قوم ونحوه وفيه الادب مع الكبار وفيه بيان كريم خلقه صلى الله عليه وسلم ورحمته للعيال وفيه فضيلة رحمة العيال والاطفال وتقبيلهم (وورد في الحديث الصحيح) فى مسند أحمد والصحيحين وسنن أبى داود عن أنس (ولد) فى بعض الروايات غلام (فسميته باسم أبي ابراهيم) ففيه كما قال النووى جواز تسمية المولود يوم ولادته وجواز تسميته بأسماء الانبياء وانما سماه باسم ابراهيم مع ان التسمية بعبد الله وعبد الرحمن ونحوهما أفضل احياء لاسم ابراهيم بأمر من الله عز وجل ويرشد الى ذلك قوله باسم ابراهيم ولم يقل فسميته ابراهيم (يجود بنفسه) أى يخرجها ويدفعها كما يجود الانسان بماله ولمسلم يقيد بنفسه بفتح الياء وكسر القاف وهو بمعناه (تذرفان) بفتح الفوقية وسكون المعجمة وكسر الراء أى يجري دمعهما ولمسلم فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه جواز البكاء على المريض والحزن وان ذلك لا ينافي الرضى بالقدر بل رحمة جعلها الله في قلوب عباده وانما المحرم الندب ونحوه من القول الباطل ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نقول الا ما يرضى ربنا (وأنت يا رسول الله) قال في التوشيح معطوف على مقدر في المعنى أي الناس لا يصبرون وأنت تفعل كفعلهم ولابن سعد عن عبد الرحمن بن عوف فقلت يا رسول الله تبكى أو لم تنه عن البكاء فقال انما نهيت عن صوتين فاجرين صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان انما هذا رحمة ومن لا يرحم لا يرحم وله عن محمود بن لبيد انما أنا بشر وعن عبد الرزاق من مرسل مكحول انما انه الناس عن النياحة ان يندب الرجل بما ليس فيه (ثم اتبعها) أى اتبع الدمعة الاولى (باخرى) وقيل اتبع الكلمة بكلمة أخري (فقال ان العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول الاما) أي الذى (يرضي ربنا وانا بفراقك يا ابراهيم لمحزون) ولمسلم والله يا ابراهيم انا بك لمحزونون زاد ابن سعد في الطبقات لولا انه أمر حق ووعد صدق وسبيل مأتية وان آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا (وكان عمره سبعين ليلة) كما في سنن أبي داود لان وفاته كانت يوم الثلاثاء لعشر خلون من ربيع الاول كما مر عن الواقدي
وقيل سبعة أشهر وقيل ثمانية عشر شهرا وقال صلى الله عليه وسلم ان له مرضعا في الجنة وكسفت الشمس يوم مات فقال الناس كسفت لموت ابراهيم فنهاهما النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته.
والزبير ابن بكار في الكسوف (وقيل) ستة عشر شهرا وقيل (سبعة أشهر) صوابه سبعة عشر شهرا واقتصر على ذلك النووي في شرح مسلم (وقيل ثمانية عشر شهرا) وقال ابن حزم سنتان الاشهرين (وقال النبي صلى الله عليه وسلم ان له مرضعا) وفي رواية ظئران تكملان رضاعه (في الجنة) رواه مسلم عن أنس والظئر بكسر المعجمة وسكون الهمزة وراء هي المرضع ولد غيرها ويسمى زوجها ظئرا أيضا ويكون هذا الاتمام عقب موته نقله النووى عن صاحب التحرير فيدخل الجنة متصلا بموته فيتم بها رضاعه كرامة له ولابيه صلي الله عليه وسلم وظاهر هذا الكلام أنها خصوصية لابرهيم قال في الديباج وقد أخرج ابن أبى الدنيا في العزاء من حديث ابن عمر مرفوعا كل مولود يولد في الاسلام فهو في الجنة شبعان ريان يقول يا رب أورد على ابوى وأخرج ابن أبي الدنيا وابن ابى حاتم في تفسيره عن خالد بن معدان قال ان في الجنة لشجرة يقال لها طوبي كلها ضروع فمن مات من الصبيان الذين يرضعون رضع من طوبى وحاضنهم ابراهيم خليل الرحمن وأخرج ابن أبى الدنيا عن عبيد بن عمير قال ان في الجنة لشجرة لها ضروع البقر يغذى منها ولدان أهل الجنة فهذه الاحاديث عامة في اولاد المؤمنين ويمكن أن يقال وجه الخصوصية في السيد ابرهيم كونه له ظئران اي مرضعان من خلقة الآدميات اما من الحور العين أو غيرهن وذلك خاص به فان رضاع سائر الاطفال انما يكون من صروع شجرة طوبي ولا شك ان الذى للسيد ابراهيم اكمل وأتم واشرف واحسن وآنس فان الذى يرضع من مرضعتين يكرمانه ويربيانه ويؤنسانه ويخدمانه ليس كالذى يرضع مرضع شجرة او ضرع بقرة ويمكن ان يكون له خصوصية أخرى وهو ان يدخل الجنة عقب الموت بجسده وروحه ويرضع بهما معا وسائر الاطفال انما يرضعون عقب الموت في الجنة بأرواحهم لا بأجسادهم فتنزل كلام صاحب التحرير على هذا وقد نص على ما يؤخذ منه ذلك البيهقي في كتاب عذاب القبر (وكسفت الشمس الى آخره) مضي الكلام عليه في الكسوف (فائدة) الحكم في موت ابرهيم وسائر ولد النبي الذكور في حياته صلى الله عليه وسلم ما رواه الماوردى عن أنس وابن عساكر عن جابر وابن عباس وابن ابى اوفي عنه صلي الله عليه وسلم قال لو عاش ابراهيم لكان صديقا نبيا وروى ابن سعد عن مكحول مرسل لو عاش ابراهيم مارق له خال وروي أيضا عن الزهرى مرسلا لو عاش ابراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطى.
تم بتوفيق الله وعونه طبع الجزء الاول من كتاب بهجة المحافل وشرحه ويتلوه الجزء الثاني وأوله فصل اذكر فيه شيئا من السرايا والبعوث الخ وكان ذلك في أواخر شهر شوال سنة 1330 هجرية وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم