الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحم القتال فيصلي كل منهم على حسب حاله كيف أمكنه رجالا وركبانا مستقبلي القبلة ومستدبريها مع الكر والفر والضرب المتتابع* قال علماؤنا رحمهم الله وله ذلك في كل قتال مباح للفرار من أمر يخافه على روحه
[تتمة في الكلام علي تارك الصلاة]
(قال المؤلف) غفر الله زلته وأقال عثرته ففى هذا أدل دليل على أن الصلاة لا رخصة في تركها ولا تحويلها عن وقتها الموقت لها إذ لو كان ذلك لكان هؤلاء المجاهدون لعدو الاسلام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق بذلك وبهذا تميزت عن سائر العبادات اذ كلها تسقط بالاعذار ويترخص فيها بالرخص وتدخلها النيابات ولا يحل القتل في ترك شئ منها وتارك الصلاة كسلا يقتل حدا ولا يحقن دمه اسلامه ثم ان وجوبها منوط بالعقل لا بالقدرة في صلاة الخوف بحيث يبلغ مجموعها ستة عشر وجها وذكر ابن القصاب المالكي ان النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في عشرة مواطن انتهي قال في التوشيح وقال العراقى أصحها سبعة عشر وقال ابن القيم أصولها ست صفات وبلغها بعضهم أكثر وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وانما هو من اختلاف الرواة قال ابن حجر والامر كما قال وقال الخطابي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة باشكال متباينة يتحرى منها ما هو الاحوط للصلاة والا بلغ للحراسة فهى على اختلاف صورها متفقة المعنى قال ابن حجر ولم يقع في شيء من الاحاديث المروية في صلاة الخوف تعرض لكيفية المغرب (التحم) أي نشب بعضهم في بعض ولم يجدوا مخلصا (فيصلي كل منهم على حسب) أي على قدر (حاله كيف أمكنه رجالا وركبانا) قال تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً (مستقبلي القبلة ومستدبريها) كما قاله ابن عمر في تفسير الآية قال نافع لا أراه الا مرفوعا أخرجه البخاري بل قال الشافعي ان ابن عمر رواه عن النبى صلى الله عليه وسلم (فى كل قتال مباح) خرج به العاصي بالقتال كالبغاة فلا يصلونها كذلك لان الرخص لا تناط بالمعاصى (يخافه على روحه) أو غيرها من اعضائه كسيل ونار وسبع وغريم وهو معسر ولم يكن له بينة ولم يصدقه (وتارك الصلاة كسلا يقتل حدا) لقوله تعالى فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وقال صلى الله عليه وسلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله فاذا فعلوا ذلك فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحق الاسلام وحسابهم على الله أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذى وابن ماجه من حديث أبي هريرة وقال السيوطي وهو متواتر والدليل على عدم كفره بمجرد الترك قوله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيأ كان له عند الله عهد ان يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد ان شاء عذبه وان شاء أدخله الجنة وفي رواية ان شاء الله غفر له وان شاء عذبه أخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان وصححه هو وغيره والحاكم والبيهقي في السنن من حديث عبادة بن الصامت وجه الدلالة انه لو كفر لم يدخل تحت المشيئة (ولا يحقن دمه) مفعول (اسلامه) فاعل (منوط) أي معلق (بالعقل) سمي به لانه يعقل صاحبه
بدليل ما ذكروا ان العاجز عن القيام يصلى قاعدا فان عجز فمضطجعا على جنبه الايمن فان عجز فمستلقيا على قفاه ويوميء بطرفه ولهذا أشبهت الايمان الذي لا يسقط بحال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العبد وبين الشرك والكفر ترك الصلاة رواه مسلم وقال العهد الذي بيننا وبينهم ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر رواه الترمذي وصححه والاحاديث الواردة في هذا المعنى كثيرة ولو تتبعتها لبلغت كراريس وسأورد منها طرفا ان شاء الله تعالى صالحا في فصل الصلاة من قسم الشمائل قال العلماء لو جاء محرم من شقة بعيدة مكابدا ان يدرك عرفة قبل طلوع الفجر ليلة النحر وكان حينئذ لم يصل العشاء عن القبائح (بدليل ما ذكروا) أي العلماء مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن الحصين وكان مبسولا صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنب أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وزاد فان لم تستطع فمستلقيا لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
أي طاقتها (ان العاجز عن القيام) بأن لحقته منه مشقة كخوف غرق ودوران رأس لراكب سفينة (يصلي قاعدا) والافضل كونه مفترشا ويكره مقعيا للنهي عنه رواه الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري والاقعاء كيفيتان مشهورتان في كتب الفقه احداهما تسن بين السجودين وان كان الافتراش أفضل (فان عجز) عن القعود كما مر (فمضطجعا على جنبه) ويسن ان يكون على (الايمن) فيكره على الايسر بلا عذر (فان عجز) كما مر (فمستلقيا على قفاه) واخمصاه للقبلة ورأسه أرفع ليتوجه به للقبلة (ويوميء) برأسه للركوع والسجود ويكون السجود أخفض فان عجز أومأ (بطرفه) أي بصره فان عجز عن الايماء بطرفه الى أفعال الصلاة أجراها على قلبه وهي صلاة تامة فلا تجب عليه اعادتها ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتا لوجود مناط التكليف (أشبهت الايمان) لانهما قول وعمل واعتقاد (بين العبد وبين الشرك والكفر ترك الصلاة رواه مسلم) وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن جابر وأخذ بظاهره أحمد وهو عند غيره محمول على تركها جحدا أو على التغليظ أو المراد به استوجب عقوبة الكافر وهو القتل جمعا بين الادلة (العهد الذي بيننا وبينهم الى آخره) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والترمذى وصححه (كراريس) جمع كراسة قال النحاس وهي الورق الذي ألزق بعضه الى بعض من قولهم رسم مكرس أي الصقت الريح التراب به وقال الخليل من اكراس النعم حيث تقف وهى ان تقف في موضع شيئا بعد شيء حتى يتلبد (في فصل الصلاة) بالمهملة (قسم) بكسر القاف (من شقة) بضم الشين المعجمة أى المسافة البعيدة سميت بذلك لمشقتها على النفس وقيل المشقة الغاية التي تقصد (مكابدا) بالموحدة والمهملة أي متحملا الشدائد والكبد لغة الشدة (عرفة) سمى بذلك لان جبريل كان يرى ابراهيم المناسك ويقول له عرفت فيقول عرفت وسمي ذلك المكان عرفة واليوم عرفة أو لان آدم وحواء تعارفا فيها بعد ان أهبط بالهند وهي بجدة أو لان
وبقى من وقتها مالو اشتغل بادائها فاته الحج قالوا ليس له تركها ولا ان يصليها صلاة شدة الخوف على الاصح لانها أفضل من الحج ووقتها مضيق والحج موسع بالعمر ومن اخلاق العامة عظيم انكارهم على المفطر في رمضان من غير عذر وتركهم النكير على تارك الصلاة وليسا في التغليظ سواء ومن اخلاقهم أيضا انكارهم على تارك الجمعات ولا ينكرون على تارك الجماعات وشأنهما واحد وما أجدر تارك الصلاة بأن يجنب مساجد المسلمين ومحاضرهم الكريمة ويستقذر مواكلته ومناكحته ويبكت ويقرع ويعرف سوء حاله وانه مباح الدم فربما ينزجر عن ذلك الناس يعترفون فيها بذنوبهم أو من العرف وهو الطيب أقوال (قالوا ليس له تركها) بل يصلي وان فاته الحج وهذا ما قال الرافعي في الشرح والمحرر وقرره النووى في المنهاج (ولا ان يصليها صلاة شدة الخوف على الاصح) لانه طالب لافار فلا يقاس عليها وصحح الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد انه يصليها كذلك وبقى في المسئلة وجه ثالث لم يذكره المصنف وهو وجوب تأخير الصلاة ليدرك الحج وهذا الوجه هو الذى رجحه الامام النووي في الروضة وقال انه الصواب وجزم به القاضي حسين في تعليقه وجرى عليه ابن الرفعة والاسنوي وغيره من المتأخرين وهو المعتمد وذلك لان قضاء الحج صعب بخلافها وقد عهد تأخيرها للجمع وتجرى الاوجه كما قال الجزري وغيره في الاشتغال بانقاذ غريق وصلاة على ميت خيف انفجاره (ووقتها مضيق والحج موسع بالعمر) هذا عند النووي وموافقيه منقوضة بأنه اذا فاته الحج يضيق عليه قضاؤه (وليسا في التغليظ سواء) وان كان ترك كل منهما كبيرة بدليل القتل بتركها (الجمعات) بضم الجيم والميم جمع جمعة بضم الميم واسكانها وفتحها وحكي كسرها وكانوا في الجاهلية يسمونها عروبة والسبت شبارا والاحد أوّل والاثنين اهون والثلثاء دبارا والاربعاء جبارا والخميس مؤنسا قال الشاعر
أؤمل ان أعيش وان يومي
…
بأول أو بأهون أو دبار
أو الثاني جبار فان أفته
…
فمؤنس أو عروبة أو شبار
(وشأنهما واحد) أى من حيث ان التسامح بالجماعة يدل على قلة المبالاة بالفضائل والا فليس شأنهما واحدا في الاثم بالترك الاعلى القول بان الجماعة فرض عين وذلك عندنا وجه ضعيف أما على القول بانها سنة كما قاله الغزالى والبغوي والرافعى وغيرهم فلا يخفى الحكم وأما على القول بانها فرض كفاية كما هو الاظهر وعليه الاكثرون وصححه النووى في جميع كتبه فلا يتأتى ذلك الا اذا تركت أصلا فان قام بها بعض الناس سقط الحرج عن غيره كما هو شأن فرض الكفاية (وما أجدر) أي ما أحق وأحرى (تارك) بالنصب على التعجب (يجنب) أي يؤمر باجتناب (مساجد المسلمين ومحاضرهم) أى مواضع حضورهم (فيبكت) بالموحدة وآخره فوقية (ويقرع) بالقاف فالراء فالمهملة والتبكيت والتقريع والتوبيخ والتثريب الملامة (التوفيق) خلق قدرة الطاعة في العبد وضده الخذلان والعياذ بالله قال بعض العلماء من عزة التوفيق لم يذكر في القرآن بمعناه الا في موضع واحد وهو قوله تعالى وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ وذكر في موضعين آخرين بغير معناه وهو قوله تعالى إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما وقوله إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً