الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للرسول: لَيْسَ هَذِه السَّاعَة الَّتِي يَنْبَغِي لَك أَن تزيلني عَن موقفي، فَرجع الرَّسُول وَأخْبرهُ بالْخبر وَارْتَفَعت الْأَصْوَات وَكثر الرهج من جِهَة الشتر، فَقَالُوا لعَلي: مَا نرَاك أَمرته إِلَّا بِالْقِتَالِ، فَقَالَ: هَل رَأَيْتُمُونِي ساررت الرَّسُول إِلَيْهِ أَلَيْسَ كَلمته وَأَنْتُم تَسْمَعُونَ؟ قَالُوا: فأبعث إِلَيْهِ ليأتك وَإِلَّا اعتزلناك، فَرجع إِلَيْهِ الرَّسُول وأعلمه فَقَالَ: قد علمت وَالله أَن رفع الْمَصَاحِف يُوقع اخْتِلَافا وَأَنَّهَا مشورة ابْن العاهرة، وَرجع الأشتر إِلَى عَليّ وَقَالَ خدعتم فانخدعتم، وَكَانَ غَالب من نهى عَن الْقِتَال قراء.
وَلما كفوا عَن الْقِتَال سَأَلُوا مُعَاوِيَة لأي شَيْء رفعت الْمَصَاحِف؟ قَالَ: لتنصبوا حكما مِنْكُم وَحكما منا ونأخذ عَلَيْهِمَا أَن يعملا بِمَا فِي كتاب اللَّهِ ثمَّ نتبع مَا اتفقَا عَلَيْهِ، فَأجَاب الْفَرِيقَانِ إِلَى ذَلِك؛ فَقَالَ الْأَشْعَث بن قيس وَهُوَ من أكبر الْخَوَارِج: إِنَّا قد رَضِينَا بِأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، فَقَالَ عَليّ: قد عصيتموني فِي أول الْأَمر فَلَا تعصوني الْآن لَا أرى أَن أولي أَبَا مُوسَى، فَقَالُوا: لَا نرضى إِلَّا بِهِ، فَقَالَ عَليّ رضي الله عنه: إِنَّه قد فارقني وخذل عني النَّاس ثمَّ هرب مني حِين أمنته بعد أشهر وَلَكِن ابْن عَبَّاس أولى مِنْهُ، فَقَالُوا: ابْن عَبَّاس ابْن عَمَلك وَلَا نُرِيد إِلَّا رجلا هُوَ مِنْك وَمن مُعَاوِيَة سَوَاء، قَالَ عَليّ: فالأشتر، فَأَبَوا وَقَالُوا: وَهل أسعرها إِلَّا الأشتر.
فاضطر عَليّ رضي الله عنه إِلَى إجابتهم وَأخرج أَبَا مُوسَى، وَأخرج مُعَاوِيَة عَمْرو بن الْعَاصِ، وَاجْتمعَ الحكمان عِنْد عَليّ وَكتب بِحُضُورِهِ: هَذَا مَا تقاضى عَلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ، فَقَالَ عَمْرو: وَهُوَ أميركم وَأما أميرنا فَلَا؟ فَقَالَ الْأَحْنَف: لَا تمحوا اسْم أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَقَالَ الْأَشْعَث بن قيس: امح هَذَا الِاسْم، فَأجَاب عَليّ ومحاه وَقَالَ: اللَّهِ أكبر سنة بِسنة وَالله إِنِّي لكاتب رَسُول صلى الله عليه وسلم َ -
يَوْم الْحُدَيْبِيَة فَكتبت مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ فَقَالُوا: لست برَسُول اللَّهِ وَلَكِن اكْتُبْ بِاسْمِك وَاسم أَبِيك فَأمرنِي رَسُول اللَّهِ بمحوه فَقلت لَا أَسْتَطِيع قَالَ: فأرني فأريته فمحاه بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: إِنَّك ستدعى إِلَى مثلهَا فتجيب.
فَقَالَ عَمْرو: سُبْحَانَ اللَّهِ أتشبهنا بالكفار
وَنحن مُؤمنُونَ؟ فَقَالَ عَليّ: يَا ابْن النَّابِغَة وَمَتى لم تكن للفاسقين وليا وَلِلْمُؤْمنِينَ عدوا؟ فَقَالَ عَمْرو: وَالله لَا يجمع بيني وَبَيْنك مجْلِس بعد الْيَوْم، فَقَالَ عَليّ رضي الله عنه: إِنِّي لأرجو أَن يطهر اللَّهِ مجلسي مِنْك وَمن أشباهك.
وَكتب الْكتاب فَمِنْهُ: هَذَا مَا تقاضي عَلَيْهِ عَليّ بن أبي طَالب وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قَاضِي عَليّ على أهل الْكُوفَة وَمن مَعَهم وقاضي مُعَاوِيَة على أهل الشَّام وَمن مَعَهم أَنا ننزل عِنْد حكم اللَّهِ وَكتابه نحيي مَا احيا ونميت مَا امات فَمَا وجد الحكمان فِي كتاب اللَّهِ وهما أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عبد اللَّهِ بن قيس وَعَمْرو بن الْعَاصِ عملا بِهِ وَمَا لم يجدا فِي كتاب اللَّهِ فَالسنة العادلة وَأخذ الحكمان من عَليّ وَمُعَاوِيَة وَمن الجندين المواثيق أَنَّهُمَا أمينان على أَنفسهمَا وأهلهما وَالْأمة لَهما أنصار على الَّذِي يتقاضيان عَلَيْهِ وأجلا الْقَضَاء إِلَى رَمَضَان من
هَذِه السّنة وَإِن أحبا أَن يؤخرا ذَلِك أخراه، وَكتب فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء لثلاث عشرَة خلت من صفر سنة سبع وَثَلَاثِينَ على أَن يوافي عَليّ وَمُعَاوِيَة مَوضِع الْحكمَيْنِ بدومة الجندل فِي رَمَضَان فَإِن لم يجتمعا لذَلِك اجْتمعَا من الْعَام الْمقبل بأذرح.
ثمَّ سَار عَليّ رضي الله عنه إِلَى الْعرَاق إِلَى الْكُوفَة وَلم يدخلهَا الْخَوَارِج مَعَه بل اعتزلوا عَنهُ.
ثمَّ فِي هَذِه السّنة بعث عَليّ لِلْمِيعَادِ أَرْبَعمِائَة رجل فيهم أَبُو مُوسَى وَعبد اللَّهِ بن عَبَّاس ليُصَلِّي بهم وَلم يحضر عَليّ، وَبعث مُعَاوِيَة عَمْرو بن الْعَاصِ فِي أَرْبَعمِائَة ثمَّ جَاءَ مُعَاوِيَة واجتمعوا بأذرح، وَشهد مَعَهم عبد اللَّهِ بن عَمْرو وَعبد اللَّهِ بن الزبير والمغيرة بن شُعْبَة، والتقى الحكمان فَدَعَا عَمْرو أَبَا مُوسَى أَن يَجْعَل الْأَمر إِلَى مُعَاوِيَة، فَأبى وَقَالَ: لم أكن لأوليه وأدع الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين، ودعا أَبُو مُوسَى عمرا إِلَى أَن يَجْعَل الْأَمر إِلَى عبد اللَّهِ بن عمر بن الْخطاب، فَأبى عَمْرو، ثمَّ قَالَ عَمْرو: مَا ترى أَنْت؟ فَقَالَ: أرى أَن نخلع عليا وَمُعَاوِيَة ونجعل الْأَمر شُورَى بَين الْمُسلمين، فأظهر لَهُ عَمْرو أَن هَذَا هُوَ الرَّأْي.
ثمَّ أَقبلَا إِلَى النَّاس وَقد اجْتَمعُوا فَقَالَ أَبُو مُوسَى: إِن رَأينَا قد اتّفق على أَمر نرجو بِهِ صَلَاح هَذِه الْأمة، فَقَالَ عَمْرو: صدق تقدم فَتكلم يَا أَبَا مُوسَى، فَلَمَّا تقدم لحقه ابْن عَبَّاس وَقَالَ لَهُ: وَيحك إِنِّي أَظن أَنه خدعك إِن كنتما قد اتفقتما على أَمر فقدمه قبلك فَإِنِّي لَا آمن أَن يخالفك، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: إِنَّا قد اتفقنا، فَحَمدَ اللَّهِ وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِنَّا لم نر أصلح لأمر هَذِه الْأمة من أَمر قد أجمع عَلَيْهِ رَأْيِي ورأي عَمْرو وَهُوَ أَن نخلع عليا وَمُعَاوِيَة فَاسْتَقْبلُوا أَمركُم وولوا عَلَيْكُم من رَأَيْتُمُوهُ لهَذَا الْأَمر أَهلا، ثمَّ تنحى وَأَقْبل عَمْرو فَقَامَ مقَامه فَحَمدَ اللَّهِ وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: إِن هَذَا قد قَالَ مَا سَمِعْتُمْ وخلع صَاحبه وَأَنا أَخْلَع صَاحبه كَمَا خلعه وَأثبت صَاحِبي فَإِنَّهُ ولي عُثْمَان والطالب بدمه وأحق النَّاس بمقامه، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: مَا لَك لَا وفقك اللَّهِ غدرت وفجرت، وَركب أَبُو مُوسَى وَلحق بِمَكَّة حَيَاء، وَانْصَرف عَمْرو وَأهل الشَّام إِلَى مُعَاوِيَة فَسَلمُوا عَلَيْهِ بالخلافة، وَمِنْهَا أَخذ أَمر عَليّ فِي الضعْف وَأمر مُعَاوِيَة فِي الْقُوَّة.
وَلما اعتزلت الْخَوَارِج عليا رضي الله عنه دعاهم إِلَى الْحق، فامتنعوا وَقتلُوا رسله وَكَانُوا أَرْبَعَة آلَاف، ووعظهم ونهاهم عَن الْقِتَال فتفرقت مِنْهُم جمَاعَة وَبَقِي مَعَ عبد اللَّهِ بن وهب جمَاعَة على ضلاتهم، وقاتلوا فَقتلُوا عَن أخرهم، وَقتل من أَصْحَاب عَليّ سَبْعَة أَوَّلهمْ يزِيد بن نُوَيْرَة شهد أحدا، وَرجع عَليّ إِلَى الْكُوفَة وحض النَّاس على قتال مُعَاوِيَة فتقاعدوا وَقَالُوا: نستريح ونصلح عدتنا، فَدخل لذَلِك الْكُوفَة.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ: فِيهَا جهز مُعَاوِيَة عمرا بعسكر إِلَى مصر وَكتب مُحَمَّد بن أبي بكر يستنجد عليا، فَأرْسل إِلَيْهِ الأشتر فسقي فِي القلزم عسلا مسموما فَمَاتَ فَقَالَ مُعَاوِيَة: إِن لله جندا من عسل.