الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجيوش بدر الجمالي وَقتل إيلدكز والوزير ابْن كُدَيْنَة فاستقام الْأَمر.
وفيهَا: توفّي الإِمَام الْقَاسِم عبد الْكَرِيم بن هوزان بن عبد الْملك الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي، لَهُ الرسَالَة وَغَيرهَا فَقِيه أصولي مُفَسّر كَاتب فضائله جمة، كَانَ لَهُ فرس يركبه نَحْو عشْرين سنة فَلَمَّا مَاتَ الشَّيْخ لم يَأْكُل الْفرس شَيْئا وَمَات بعد أُسْبُوع. ومولده سنة سِتّ وَسبعين وثلثمائة وَهُوَ إِمَام فِي علم التصوف وَقَرَأَ أصُول الدّين على أبي بكر بن فورك وَأبي إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ، وَله تَفْسِير حسن وَشعر حسن مِنْهُ:
(إِذا ساعدتك الْحَال فارقب زَوَالهَا
…
فَمَا هِيَ إِلَّا مثل حلبة أشطر)
(وَإِن قصدتك الحادثات ببؤسها
…
فَوسعَ لَهَا صدر التجلد واصبر)
وفيهَا: توفّي عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْفضل الْكَاتِب الْمَعْرُوف بصرّ درّ الشُّعَرَاء، لقب أَبوهُ صرّ بعر لشحه ولقب هُوَ صردر لجودة شعره كَقَوْلِه:
(نسائل عَن حميماً مَاتَ بحزوى
…
وَبِأَن الرمل يعلم عَمَّا عنينا)
(فقد كشف الغطاء فَمَا نبالي
…
أصرّحنا بذكرك أم كنينا)
(أَلا لله طيف مِنْك يسْعَى
…
بكاسات الْكرَى زورا ومينا)
(مطيته طوال اللَّيْل جفني
…
فَكيف شكا إِلَيْك وجى وأينا)
(فأمسينا كأنا مَا افترقنا
…
وأصبحنا كأنا مَا الْتَقَيْنَا)
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا زَادَت دجلة وغرق الْجَانِب الشَّرْقِي وَبَعض الغربي كمقبرة أَحْمد ومشهد بَاب التِّين، ونبعت البواليع وغرق خلق.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا وصل بدر الجمالي مصر من ولاتيه بساحل الشَّام، أرسل لَهُ الْمُسْتَنْصر يشكو حَاله فَركب الْبَحْر فِي خطر الشتَاء وَوصل وَقبض على الْأُمَرَاء والقواد المتغلبين وَأخذ اموالهم للمستنصر وَأقَام منار الدولة، ثمَّ أصلح أَمر الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط والصعيد وقهر المفسدين، فَعَادَت مصر أحسن مِمَّا كَانَت.
وفيهَا: لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث عشر شعْبَان توفّي الْقَائِم بِأَمْر الله عبد الله أَبُو جَعْفَر بن الْقَادِر، مرض بالماشرا وافتصد فانفجر فصاده نَائِما فَاسْتَيْقَظَ وَقد سَقَطت قوته فَأشْهد الْوَزير جهيراً والقضاة بعهده إِلَى ابْن ابْنه عبد الله بن ذخيرة الدّين مُحَمَّد بن الْقَائِم، وَتُوفِّي وعمره سِتّ وَسَبْعُونَ وَثَلَاثَة أشهر وَأَيَّام وخلافته أَربع وَأَرْبَعُونَ سنة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَقيل: عمره سِتّ وَتسْعُونَ وَأشهر.
(أَخْبَار الْمُقْتَدِي بن مُحَمَّد)
وبويع الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله عبد الله الْمَذْكُور بالخلافة، وَحضر مؤيد الْملك بن نظام الْملك والوزير ابْن جهير وَالشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَابْن الصّباغ ونقيب النُّقَبَاء كراد الزَّيْنَبِي وَالْقَاضِي أَبُو عبد الله الدَّامغَانِي فَبَايعُوهُ، وَلم يكن للقائم ولد سواهُ لوفاة ذخيرة الدّين فِي حَيَاة الْقَائِم، وَكَانَ لذخيرة الدّين مُحَمَّد بن الْقَائِم جَارِيَة أرمنية اسْمهَا أرجوان فسلت مُصِيبَة الْقَائِم فِي ابْنه لخوفه من انْقِطَاع نَسْله بِكَوْنِهَا حَامِلا من ابْنه وَولدت الْمُقْتَدِي لسِتَّة أشهر من موت مُحَمَّد فسر بِهِ الْقَائِم، فَلَمَّا بلغ الْحلم جعله ولي عَهده.
وفيهَا: جمع ملكشاه ونظام الْملك جمَاعَة من المنجمين وَجعلُوا النيروز عِنْد نزُول الشَّمْس أول الْحمل، وَكَانَ من قبل عِنْد نزُول الشَّمْس نصف الْحُوت.
وفيهَا: عمل السُّلْطَان ملكشاه الرصد، وَاجْتمعَ فِي عمله فضلاء مِنْهُم: ابراهيم الختام وَأَبُو المظفر الأسفزاري وَمَيْمُون بن النجيب الوَاسِطِيّ، وَأنْفق عَلَيْهِ جملا وداراً إِلَى أَن مَاتَ السُّلْطَان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة فَبَطل.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا ملك أتسز دمشق بعد مَا تقدم ذكره وخطب للمقتدي بِاللَّه وَأذن بِأَذَان السّنة، وَلم يخْطب بعْدهَا للعلويين بِدِمَشْق.
وفيهَا: توفّي أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن متويه الواحدي النَّيْسَابُورِي، لَهُ الْبَسِيط والوسيط وَالْوَجِيز فِي التَّفْسِير، وَيُقَال لَهُ المتوي نِسْبَة إِلَى جده متويه، والواحدي نِسْبَة إِلَى الْوَاحِد بن مهرَة مِنْهُ أَخذ الْغَزالِيّ أَسمَاء كتبه الثَّلَاثَة وَكَانَ أستاذاً فِي التَّفْسِير والنحو وَشرح ديوَان المتنبي أَجود شرح وَهُوَ تلميذ الثَّعْلَبِيّ، وَتُوفِّي بعد مرض طَوِيل بنيسابور.
وفيهَا: توفّي الشريف الْهَاشِمِي العباسي أَبُو جَعْفَر مَسْعُود بن عبد الْعَزِيز البياضي الشَّاعِر، وَمَا أرق قَوْله:
(كَيفَ يذوي عشب اشوا
…
قي ولي طرف مطير)
(إِن يكن فِي الْعِشْق حر
…
فَأَنا العَبْد الْأَسير)
(أوعلى الْحسن زَكَاة
…
فَأَنا ذَاك الْفَقِير)
وَقَوله:
(يَا من لبست لبعده ثوب الضنا
…
حَتَّى خفيت بِهِ عَن العواد)
(وأنست بالسهر الطَّوِيل فأنسيت
…
أجفان عَيْني كَيفَ كَانَ رقادي)
(إِن كَانَ يُوسُف بالجمال مقطع
…
الْأَيْدِي فَأَنت مقطع الأكباد)
لبس جده بَيَاضًا وَقد لبس العباسيون سواداً، فَقَالَ الْخَلِيفَة: من ذَلِك البياضي؟ فلقب بِهِ.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا: وَقيل قبلهَا: مَاتَ مَحْمُود بن نصر بن صَالح بن مرداس الْكلابِي صَاحب حلب، وَملك بعده ابْنه نصر فمدحه ابْن حيوس بقصيدته الَّتِي مِنْهَا:
(ثَمَانِيَة لم تفترق مذ جمعتها
…
فَلَا افْتَرَقت مَا افتر عَن نَاظر شفر)
(ضميرك وَالتَّقوى وجودك والغنى
…
ولفظك وَالْمعْنَى وعزمك والنصر)
(تَبَاعَدت عَنْكُم حِرْفَة لَا زهادة
…
وسرت إِلَيْكُم حِين مسني الضّر)
(وأنجز لي رب السَّمَاوَات وعده الْكَرِيم
…
بِأَن الْعسر يتبعهُ الْيُسْر)
(فجاد ابْن نصر لي بِأَلف تصرمت
…
وَإِنِّي عليم أَن سيخلفها نصر)
(وَمَا بِي إِلَى الإلحاح والحرص حَاجَة
…
وَقد عرف الْمُبْتَاع وانفصل السّعر)
وَكَانَت عَطِيَّة ابْن مَحْمُود لِابْنِ حيوس على الْمَدْح ألف دِينَار، فَقَالَ نصر: وَالله لَو قَالَ عوض سيخلفها: سيضعفها لأضعفتها لَهُ، وَأَعْطَاهُ ألف دِينَار فِي طبق فضَّة.
قلت: وَكَانَ قد اجْتمع على بَاب نصر جمَاعَة من الشُّعَرَاء وامتدحوه وتأخرت صلته عَنْهُم وَفِيهِمْ أَبُو الْحسن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الزويدي المعري الشَّاعِر الْمَعْرُوف، فنظم ابْن الزويدي أبياتاً وسيرها إِلَى الْأَمِير نصر وَهِي:
(على بابك المحروس منا عِصَابَة
…
مفاليس فَانْظُر فِي أُمُور المفاليس)
(وَقد متعت مِنْك الْجَمَاعَة كلهم
…
بِعشر الَّذِي أَعْطيته ابْن حيوس)
(وَمَا بَيْننَا هَذَا التَّفَاوُت كُله
…
وَلَكِن سعيد لَا يُقَاس بمنحوس)
فَأَعْطَاهُمْ مائَة دِينَار وَقَالَ: وَالله لَو قَالُوا بِمثل الَّذِي أَعْطيته ابْن حيوس لأعطيتهم مثله، وَالله أعلم.
وَكَانَ نصر يدمن الشّرْب فَحَمله السكر على خُرُوجه على التركمان الَّذين ملكوا أَبَاهُ حلب وهم بالحاضر فَرَمَاهُ أحدهم بِسَهْم فَقتله يَوْم عيد الْفطر سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة، فَملك حلب أَخُوهُ سَابق بن مَحْمُود.
وفيهَا توفّي أَبُو الْحسن طَاهِر بن أَحْمد بن بابشاذ النَّحْوِيّ الْمصْرِيّ بسقوطه من سطح جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ.
قلت: وَرَأى يَوْمًا قطاً ينْقل الطَّعَام إِلَى قطّ أعمى فِي بَيت خراب فاتعظ بِهِ، فاستعفى من خدمَة السُّلْطَان ولازم اشْتِغَاله مَحْمُول الكلفة إِلَى أَن مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة سبعين وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا توفّي عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْأَصْفَهَانِي الْحَافِظ ذُو التصانيف مِنْهَا: تَارِيخ أصفهان، وبأصفهان طَائِفَة ينتمون إِلَى اعْتِقَاده يسمون العَبْد رحمانية.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا ملك تتش بن السُّلْطَان ألب أرسلان دمشق وَسَببه: أَن أَخَاهُ ملك شاه أقطعه الشَّام وَمَا يفتتحه فَسَار تَاج الدولة تتش إِلَى حلب. وَكَانَ بدر الجمالي أَمِير جيوش مصر قد أرسل عسكراً لحصار أتسز بِدِمَشْق، فاستنجد أتسز بتتش وَهُوَ محاصر حلب فَسَار إِلَى دمشق وَلما قرب مِنْهَا رَحل عَسْكَر مصر كالمنهزمين، ثمَّ وصل إِلَى دمشق فَتَلقاهُ أتسز من قريب فَأنْكر عَلَيْهِ تَأَخره عَن لِقَائِه وَقبض على أتسز وَقَتله وَملك دمشق وَأحسن السِّيرَة.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا غزا الْملك إِبْرَاهِيم بن مَسْعُود بن مَحْمُود بن سبكتكين الْهِنْد، فأوغل وَفتح وَعَاد إِلَى غزنة.
وفيهَا حضر شرف الدولة مُسلم بن قُرَيْش الْمسَيبِي صَاحب الْموصل حلب فتسلمها فِي سنة ثَلَاث وَسبعين، ثمَّ حصر القلعة وتسلمها وَأنزل مِنْهَا سَابِقًا ووثاباً ابْني مَحْمُود بن نصر بن صَالح.
وفيهَا توفّي نصر بن أَحْمد بن مَرْوَان صَاحب ديار بكر، وَملك بعده ابْنه مَنْصُور وَدبره ابْن الْأَنْبَارِي.
وفيهَا: توفّي أَبُو الفتيان مُحَمَّد بن سُلْطَان بن حيوس الشَّاعِر وَتقدم ذكره.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسبعين وَأَرْبع وَسبعين وَسنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا كَانَت فتْنَة بِبَغْدَاد بن الشَّافِعِيَّة والحنابلة.
وفيهَا: أرسل الْمُقْتَدِي صَاحب التَّنْبِيه إِلَى السُّلْطَان ملكشاه وَإِلَى نظام الْملك شاكياً من عميد الْعرَاق أبي الْفَتْح بن أبي اللَّيْث، فَأكْرم السُّلْطَان ونظام الْملك الشَّيْخ بخراسان وناظر بِحَضْرَة نظام الْملك إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَعَاد بإجابة الْخَلِيفَة وَرفع يَد ابْن العميد عَمَّا يتَعَلَّق بحاشية الْخَلِيفَة.
قلت: وَفِي سنة أَربع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة لَيْلَة الْخَمِيس بَين العشاءين توفّي أَبُو الْوَلِيد سُلَيْمَان بن خلف بن سعد بن أَيُّوب بن وَارِث الْيحصبِي الْمَالِكِي الأندلسي، ومولده يَوْم الثُّلَاثَاء النّصْف من ذِي الْقعدَة من سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة بِمَدِينَة بطليوس، وَدفن بالمرية بالرباط على صفة الْبَحْر وَصلى عَلَيْهِ ابْنه أَبُو الْقَاسِم كَانَ رحمه الله من عُلَمَاء الأندلس وحفاظها سكن شَرْقي الأندلس ورحل إِلَى الشرق سنة سِتّ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَنَحْوهَا فَأَقَامَ بِمَكَّة شرفها الله مَعَ أبي ذَر الْهَرَوِيّ ثَلَاثَة أَعْوَام وَحج.
ثمَّ رَحل إِلَى بَغْدَاد فَأَقَامَ بهَا ثَلَاثَة أَعْوَام يدرس الْفِقْه وَيقْرَأ الحَدِيث وَلَقي بهَا سَادَات من الْعلمَاء كَأبي الطّيب الطَّبَرِيّ الشَّافِعِي وَالشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَأقَام بالموصل مَعَ أبي جَعْفَر الشَّيْبَانِيّ يدرس عَلَيْهِ الْفِقْه، وَكَانَ مقَامه بالمشرق نَحْو ثَلَاثَة عشر عَاما وروى عَن الْحَافِظ أبي بكر الْخَطِيب، وروى الْخَطِيب عَنهُ قَالَ: أَنْشدني أَبُو الْوَلِيد التاجي لنَفسِهِ:
(إِذا كنت أعلم علما يَقِينا
…
بِأَن جَمِيع حَياتِي كساعه)
(فَلم لَا أكون ضنيناً بهَا
…
فأجعلها فِي صَلَاح وطاعه)
صنف كتبا كَثِيرَة مِنْهَا: كتاب المقتفي وَكتاب أَحْكَام الْفُصُول فِي أَحْكَام الْأُصُول وَكتاب التَّعْدِيل وَالْجرْح فِيمَن روى عَنهُ البُخَارِيّ رحمه الله وَغير ذَلِك، وَهُوَ أحد أَئِمَّة الْمُسلمين وَكَانَ يَقُول: سَمِعت أَبَا ذَر عمر بن أَحْمد الْهَرَوِيّ يَقُول: لَو صحت الْإِجَازَة لبطلت الرحلة، وَكَانَ قد رَجَعَ إِلَى الأندلس وَولي الْقَضَاء هُنَاكَ، وَقيل أَنه ولي قَضَاء حلب، وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي أَبُو نصر عَليّ بن الْوَزير أبي الْقَاسِم هبة الله بن مَاكُولَا مُصَنف الْإِكْمَال ومولده سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة، قَتله مماليك الأتراك بكرمان.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَة توفّي الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن يُوسُف الفيروزأبادي الشِّيرَازِيّ وفيروزأباد: بَلْدَة فَارس، وَقيل: هِيَ مَدِينَة جور. ومولده سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثلثمائة وَقيل: سنة سِتّ وَتِسْعين، كَانَ أوحد عصره علما وزهداً وَعبادَة ولد بفيروزأباد وَبهَا نَشأ وَدخل شيراز وتفقه ثمَّ قدم الْبَصْرَة ثمَّ بَغْدَاد سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة، وَكَانَ إِمَامًا فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَالْأُصُول لَهُ الْمُهَذّب وَالتَّلْخِيص والنكت والتبصرة واللمع ورؤوس الْمسَائِل، وَكَانَ فصيحاً ينظم حسنا فَمِنْهُ:
(سَأَلت النسا عَن خل وفيّ
…
فَقَالُوا مَا إِلَى هَذَا سَبِيل)
(تمسك إِن ظَفرت بود حر
…
فَإِن الْحر فِي الدُّنْيَا قَلِيل)
قلت: وَهَذَا قريب من قَول بعض النَّاس:
(أَكثر وَطْء النَّاس من شُبْهَة
…
أَو من زنا والحل فيهم قَلِيل)
(فَابْن حَلَال نَادِر نَادِر
…
والنادر النَّادِر كالمستحيل)
وَالله أعلم.
وللشيخ أَيْضا:
(جَاءَ الرّبيع وَحسن ورده
…
وَمضى الشتَاء وقبح برده)
(فَاشْرَبْ على وَجه الحبيب
…
ووجنتيه وَحسن خَدّه)
وَكَانَ مستجاب الدعْوَة مطرح التَّكَلُّف، وَلما توجه رَسُولا من الْخَلِيفَة إِلَى خُرَاسَان قَالَ: مَا دخلت بَلْدَة وَلَا قَرْيَة إِلَّا وخطيبها وقاضيها تلميذي وَمن جملَة أَصْحَابِي.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا سَار فَخر الدولة بن جهير بعساكر ملكشاه إِلَى قتال شرف الدولة مُسلم بن قُرَيْش، ثمَّ سير السُّلْطَان ملكشاه إِلَى فَخر الدولة جَيْشًا آخر فيهم الْأَمِير ارتق بن أكسك وَقيل: أكسب وَالْأول أصح، جد الْمُلُوك الأرتقية، فَانْهَزَمَ شرف الدولة وانحصر فِي آمد وَنزل أرتق على آمد فحصرها، وبذل لَهُ مُسلم بن قُرَيْش مَالا جَلِيلًا ليمكنه من الْخُرُوج من آمد، فَأذن لَهُ ارتق وَخرج مُسلم مِنْهَا فِي حادي عشر ربيع الأول من هَذِه السّنة فنازل الرقة وَبعث إِلَى السُّلْطَان مَا وعده بِهِ.
ثمَّ سير السُّلْطَان عميد الدولة بن فَخر الدولة بن جهير بعسكر كثيف وسير مَعَه أقسنقر قسيم الدولة إِلَى الْموصل فاستولى عَلَيْهَا عميد الدولة، وأقسنقر هَذَا هُوَ وَالِد عماد الدّين زنكي، ثمَّ أرسل مؤيد الدولة بن نظام الْملك إِلَى شرف الدولة بالعهود يستدعيه إِلَى السُّلْطَان، فَقدم شرف الدولة إِلَيْهِ وأحضره عِنْد السُّلْطَان بالبوازيج وَكَانَ قد ذهب أَمْوَاله فاقترض شرف الدولة مُسلم مَا خدم بِهِ السُّلْطَان وَقدم إِلَيْهِ خيلاً مِنْهَا. فرسه الَّذِي نجا عَلَيْهِ فِي المعركة الْمَشْهُور الْمُسَمّى بشاراً، وسابق بِهِ السُّلْطَان الْخَيل فجَاء سَابِقًا فَقَامَ السُّلْطَان إعجاباً بِهِ ورضى على مُسلم وخلع عَلَيْهِ وَأقرهُ على بِلَاده.
وفيهَا: سَار سُلَيْمَان بن قطلمش السلجوقي صَاحب قونية وأقصرا وَغَيرهمَا إِلَى