الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيهَا: توفّي أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن الْأَنْبَارِي صَاحب كتاب الْوَقْف والابتداء ثِقَة مولده سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَتَيْنِ.
وفيهَا: توفّي أَبُو عمر أَحْمد بن عبد ربه بن حبيب الْقُرْطُبِيّ مولى هِشَام بن عبد الرَّحْمَن الدَّاخِل من الْعلمَاء المكثرين وَكتابه العقد الفريد من الْكتب النفيسة، ومولده سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ.
وفيهَا: سقط ثلج عَظِيم فِي آذار، وَفِيه قَالَ الصنوبري:
(تأنق ذَا الرَّوْض فِي نسجه
…
وَأغْرب آذار فِي ثلجة)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَعشْرين وثلثمائة: فِيهَا فِي نصف ربيع الأول مَاتَ الراضي بِاللَّه أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن المقتدر بن المعتضد بالاستسقاء وعمره اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة. وَمن شعره الْجيد:
(يصفر وَجْهي إِذا تَأمله
…
طرفِي فيحمر وَجهه خجلا)
(حَتَّى كَأَن الَّذِي بوجنته
…
من دم قلبِي إِلَيْهِ قد نقلا)
وَله:
(كل صفو إِلَى كدر
…
كل أَمن إِلَى حذر)
(أَيهَا الآمن الَّذِي
…
تاه فِي لجة الْغرَر)
(ابْن من كَانَ قبلنَا
…
درس الْعين والأثر)
(در در المشيب من
…
واعظ ينذر الْبشر)
وَكَانَ رحمه الله شَيخا يحب الأدباء والفضلاء، ونادمه سِنَان بن ثَابت الصابي الطَّبِيب، وَكَانَ الراضي أسمر خَفِيف العارضين أمه ضلوم أم ولد، وَهُوَ آخر خَليفَة لَهُ شعر يدون وَآخر خَليفَة خطب كثيرا على منبره وَإِن كَانَ غَيره خطب فنادر وَآخر خَليفَة جَالس الجلساء وَآخر خَليفَة كَانَت جرايته وخزائنه ومطابخه وأموره على تَرْتِيب الْخُلَفَاء الْمُتَقَدِّمين.
(أَخْبَار إِبْرَاهِيم المتقي لله)
وبقى الْأَمر بعده مَوْقُوفا انتظارا لقدوم أبي عبد اللَّهِ الْكُوفِي كَاتب بجكم من وَاسِط وَكَانَ بجكم أَيْضا هُنَاكَ واحتيط على دَار الْخَلِيفَة، فورد كتاب بجكم مَعَ كِتَابه الْكُوفِي يَأْمر فِيهِ أَن يجْتَمع مَعَ أبي الْقَاسِم سُلَيْمَان بن الْحسن وَزِير الراضي كل من تقلد الوزارة وَأَصْحَاب الدَّوَاوِين والعلويون والعباسيون والقضاة ووجوه الْبَلَد ويشاورهم الْكُوفِي فِيمَن ينصب خَليفَة، فاتفقوا على بيعَة المتقي لله إِبْرَاهِيم بن المقتدر بِاللَّه أبي الْفضل جَعْفَر فِي الْعشْرين من ربيع الأول، فسير الْخلْع واللواء إِلَى بجكم بواسط، وَكَانَ بجكم قبل اسْتِخْلَاف المتقي قد أرسل من أَخذ من دَار الْخلَافَة فرشا وآلات كَانَ يستحسنها، وَجعل
سَلامَة الطولوني حَاجِب المتقي وَأقر سُلَيْمَان بن الْحسن وَزِير الراضي على اسْم الوزارة وَالتَّدْبِير كُله إِلَى الْكُوفِي كَاتب بجكم.
وفيهَا: قتل ماكان، وَكَانَ قد استولى على جرجان فقصده أحد قواده السامانية بعسكر خُرَاسَان وَهُوَ أَبُو عَليّ بن مُحَمَّد بن مظفر بن مُحْتَاج، فَهزمَ ماكان عَن جرجان فَأَقَامَ بطبرستان، ثمَّ سَار ابْن الْمُحْتَاج إِلَى الرّيّ فاستولى عَلَيْهَا وَبهَا وشمكير بن زِيَاد أَخُو مرداويج، فَأرْسل وشمكير يستنجد ماكان بن كالي من طبرستان فأنجده وَقدم إِلَيْهِ وقاتلا ابْن الْمُحْتَاج فجَاء سهم غرب فِي رَأس ماكان وَنفذ من الخوذة إِلَى جَبينه وطلع من قَفاهُ فَمَاتَ وهرب وشمكير إِلَى طبرستان وَاسْتولى ابْن الْمُحْتَاج على الرّيّ.
قلت: حَتَّى كَأَن " ماكان " مَا كَانَ وَالله أعلم.
وفيهَا: قتل بجكم، كَانَ أرسل جَيْشًا لقِتَال البريدي ثمَّ سَار من وَاسِط فِي أَثَرهم فَأخْبرهُ بنصر عسكره فقصد الرُّجُوع إِلَى وَاسِط وَجعل يتصيد فِي طَرِيقه حَتَّى بلغ نهر جور فَسمع أَن هُنَاكَ أكرادا لَهُم مَال وثروة فقصدهم فِي جمَاعَة قَليلَة وأوقع بهم فَهَرَبُوا، وَجَاء مِنْهُم صبي من خلف وَطعن بجكم فِي خاصرته بِرُمْح وَلَا يعرفهُ فَمَاتَ. وَبلغ المتقي قَتله فاستولى على دَاره وَأخذ مِنْهَا أَمْوَالًا عَظِيمَة أَكْثَرهَا كَانَ مَدْفُونا، وأتى البريدي الْفرج بقتل بجكم من حَيْثُ لَا يحْتَسب.
قلت:
(إِذا حمل الْفَتى هما فجهل
…
فَإِن اللَّهِ يلطف بالعبيد)
(وَكم لله من فرج سريع
…
نفضله على فرج البريدي)
وَالله أعلم.
وَمُدَّة أَمارَة بجكم سنتَانِ وَثَمَانِية أشهر وَأَيَّام.
وَقصد البريدي بَغْدَاد وَاسْتولى على ألأمر أَيَّامًا، ثمَّ أخرجته الْعَامَّة عَنْهَا لسوء سيرته، ثمَّ استولى على الْأَمر كورتكين مُدَّة قَليلَة فاستخلف ابْن راتق على الشَّام أَبَا الْحسن أَحْمد بن عَليّ بن مقَاتل وَوصل بَغْدَاد وَجرى بَينه وَبَين كورتكين قتال آخِره هزيمَة كورتكين، ثمَّ ظفر بِهِ ابْن راتق وحبسه وقلد المتقي ابْن راتق إمرة الْأُمَرَاء بِبَغْدَاد.
وفيهَا: توفّي مَتى بن يُونُس الفليسوف، وبختيشوع بن يحيى الطَّبِيب.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاثِينَ وثلثمائة: فِيهَا استولى ابْن البريدي على بَغْدَاد وهرب ابْن راتق والخليفة المتقي إِلَى جِهَة الْموصل، وَنهب ابْن البريدي بَغْدَاد وجار وعسف فرطا.
وَلما وصل المتقي وَابْن راتق تكريت كَاتبا نَاصِر الدولة بن حمدَان يستمدانه وقدما الْموصل فَخرج عَنْهَا نَاصِر الدولة إِلَى الْجَانِب الآخر، فَأرْسل المتقي إِلَيْهِ ابْنه أَبَا مَنْصُور وَابْن راتق فأكرمهما نَاصِر الدولة ونثر على الْخَلِيفَة ذَهَبا، وَلما قاما لينصرفا أَمر نَاصِر الدولة أَصْحَابه فَقتلُوا ابْن راتق، ثمَّ سَار ابْن حمدَان إِلَى المتقي فَخلع المتقي عَلَيْهِ وَجعله أَمِير
الْأُمَرَاء وَذَلِكَ فِي مستهل شعْبَان مِنْهَا وخلع على أَخِيه أبي الْحسن عَليّ ولقبه سيف الدولة، وَكَانَ قتل ابْن راتق لسبع بَقينَ من رَجَب مِنْهَا.
وَبلغ الأخشيد بِمصْر قتل ابْن راتق فَسَار وَاسْتولى على دمشق.
ثمَّ سَار المتقي وناصر الدولة إِلَى بَغْدَاد فهرب عَنْهَا ابْن البريدي وَنهب بعض النَّاس بَعْضًا، وَكَانَ مقَام ابْن البريدي بِبَغْدَاد ثَلَاثَة أشهر وَعشْرين يَوْمًا، وَدخل المتقي بَغْدَاد وَمَعَهُ بَنو حمدَان فِي جيوش كَثِيرَة فِي شَوَّال مِنْهَا، وَأصْلح نَاصِر الدولة بِبَغْدَاد الدَّنَانِير كَانَ الدِّينَار بِعشْرَة فَبيع بِثَلَاثَة عشر درهما.
وفيهَا: توفّي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد اللَّهِ الْمحَامِلِي الْفَقِيه الشَّافِعِي، ومولده سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ.
وفيهَا: توفّي أَبُو الْحسن عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن أبي بشر الْأَشْعَرِيّ، ومولده سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ بِبَغْدَاد، وَدفن بمشرعة الزوايا وطمس قَبره خوفًا عَلَيْهِ من الْحَنَابِلَة وَلَوْلَا السُّلْطَان لنبشوه، وَهُوَ رَحْمَة اللَّهِ عَلَيْهِ من ولد أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ اشْتغل بالْكلَام مُعْتَزِلا زَمَانا، ثمَّ خَالف الْمُعْتَزلَة والمشبهة ومقالته أَمر متوسط وناظر شَيْخه الجبائي فِي وجوب الْأَصْلَح على اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنعه الْأَشْعَرِيّ وَقَالَ: مَا تَقول فِي ثَلَاثَة إخوه أحدهم كَانَ برا مُؤمنا تقيا وَالثَّانِي كَانَ كَافِرًا فَاسِقًا شقيا وَالثَّالِث كَانَ صَبيا فماتوا فَكيف حَالهم؟ فَقَالَ الجبائي: أما الزَّاهِد فَفِي الدَّرَجَات وَأما الْكَافِر فَفِي الدركات وَأما الصَّغِير فَمن أهل السّلم، فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ: إِن أَرَادَ الصَّغِير أَن يذهب إِلَى دَرَجَات الزَّاهِد يُؤذن لَهُ؟ فَقَالَ الجبائي: لَا لِأَنَّهُ يُقَال لَهُ: إِن أَخَاك إِنَّمَا وصل إِلَى هَذِه الدرجَة بِسَبَب طَاعَته الْكَثِيرَة وَلَيْسَ لَك تِلْكَ الطَّاعَات، فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ: فَإِن قَالَ ذَلِك الصَّغِير: التَّقْصِير لَيْسَ مني فَإنَّك مَا أبقيتني وَلَا أقدرتني على الطَّاعَة؟ فَقَالَ الجبائي: يَقُول الْبَارِي جلّ وَعلا: أعلم أَنَّك لَو بقيت لعصيت وصرت مُسْتَحقّا للعذاب الْأَلِيم فراعيت مصلحتك، فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ: فَلَو قَالَ الْأَخ الْكَافِر: يَا إِلَه الْعَالمين كَمَا علمت حَاله فقد علمت حَالي فَلم راعيت مصْلحَته دوني؟ فَقَالَ الجبائي: وسوست؟ فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ: مَا وسوس وَلَكِن وقف حمَار الشَّيْخ على القنطرة - يَعْنِي أَنه انْقَطع -.
ومقالة الْأَشْعَرِيّ أشهر المقالات، وَلَا مبالاة بتكفير بعض الْحَنَابِلَة لَهُ، والجبائي زوج أم ألأشعري رَحمَه اللَّهِ تَعَالَى.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى ثَلَاثِينَ وثلثمائة: فِيهَا سَار نَاصِر الدولة عَن بَغْدَاد إِلَى الْموصل وثارت الديلم ونهبت دَاره، وَكَانَ أَخُوهُ سيف الدولة بواسط فثارت عَلَيْهِ الأتراك الَّذين مَعَه وكبسوه لَيْلًا فِي شعْبَان، فهرب سيف الدولة أَبُو الْحسن عَليّ إِلَى أَخِيه نَاصِر الدولة أبي مُحَمَّد الْحسن بن عبد اللَّهِ بن حمدَان وَلحق بِهِ، ثمَّ قدم سيف الدولة إِلَى بَغْدَاد وَطلب من المتقي مَالا ليفرقه فِي الْعَسْكَر وَيمْنَع تورون والأتراك من دُخُول بَغْدَاد، فأنفذ إِلَيْهِ المتقي أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار فرقها فِي أَصْحَابه.
وَلما وصل تورون إِلَى بَغْدَاد هرب سيف الدولة عَنْهَا، وَدخل تورون بَغْدَاد فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من رَمَضَان هَذِه السّنة فَخلع المتقي عَلَيْهِ وَجعله أَمِير الْأُمَرَاء، وَبَقِي المتقي خَائفًا من تورون - بِضَم التَّاء -
…
.
وفيهَا: توفّي السعيد نصر بن أَحْمد بن الساماني صَاحب خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر بالسل وولايته ثَلَاثُونَ سنة وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وعمره ثَمَان وَثَلَاثُونَ سنة كَانَ حَلِيمًا كَرِيمًا، وَتَوَلَّى بعده نوح ابْنه وَحلف لَهُ فِي شعْبَان.
وفيهَا: أرسل ملك الرّوم يطْلب من المتقي منديلا زعم أَن الْمَسِيح مسح بِهِ وَجهه فَصَارَت صُورَة وَجهه فِيهِ وَأَن هَذَا المنديل فِي بيعَة الرها وَأَنه إِن أرْسلهُ أطلق عددا كثيرا من الأسرى، فأحضر المتقي الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء واستفتاهم فِي ذَلِك فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعضهم: دَفعه إِلَيْهِم وَإِطْلَاق الأسرى أولى، وَقَالَ بَعضهم: إِن هَذَا المنديل لم يزل فِي بِلَاد الْإِسْلَام وَلم يَطْلُبهُ ملك مِنْهُم فَفِي دَفعه إِلَيْهِم غَضَاضَة، وَكَانَ فِي الْجَمَاعَة عَليّ بن عِيسَى الْوَزير فَقَالَ: إِن خلاص الْمُسلمين من الْأسر والضنك أولى من حفظ هَذَا المنديل، فَأمر الْخَلِيفَة بِتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِم وَأرْسل من تسلم الأسرى.
وفيهَا: توفّي مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الفرغاني الوصفي أستاذ أبي بكر الدقاق الْمَشْهُور.
وفيهَا: مَاتَ سِنَان بن ثَابت بن قُرَّة الطَّبِيب الحاذق مَاتَ بعلة الذرب وَمَا نَفعه طبه.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثلثمائة: فِيهَا سَار المتقي عَن بَغْدَاد خوفًا من تورون وَابْن شيرزاد إِلَى جِهَة نَاصِر الدولة بالموصل، وَانْحَدَرَ سيف الدولة يلتقي المتقي بتكريت، ثمَّ انحدر نَاصِر الدولة إِلَى تكريت أَيْضا وأصعد الْخَلِيفَة إِلَى الْموصل، ثمَّ سَار الْخَلِيفَة وَبَنُو حمدَان إِلَى الرقة فأقاموا بهَا.
وَظهر للمتقي تضجر بني حمدَان مِنْهُ وإيثارهم مُفَارقَته فَكتب إِلَى تورون ليصالحه، وَخرجت السّنة على ذَلِك.
وفيهَا: خرجت طَائِفَة من الروس فِي الْبَحْر وطلعوا من الْبَحْر فِي نهر الْكر فَانْتَهوا إِلَى مَدِينَة برذعة فاستولوا عَلَيْهَا وَقتلُوا ونهبوا وَرَجَعُوا فِي المراكب.
وفيهَا: مَاتَ أَبُو طَاهِر رَئِيس القرامطة بالجدري.
وفيهَا: كَانَ بِبَغْدَاد غلاء عَظِيم.
وفيهَا: اسْتعْمل نَاصِر الدولة بن حمدَان مُحَمَّد بن عَليّ بن مقَاتل على قنسرين وحمص والعواصم، ثمَّ اسْتعْمل بعده فِيهَا أَيْضا ابْن عَمه الْحُسَيْن بن سعيد بن حمدَان.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث ثَلَاثِينَ وثلثمائة: فِيهَا سَار المتقي إِلَى بَغْدَاد وخلع كَانَ قد كتب المتقي إِلَى الأخشيد صَاحب مصر يشكو مَا هُوَ فِيهِ، فَجَاءَهُ الأخشيد من مصر إِلَى الرقة بِهَدَايَا عَظِيمَة وحرص أَن يسير مَعَه إِلَى مصر ليَكُون بَين يَدَيْهِ فَلم يفعل، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بالْمقَام