الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وثلثمائة: فِيهَا وصل الدمستق إِلَى جِهَة ميارفارقين فنهب واستهان بِالْمُسْلِمين، فَجهز أَبُو تغلب بن نَاصِر الدولة أَخَاهُ هبة اللَّهِ فِي جَيش فَكسر الدمستق وَأسر وَمرض وعالجه أَبُو تغلب فَلم يفد وَمَات مَحْبُوسًا.
وفيهَا: استوزر بختيار مُحَمَّد بن بقيه، فَعجب النَّاس لكَونه وضيعا من أوانا وَأَبوهُ زراع.
وَفِيه: حصلت الوحشة بن بختيار وَبَين أَصْحَابه من الديلم والأتراك.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثلثمائة: فِيهَا تقوى سبكتكين التركي بِبَغْدَاد وَنهب دَار بختيار وَكَانَ غَائِبا فِي الأهواز، وَرَأى سبكتكين الْمُطِيع عَاجِزا من الْمَرَض وَقد ثقل لِسَانه وَكَانَ يستر ذَلِك حَتَّى انْكَشَفَ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بخلع نَفسه وولايته ابْنه الطائع فَأجَاب، وخلع الْمُطِيع نَفسه فِي نصف ذِي الْقعدَة، وخلافته تسع وَعِشْرُونَ سنة وَخمْس أشهر غير أَيَّام.
(أَخْبَار الطائع لله)
وبويع الطائع لله وَهُوَ رَابِع عشرهم أَبُو بكر عبد الْكَرِيم بن الْمفضل الْمُطِيع لله بن جَعْفَر المقتدر بن المعتضد أَحْمد.
وفيهَا: جرت حروب بَين الْمعز وَبَين القرامطة، ثمَّ انْهَزَمت القرامطة وَقتل مِنْهُم خلق كثير وَأرْسل فِي أَثَرهم عشرَة آلَاف فسارت القرامطة إِلَى الحساء والقطيف، ثمَّ أرسل الْمعز الْقَائِد ظَالِم بن مرهوب الْعقيلِيّ إِلَى دمشق فَعظم وَكَثُرت جموعه، ثمَّ وَقع بَينه وَبَين أهل دمشق فتن دَامَت إِلَى سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلثمائة وأحرق بعض دمشق.
وفيهَا: انحدر سبكتكين بالطائع والمطيع مخلوعا بالأتراك إِلَى وَاسِط فَمَاتَ الْمُطِيع بدير العاقول وَمَات سبكتكين أَيْضا فحملا إِلَى بَغْدَاد، وَقدم الأتراك عَلَيْهِم أفتكين أكبرهم، وقاربوا وَاسِط وَبهَا بختيار فَقَاتلهُمْ نَحْو خمسين يَوْمًا وَالظفر للأتراك، وَأرْسل بختيار إِلَى ابْن عَمه عضد الدولة بِفَارِس رسائل متتابعه بالإسراع إِلَيْهِ وَكتب إِلَيْهِ الْبَيْت الْمَشْهُور:
(فَإِن كنت مَأْكُولا فَكُن خير آكل
…
وَإِلَّا فأدركني وَلما أمزق)
فَسَار عضد الدولة إِلَيْهِ، وَخرجت السّنة وَالْحَال كَذَلِك.
وفيهَا: انْتهى تَارِيخ ثَابت بن قُرَّة وابتداؤه من خلَافَة المقتدر سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلثمائة: فِيهَا سَار عضد الدولة بعساكر فَارس لما ذَكرْنَاهُ وقارب وَاسِط فَرجع أفتكين والأتراك إِلَى بَغْدَاد، وَسَار عضد الدولة من الْجَانِب الشَّرْقِي وَأمر بختيار أَن يسير من الْجَانِب الغربي وَخرجت الأتراك من بَغْدَاد وقاتلوا عضد الدولة فَهَزَمَهُمْ وَقتل مِنْهُم كثيرا فِي رَابِع عشر جُمَادَى مِنْهَا وَدخل بَغْدَاد، وَكَانُوا قد أخذُوا الْخَلِيفَة مَعَهم إِلَى وَاسِط فَرده عضد الدولة إِلَى بَغْدَاد، فوصل الْخَلِيفَة فِي الْمسَاء ثامن رَجَب مِنْهَا.
وَلما اسْتَقر عضد الدولة بِبَغْدَاد شغبت الْجند على بختيار يطْلبُونَ أَرْزَاقهم وَلَا مَال مَعَه، فَأمره عضد الدولة فاستعفى من الإمرة عَجزا وأغلق بَابه وَصرف كِتَابه وحجابه وَأشْهد عضد الدولة عَلَيْهِ بذلك، ثمَّ قبض عضد الدولة على بختيار وَإِخْوَته فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من جُمَادَى، وَاسْتقر عضد الدولة بِبَغْدَاد وَعظم الْخَلِيفَة وَحمل إِلَيْهِ مَالا عَظِيما.
وَكَانَ الْمَرْزُبَان بن بختيار مُتَوَلِّيًا بِالْبَصْرَةِ، وَلما بلغه قبض وَالِده كتب إِلَى ركن الدولة جده يشكو ذَلِك، فَألْقى ركن الدولة نَفسه إِلَى الأَرْض وَترك الطَّعَام حَتَّى مرض وَأنكر على عضد الدولة عَظِيما، فَأرْسل عضد الدولة يسْأَل أَبَاهُ فِي أَن يعوض بختيار بِبَعْض فَارس فَأَرَادَ ركن الدولة قتل الرَّسُول وتهدده بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ إِن لم يعد بختيار إِلَى ملكه، فاضطر عضد الدولة إِلَى إِخْرَاج بختيار من الْحَبْس وأعادوه إِلَى ملكه وَرجع إِلَى فَارس فِي شَوَّال مِنْهَا.
وفيهَا: أنهزم أفتكين التركي مولى معز الدولة من بختيار عِنْد قدوم عضد الدولة حَسْبَمَا ذكرنَا، وَسَار إِلَى حمص ثمَّ إِلَى دمشق وأميرها زبان الْخَادِم عَن الْمعز الْعلوِي، فاتفق أفتكين مَعَ الدماشقة وأخرجوا زبان وَقَطعُوا خطْبَة الْمعز فِي شعْبَان وولوا أفتكين، فعزم الْمعز على قِتَاله فاتفق موت الْمعز كَمَا سَيَأْتِي، وَتَوَلَّى ابْنه الْعَزِيز فَجهز الْقَائِد جوهرا فَحَضَرَ أفتكين بِدِمَشْق، فاستنجد أفتكين بالقرامطة، فَلَمَّا قربوا رَحل جَوْهَر إِلَى جِهَة مصر فَتَبِعَهُ أفتكين والقرامطة وتبعهم خلق فَلَحقُوا جوهرا قرب الرملة فَدخل عسقلان ضعفا عَنْهُم فحصروه، فعاين الْهَلَاك هُوَ وَأَصْحَابه من الْجُوع فبذل لأفتكين ليمن عَلَيْهِ ويطلقه فَرَحل أفتكين عَنهُ.
وَسَار جَوْهَر إِلَى مصر وَأعلم الْعَزِيز بِالْحَال، فَسَار الْعَزِيز بِنَفسِهِ إِلَى الشَّام وَوصل الرملة فقاتله أفتكين والقرامطة قتالا شَدِيدا فنصر الْعَزِيز وَقتل وَأسر كثيرا وَجعل لمن يحضر أفتكين مائَة ألف دِينَار، وَطلب أفتكين فِي هزيمته بَيت صَاحبه مفرج بن دَغْفَل الطَّائِي، فَأسرهُ مفرج فِي بَيته وَأعلم الْعَزِيز بِهِ، فَأعْطَاهُ الْجعل وأحضر أفتكين فَأَطْلقهُ الْعَزِيز وَأطلق أَصْحَابه وأنعم عَلَيْهِ وَصَحبه إِلَى مصر وَبَقِي عِنْده بِمصْر مُعظما حَتَّى مَاتَ بهَا.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَسِتِّينَ وثلثمائة: فِيهَا توفّي الْمعز لدين اللَّهِ أَبُو تَمِيم الْعلوِي الْحُسَيْنِي بِمصْر فِي سَابِع عشر جُمَادَى الأولى، وَولد بالمهدية حادي عشر رَمَضَان سنة تسع عشرَة وثلثمائة فعمره خمس وَأَرْبَعُونَ سنة وَسِتَّة أشهر تَقْرِيبًا وَكَانَ فَاضلا لَكِن كَانَ يعْمل بأقوال المنجمين وأخفى الْعَزِيز مَوته وأظهره فِي عيد النَّحْر مِنْهَا وَبَايَعَهُ النَّاس.
وفيهَا: أَو فِي تلوها فتح أَبُو الْقَاسِم بن الْحسن بن عَليّ بن أبي الْحُسَيْن أَمِير صقلية مَدِينَة مسينا ثمَّ كنته وقعلة جلوى، وَبث سراياه فِي نواحي فلوريه وغنم وسبى.
وفيهَا: خطب للعزيز بِمَكَّة وَتُوفِّي ثَابت بن سِنَان بن قره الصابي.
وفيهَا: أَو فِي تلوها توفّي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل الْقفال الشَّاشِي الشَّافِعِي، لم يكن وَرَاء النَّهر فِي عصره مثله، رَحل إِلَى الْعرَاق وَالشَّام والحجاز وَأخذ الْفِقْه
عَن ابْن سُرَيج وروى عَن الطَّبَرِيّ، وروى عَنهُ الْحَاكِم بن مندة وَكثير، والتقريب الَّذِي ينْقل عَنهُ فِي النِّهَايَة والوسيط والبسيط، وَذكره الْغَزالِيّ فِي الْبَاب الثَّانِي من كتاب الرَّهْن من تصنيف الْقَاسِم بن الْقفال الْمَذْكُور لَكِن قَالَ الْغَزالِيّ: أَبُو الْقَاسِم وَهُوَ سَهْو وَهَذَا غير تقريب سليم الرَّازِيّ. والشاشي: نِسْبَة إِلَى مَدِينَة شاش وَرَاء نهر سيحون، والقفال غير أبي بكر الشَّاشِي صَاحب الْعُمْدَة والمستظهري
وفيهَا: فِي الْمحرم توفّي ركن الدولة الْحسن بن بويه، واستخلف على ممالكه ابْنه عضد الدولة وَعمر عضد الدولة فَوق سبعين وإمارته أَربع وَأَرْبَعين وَلَقَد أُصِيب بِهِ الدّين وَالدُّنْيَا لاستكمال خلال الْخَيْر فِيهِ، وَعقد لِابْنِهِ فَخر الدولة على هَمدَان وأعمال الْجَبَل، ولابنه مؤيد الدولة على أَصْبَهَان وجعلهما تَحت حكم عضد الدولة.
وفيهَا: سَار عضد الدولة بعد وَفَاة وَالِده إِلَى الْعرَاق، فَخرج بختيار وقاتله بالأهواز وخامر أَكثر عَسْكَر بختيار عَلَيْهِ، فَانْهَزَمَ بختيار إِلَى وَاسِط وَبعث عضد الدولة عسكرا استولى على الْبَصْرَة، ثمَّ سَار بختيار إِلَى بَغْدَاد وَسَار عضد الدولة إِلَى نواحي الْبَصْرَة وقررها، وَاسْتمرّ الْحَال كَذَلِك حَتَّى خرجت السّنة.
وفيهَا: " ابْتِدَاء دولة آل سبكتكين بغزنة " كَانَ سبكتكين من غلْمَان أبي إِسْحَاق بن التكين صَاحب جَيش غزنة السامانية وَقدمه لعقله وشجاعته، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو إِسْحَاق من غير ولد ولى الْعَسْكَر سبكتكين لكماله، فَعظم وغزا الْهِنْد على بست وقصدار.
وفيهَا مَاتَ مَنْصُور بن نوح بن نصر بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن أَسد بن سامان صَاحب خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر فِي نصف شَوَّال ببخارا وولايته نَحْو خمس عشرَة سنة، وَولي بعده ابْنه نوح وعمره نَحْو ثَلَاث عشرَة سنة.
وفيهَا: مَاتَ قَاضِي قُضَاة الأندلس مُنْذر بن سعيد البلوطي فَقِيه خطيب شَاعِر ذُو دين متين.
وفيهَا: قبض عضد الدولة على أبي الْفَتْح بن العميد وَزِير أبي عضد الدولة وسمل إِحْدَى عَيْنَيْهِ وَقطع أَنفه، وَكَانَ أَبُو الْفَتْح لَيْلَة قبض قد هيأ مَجْلِسا للأنس والندماء والالات الذهبية وَالطّيب وَشَرِبُوا، وَعمل شعرًا غَنِي لَهُ بِهِ وَهُوَ:
(دَعَوْت المنى ودعوت العلى
…
فَلَمَّا أجابا دَعَوْت الْقدح)
(وَقلت لأيام شرخ الشَّبَاب
…
إِلَيّ فَهَذَا أَوَان الْفَرح)
(إِذا بلغ الْمَرْء آماله
…
فَلَيْسَ لَهُ بعْدهَا مقترح)
فَقبض عَلَيْهِ من سحر تِلْكَ اللَّيْلَة.
وفيهَا توفّي الحكم بن عبد الرَّحْمَن الْأمَوِي صَاحب الأندلس وإمارته خمس عشرَة سنة وَخَمْسَة أشهر وعمره ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة وَسَبْعَة أشهر، كَانَ فَقِيها عَالما بالتاريخ وَغَيره، وبويع بعده ابْنه الْمُؤَيد هِشَام وَهُوَ ابْن عشر سِنِين، وَتَوَلَّى حجبه وتنفيذ أمره أَبُو عَامر
مُحَمَّد بن عبد اللَّهِ بن أبي عَامر مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن مزِيد الْمعَافِرِي القحطاني وتلقب أَبُو عَامر الْمَنْصُور واستبد بِالْأَمر وَمنع أحدا أَن يرى الْمُؤَيد.
وأصل أبي عَامر من الجزيرة الخضراء من الأندلس من قربَة طوشر واشتغل بالعلوم فِي قرطبة، وَكَانَ شرِيف النَّفس فَبلغ معالي الْأُمُور وَجمع الْفُضَلَاء وَبَلغت غَزَوَاته نيفا وَخمسين، وَمن نَادِر الِاتِّفَاق: إِن صاعد بن الْحسن اللّغَوِيّ أهْدى إِلَيْهِ أيلا مربوطا بِحَبل وامتدح الْمَنْصُور بِأَبْيَات وَكَانَ الْمَنْصُور قد أرسل عسكرا لغزو الفرنج وَاسم ملكهم إِذْ ذَاك غرسيه بن شاتجه، وَمن جملَة الأبيات:
(عبد نشلت بضبعة وغرسته
…
فِي نعْمَة أهْدى إِلَيْك بأيل)
(سميته غرسية وبعثته
…
فِي حبله ليتاح فِيهِ تفألي)
(فلئن قبلت فَتلك أَسْنَى نعْمَة
…
أسدي بهَا ذِي منحة وتطول)
فأحضر الْعَسْكَر غرسية أَسِيرًا ذَلِك الْيَوْم، وَبَقِي الْمَنْصُور على مَنْزِلَته حَتَّى توفّي وَسَيَأْتِي.
وفيهَا: عَاد شرِيف إِلَى ملك حلب، فَإِنَّهُ وصل إِلَى شرِيف بن سيف الدولة وَهُوَ بحماه بارقطاش مولى أَبِيه من حصن برزويه وخدمه وَعمر لَهُ حمص بعد خراب الرّوم وتقوى بكجور مولى قرعويه ونائبه وَقبض على قرعويه بحلب وحبسه بالقلعة وَاسْتولى على حلب، فكاتب أَهلهَا أَبَا الْمَعَالِي شريفا فَجَاءَهُمْ وَأنزل بكجور بالأمان وولاه حمص وَاسْتقر أَبُو الْمَعَالِي بحلب.
وفيهَا: توفّي بهستون بن وشمكير بجرجان، وَاسْتولى عَلَيْهَا وعَلى طبرستان أَخُوهُ قَابُوس.
وفيهَا: توفّي يُوسُف بن الْحسن الجبائي القرمطي صَاحب هجر ومولده سنة ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَولى بعده سِتَّة نفر شركَة وَسموا السَّادة.
ثمَّ دخلت سنّ سِتّ وَسِتِّينَ وثلثمائة: فِيهَا خرج يانس بن شمشقيق ملك الرّوم فِي جيوش عَظِيمَة من النَّصْرَانِيَّة كَانَ جنَاح الجيوش فِي عِقَاب الروج والاخر فِي الغرزل من علاة معمرة النُّعْمَان وَنزل على أفاميه، ثمَّ رَحل فَفتح بعلبك وَأسر أَهلهَا وَكَانُوا تحَصَّنُوا فِي الملعب، وحاصر طرابلس ثمَّ انْصَرف عَنْهَا.
وفيهَا: مَاتَ يانس ملك الرّوم بَين اللاذقية وأنطاكية بالسم سمته زَوجته يفانو خافته على ولديها من أرمانوس قبل تقفور فَأرْسلت إِلَيْهِ سقية كَمَا تقدم.
وفيهَا: ولي الرّوم الْملك بسيل.
ثمَّ دخلت سنّ سبع وَسِتِّينَ وثلثمائة: فِيهَا استولى عضد الدولة على الْعرَاق وَغَيره، وخلع على بختيار ووعده بِأَيّ ولَايَة أَرَادَ، وَقتل عضد الدولة ابْن بَقِيَّة وَزِير بختيار وصلبه، ورثاه أَبُو الْحسن الْأَنْبَارِي بقصيدة مِنْهَا:
(علو فِي الْحَيَاة وَفِي الْمَمَات
…
بِحَق أَنْت إِحْدَى المعجزات)
(كَأَن النَّاس حولك حِين قَامُوا
…
وُفُود نداك أَيَّام الصَّلَاة)
(مددت يَديك نحوهم اقتفاء
…
لمدهما إِلَيْهِم فِي الهبات)
(وَلما ضَاقَ بطن الأَرْض عَن أَن
…
يضم علاك من بعد الممات)
(أصاروا الجو قبرك واستنابوا
…
عَن الأكفان ثوب السافيات)
(لعظمك فِي النُّفُوس تبيت ترعى
…
بحراس وحفاظ ثِقَات)
(وتشعل عنْدك النيرَان لَيْلًا
…
كَذَلِك كنت أَيَّام الْحَيَاة)
ثمَّ سَار بختيار نَحْو الشَّام وَمَعَهُ حمدَان بن نَاصِر الدولة وأطعمه حمدَان فِي ملك الْموصل من أَخِيه أبي ثَعْلَب، فَأرْسل أَبُو ثَعْلَب يَقُول لبختيار: إِن سلمت إِلَيّ أخي حمدَان قَاتَلت مَعَك أَخَاك عضد الدولة، فغدر بختيار بحمدان وَسلمهُ إِلَى أَخِيه أبي ثَعْلَب فحبسه.
وَسَار أَبُو ثَعْلَب بعساكره مَعَ بختيار نَحْو عضد الدولة، فَخرج من بَغْدَاد نَحْوهمَا والتقوا بقصر الجص من نواحي تكريت ثامن عشر شَوَّال مِنْهَا فهزمهما عضد الدولة وَأمْسك بختيار فَقتله ثمَّ قصد الْموصل فملكها.
وهرب أَبُو ثَعْلَب إِلَى ميافارقين، فَأرْسل عضد الدولة فِي طلبه جَيْشًا إِلَى ميافارقين فهرب أَبُو ثَعْلَب إِلَى بدليس، وَتَبعهُ الْعَسْكَر فهرب نَحْو الرّوم فَلحقه الْعَسْكَر واقتتتلوا، فنصر أَبُو ثَعْلَب وَسَار إِلَى حصن زِيَاد وَيعرف الْآن بخرت برت، ثمَّ إِلَى آمد وَأقَام بهَا.
وفيهَا: توفّي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن قريعة الْبَغْدَادِيّ قَاضِي السندية وَغَيرهَا من أَعمال بَغْدَاد من عجائب الدُّنْيَا فِي سرعَة البديهة يُجيب عَن كل مَا يسْأَل عَنهُ بأفصح لفظ وأملح سجع، اخْتصَّ بِصُحْبَة الْوَزير المهلبي وَكَانَ الرؤساء يلاعبونه بالمسائل المضحكة فيجيب بِلَا توقف كتب إِلَيْهِ بَعضهم: مَا يَقُول القَاضِي وَفقه اللَّهِ فِي يَهُودِيّ زنا بنصرانية فَولدت ولدا جِسْمه للبشر وَوَجهه للبقر وَقد قبض عَلَيْهَا؟ فَكتب سَرِيعا،: هَذَا من أعدل الشُّهُود على الْيَهُود بِأَنَّهُم أشربوا الْعجل فِي صُدُورهمْ فَخرج من أيورهم وَأرى ان يناط باليهودي رَأس الْعجل ويصلب على عنق النَّصْرَانِيَّة السَّاق مَعَ الرجل ويسحبا على الأَرْض وينادي عَلَيْهِمَا: ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض وَالسَّلَام.
والسند قَرْيَة على نهر عِيسَى بَين بَغْدَاد والأنبار إِلَيْهَا سندواني فرقا بَينهَا وَبَين بِلَاد السَّنَد.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلثمائة: فِيهَا فتح أَبُو الْوَفَاء مقدم عَسْكَر عضد الدولة ميافارقين بالأمان وَسمع أَبُو ثَعْلَب بِفَتْحِهَا فَسَار عَن رمد نَحْو الرحبة ثمَّ سَار عَسْكَر عضد الدولة مَعَ أبي الْوَفَاء ففتحوا آمد وَاسْتولى عضد الدولة على ديار بكر، ثمَّ على ديار مُضر والرحبة، ثمَّ اسْتخْلف أَبُو الْوَفَاء على الْموصل وَعَاد إِلَى بَغْدَاد.
أما أَبُو ثَعْلَب فَسَار إِلَى دمشق، وَكَانَ قد تغلب على دمشق قسام وَهُوَ شخص كَانَ يَثِق
إِلَيْهِ أفتكين ويقدمه فاستولى قسام على دمشق وَكَانَ يخْطب بهَا للعزيز صَاحب مصر، فَلَمَّا وصل أَبُو ثَعْلَب إِلَى دمشق قَاتله قسام وَمنعه من دمشق فَسَار أَبُو ثَعْلَب إِلَى طبرية.
وفيهَا توفّي القَاضِي أَبُو سعيد الْحسن بن عبد اللَّهِ السيرافي شَارِح كتاب سِيبَوَيْهٍ فَاضل فَقِيه نحوي منطقي مهندس وعمره أَربع وَثَمَانُونَ سنة، وَولي بعده أَبُو مُحَمَّد مَعْرُوف الحكم بالجانب الشَّرْقِي من بَغْدَاد.
قلت: قَرَأَ السيرافي الْقُرْآن على أبي بكر بن مُجَاهِد واللغة على ابْن دُرَيْد والنحو على ابْن السراج وَكَانَ يقرىء عدَّة فنون، وَكَانَ معتزليا وَلم يظْهر مِنْهُ شَيْء نزها عفيفا يَأْكُل من نسخ يَده، وَكَانَ كثيرا مَا ينشد:
(اسكن إِلَى سكن تسر بِهِ
…
ذهب الزَّمَان وَأَنت مُنْفَرد)
(ترجو غَدا وغد كحامله
…
فِي الْحَيّ لَا يَدْرُونَ مَا تَلد)
وَكَانَ بَينه وَبَين أبي الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ صَاحب الأغاني مَا جرت الْعَادة بِهِ بَين الْفُضَلَاء من التنافس، فَقَالَ فِيهِ أَبُو الْفرج:
(لست صَدرا وَلَا قَرَأت على
…
صدر وَلَا علمك البكي بشافي)
(لعن اللَّهِ كل نَحْو وَشعر
…
وعروض يَجِيء من سيرافي)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنّ تسع وَسِتِّينَ وثلثمائة: فِيهَا سَار أَبُو تغلب من طبرية حَسْبَمَا ذكرنَا إِلَى الرملة فِي الْمحرم مِنْهَا وَهُنَاكَ دَغْفَل بن مفرج الطَّائِي وَالْفضل بن قواد الْعَزِيز فِي عَسْكَر جهزه الْعَزِيز إِلَى الشَّام، فَسَارُوا لقِتَال أبي تغلب وَلَيْسَ مَعَه سوى سَبْعمِائة رجل من غلمانه وغلمان أَبِيه، فَانْهَزَمَ أَبُو تغلب وتبعوه وأسروه فَقتله دَغْفَل وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى الْعَزِيز بِمصْر، وَكَانَ مَعَه أُخْته جميلَة وَزَوجته بنت عَمه سيف الدولة فحملها بَنو عقيل إِلَى حلب وَبهَا ابْن سيف الدولة، فَترك أُخْته عِنْده وَأرْسل جميلَة بنت نَاصِر الدولة إِلَى بَغْدَاد فاعتقلت فِي حجرَة فِي دَار عضد الدولة.
وفيهَا: توفّي عمرَان بن شاهين صَاحب البطيحة فِي الْمحرم فَجْأَة، كَانَ من أهل الجامدة فجنى جنايات وَخَافَ من السُّلْطَان فهرب إِلَى البطيحة وَأقَام بَين الْقصب وَالْآجَام يَأْكُل من السّمك وطيور يتصيدها، فَاجْتمع إِلَيْهِ صيادون ولصوص فاستفحل أمره وَاتخذ لَهُ معاقل على التلال بالبطيحة وَغلب على تِلْكَ النواحي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثلثمائة فِي أَيَّام معز الدولة، فَأرْسل معز الدولة لقتاله عسكرا مَرَّات فَلم يظفر بِهِ وَمَات معز الدولة وَعَسْكَره محاصر عمرَان، وَتَوَلَّى بختيار فَأمر بِرُجُوع الْعَسْكَر عَنهُ، ثمَّ جرت بَينهمَا حروب فَلم يظفر بختيار بِهِ.
وَلما مَاتَ عمرَان ولي مَكَانَهُ ابْنه الْحسن، فطمع فِيهِ عضد الدولة وَأرْسل إِلَيْهِ عسكرا ثمَّ صَالحه على مَال يحملهُ لعضد الدولة كل سنة.
وفيهَا: سَار عضد الدولة إِلَى بِلَاد أَخِيه فَخر الدولة عَليّ لوحشة جرت بَينهمَا، فهرب
مِنْهُ وَلحق بشمس الْمَعَالِي قَابُوس بن وشكمير فَأكْرمه غَايَة، وَملك عضد الدولة بِلَاد أَخِيه فَخر الدولة وَهِي هَمدَان والري وَمَا بَينهمَا، ثمَّ سَار إِلَى بِلَاد حسبويه الْكرْدِي فاستولى عَلَيْهَا، وَلحق عضد الدولة فِي هَذَا السّفر صرع فكتمه وَكثر نسيانه فَلَا يذكر الشَّيْء إِلَّا بعد جهد وكتم ذَلِك أَيْضا:
قلت:
(مواعظ الدَّهْر لأبنائه
…
مَا بَين مَفْهُوم ومنطوق)
(كم طامع من دهره بالصفا
…
والدهر لَا يصفو لمخلوق)
وَالله أعلم.
وفيهَا: أرسل عضد الدولة جَيْشًا إِلَى الأكراد الهكارية من عمل الْموصل فأوقع بهم وحاصرهم، فتركوا قلاعهم ونزلوا مَعَ الْعَسْكَر إِلَى الْموصل.
وفيهَا: تزوج الطائع ابْنة عضد الدولة.
قلت: وفيهَا: زَاد سعد الدولة أَبُو الْمَعَالِي بن سيف الدولة الْأَذَان حَيّ على خير الْعَمَل وَمُحَمّد وَعلي خير الْبشر.
وفيهَا: توفّي ثَابت بن إِبْرَاهِيم الْحَرَّانِي الحاذق فِي الطِّبّ.
ثمَّ دخلت سنة سبعين وثلثمائة: فِيهَا توفّي الأحدب المزور كتب على خطوط النَّاس فَلَا يشك الْمَكْتُوب عَنهُ أَنه خطه، وَكَانَ عضد الدولة يُوقع بِخَطِّهِ بَين الْمُلُوك الَّذين يُرِيد الْإِيقَاع بَينهم بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَال.
وفيهَا: ورد على عضد الدولة من الْيمن هَدِيَّة فِيهَا قِطْعَة عنبر وَزنهَا سِتَّة وَخَمْسُونَ رطلا بالبغدادي.
وفيهَا: توفّي الْأَزْهَرِي أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْأَزْهَر بن طَلْحَة اللّغَوِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي، لَهُ التَّهْذِيب عشر مجلدات وَغَيره، ومولده سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسبعين وثلثمائة: فِيهَا استولى عضد الدولة على بِلَاد جرجان وطبرستان وَأجلى عَنْهَا قَابُوس وَمَعَهُ فَخر الدولة أَخُو عضد الدولة لِأَنَّهُ طلب مِنْهُ أَخَاهُ فَلم يُسلمهُ إِلَيْهِ.
وفيهَا: قبض عضد الدولة على القَاضِي المحسن بن عَليّ التنوخي الْحَنَفِيّ وَكَانَ يُطلق لِسَانه فِي الشَّافِعِي رَحْمَة اللَّهِ عَلَيْهِ.
وفيهَا: أطلق عضد الدولة أَبَا إِسْحَاق الصابي وَكَانَ قبض عَلَيْهِ سنة سبع وَسِتِّينَ بِسَبَب أَنه كَانَ ينصح فِي المكاتبات لمخدومه بختيار.
قلت: وَهَذَا عَجِيب:
(فَلَيْسَ نصح الْفَتى لصَاحبه
…
من الصِّفَات الَّتِي يذم بهَا)
وَالله أعلم.