الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيهَا: توفّي الشَّيْخ أَبُو حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ إِمَام أَصْحَاب الشَّافِعِي وعمره إِحْدَى وَسِتُّونَ سنة وَأشهر، قدم بَغْدَاد سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ ثلثمِائة وَحضر مجالسه أَكثر من ثلثمِائة فَقِيه وطبق الأَرْض بالأصحاب، وَله مصنفات مِنْهَا: التعليقة الْكُبْرَى فِي الْمَذْهَب، واسفرايين بَلْدَة بنواحي نيسابور.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا غزا يَمِين الدولة مَحْمُود الْهِنْد وَوصل إِلَى قشم وقنوج وَبلغ نهر كنك وَفتح بلادا وغنم وَعَاد إِلَى غزنة.
(ذكر انْقِرَاض الْخلَافَة الأموية من الأندلس وتفرق ممالك الأندلس)
(وأخبار الدولة العلوية بهَا)
فِي هَذِه السّنة خرج على المستعين بِاللَّه سُلَيْمَان بن الحكم الْأمَوِي خيران العامري من القواد من أَصْحَاب الْمُؤَيد وَسَار فِي جمَاعَة كَثِيرَة من الْعَامِرِيين، وَكَانَ عَليّ بن حمود الْعلوِي مستوليا على سبتة وَبَينه وَبَين الأندلس عدوة الْمجَاز، وَكَانَ أَخُوهُ الْقَاسِم بن حمود على الجزيرة الخضراء، وَلما رأى عَليّ بن مَحْمُود خُرُوج خيران على سُلَيْمَان عبر من سبتة إِلَى مالقة وَاجْتمعَ إِلَيْهِ خيران وَغَيره من الخارجين على سُلَيْمَان الْأمَوِي.
وَكَانَ أَمر هِشَام الْمُؤَيد الْخَلِيفَة الْأمَوِي قد اختفى من حِين استولى ابْن عَمه سُلَيْمَان على قرطبة فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة وَأخرج الْمُؤَيد من الْقصر فَلم يطلع للمؤيد على خبر، فَاجْتمع خيران وَغَيره إِلَى عَليّ بن حمود بالمنكب وَهِي بَين المربة ومالقة سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة وَبَايَعُوا عَليّ بن حمود الْعلوِي على طَاعَة الْمُؤَيد الْأمَوِي إِن ظهر خَبره، وَسَار إِلَى سُلَيْمَان بقرطبة واقتتلوا، فَانْهَزَمَ سُلَيْمَان الْأمَوِي وَأسر وأحضر هُوَ وَأَخُوهُ وأبوهما الحكم بن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن النَّاصِر، وَكَانَ الحكم متخليا عَن الْملك لِلْعِبَادَةِ.
وَملك عَليّ بن حمود الْعلوِي قرطبة ودخلها سنة سَبْعَة وَأَرْبَعمِائَة، وَقصد القواد وَعلي بن حمود الْقصر طَمَعا فِي وجود الْمُؤَيد فَلم يقعوا بِخَبَرِهِ، فَقتل عَليّ بن حمود سُلَيْمَان وأباه وأخاه.
وَلما قدم الحكم للْقَتْل قَالَ لَهُ عَليّ بن حمود يَا شيخ قتلتم الْمُؤَيد؟ فَقَالَ: وَالله مَا قَتَلْنَاهُ وَأَنه حَيّ يرْزق، فَقتله سَرِيعا وَأظْهر موت الْمُؤَيد وَبَايع لنَفسِهِ وتلقب بالمتوكل على اللَّهِ وَقيل: النَّاصِر لدين اللَّهِ، وَهُوَ: عَليّ بن حمود بن أبي الْعَيْش مَيْمُون بن أَحْمد بن عَليّ بن عبد اللَّهِ بن عمر بن إِدْرِيس بن إِدْرِيس بن عبيد اللَّهِ بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنهم.
ثمَّ أَن خبران خرج عَن طَاعَته لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَافقه طَمَعا فِي وجود الْمُؤَيد بقصر قرطبة وإعادته إِلَى الْخلَافَة، وَسَار خيران عَن قرطبة يطْلب أحدا من بني أُميَّة يقيمه فِي الْخلَافَة، وَبَايع أمويا ولقبه المرتضى وَهُوَ: عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن عبد الرَّحْمَن
النَّاصِر كَانَ فِي جيان مستخفيا، وَاجْتمعَ إِلَى عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور أهل شاطبة وبلنسيه وطرطوشه مخالفين على عَليّ بن حمود.
فَلم يَنْتَظِم لعبد الرَّحْمَن أَمر، وَجمع عَليّ بن حمود جموعه وقصدهم من قرطبة وبرز العساكر إِلَى ظَاهرهَا، وَدخل الْحمام ليخرج ويسير فَوَثَبَ غلمانه وقتلوه فِي الْحمام فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعمِائَة وَهُوَ ابْن ثَمَان وَأَرْبَعين سنة وولايته سنة وَتِسْعَة أشهر، فَدخلت العساكر الْبَلَد.
ثمَّ ولي بعده أَخُوهُ الْقَاسِم بن حمود أكبر من عَليّ بِعشْرين سنة وتلقب بالمأمون، وَملك قرطبة وَغَيرهَا إِلَى سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَأَرْبَعمِائَة.
ثمَّ سَار الْقَاسِم من قرطبة إِلَى أشبيلية، فَخرج عَلَيْهِ ابْن أَخِيه يحيى بن عَليّ بن حمود بقرطبة ودعا إِلَى نَفسه وخلع عَمه، فَأَجَابُوهُ فِي مستهل جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وتلقب يحيى بالمعتلي، وَبَقِي بقرطبة حَتَّى سَار إِلَيْهِ عَمه الْقَاسِم من أشبيلية فَخرج يحيى عَن قرطبة إِلَى مالقه والجزيرة الخضراء فاستولى عَلَيْهِمَا سنة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فِي ذِي الْقعدَة وَدخل الْقَاسِم بن حمود قرطبة فِي التَّارِيخ.
وَجرى بَين أهل قرطبة وَبَين الْقَاسِم قتال وأخرجوه عَن قرطبة وَبَقِي بَينهم الْقِتَال نيفا وَخمسين يَوْمًا، ثمَّ هزموا الْقَاسِم وتفرق عَنهُ عسكره وَسَار إِلَى شريش فقصده ابْن أَخِيه يحيى وأمسكه وحبسه حَتَّى مَاتَ الْقَاسِم مَحْبُوسًا بعد موت يحيى.
وَلما جرى ذَلِك خرج أهل أشبيلية عَن طَاعَة الْقَاسِم وَابْن أَخِيه يحيى وَقدمُوا عَلَيْهِم قَاضِي أشبيلية أَبَا الْقَاسِم مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عباد اللَّخْمِيّ وَبَقِي إِلَيْهِ أَمر أشبيلية، وَكَانَت ولَايَة الْقَاسِم بن مَحْمُود بقرطبة إِلَى أَن أمسك وَحبس ثَلَاثَة أَعْوَام وشهورا وَبَقِي مَحْبُوسًا حَتَّى مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَقد أسن.
وَقدم أهل قرطبة عبد الرَّحْمَن بن هِشَام بن عبد الْجَبَّار بن عبد الرَّحْمَن النَّاصِر ولقب بالمستظهر بِاللَّه وَهُوَ أَخُو الْمهْدي مُحَمَّد بن هِشَام وبويع فِي رَمَضَان وقتلوه فِي ذِي الْقعدَة كل ذَلِك فِي سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة، فبويع بالخلافة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبيد اللَّهِ بن عبد الرَّحْمَن النَّاصِر ولقب بالمستكفي، ثمَّ خلع بعد سنة وَأَرْبَعَة أشهر فهرب وسم فِي الطَّرِيق فَمَاتَ.
ثمَّ اجْتمع أهل قرطبة على طَاعَة يحيى بن عَليّ بن حمود الْعلوِي وَكَانَ بمالقة يخْطب لَهُ بالخلافة، ثمَّ خَرجُوا عَن طَاعَته سنة ثَمَان عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَبَقِي يحيى كَذَلِك مُدَّة، ثمَّ سَار من مالقة إِلَى قرمونه وَأقَام بهَا محاصرا لأشبيلية، وَخرجت للْقَاضِي ابْن عباد خيل وَكَمن بَعضهم فَركب يحيى لقتالهم فَقتل فِي المعركة فِي الْمحرم سنة سبع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة.
وَلما خلع أهل قرطبة طَاعَة يحيى بَايعُوا لهشام بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن عبد الرَّحْمَن النَّاصِر الْأمَوِي ولقبوه بالمعتمد بِاللَّه سنة ثَمَان عشرَة وَأَرْبَعمِائَة حَسْبَمَا ذكرنَا. وَجرى فِي أَيَّامه فتن وخلافات فِي الأندلس حَتَّى خلع هِشَام الْمَذْكُور سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة، وَسَار مخلوعا إِلَى سُلَيْمَان بن هود الجذامي فَأَقَامَ عِنْده حَتَّى مَاتَ هِشَام سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة.
ثمَّ أَقَامَ أهل قرطبة بعد هِشَام شخصا من ولد عبد الرَّحْمَن النَّاصِر اسْمه أُميَّة وَقَالُوا لَهُ: نخشى عَلَيْك أَن تقتل وَأَن السَّعَادَة قد ولت عَنْكُم يَا بني أُميَّة، فَقَالَ: بايعوني الْيَوْم واقتلوني غَدا فَلم يَنْتَظِم أمره واختفى فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ.
ثمَّ اقتسم الأندلس أَصْحَاب الْأَطْرَاف والرؤساء، فَملك قرطبة أَبُو الْحسن بن جهور من وزراء الدولة العامرية وَاسْتمرّ كَذَلِك حَتَّى مَاتَ سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة، ووليها بعده ابْنه أَبُو الْوَلِيد مُحَمَّد.
وَملك أشبيلية قاضيها أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عباد اللَّخْمِيّ من ولد النُّعْمَان بن الْمُنْذر.
وَلما تقسمت الأندلس شاع ظُهُور الْمُؤَيد هِشَام بن الحكم من الاختفاء وَأَنه سَار إِلَى قلعة رَبَاح فأطاعه أَهلهَا، فاستدعاه ابْن عباد إِلَى أشبيلية فَسَار إِلَيْهِ وَقَامَ بنصره وَكتب بظهوره إِلَى ممالك الأندلس، فَأجَاب أَكْثَرهم وخطبوا لَهُ وجددت بيعَته فِي الْمحرم سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة، وبقى الْمُؤَيد حَتَّى ولي المعتضد بن عباد فأظهر موت الْمُؤَيد، وَالصَّحِيح أَن الْمُؤَيد لم يظْهر مُنْذُ عدم من قرطبة فِي سنة ثَلَاث ورأبعمائة وَإِنَّمَا ذَلِك من تمويهات ابْن عباد.
وَأما بطليوس: فَقَامَ بهَا سَابُور الْفَتى العامري وتلقب بالمنصور، ووليها بعده أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد اللَّهِ بن مسلمة بن الْأَفْطَس وتلقب بالمظفر وَأَصله من بربر مكناسة لَكِن ولد أَبوهُ بالأندلس، ووليها بعد مُحَمَّد ابْنه عمر وتلقب بالمتوكل واتسع ملكه وَقتل صبرا مَعَ ولديه الْفضل وَالْعَبَّاس عِنْد تغلب أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين على الأندلس.
وَأما طليطلة: فوليها ابْن يعِيش، ثمَّ إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن عَامر بن ذِي النُّون وتلقب بالظافر بحول اللَّهِ وَهُوَ من البربر، ووليها بعده ابْنه يحيى، ثمَّ أخذت الفرنج طليطلة مِنْهُ سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَاقْتصر هُوَ على بلنسية إِلَى أَن قَتله القَاضِي بن جحاف الْأَحْنَف.
وَأما سرقسطة والثغر الْأَعْلَى: فَكَانَت بيد مُنْذر بن يحيى، ثمَّ ابْنه يحيى ثمَّ سُلَيْمَان بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن هود الجذامي وتلقب بالمستعين بِاللَّه، ثمَّ ابْنه أَحْمد ثمَّ ابْنه عبد الْملك، ثمَّ ابْنه أَحْمد وتلقب بالمنتصر بِاللَّه وَعَلِيهِ انقرضت دولتهم على رَأس الْخَمْسمِائَةِ فَصَارَت بِلَادهمْ كلهَا للملثمين.
وَأما طرطوشة: فوليها لَبِيب الْفَتى العامري.
وَأما بلنسيه: فَكَانَت بيد الْمَنْصُور أبي الْحُسَيْن عبد الْعَزِيز الْمعَافِرِي ثمَّ انضاف إِلَيْهِ المرية، ثمَّ ابْنه مُحَمَّد، ثمَّ غدر بِهِ صهره الْمَأْمُون بن ذِي النُّون وَأخذ الْملك سنة سبع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة.
وَأما السهلة: فملكها عبود بن رزين الْبَرْبَرِي. وَأما دانية والجزائر: فَصَارَت بيد الْمُوفق بن الْحُسَيْن مُجَاهِد العامري.
وَأما مرسية: فوليها بَنو طَاهِر واستقامت لعبد الرَّحْمَن مِنْهُم إِلَى أَن أَخذهَا مِنْهُ المعتضد بن عباد، ثمَّ عصى بهَا نائبها عَلَيْهِ، ثمَّ صَار للملثمين.
وأماس المرية: فملكها خيران العامري، ثمَّ زُهَيْر العامري واتسع ملكه إِلَى شاطبة، ثمَّ قتل وَصَارَت مَمْلَكَته للمنصور بن عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن الْمَنْصُور بن أبي عَامر، ثمَّ تنقلت حَتَّى صَارَت للملثمين.
وَأما مالقه: فملكها بَنو عَليّ بن حمود الْعلوِي فَلم تزل للعلويين يخْطب لَهُم فِيهَا بالخلافة إِلَى أَن أَخذهَا مِنْهُم باديس بن حيوس صَاحب غرناطة.
وَأما غرناطة: فملكها حيوس بن ماكس الصنهاجي.
هَذِه تَفْرِقَة ممالك الأندلس.
ونظم أَبُو طَالب عبد الْجَبَّار الأندلسي من جَزِيرَة شقر أرجوزة فِي فنون من الْعُلُوم، مِنْهَا فِي التَّارِيخ قَوْله:
(لما رأى أَعْلَام أهل قرطبة
…
أَن الْأُمُور عِنْدهم مضطربة)
(وعدمت شاكلة للطاعة
…
اسْتعْملت آراءها الْجَمَاعَة)
(فقدموا الشَّيْخ من آل جهور
…
المكتني بالحزم والتدبر)
(ثمَّ ابْنه أَبَا الْوَلِيد بعده
…
وَكَانَ يحذو فِي السداد قَصده)
(فجاهرت بجورها الجهارة
…
وكل قطر حل فِيهِ فاقره)
(والثغر الْأَعْلَى قَامَ فِيهِ مُنْذر
…
ثمَّ ابْن هود بعد فِيمَا يذكر)
(وَابْن يعِيش ثار فِي طليطلة
…
ثمَّ ابْن ذِي النُّون تصفى الْملك لَهُ)
(وَفِي بطليوس انتزي سَابُور
…
وَبعده ابْن الْأَفْطَس الْمَنْصُور)
(وثار فِي حمص بَنو عباد
…
وَالْكذب والفتون فِي ازدياد)
(وثار فِي غرناطة حيوس
…
ثمَّ ابْنه من بعده باديس)
(وَآل معن ملكوا المرية
…
بسيرة محمودة مرضيه)
(وثار فِي شَرق الْبِلَاد الفتيان
…
العامريون وَمِنْهُم خيران)
(ثمَّ زُهَيْر والفتى لَبِيب
…
وَمِنْهُم مُجَاهِد اللبيب)