الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(جبرت يَا عائدتي بالصلة
…
فتممي الْإِحْسَان تَنْفِي الوله)
(وَهَذِه قد حسبت زوره
…
لم أَنْت يَا كعبة مستجلة)
وَقَوْلِي تورية فِي الْمثل الْمَشْهُور:
(من كَانَ مردودا بِعَيْب فقد
…
ردتني الغيد بعيبين)
(الرَّأْس واللحية شَابًّا مَعًا
…
عاقبني الدَّهْر بشيبين)
ولي من هَذَا كثير وَلَكِن فرق بَين تِلْكَ الثريا وَهَذَا الثرى، وَالله اعْلَم.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة: وفيهَا: سَار قَحْطَبَةَ فِي جَيش كَبِير من خُرَاسَان طَالبا يزِيد بن هُبَيْرَة أَمِير الْعرَاق من جِهَة مَرْوَان حَتَّى قطع الْفُرَات والتقيا، فَانْهَزَمَ ابْن هُبَيْرَة، وَعدم قَحْطَبَةَ، قيل: غرق، وَقيل وجد قَتِيلا، وَقَامَ بِالْأَمر الْحسن بن قَحْطَبَةَ.
(أَخْبَار أبي الْعَبَّاس السفاح)
وفيهَا: بُويِعَ أَبُو الْعَبَّاس السفاح عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد اللَّهِ بن الْعَبَّاس بالخلافة فِي ربيع الأول وَقيل: ربيع الآخر بِالْكُوفَةِ بعد مسيره من الحمية، وَسبب مسيره من الحميمة: أَن إِبْرَاهِيم الإِمَام لما أمْسكهُ مَرْوَان نعى نَفسه إِلَى أهل بَيته وَأمرهمْ بِالْمَسِيرِ إِلَى أهل الْكُوفَة مَعَ اخيه السفاح وبالسمع لَهُ وَالطَّاعَة، وَأوصى بالخلافة إِلَى أَخِيه السفاح.
وَسَار السفاح بِأَهْل بَيته مِنْهُم أَخُوهُ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور وَغَيره إِلَى الْكُوفَة فَقَدمهَا فِي صفر واستخفى، ثمَّ ظهر فِي ربيع الأول وسلموا عَلَيْهِ بالخلافة وَعَزوه فِي أَخِيه إِبْرَاهِيم الإِمَام، وَدخل دَار الْإِمَارَة بِالْكُوفَةِ يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر ربيع الأول مِنْهَا، ثمَّ خرج وخطب وَصلى بِالنَّاسِ، ثمَّ صعد الْمِنْبَر ثَانِيًا، وَصعد عَمه دَاوُد بن عَليّ فَقَامَ دونه وخطبا النَّاس وحضاهم على الطَّاعَة، ثمَّ نزل وَعَمه أَمَامه وَدخل قصر الْإِمَامَة وأجلس أَخَاهُ أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور فِي الْمَسْجِد يُبَايع النَّاس.
ثمَّ خرج السفاح فَعَسْكَرَ بحمام أعين واستخلف على الْكُوفَة عَمه دَاوُد، وحاجب السفاح يَوْمئِذٍ عبد اللَّهِ بن بسام.
ثمَّ بعث عَمه عبد اللَّهِ بن عَليّ بن عبد اللَّهِ بن عَبَّاس إِلَى شهرزور وَأَهْلهَا مطيعون لَهُ وَبهَا من جِهَة بني الْعَبَّاس أَبُو عون عبد اللَّهِ بن يزِيد الْأَزْدِيّ، وَبعث ابْن أَخِيه عِيسَى بن مُوسَى بن مُحَمَّد إِلَى الْحسن بن قَحْطَبَةَ، وَهُوَ يحاصر ابْن هُبَيْرَة بواسط، وَبعث يحيى بن جَعْفَر بن تَمام بن عَبَّاس إِلَى حميد بن قَحْطَبَةَ أخي الْحسن بِالْمَدَائِنِ، وَأقَام السفاح فِي المعسكر أشهرا، ثمَّ ارتحل فَنزل هاشمية الْكُوفَة بقصر الْإِمَارَة.
(أَخْبَار مَرْوَان إِلَى أَن قتل)
كَانَ مَرْوَان آخر خلفاء بني أُميَّة ويلقب الْجَعْدِي وحمار الجزيرة أَيْضا بحران، فَسَار يطْلب أَبَا عون عبد اللَّهِ بن يزِيد الْأَزْدِيّ المستولي على شهرزور من جِهَة بني الْعَبَّاس،
فوصل مَرْوَان إِلَى الزاب وَنزل بِهِ وحفر عَلَيْهِ خَنْدَقًا وَكَانَ فِي مائَة ألف وَعشْرين ألفا، وَسَار أَبُو عون من شهرزور إِلَى الزاب بِمَا عِنْده من الْمَجْمُوع وأردفه السفاح بعساكر مَرَّات مَعَ مقدمين مِنْهُم سَلمَة بن مُحَمَّد وَعبد اللَّهِ الطَّائِي وَعم السفاح عبد اللَّهِ، وَلما قدم عَمه على أبي عون تحول أَبُو عون عَن سرادقة وخلاه لَهُ وَمَا فِيهِ.
ثمَّ أَن مَرْوَان عقدا جِسْرًا على الزاب وَعبر إِلَى جِهَة عبد اللَّهِ بن عَليّ، فَسَار عبد اللَّهِ إِلَى مَرْوَان وَجعل على ميمنته أَبَا عون وعَلى ميسرته الْوَلِيد بن مُعَاوِيَة وَكَانَ عَسْكَر عبد اللَّهِ عشْرين ألفا وَقيل: أقل، والتقوا وَاشْتَدَّ الْقِتَال وداخل الفشل عَسْكَر مَرْوَان واختل كل أَمر أَرَادَهُ حَتَّى انهزم وغرق من أَصْحَابه خلق مِنْهُم: إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد بن عبد الْملك المخلوع. وَكتب عبد اللَّهِ إِلَى ابْن أَخِيه السفاح بِالْفَتْح وحوى من المنهزمين أسلحة والهزيمة يَوْم السبت لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت من جُمَادَى الْآخِرَة من سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة.
وَلما انهزم مَرْوَان من الزاب أَتَى الْموصل، فَسَبهُ أَهلهَا وَقَالُوا: يَا جعدي الْحَمد لله الَّذِي أَتَانَا بِأَهْل بَيت نَبينَا، فَأتى حران وَأقَام بهَا نيفا وَعشْرين يَوْمًا حَتَّى دنا مِنْهُ عَسْكَر السفاح فَحمل مَرْوَان أَهله وَانْهَزَمَ إِلَى حمص، وَقدم عبد اللَّهِ بن عَليّ حران.
ثمَّ سَار مَرْوَان من حمص وأتى دمشق، ثمَّ سَار إِلَى فلسطين.
وَكَانَ السفاح قد كتب إِلَى عَمه عبد اللَّهِ بن عَليّ بِاتِّبَاع مَرْوَان، فَسَار فِي أثر مَرْوَان إِلَى دمشق فحاصرها ودخلها عنْوَة يَوْم الْأَرْبَعَاء لخمس مضين من رَمَضَان مِنْهَا، وَأقَام بِدِمَشْق خَمْسَة عشر يَوْمًا. ثمَّ أَتَى فلسطين فورد عَلَيْهِ كتاب السفاح بإرسال أَخِيه صَالح بن عَليّ بن عبد اللَّهِ بن عَبَّاس فِي طلب مَرْوَان، فَسَار صَالح فِي ذِي الْقعدَة مِنْهَا حَتَّى نزل نيل مصر ومروان مُنْهَزِم قدامه، وأدركه فِي كَنِيسَة بوصير من أَعمال مصر، وَانْهَزَمَ أَصْحَاب مَرْوَان، وَطعن إِنْسَان مَرْوَان بِرُمْح فَقتله، وَسبق كُوفِي كَانَ يَبِيع الرُّمَّان فاحتز رَأس مَرْوَان لثلاث بَقينَ من ذِي الْحجَّة مِنْهَا.
وأحضر الرَّأْس قُدَّام صَالح بن عَليّ بن عبد اللَّهِ بن الْعَبَّاس، فَأمر أَن ينفض فَسقط لِسَانه فَأَخَذته هرة، وارسله صَالح إِلَى أبي الْعَبَّاس وَقَالَ:
(قد فتح اللَّهِ مصرا عنْوَة لَكِن
…
وَأهْلك الْفَاجِر الْجَعْدِي إِذْ ظلما)
(وَذَاكَ مقوله هُوَ يجرجره
…
وَكَانَ رَبك من ذِي الْكفْر منتقما)
ثمَّ رَجَعَ صَالح إِلَى الشَّام وَخلف أَبَا عون بِمصْر وَلما وصل الرَّأْس إِلَى السفاح بِالْكُوفَةِ سجد شكرا.
وهرب عبد اللَّهِ وَعبيد اللَّهِ ابْنا مَرْوَان إِلَى الْحَبَشَة، فَقَاتلهُمْ الْحَبَشَة فَقتل عبيد اللَّهِ وَنَجَا عبد اللَّهِ فِي عدَّة مِمَّن مَعَه، وَبَقِي إِلَى خلَافَة الْمهْدي فَأَخذه نصر بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث عَامل فلسطين وَبعث بِهِ إِلَى الْمهْدي.
وحملت نسَاء مَرْوَان وَبنَاته بعد قَتله إِلَى صَالح بن عَليّ، فحملهن إِلَى حران فَلَمَّا دخلنها ورأين منَازِل مَرْوَان رفعن أصواتهن بالبكاء.
وَعمر مَرْوَان اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة، وخلافته خمس سِنِين وَعشرَة أشهر وَنصف يكنى أَبَا عبد الْملك، وَأمه أم ولد كردية، وَتعلم من الْجَعْد بن دِرْهَم مذْهبه فِي القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَالْقدر فلقب الْجَعْدِي، وَكَانَ أَبيض أسهل ضخم الهامة كث اللِّحْيَة أبيضها ربعَة شجاعا حازما إِلَّا أَن مدَّته انْقَضتْ فَلم يَنْفَعهُ حزمه.
وَدخل سديف على السفاح وَعِنْده سُلَيْمَان بن هِشَام بن عبد الْملك وَقد أَمنه وأكرمه فَأَنْشد:
(لَا يغرنك مَا ترى من رجال
…
أَن بَين الضلوع دَاء دويا)
(فضع السَّيْف وارفع الصَّوْت حَتَّى
…
لَا ترى فَوق ظهرهَا أمويا)
فَأمر السفاح بِسُلَيْمَان فَقتل:
وَدخل شبْل بن عبد اللَّهِ مولى بني هَاشم على عَم السفاح عبد اللَّهِ بن عَليّ وَقد اجْتمع عِنْده من بني أُميَّة نَحْو تسعين رجلا فَأَنْشد:
(أصبح الْملك ثَابت الأساس
…
بالبهاليل من بني الْعَبَّاس)
(طلبُوا وتر هَاشم فشفوها
…
بعد ميل من الزَّمَان وباس)
(لَا تقلين عبد شمس عثارا
…
واقطعن كل رقلة وغراس)
(ذلها أظهر التودد مِنْهَا
…
وَبهَا مِنْكُم كَحَد المواسي)
(وَلَقَد سَاءَنِي وساء سوأتي
…
قربهم من نمارق وكراسي)
(أنزلوها بِحَيْثُ أنزلهَا اللَّهِ
…
بدار الهوان والإتعاس)
(واذكرا مصرع الْحُسَيْن وزيدا
…
وقتيلا بِجَانِب المهراس)
(والقتيل الَّذِي بحران أضحى
…
ثاويا بَين غربَة وتناسي)
فَأمر عبد اللَّهِ بهم فَضربُوا بالعمد حَتَّى وَقَعُوا وَبسط عَلَيْهِم الأنطاع وَمد عَلَيْهِم الطَّعَام وَأكل النَّاس الطَّعَام وهم يسمعُونَ أنينهم حَتَّى مَاتُوا جَمِيعًا، وَأمر عبد اللَّهِ بنبش قُبُور بني أُميَّة بِدِمَشْق، وَتبع قتل بني أُميَّة فَلم يفلت إِلَّا رَضِيع أَو من هرب إِلَى الأندلس.
وَقتل سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس بِالْبَصْرَةِ جمَاعَة من بني أُميَّة وألقاهم فِي الطَّرِيق تأكلهم الْكلاب، فتشتت من بَقِي مِنْهُم وَاخْتلفُوا فِي الْبِلَاد. أَبُو الْورْد بن الْكَوْثَر وَكَانَ من أَصْحَاب مَرْوَان طَاعَة بني الْعَبَّاس فَسَار إِلَيْهِ عبد اللَّهِ عَم السفاح وَهُوَ بِقِنِّسْرِينَ فِي جمع عَظِيم فَاقْتَتلُوا شَدِيدا وَكَثُرت الْقَتْلَى، ثمَّ ثَبت أَبُو الْورْد حَتَّى قتل وَانْهَزَمَ أَصْحَابه، وجدد عَم السفاح بيعَة أهل قنسرين وَعَاد إِلَى دمشق، وَكَانَ خرج من بهَا عَن الطَّاعَة ونهبوا أهل عبد اللَّهِ عَم السفاح ثمَّ هربوا مِنْهُ، ثمَّ آمنهم.