الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة وعمره اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة بِمَدِينَة ساوة، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: مَاتَ بشيراز وقبره بهَا، وَكَانَ كثيرا مَا ينشد:
(إِذا بل من دَاء بِهِ ظن أَنه
…
يجاوبه الدَّاء الَّذِي هُوَ قَاتله)
وسيبويه فَارسي مَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: رَائِحَة التفاح لجمال صورته.
وَله مَعَ الْكسَائي الْبَحْث الْمَشْهُور فِي قَوْلك: كنت أَظن أَن الزنبور أَشد لسعا من النحلة، قَالَ سِيبَوَيْهٍ: فَإِذا هُوَ هِيَ، وَقَالَ الْكسَائي: فَإِذا هُوَ إِيَّاهَا. وانتصر الْأمين بن الرشيد لمعلمه الْكسَائي وتعصبوا على سِيبَوَيْهٍ، فسافر إِلَى فَارس فَمَاتَ بقرية البيضا من قرى شيزار.
قلت: وَقيل إِن وِلَادَته بالبيضاء لَا وَفَاته، وَكَانَ فِي لِسَانه حبسة فَعلمه أبلغ من لِسَانه، وزار يَوْمًا أستاذة الْخَلِيل فَقَالَ: مرْحَبًا بزائر لَا يمل، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا غزا الرشيد الرّوم:، فَافْتتحَ حصن الصفصاف.
وفيهَا: توفّي عبد اللَّهِ بن المبرك الْمروزِي وعمره ثَلَاث وَسِتُّونَ.
وفيهَا: توفّي مَرْوَان بن أبي حَفْصَة الشَّاعِر، وَولد سنة خمس وَمِائَة.
وفيهَا: توفّي القَاضِي أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم من ولد سعد بن خَيْثَمَة، وَسعد صَحَابِيّ أَنْصَارِي وَهُوَ سعد بن يحيى واشتهر بِأُمِّهِ، وَأَبُو يُوسُف أكبر أَصْحَاب أبي حنيفَة.
قلت: وَنَشَأ يَتِيما، وطالت على أمه صحبته لأبي حنيفَة وإعراضه عَن تعلم حِرْفَة فَحَضَرت عِنْده وعاتبته على ذَلِك، فَقَالَ: مري يَا رعناء هَا هُوَ ذَا يتَعَلَّم أكل الفالوذج بدهن الفستق، فَلَمَّا كبر وَأكله عِنْد الرشيد ذكر ذَلِك لَهُ فتعجب مِنْهُ.
وَسَأَلَهُ الرشيد عَن إِمَام شَاهد رجلا يَزْنِي هَل يحده؟ قَالَ: لَا، فَسجدَ الرشيد وَقَالَ: من أَيْن قلت هَذَا؟ قَالَ: لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
قَالَ: " ادرؤا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ "، وَهَذِه شُبْهَة يسْقط الْحَد مَعهَا، قَالَ: وَأي شُبْهَة مَعَ المعاينة؟ قَالَ: لَيْسَ توجب المعاينه لذَلِك أَكثر من الْعلم بِمَا جرى وَالْحُدُود لَا تكون بِالْعلمِ، فَسجدَ مرّة أُخْرَى، وَحصل لَهُ بِهَذِهِ من الرشيد وَمن المستفتي فِيهِ وَمن أمه وجماعته مَال
جزيل، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا مَاتَ جَعْفَر الطَّيَالِسِيّ الْمُحدث.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا توفّي مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنهم بِبَغْدَاد فِي حبس الرشيد، حكت أُخْت سجانه السندي بن شاهك وَكَانَ تلِي خدمته أَن الكاظم كَانَ إِذا صلى الْعَتَمَة حمد اللَّهِ ومجده وَدعَاهُ إِلَى أَن يَزُول اللَّيْل، ثمَّ يقوم يُصَلِّي حَتَّى يطلع الصُّبْح فَيصَلي الصُّبْح، ثمَّ يذكر اللَّهِ حَتَّى تطلع الشَّمْس، ثمَّ يقْعد إِلَى ارْتِفَاع
الضُّحَى، ثمَّ يرقد وَيَسْتَيْقِظ قبل الزَّوَال، ثمَّ يتَوَضَّأ وَيُصلي حَتَّى يُصَلِّي الْعَصْر، ثمَّ يذكر اللَّهِ حَتَّى يُصَلِّي الْمغرب، ثمَّ يُصَلِّي مَا بَين الْمغرب وَالْعَتَمَة، فَكَانَ هَذَا دأبه إِلَى أَن مَاتَ رَحْمَة اللَّهِ عَلَيْهِ.
سمي الكاظم: لإحسانه إِلَى من يسيء إِلَيْهِ، وَهُوَ سَابِع الْأَئِمَّة الاثنى عشر على رَأْي الإمامية، ولد سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة، وقبره عَلَيْهِ مشْهد عَظِيم بالجانب الغربي من بَغْدَاد.
قلت: وأقدمه الْمهْدي بَغْدَاد من الْمَدِينَة وحبسه فَرَأى فِي النّوم عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه وَهُوَ يَقُول: " يَا مُحَمَّد فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم ". فانتبه لَيْلًا وأحضر مُوسَى وعانقه وَأخْبرهُ بالمنام وَقَالَ: تؤمنني أَن تخرج عَليّ وعَلى أحد من وَلَدي "، فَقَالَ: وَالله لَا فعلت ذَلِك وَلَا هُوَ من شأني، فَأعْطَاهُ ثَلَاثَة آلَاف دِينَار ورده إِلَى الْمَدِينَة، وَأقَام بهَا إِلَى أَيَّام هَارُون، وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي يُونُس بن حبيب النَّحْوِيّ وَقد نَيف على الْمِائَة، أَخذ الْعلم عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء وروى عَنهُ سِيبَوَيْهٍ، وَله قِيَاس فِي النَّحْو.
قلت: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: اخْتلف إِلَيْهِ أَرْبَعِينَ سنة أملأ كل يَوْم ألواحي من حفظه، وَكَانَ من أهل جبل - بِفَتْح الْجِيم وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة - وَهِي على دجلة وَكَانَ لَا يحب نسبته إِلَيْهَا، فَلَقِيَهُ عميري وَقَالَ: مَا تَقول فِي جبل ينْصَرف أم لَا؟ فشتمه يُونُس خلْوَة وَأَتَاهُ الْعمريّ خلْوَة، وَأَتَاهُ العميري من الْغَد وَهُوَ جَالس للنَّاس فَقَالَ: مَا تَقول فِي جبل ينْصَرف أم لَا؟ فَقَالَ: الْجَواب مَا قلت لَك أمس، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا ولى الرشيد حمادا الْبَرْبَرِي الْيمن وَمَكَّة، وَدَاوُد بن يزِيد بن مرْثَد المهلبي السَّنَد، وَيحيى الجرشِي الْجَبَل، ومهرويه الرَّازِيّ طبرستان، وَإِبْرَاهِيم بن الْأَغْلَب إفريقية، وَكَانَ على أَعمال الْموصل يزِيد بن مزِيد بن زَائِدَة الشَّيْبَانِيّ.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا مَاتَ عَم الْمَنْصُور عبد الصَّمد بن عَليّ بن عبد اللَّهِ بن عَبَّاس وَهُوَ بِمَنْزِلَة يزِيد بن مُعَاوِيَة إِلَى عبد منَاف، وَبَين مَوْتهمَا مَا يزِيد على مائَة وَعشْرين سنة.
وفيهَا: مَاتَ يزِيد بن مزِيد الشَّيْبَانِيّ ابْن أخي معن.
ثمَّ دخلت سنة وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَسنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا أوقع الرشيد بالبرامكة وَقتل جَعْفَر بن يحيى بالأنبار مستهل صفر وعمره سبع وَثَلَاثُونَ سنة، وَسَببه عِنْد الْأَكْثَر: كَونه زوجه أُخْته عباسة ليحل لَهُ النّظر إِلَيْهَا وَشرط أَن لَا يقربهَا، فَوَطِئَهَا وحبلت مِنْهُ بِغُلَام، وَقيل: بل حبس الرشيد يحيى بن عبد اللَّهِ بن الْحسن بن الْحسن رضي الله عنهم عِنْد جَعْفَر فَأَطْلقهُ، وَقيل عظم واشتهر أَمر البرامكة وأحبهم النَّاس، والملوك على مثل ذَلِك لَا تصبر، وَبعث بِرَأْس جَعْفَر وجيفته إِلَى بَغْدَاد وَنصب رَأسه على الجسر وَجعل جيفته قطعتين على
الجسرين وأحاط بِيَحْيَى وَولده وَجَمِيع أنسابه واخذ جَمِيع مَا يملكونه، وَلم يتَعَرَّض لمُحَمد بن خَالِد بن برمك وَولده لبراءته عِنْده، وَمُدَّة وزارتهم سبع عشرَة سنة، وَفِي ذَلِك يَقُول الرقاشِي وَقيل: أَبُو نؤاس قصيدة مِنْهَا:
(وَقل للمنايا قد ظَفرت بِجَعْفَر
…
وَلم تظفري من بعده بمسود)
(وَقل للعطايا بعد فضل تعطلي
…
وَقل للرزايا كل يَوْم تجددي)
(ودونك سَيْفا برميكا مهندا
…
أُصِيب بِسيف هاشمي مهند)
وَقَالَ يحيى: الدُّنْيَا دوَل، وَالْمَال عَارِية، وَلنَا بِمن قبلنَا أُسْوَة، وَفينَا لمن بَعدنَا عِبْرَة.
وفيهَا: خلع الرّوم ملكتهم زيني وملكوا بدلهَا تقفور، فَكتب إِلَى الرشيد: من تقفور ملك الرّوم إِلَى هَارُون ملك الْعَرَب، وَأما بعد: فَإِن الملكة الَّتِي كَانَت قبلي أقامتك مقَام الرخ وأقامت نَفسهَا مقَام البيدق فَحملت إِلَيْك من أموالها مَا كنت حَقِيقا بِحمْل أضعافه إِلَيْهَا لَكِن ذَلِك من ضعف النِّسَاء وحمقهن، فَإِذا قَرَأت كتابي هَذَا ارْدُدْ مَا حصل لَك من أموالها وَإِلَّا السَّيْف بَيْننَا وَبَيْنك. وَكتب الرشيد فِي ظهر الْكتاب: بِسم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم من هَارُون أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى تقفور كلب الرّوم وَقد قَرَأت كتابك يَا ابْن الْكَافِرَة وَالْجَوَاب مَا ترَاهُ لَا مَا تسمعه.
ثمَّ سَار الرشيد من يَوْمه حَتَّى نزل على هرقلة فَفتح وغنم وَخرب، فَسَأَلَهُ تقفور الْمُصَالحَة على خراج يحملهُ كل سنة فَأَجَابَهُ.
وفيهَا: توفّي الفضيل بن عِيَاض الزَّاهِد، ومولده بسمرقند.
وفيهَا: توفّي أَبُو مُسلم معَاذ الهراء النَّحْوِيّ، وَعنهُ أَخذ الْكسَائي، وَولد أَيَّام يزِيد بن عبد الْملك.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا توفّي الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف الشَّاعِر.
قلت: قَالَ بشار بن برد: مَا زَالَ غُلَام من بني حنيفَة - يَعْنِي الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف - يدْخل نَفسه فِينَا وَنحن نخرجهُ منا، حَتَّى قَالَ:
(يَا أَيهَا الرجل المعذب نَفسه
…
أقصر فَإِن شفاءك الإقصار)
(نزف الْبكاء دموع عَيْنك فاستعر
…
عينا يعينك دمعها المدرار)
(من ذَا يعيرك عينه تبْكي بهَا
…
أَرَأَيْت عينا للبكاء تعار)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا توفّي أَبُو الْحسن عَليّ بن حَمْزَة بن عبد اللَّهِ بن فَيْرُوز الْكسَائي أحد الْقُرَّاء السَّبْعَة نحوي لغَوِيّ، دخل الْكُوفَة وأتى حَمْزَة الزيات ملتفا بكساء وَقيل: بل أحرم بكساء فَقيل الْكسَائي.
وفيهَا: سَار الرشيد إِلَى الرّيّ وَأقَام أَرْبَعَة أشهر وَرجع فِي ذِي الْحجَّة وأحرق جثة