الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدولة وَعَسْكَره وَالنَّاس حَضَرُوا إِلَى دَار الْخَلِيفَة بِسَبَب وُصُول رَسُول صَاحب خُرَاسَان، فأجلس الْخَلِيفَة معز الدولة على كرْسِي، ثمَّ حضر رجلَانِ من نقباء الديلم وتناولا يَد المستكفي بِاللَّه فظنهما يقبلانها، فجذباه عَن سَرِيره وَجعلا عمَامَته فِي عُنُقه ونهض معز الدولة واضطرب النَّاس وساقا المستكفي مَاشِيا إِلَى دَار معز الدولة فاعتقل بهَا ونهبت دَار الْخَلِيفَة، وَخِلَافَة المستكفي أَرْبَعَة أشهر.
(أَخْبَار الْمُطِيع بن المقتدر)
وبويع الْمُطِيع وَهُوَ ثَالِث عشرهم فِي ثَانِي عشري جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا وَسلم إِلَيْهِ المستكفي فسلمة وأعماه وَبَقِي مَحْبُوسًا حَتَّى مَاتَ، وَأمه غُصْن أم ولد. وَاسم الْمُطِيع الْمفضل بن المقتدر.
وازداد أَمر الْخلَافَة إدبارا وَلم يبْق لَهُم من الْأَمر شَيْء وتسلم نواب معز الدولة الْعرَاق بأسره، وَلم يبْق فِي يَد الْخَلِيفَة غير مَا أقطعه معز الدولة يقوم بِبَعْض حَاجته.
وفيهَا: سَار نَاصِر الدولة بن حمدَان إِلَى بَغْدَاد، وَأرْسل معز الدولة بن بويه عسكرا لقتاله فَلم يقدروا على دَفعه، وَسَار نَاصِر الدولة من سامراء عَاشر رَمَضَان إِلَى بَغْدَاد، وَأخذ معز الدولة الْمُطِيع مَعَه وَسَار إِلَى تكريت فنهبها لِأَنَّهَا لناصر الدولة وَعَاد معز الدولة بالخليفة إِلَى بَغْدَاد وَنزل بالجانب الغربي، وَنزل نَاصِر الدولة بالجانب الشَّرْقِي، وَلم يخْطب تِلْكَ الْأَيَّام للمطيع بِبَغْدَاد، وَجرى بَينهم بِبَغْدَاد قتال كثير آخِره أَن نَاصِر الدولة وَعَسْكَره انهمزموا وَاسْتولى معز الدولة على الْجَانِب الشَّرْقِي وأعيد الْخَلِيفَة إِلَى مَكَانَهُ فِي الْمحرم سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثلثمائة.
وفيهَا: توفّي الْقَائِم الْعلوِي أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد ابْن الْمهْدي عبد اللَّهِ صَاحب الْمغرب لثلاث عشرَة مَضَت من شَوَّال، وَقَامَ بعده ابْنه وتلقب بالمنصور بِاللَّه، وكتم موت الْقَائِم خوفًا من أبي يزِيد الْخَارِجِي، ثمَّ اتسم بالخلافة وَضبط الْملك والبلاد.
وفيهَا: مَاتَ الأخشيد بِدِمَشْق، ومولده سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وجد الأخشيد فِي دَاره ورقة فِيهَا مَكْتُوب مَا بعضه: قدرتم فأسأتم، وملكتم فبخلتم، وَوَقع عَلَيْكُم فضيقتم، وأدرت لكم الأرزاق فنقصتم أرزاق الْعباد، واغتررتم بصفو أيامكم وَلم تَفَكَّرُوا فِي عواقبكم، وتهاونتم بسهام الأسحار وَلَا سِيمَا إِن خرجت من قُلُوب قرحتموها وأكباد أوجعتموها، أَو مَا علمْتُم أَن الدُّنْيَا لَو بقيت للعاقل مَا وصل إِلَيْهَا الْجَاهِل، فكفي بِصُحْبَة ملك يكون فِي زَوَال ملكه فرج للْعَالم، وَمن الْمحَال أَن يَمُوت المنتظرون كلهم وَيبقى المنتظر بِهِ، افعلوا مَا شِئْتُم فَإنَّا صَابِرُونَ. فَبَقيَ الأخشيد من هَذِه الورقة فِي فكر، وسافر إِلَى دمشق فَمَاتَ.
وَولي الْأَمر بعده أَبُو الْقَاسِم أنوجور - وَتَفْسِيره - مَحْمُود - وَهُوَ صَغِير وَاسْتولى على الْأَمر كافور الْخَادِم الْأسود من خدم الأخشيد، ثمَّ سَار كافور إِلَى مصر بعد موت الأخشيد،
فَسَار سيف الدولة إِلَى دمشق وملكها وَأقَام بهَا، وَاتفقَ أَنه ركب يَوْمًا وَمَعَهُ الشريف العقيقي فَقَالَ سيف الدولة: مَا تصلح هَذِه الغوطة إِلَّا لرجل وَاحِد، فَقَالَ العقيقي: هِيَ لأقوام كَثِيرَة فَقَالَ سيف الدولة: لَو أَخَذتهَا القوانين السُّلْطَانِيَّة تبرؤوا مِنْهَا. فَأعْلم العقيقي أهل دمشق بذلك، فاستدعوا كافورا فَجَاءَهُمْ وأخرجوا سيف الدولة عَنْهُم، وَرجع كافور إِلَى مصر بعد أَن ولى على دمشق بدر الأخشيدي فَأَقَامَ سنة، ثمَّ وَليهَا أَبُو المظفر بن طغج، ولسيف الدولة حلب حسب.
وفيهَا: اشْتَدَّ الغلاء وَعدم الْقُوت بِبَغْدَاد حَتَّى وجد صبي مشوي، وَكثر الْمَوْت.
وفيهَا: توفّي عَليّ بن عِيسَى بن الْجراح الْوَزير وَله تسعون سنة.
وفيهَا: توفّي عمر بن الْحُسَيْن الحرقي الْحَنْبَلِيّ، وَأَبُو بكر الشبلي الصُّوفِي كَانَ وَالِد الشبلي حاجبا للموفق والشبلي أَيْضا، ثمَّ تَابَ وَصَارَ أوحد زَمَانه دينا وورعا، وَكَانَ مالكيا حفظ الْمُوَطَّأ وَقَرَأَ الحَدِيث، وَقَالَ الْجُنَيْد عَنهُ: لكل قوم تَاج وتاج الْقَوْم الشبلي.
قلت: واسْمه: دلف بن حجر، وعَلى قَبره بِبَغْدَاد أَنه جَعْفَر بن يُونُس، وَمن شعره رحمه الله:
(مَضَت الشبيبة والحبيبة فانبرى
…
دمعان فِي الأجفان يزدحمان)
(مَا أنصفتني الحاثات رمينني
…
بمودعين وَلَيْسَ لي قلبان)
وَقَالَ الشبلي: رَأَيْت يَوْم الْجُمُعَة معتوها عُريَانا يَقُول: أَنا مَجْنُون اللَّهِ أَنا مَجْنُون اللَّهِ، فَقلت: لم لَا تدخل الْجَامِع وتتوارى وَتصلي، فَأَنْشد:
(يَقُولُونَ زرنا واقض وَاجِب حَقنا
…
وَقد أسقطت حَالي حُقُوقهم عني)
(إِذا أبصروا حَالي فَلم يأنفوا لَهَا
…
وَلم يأنفوا مِنْهَا أنفت لَهُم مني)
وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي مُحَمَّد بن عِيسَى وَيعرف بَابي مُوسَى الْفَقِيه الْحَنَفِيّ.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثلثمائة: فِيهَا توفّي أَبُو بكر الصولي الْعَالم بفنون الْأَدَب وَالْأَخْبَار روى عَن ثَعْلَب وَغَيره وروى عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، وتصانيفه مَشْهُورَة.
قلت: واسْمه مُحَمَّد بن يحيى بن عبد اللَّهِ بن الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن صولتكين وَمَعَ آدابه يضْرب بِهِ فِي الشطرنج الْمثل، وَمن اعْتقد أَنه وَاضع الشطرنج فقد غلط بل وَضعه صصه بن ذاهر الْهِنْدِيّ للْملك شهرام، وَكَانَ كسْرَى أردشير قد وضع النَّرْد وَلذَلِك قيل لَهُ: النردشير، جعله مِثَالا للدنيا وَأَهْلهَا فرتب الرقعة اثْنَي عشر بَيْتا بِعَدَد الشُّهُور وَالْقطع ثَلَاثِينَ بِعَدَد أَيَّام الشَّهْر والفصوص مثل الْقدر وتقلبه بِالنَّاسِ فافتخرت بِهِ الْفرس، فَوضع صصه الشطرنج فرجح على النَّرْد ففرح بِهِ الْملك تلهيت ومناه، فتمنى أَن يضع حَبَّة قَمح فِي الْبَيْت الأول وَلَا يزَال يضعفها حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى آخرهَا فمهما بلغ يُعْطِيهِ، فاحتقر الْملك ذَلِك فَحسب فَلم يكن فِي خزانته قَمح يبلغ هَذَا الْقدر.
وَطَرِيقَة: أَن تضع فِي الْبَيْت الأول حَبَّة وَفِي الثَّانِي حبتين وَفِي الثَّالِث أَرْبعا وَفِي الرَّابِع ثمانيا وَكَذَا إِلَى آخِره كلما انْتَقَلت إِلَى بَيته ضاعفت مَا قبله وأثبته فِيهِ، فَإِذا ضاعفت الْأَعْدَاد إِلَى الْبَيْت السَّادِس عشر أثبت فِيهِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ ألفا وَسَبْعمائة وثمانيا وَسِتِّينَ حَبَّة فَتَقول هَذِه قدر قدح، وتضاعف الْقدح فِي الْبَيْت السَّابِع عشر وَكَذَا حَتَّى تبلغ وبية فِي الْبَيْت الْعشْرين.
ثمَّ انْتقل إِلَى الوبيات وَمِنْهَا إِلَى الأرداب وتضاعفها فتنتهي فِي بَيت الْأَرْبَعين إِلَى مائَة ألف أدرب وَأَرْبَعَة وَسبعين ألف أردب وَسَبْعمائة واثنيتن وَسِتِّينَ أردبا وثلثين فتجعل هَذِه الْجُمْلَة شونة وتضاعف الشونة إِلَى بَيت الْخمسين فَتكون الْجُمْلَة ألفا وأربعا وَعشْرين شونة فتجعل هَذِه مَدِينَة وَأي مَدِينَة بِقدر هَذِه، وتضاعف المدن حَتَّى تَنْتَهِي فِي بَيت الرَّابِع وَالسِّتِّينَ آخرهَا إِلَى سِتّ عشرَة ألف مَدِينَة وثلثمائة وَأَرْبع وَثَمَانِينَ مَدِينَة.
وَلَيْسَت مدن الدُّنْيَا أَكثر من هَذَا الْعدَد فدورة كرة الأَرْض بطرِيق الهندسة ثَمَانِيَة آلَاف فَرسَخ بِحَيْثُ لَو وَضعنَا طرف حَبل على أَي مَوضِع كَانَ من الأَرْض وأدرنا طرف الْحَبل على كرة الأَرْض حَتَّى انتهينا بالطرف الآخر إِلَى ذَلِك الْموضع من الأَرْض والتقى طرفا الْحَبل، فَإِذا مسحنا ذَلِك الْحَبل كَانَ طوله اربعة وَعشْرين ألف ميل وَهِي ثَمَانِيَة آلَاف فَرسَخ وَهُوَ قَطْعِيّ، وَتقدم فِي تَرْجَمَة بني مُوسَى وَبَعض الحذاق فِي لعب الشطرنج يفتخر بِأَن ينْقل الْفرس فِي بيُوت الرقعة فَيعم بِهِ جَمِيع بيُوت الرقعة من غير تَكْرِير.
وَقد نظمت أَرْبَعَة أَبْيَات ضابطا لذَلِك بِحِسَاب الْجمل، فَإِذا أردْت ذَلِك فضع الْفرس فِي الْبَيْت الثَّانِي مثلا من الصَّفّ الأول الَّذِي رمزه فِي النّظم با بِمَعْنى ثَانِي الأول فَإِن الْبَاء باثنيتن وَألف بِوَاحِد، ثمَّ تضع الْفرس فِي البييت الأول من الصَّفّ الثَّالِث الَّذِي رمزه فِي النّظم أج بِمَعْنى أول الثَّالِث فَإِن الْألف بِوَاحِد وَالْجِيم بِثَلَاثَة، ثمَّ تضعه فِي ثَانِي الْخَامِس الَّذِي رمزه فِي النّظم بِهِ الْبَاء بِاثْنَيْنِ وَالْهَاء بِخَمْسَة ثمَّ فِي أول السَّابِع الَّذِي رمزه أز وَهَكَذَا تجْعَل الأول من كل حرفين من النّظم للبيت والحرف الثَّانِي للصف وَمن حَيْثُ ابتدأت من الأبيات الْأَرْبَعَة حصل الْعَمَل إِذا أكملت ذَلِك فِيمَا بعد من الأول إِلَى حَيْثُ بدأت فَإِذا عرفت ذَلِك أمرت من ينْقل الْفرس فِي الرقعة وَأَنت مولى ظهرك أَو وَرَاء حجاب إِن شِئْت، وَهَذِه الأبيات وَالْعين حَشْو:
(يَا أج أزاح هززح جوزد
…
حب وأدب جدد دووه دج حب أاع)
(بجاه بزدح وزاح زو حدزب
…
هاوج هه جود دهب زاحج وبع)
(حازج هدو وهج ززحه ود
…
هوزه حزوح دزبح أَو جزع)
(أحبوده أَب جادج بدجه اد
…
ببد أجح فرس فِي كلهَا يَقع)
وَهَذِه فَوَائِد وَإِن أخرجت عَن الْمَقْصُود، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثلثمائة: فِيهَا كَانَ الغلاء الْعَظِيم بِالشَّام الَّذِي لم يسمع بِمثلِهِ وأكلت الْحمير والقطط وَالصبيان وَمَات خلق عَظِيم وَالله أعلم.