الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَة: وفيهَا: خرج على الْمَنْصُور الراوندية من أهل خُرَاسَان على مَذْهَب أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي يَقُولُونَ بالتناسخ وَأَن روح آدم فِي عُثْمَان بن نهيك وَأَن رَبهم الَّذِي يُطعمهُمْ ويسقيهم الْخَلِيفَة الْمَنْصُور، فجاؤوا إِلَى قصر الْمَنْصُور وَقَالُوا: هَذَا قصر رَبنَا، فحبس رؤساءهم وهم مِائَتَان، فَغَضب أَصْحَابهم وحملوا نعشا لتحسب جَنَازَة حَتَّى بلغُوا السجْن فكسروا بَابه وأخرجوا رؤساءهم وقصدوا الْمَنْصُور وهم سِتّمائَة، فأغلقت الْمَدِينَة وَخرج الْمَنْصُور مَاشِيا وَاجْتمعَ عَلَيْهِ النَّاس، وَكَانَ معن بن زَائِدَة مستخفيا فَحَضَرَ وَقَاتل هُوَ وَغَيره حَتَّى قتلت الراوندية عَن آخِرهم فأمن مَعنا وَعَفا عَنهُ.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعين وَمِائَة: فِيهَا: حبس الْمَنْصُور من بني الْحسن أحد عشر وقيدهم.
وفيهَا: مَاتَ عبد اللَّهِ بن شبْرمَة وَعَمْرو بن عبيد المعتزلي الزَّاهِد وَعقيل بن خَالِد صَاحب الزُّهْرِيّ.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة: فِيهَا: ظهر مُحَمَّد بن عبد اللَّهِ بن الْحسن وَاسْتولى على الْمَدِينَة وَتَبعهُ أَهلهَا، فَأرْسل الْمَنْصُور ابْن أَخِيه عِيسَى بن مُوسَى إِلَيْهِ، وَخَنْدَق مُحَمَّد الْمَذْكُور مَعَ خَنْدَق النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
للأحزاب وَجرى قتال، ثمَّ قتل مُحَمَّد الْمَذْكُور وَجَمَاعَة من أهل بَيته وَأَصْحَابه وَانْهَزَمَ من سلم مِنْهُم، وَأقَام عِيسَى بِالْمَدِينَةِ أَيَّامًا وَرجع فِي أَوَاخِر رَمَضَان يُرِيد مَكَّة مُعْتَمِرًا كَانَ مُحَمَّد سمينا أسمر شجاعا كثير الصَّوْم وَالصَّلَاة تلقب بالمهدى، وَالنَّفس الزكية.
وفيهَا: ابْتَدَأَ
الْمَنْصُور بِنَاء بَغْدَاد، كره سُكْنى هاشميته لِوَقْعَة الراوندية ولجوار أهل الْكُوفَة حذرا مِنْهُم، فَاخْتَارَ مَوضِع بَغْدَاد.
وفيهَا: ظهر إِبْرَاهِيم الْعلوِي بن عبد اللَّهِ بن الْحسن بن الْحسن أَخُو مُحَمَّد " النَّفس الزكية " وَكَانَ هَارِبا مستخفيا، ودعا إِلَى بيعَة أَخِيه وَلم يبلغهُ قَتله، فَبَايعهُ جمَاعَة مِنْهُم مرّة العبشمي وَعبد الْوَاحِد بن زِيَاد وَعَمْرو بن سَلمَة الهُجَيْمِي وَعبد اللَّهِ بن يحيى الرقاشِي وَكثير من الْفُقَهَاء حَتَّى أحصوا أَرْبَعَة آلَاف، وَكَانَ أَمِير الْبَصْرَة سُفْيَان بن مُعَاوِيَة فتحصن لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي دَار الْإِمَارَة بِجَمَاعَة، فحصره إِبْرَاهِيم ثمَّ أَمنه وَدخل الْقصر، وَجَاء ليجلس على حصيرته فقلبها الرّيح فتطير النَّاس فَقَالَ إِبْرَاهِيم: إِنَّا لَا نتظير وَجلسَ عَلَيْهَا مَقْلُوبَة، وَأخذ من بَيت المَال ألفي ألف دِرْهَم وَفرض لأَصْحَابه خمسين خمسين، وَمضى بِنَفسِهِ إِلَى دَار زَيْنَب بنت سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد اللَّهِ بن عَبَّاس وإليها ينْسب الزينبيون من العباسين، فَنَادَى هُنَاكَ لأهل الْبَصْرَة بالأمان.
ثمَّ أرسل من استولى على الأهواز وَأرْسل هَارُون بن سعد الْعجلِيّ فِي سَبْعَة عشر ألفا فَملك وَاسِط، وَأقَام بِالْبَصْرَةِ يفرق الْعمَّال والجيوش حَتَّى سمع بقتل أَخِيه قبل عيد الْفطر بِثَلَاثَة أَيَّام.
ثمَّ سَار من الْبَصْرَة يُرِيد الْكُوفَة وَقد أحصى ديوانه مائَة ألف وَنزل باخمرا على سِتَّة عشر فرسخا من الْكُوفَة، وَكَانَ الْمَنْصُور قد استدعى عِيسَى بن مُوسَى من الْحجاز فَحَضَرَ وَجعله فِي جَيش قبالة إِبْرَاهِيم، فاقتتلا قتالا انهزم فِيهِ غَالب عَسْكَر عِيسَى ثمَّ تراجعوا، ثمَّ وَقعت الْهَزِيمَة على أَصْحَاب إِبْرَاهِيم وَثَبت هُوَ فِي سِتّمائَة من أَصْحَابه، فجَاء سهم فِي حلق إِبْرَاهِيم فَتنحّى وَقَالَ: أردنَا أَمر وَأَرَادَ اللَّهِ غَيره، وَاجْتمعَ أَصْحَابه وأنزلوه فَحمل عَلَيْهِم عَسْكَر عِيسَى وفرقوهم عَنهُ واحتزوا رَأسه لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة مِنْهَا، فَبعث بِهِ عِيسَى إِلَى مَنْصُور، وَعمر إِبْرَاهِيم ثَمَان وَأَرْبَعُونَ.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَة: فِيهَا: تحول الْمَنْصُور من مَدِينَة ابْن هُبَيْرَة إِلَى بَغْدَاد لتكميل عمارتها، واسشار قوما مِنْهُم خَالِد بن برمك فِي نقض إيوَان كسْرَى أَو الْمَدَائِن وَنقل ذَلِك إِلَى بَغْدَاد، فَقَالَ ابْن برمك: لَا أرى ذَلِك لِأَنَّهُ من أَعْلَام الْمُسلمين، فَقَالَ الْمَنْصُور: ملت يَا خَالِد إِلَى أَصْحَابك الْعَجم، وَأمر بِنَقْض الْقصر الْأَبْيَض فنقضت نَاحيَة مِنْهُ فَكَانَ مَا يغرمون عَلَيْهِ أَكثر من قيمَة المنقوض فَتَركه، فَقَالَ خَالِد: إِنِّي أرى أَن لَا تبطل ذَلِك لِئَلَّا يُقَال إِنَّك عجزت عَن تخريب مَا بناه غَيْرك، فَلم يلْتَفت الْمَنْصُور إِلَى ذَلِك وَترك هَدمه.
وَنقل أَبْوَاب مَدِينَة وَاسِط فَجَعلهَا على بَغْدَاد، ودور بَغْدَاد لِئَلَّا يكون بعض النَّاس أقرب إِلَى السُّلْطَان من بعض، وَبنى قصره فِي وَسطهَا وَالْجَامِع فِي جَانِبه.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَة: فِيهَا: ولد الْفضل بن يحيى بن خَالِد بن برمك.
وفيهَا ولى الْمَنْصُور خَالِد بن برمك الْموصل، وَولد الْفضل قبل الرشيد بسبعة أَيَّام فأرضعته الخيزران أم الرشيد.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة: وفيهَا توفّي جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنهم، سمي الصَّادِق لصدقه، وينسب إِلَيْهِ كَلَام فِي صَنْعَة الكيمياء والزجر والفأل، ولد سنة ثَمَانِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَدفن بِالبَقِيعِ، وَأمه بنت الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر رضي الله عنه.
وفيهَا: توفّي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى القَاضِي.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة: فِيهَا: مَاتَ مُسلم بن قُتَيْبَة الْعَظِيم الْقدر بِالريِّ.
وفيهَا: مَاتَ كهمس بن الْحسن التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ.
وفيهَا: مَاتَ عِيسَى بن عمر الثفي، وَعنهُ أَخذ الْخَلِيل النَّحْو.
ثمَّ دخلت سنة خمسين وَمِائَة: فِيهَا: بني عبد الرَّحْمَن الْأمَوِي سور قرطبة.
وفيهَا: مَاتَ جَعْفَر بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور.
وفيهَا: مَاتَ الإِمَام أَبُو حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت بن زوطا مولى تيم اللَّهِ بن ثَعْلَبَة، وزوطا من أهل كابل وَقيل: بابل وَقيل: الأنبار، وَهُوَ الَّذِي مَسّه الرّقّ فَأعتق، وَولد لَهُ ثَابت على الْإِسْلَام. وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن أبي حنيفَة: مَا مسنا رق قطّ. رُوِيَ أَن وَالِد أبي
حنيفَة وَهُوَ صَغِير ذهب إِلَى عَليّ رضي الله عنه فَدَعَا لَهُ بِالْبركَةِ فِيهِ وَفِي ذُريَّته، وَقيل: هُوَ النُّعْمَان بن ثَابت بن النُّعْمَان بن الْمَرْزُبَان وَأَن جده النُّعْمَان أهْدى لعَلي يَوْم المهرجان فالوذجا، فَقَالَ لَهُ عَليّ: مهرجونا كل يَوْم.
أدْرك أَبُو حنيفَة اربعة من الصَّحَابَة وهم: انس بن مَالك وَعبد اللَّهِ بن أبي أوفى بِالْكُوفَةِ وَسَهل بن سعد السَّاعِدِيّ بِالْمَدِينَةِ وَأَبُو الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة وَلم يلق أحدا مِنْهُم وَلَا أَخذ عَنْهُم وَإِن زعم أَصْحَابه غير ذَلِك؛ وَكَانَ عَالما عَاملا زاهدا ورعا، رواده الْمَنْصُور على الْقَضَاء فَامْتنعَ، وَكَانَ ربعَة حسن الْوَجْه وَقيل: طَويلا أحسن النَّاس منطقا.
قَالَ الشَّافِعِي: قيل لمَالِك هَل رَأَيْت أَبَا حنيفَة؟ فَقَالَ: نعم رَأَيْت رجلا لَو كَلمته فِي هَذِه السارية أَن يَجْعَلهَا ذَهَبا لقام بحجته، وَكَانَ يُصَلِّي غَالب اللَّيْل حَتَّى قيل صلى الصُّبْح بِوضُوء الْعشَاء أَرْبَعِينَ سنة، وَحفظ عَلَيْهِ أَنه ختم الْقُرْآن فِي الْموضع الَّذِي توفّي فِيهِ سَبْعَة آلَاف مرّة وعيب بقلة الْعَرَبيَّة.
قلت: وَرُوِيَ أَن أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء الْمقري سَأَلَهُ عَن الْقَتْل بالمثقل هَل يُوجب الْقود؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: وَلَو قَتله بِحجر المنجنيق؟ فَقَالَ: وَلَو قَتله بأبا قبيس وَاعْتذر عَنهُ بِأَن هَذِه لُغَة كوفية وَهُوَ كُوفِي، وَأَيْضًا فَإِن بلحارث وبلعنبر وَمُرَاد وخثعم وَبَعض عذرة يفرون إِلَى الْألف من الْيَاء لِأَنَّهَا أخف حُرُوف الْمَدّ مثل قَوْله:
(إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا
…
)
وَيَقُولُونَ: أعطات وجازات يُرِيدُونَ أَعْطَيْت وجازيت، وَقد ذكرت بذلك قولي:
(ثَقيلَة ردف قَصدهَا قتلتي بِهِ
…
فَقلت لَهَا إِن تقتلي النَّفس تقتلي)
(فَقَالَت أما نعْمَان جدي ابْن ثَابت
…
وَمَا من قصاص عِنْده بمثقل)
وَالله أعلم.
ولد سنة ثَمَانِينَ من الْهِجْرَة وَقيل: سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَقيل: توفّي بالسجن ليلِي الْقَضَاء، وَقيل: توفّي يَوْم ولد الشَّافِعِي وَذَلِكَ فِي رَجَب من هَذِه السّنة، وَقيل: فِي جُمَادَى، وقبره بِبَغْدَاد مَشْهُور. وزوطا - بِضَم الزَّاي وَسُكُون الْوَاو -.
وفيهَا: بِبَغْدَاد مَاتَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب الْمَغَازِي، وَقيل: سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَة، وَهُوَ ثَبت فِي الحَدِيث عِنْد الْأَكْثَر، ذكره البُخَارِيّ فِي تَارِيخه لَكِن لم يرو عَنهُ لِأَن الإِمَام مَالِكًا طعن فِيهِ وَكَذَلِكَ مُسلم لم يخرج عَنهُ إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا فِي الرَّجْم.
وفيهَا: مَاتَ مقَاتل بن سُلَيْمَان الْبَلْخِي الْمُفَسّر.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَة: فِيهَا: ولى الْمَنْصُور هِشَام بن عمر الثَّعْلَبِيّ السَّنَد مَكَان عمر بن حَفْص بن عُثْمَان بن قبيصَة بن أبي صفرَة، وَولى هَذَا إفريقية، لقب عمر بهزار مرد أَي: ألف رجل.