الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمَّ دخلت سنة سبع أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا قتل الْأَمِير أَبُو حَرْب سُلَيْمَان بن نصر الدولة بن مَرْوَان صَاحب الجزيرة قَتله عبيد اللَّهِ بن أبي طَاهِر البشنوي الْكرْدِي غيلَة.
وفيهَا: قصد جمَاعَة من السّنة دَار الْخَلِيفَة يطْلبُونَ أَن يُؤذن لَهُم أَن يأمروا بِالْمَعْرُوفِ فَأذن لَهُم وَزَاد شرهم، ثمَّ اسْتَأْذنُوا فِي نهب دَار البساسيري وَهُوَ غَائِب بواسط فَأذن لَهُم فنهبوها وأحرقوها، وَأمر الْخَلِيفَة الْملك الرَّحِيم بإبعاد البساسيري فَفعل وَقدم الْملك الرَّحِيم من وَاسِط إِلَى بَغْدَاد، وَسَار البساسيري إِلَى جِهَة دبيس بن مزِيد لمصاهرة بَينهمَا.
وفيهَا: سَار طغرلبك حَتَّى نزل حلوان فَعظم الأرجاف بِبَغْدَاد وبذل قواد بَغْدَاد لَهُ الطَّاعَة وَالْخطْبَة بِأَمْر الْخَلِيفَة فَخَطب لَهُ لثمان بَقينَ من رَمَضَان مِنْهَا.
ثمَّ اسْتَأْذن طغرلبك فِي دُخُول بَغْدَاد، فحلفته الرُّسُل للخليفة الْقَائِم وَالْملك الرَّحِيم فَحلف لَهما، وَدخل بَغْدَاد وَنزل بِبَاب الشماسية فنهب بعض السوقة بعض عَسْكَر طغرلبك واتصل نهب الْعَامَّة إِلَى وطاقات طغرلبك، فَركب عسكره وتقاتلوا فانهزمت الْعَامَّة، فألح طغرلبك فِي حُضُور الْملك الرَّحِيم عِنْده إِن كَانَ برئيا فألزمه الْقَائِم أَن يخرج إِلَيْهِ هُوَ وكبار القواد وهم فِي أَمَان الْخَلِيفَة فَخَرجُوا إِلَيْهِ، فَقبض طغرلبك على الْملك الرَّحِيم وعَلى القواد، فَأرْسل الْقَائِم إِلَى طغرلبك فِي أَمرهم فَشَكا من عدم حرمته وَأَمَانَة وَأطلق الْبَعْض، وَاسْتمرّ الْبَاقُونَ وَالْملك الرَّحِيم فِي الاعقتال.
الْملك الرَّحِيم هَذَا آخر مُلُوك الْعرَاق من بني بويه، وَأول من استولى مِنْهُم على الْعرَاق وبغداد معز الدولة أَحْمد بن بويه، ثمَّ ابْنه بختيار، ثمَّ ابْن عَمه عضد الدولة بن فناخسروا بن ركن الدولة حسن بن بويه، ثمَّ ابْنه صمصام الدولة أَبُو كاليجار الْمَرْزُبَان، ثمَّ أَخُوهُ شرف الدولة شيربك بن عضد الدولة، ثمَّ أَخُوهُ بهاء الدولة أَبُو نصر بن عضد الدولة، ثمَّ ابْنه سُلْطَان الدولة أَبُو شُجَاع بن بهاء الدولة، ثمَّ أَخُوهُ مشرف الدولة بن بهاء الدولة، ثمَّ أَخُوهُ جلال الدولة أَبُو ظَاهر بن بهاء الدولة، ثمَّ ابْن أَخِيه أَبُو كاليجار الْمَرْزُبَان بن سُلْطَان الدولة ابْن بهاء الدولة، ثمَّ ابْنه الْملك الرَّحِيم خسرو فَيْرُوز بن كاليجار بن سُلْطَان الدولة ابْن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه وَهُوَ آخِرهم.
وفيهَا: وَقعت الْفِتْنَة بَين الشَّافِعِيَّة والحنابلة بِبَغْدَاد، أَنْكَرُوا على الشَّافِعِيَّة الْجَهْر بالبسملة والقنوت فِي الصُّبْح والترجيع فِي الْأَذَان.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا تزوج الْقَائِم بنت دَاوُد أخي طغرلبك.
وفيهَا: وَقعت حَرْب بَين عبيد الْمعز بن باديس وَبَين عبيد ابْنه تَمِيم بالمهدية فانتصر عبيد تَمِيم وأخرجوا عبيد الْمعز من المهدية.
(ابْتِدَاء دولة الملثمين)
الملثمون من عدَّة قبائل ينتسبون إِلَى حمير، وَأول مَسِيرهمْ من الْيمن فِي أَيَّام أبي بكر
رَضِي اللَّهِ عَنهُ سيرهم إِلَى جِهَة الشَّام وانتقلوا إِلَى مصر، ثمَّ إِلَى الْمغرب مَعَ مُوسَى بن نصير وتوجهوا مَعَ طَارق إِلَى طنجة، وأحبوا الِانْفِرَاد فَدَخَلُوا الصَّحرَاء واستوطنوها، فَلَمَّا كَانَت هَذِه السّنة توجه مِنْهُم جَوْهَر من قَبيلَة جدالة إِلَى إفريقية ليحج، فَلَمَّا عَاد استصحب مَعَه فَقِيها من القيروان اسْمه عبد اللَّهِ بن ياسين الكزولي ليعلم تِلْكَ الْقَبَائِل دين الْإِسْلَام فَإِنَّهُ لم يبْق فيهم غير الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاة فِي بَعضهم.
فَتوجه عبد اللَّهِ بن ياسين مَعَ جَوْهَر حَتَّى أَتَيَا قَبيلَة لمتونة وَمِنْهَا يُوسُف بن تاشفين أَمِير الْمُسلمين ودعوهم إِلَى الْعَمَل بالشريعة، فَقَالَت لمتونة: أما الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالزَّكَاة فقريب وَأما قتل الْقَاتِل وَقطع السَّارِق ورجم الزَّانِي فَلَا نلتزمه.
فَمضى جَوْهَر وَعبد اللَّهِ بن ياسين إِلَى جدالة قَبيلَة جَوْهَر فَدَعَاهُمْ عبد اللَّهِ بن ياسين ودعا الْقَبَائِل حَولهمْ إِلَى الشَّرِيعَة فَأجَاب أَكْثَرهم وَامْتنع أقلهم، فَأمر المجيبين بِقِتَال الْمُخَالفين فجعلوه أَمِيرهمْ فَامْتنعَ وَقَالَ لجوهر: أَنْت الْأَمِير، فَقَالَ أخْشَى من تسلط قبيلتي على النَّاس فَيكون وزر ذَلِك عَليّ، ثمَّ اتفقَا على أبي بكر بن عمر رَأس قَبيلَة لمتونة فَإِنَّهُ مُطَاع، فعرضا على أبي بكر ذَلِك فَقبل وَعقد الْبيعَة وَسَماهُ ابْن ياسين أَمِير الْمُسلمين وَاجْتمعَ إِلَيْهِ كل من حسن إِسْلَامه، وحرضهم عبد اللَّهِ على الْجِهَاد وَسَمَّاهُمْ المرابطين، فَقتلُوا من أهل الْبَغي وَالْفساد وَمِمَّنْ لم يجب إِلَى الشَّرِيعَة نَحْو أَلفَيْنِ، فدانت لَهُم قبائل الصَّحرَاء وقووا وتفقه مِنْهُم جمَاعَة على عبد اللَّهِ.
وَلما استبد أَبُو بكر بن عَمْرو وَعبد اللَّهِ بن ياسين بِالْأَمر دَاخل جوهرا الْحَسَد فَأخذ فِي إِفْسَاد الْأَمر فعقد لَهُ مجْلِس وَحكم عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ لكَونه شقّ الْعَصَا وَأَرَادَ محاربة أهل الْحق، فصلى جَوْهَر رَكْعَتَيْنِ وَأظْهر السرُور بِالْقَتْلِ طلبا للقاء اللَّهِ تَعَالَى فَقَتَلُوهُ.
ثمَّ جرى بَين المرابطين وَبَين أهل السوس قتال فَقتل عبد اللَّهِ بن ياسين الْفَقِيه.
ثمَّ سَار المرابطون إِلَى سجلماسة فَقَاتلُوا أَهلهَا، فانتصر المرابطون وملكوها وَقتلُوا صَاحبهَا.
وَلما ملك أَبُو بكر بن عمر سجلماسة اسْتعْمل عَلَيْهَا يُوسُف بن تاشفين اللمتوني من بني عَم أبي بكر بن عمر سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة، ثمَّ اسْتخْلف أَبُو بكر على سجلماسة ابْن أَخِيه، وَبعث يُوسُف بن تاشفين بِجَيْش من المرابطين إِلَى السوس فَفتح على يَدَيْهِ وَكَانَ دينا حازما داهية.
وَاسْتمرّ الْأَمر كَذَلِك إِلَى ان توفّي أَبُو بكر بن عمر سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فاجتمعت طوائف المرابطين وملكوا يُوسُف بن تاشفين عَلَيْهِم ولقبوه أَمِير الْمُسلمين، ثمَّ افْتتح الْمغرب حصنا حصنا وَكَانَ غالبها لزناتة، ثمَّ قصد مَوضِع مراكش وَهُوَ قاع صفصف فَبنى فِيهِ مراكش واتخذها مقرّ ملكه، وَملك الْبِلَاد الْمُتَّصِلَة بالمجاز مثل سبته وطنجة وسلا.
وَيُقَال للمرابطين: الملثمون تلثموا كالعرب فَلَمَّا ملكوا ضيقوا اللثام ليتميزوا، وَقيل: إِن قَبيلَة لمتونة أَغَارُوا على عَدو وألبسوا نِسَاءَهُمْ لبس الرِّجَال ولثموهن فقصد بعض
اعدائهم بُيُوتهم فظنوا النِّسَاء رجَالًا لأجل اللثام فَلم يقدموا عَلَيْهِنَّ، وَاتفقَ مَجِيء رِجَالهنَّ فأوقعوا بهم، فتبركوا باللثام وسنوه فسموا الملثمين.
وفيهَا: رَحل طغرلبك عَن بَغْدَاد فِي عَاشر ذِي الْقعدَة لثقل وَطْأَة عسكره على الرّعية، أَقَامَ بِبَغْدَاد ثَلَاثَة عشر شهرا وأياما لم يلق الْخَلِيفَة فِيهَا، وَتوجه طغرلبك إِلَى نَصِيبين ثمَّ إِلَى ديار بكر وَهِي لِابْنِ مَرْوَان.
وفيهَا: توفّي أميرك الْبَيْهَقِيّ الْكَاتِب وَكَانَ من رجال الدُّنْيَا.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا عَاد طغرلبك إِلَى بَغْدَاد بعد أَن استولى على الْموصل وأعمالها وَسلمهَا إِلَى اخيه إِبْرَاهِيم نيال، وَلما قَارب طغرلبك القفص تَلقاهُ كبراء بَغْدَاد مثل عميد الْملك وزيره بهَا وَرَئِيس الرؤساء وَقصد الِاجْتِمَاع بالخليفة الْقَائِم، فَجَلَسَ لَهُ الْخَلِيفَة وَعَلِيهِ الْبردَة على سَرِير عَال من الأَرْض نَحْو سَبْعَة أَذْرع وَحضر طغرلبك فِي جماعته وَحضر أَعْيَان بَغْدَاد وكبراء الْعَسْكَر وَذَلِكَ يَوْم السبت لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة مِنْهَا، فَقبل طغرلبك الأَرْض وَيَد الْخَلِيفَة ثمَّ جلس على كرْسِي، ثمَّ قَالَ لَهُ الْخَلِيفَة مَعَ رَئِيس الرؤساء: أَن الْخَلِيفَة قد ولاك جَمِيع مَا ولاه اللَّهِ تَعَالَى من بِلَاده، ورد إِلَيْك مُرَاعَاة عبَادَة، فَاتق اللَّهِ فِيمَا ولاك، واعرف نعْمَته عَلَيْك. وخلع على طغرلبك وَأعْطى الْعَهْد، فَقبل الأَرْض وَيَد الْخَلِيفَة ثَانِيًا وَانْصَرف فَبعث إِلَى الْخَلِيفَة خمسين ألف دِينَار وَخمسين مَمْلُوكا من الأتراك بخيولهم وسلاحهم وقماشهم.
وفيهَا: قبض الْمُسْتَنْصر بِمصْر على وزيره اليازرودي الْحُسَيْن بن عبد اللَّهِ وَكَانَ قَاضِيا فِي الرملة حنفيا ثمَّ ولي الوزارة، وَلما قبض وجد لَهُ مكاتبات إِلَى بَغْدَاد.
وفيهَا توفّي الشَّيْخ أَبُو الْعَلَاء أَحْمد بن عبد اللَّهِ بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن دَاوُد بن المطهر بن زِيَاد بن ربيعَة بن الْحَارِث بن ربيعَة بن أنور بن أسحم بن أَرقم بن النُّعْمَان بن عدي بن غطفان بن عَمْرو بن شُرَيْح بن جذيمة بن تيم اللَّهِ بن أَسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمرَان بن الحاف بن قضاعة المعري التنوخي، قَالَ ابْن خلكان فِي تَارِيخه: كَانَ عَلامَة عصره رحمه الله قَرَأَ النَّحْو واللغة على أَبِيه بالمعرة وعَلى مُحَمَّد بن عبد اللَّهِ بن سعد النَّحْوِيّ بحلب وَله التصانيف الْمَشْهُورَة والرسائل المأثورة وَله من النّظم لُزُوم مَا لَا يلْزم خمس مجلدات وَسقط الزند وَشَرحه بِنَفسِهِ وَسَماهُ ضوء السقط، وبلغنا أَن لَهُ كتابا سَمَّاهُ الأيك والغصون وَهُوَ الْمَعْرُوف بِالْهَمْزَةِ والردف يُقَارب مائَة جُزْء فِي الْأَدَب.
قَالَ ابْن خلكان: وَحكى لي من وقف على المجلد الأول بعد الْمِائَة من كتاب الْهمزَة والردف وَقَالَ: لَا أعلم مَا كَانَ يعوزه بعد هَذَا، وَكَانَ متضلعا من فنون الْأَدَب وَأخذ عَنهُ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن المحسن التنوخي والخطيب أَبُو زَكَرِيَّاء يحيى التبريزي وَغَيرهمَا.
وَكَانَت وِلَادَته يَوْم الْجُمُعَة عِنْد مغيب الشَّمْس لثلاث بَقينَ من ربيع الأول سنة ثَلَاث