الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَطرح الْقَتْلَى فِي بِئْر زَمْزَم وَدفن البَاقِينَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ قتلوا، وَأخذ كسْوَة الْبَيْت فَقَسمهَا بَين أَصْحَابه.
قلت: وَيُقَال: أَنه لما أَخذ الْحجر الْأسود قَالَ: هَذَا مغناطيس بني آدم وَهُوَ يجرهم إِلَى مَكَّة وَأَرَادَ أَن يحول الْحَج إِلَى الإحساء فَعَلَيهِ لعنة اللَّهِ، وَكَانَ يحكم التركي أَمِير بَغْدَاد وَالْعراق فبذل لَهُم فِي رد الْحجر خمسين ألف دِينَار فَمَا فعلوا، وَالله أعلم.
وفيهَا: وَقع بسببب تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {عَسى رَبك أَن يَبْعَثك مقَاما مَحْمُودًا} بِبَغْدَاد فتْنَة عَظِيمَة بَين الْحَنَابِلَة وَغَيرهم دخل فِيهَا الْجند والعامة وَقتل بَينهم كثير، قَالَ أَبُو بكر الْمروزِي الْحَنْبَلِيّ: إِن معنى ذَلِك أَن اللَّهِ تَعَالَى يقْعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
مَعَه على الْعَرْش، وَقَالَت الطَّائِفَة الْأُخْرَى: إِنَّمَا هِيَ الشَّفَاعَة.
وفيهَا: توفّي مُحَمَّد بن جَابر بن سِنَان الْحَرَّانِي الأَصْل البتاني الحاسب المنجم صَاحب الزيج الصابي لَهُ الأرصاد المتقنة، ابْتَدَأَ بالرصد سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ إِلَى سنة سِتّ وثلثمائة وَأثبت الْكَوَاكِب
الثابته فِي زيجه لسنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وزيجه نسختان الثَّانِيَة أَجود. والبتاني - بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَقد تكسر - نِسْبَة إِلَى بتان نَاحيَة من عمل حران.
وفيهَا: توفّي نصر بن أَحْمد بن نصر الْبَصْرِيّ الخبزرزي نِسْبَة إِلَى بيع خبز الْأرز بَاعه بمربد الْبَصْرَة، الشَّاعِر الراوية الأديب كَانَ أُمِّيا لَا يتهجى وَمن شعره:
(خليلي هَل أبصرتما أَو سمعتما
…
بِأَفْضَل من مولى تمشى إِلَى عبد)
(أَتَى زائري من غير وعد وَقَالَ لي
…
أَجلك من تَعْلِيق قَلْبك بالوعد)
(فَمَا زَالَ نجم الْوَصْل بيني وَبَينه
…
يَدُور بأفلاك السَّعَادَة والسعد)
(فطورا على تَقْبِيل نرجس نَاظر
…
وطورا على تَقْبِيل تفاحة الخد)
قلت: وَلَقَد صدق الخبزرزي فِي قَوْله:
(وَكَانَ الصّديق يزور الصّديق
…
لشرب المدام وعزف الأغاني)
(فَصَارَ الصّديق يزور الصّديق
…
لبث الهموم وشكوى الزَّمَان)
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان عشرَة وثلثمائة: فِيهَا استطالت الرجالة المصافية بِإِعَادَة المقتتدر واقتتلوا هم والجند فهربت الرجالة إِلَى وَاسِط واستولوا عَلَيْهَا، فَتَبِعهُمْ مؤنس الْخَادِم وَقتل مِنْهُم وشردهم عَنْهَا.
وفيهَا: وَقيل فِي تلوها: توفّي أَبُو بكر بن الْحسن بن عَليّ بن أَحْمد بن يسَار الْمَعْرُوف بِابْن العلاف الضَّرِير النهرواني وعمره مائَة، وَهُوَ ناظم مراثي الهر الَّتِي مِنْهَا:
(يَا هر فارقتنا وَلم تعد
…
وَكنت منا بمنزل الْوَلَد)
(وَكَانَ قلبِي عَلَيْك مرتعدا
…
وَأَنت تنساب غير مرتعد)
(تدخل برج الْحمام متئدا
…
وتبلغ الفرخ غير متئد)
(صادوك غيظا عَلَيْك وانتقموا
…
مِنْك وَزَادُوا وَمن يصد يصد)
(وَلم تزل للحمام مرتصدا
…
حَتَّى سقيت الْحمام بالرصد)
(يَا من لذيذ الْفِرَاخ أوقعه
…
وَيحك هلا قنعت بالغدد)
(لَا بَارك اللَّهِ فِي الطَّعَام إِذا
…
كَانَ هَلَاك النُّفُوس فِي الْمعد)
(كم دخلت لقْمَة حَشا شَره
…
فأخرجت روحه من الْجَسَد)
(مَا كَانَ أَغْنَاك من تسلقك البرج
…
وَلَو كَانَ جنَّة الْخلد)
قيل: كَانَ لَهُ قطّ، وَقيل: رثى بهَا ابْن المعتز موريا لخوفه من المتقدر، وَقيل: هويت جَارِيَة عَليّ بن عِيسَى غُلَاما لأبي بكر بن العلاف الْمَذْكُور فَفطن بهما عَليّ بن عِيسَى فَقَتَلَهُمَا، فرثاه مَوْلَاهُ بِهَذِهِ.
ثمَّ دخلت سنة تسع عشرَة وثلثمائة: فِيهَا أرسل المقتدر عسكرا لقِتَال مرداويج، قالتقوا بنواحي هَمدَان فَانْهَزَمَ عَسْكَر الْخَلِيفَة، وَاسْتولى مرداويج على بِلَاد الْجَبَل جَمِيعًا وَبَلغت عساكره فِي النهب إِلَى نواحي حلوان، ثمَّ أرسل مرداويج عسكرا فَملك أصفهان.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة تأكدت الوحشة بَين مؤنس والمقتدر.
ثمَّ دخلت سنة عشْرين وثلثمائة: فِيهَا سَار مؤنس مغاضبا للمقتدر وَاسْتولى المقتدر على أقطاعه وأملاكه وأملاك أَصْحَابه، وَكتب إِلَى بني حمدَان أُمَرَاء الْموصل بصد مؤنس عَن الْموصل وقتاله، فَجرى بَينهم قتال فانتصر مؤنس وَاسْتولى على الْموصل وَاجْتمعت عَلَيْهِ العساكر من كل جِهَة وَأقَام بالموصل تِسْعَة أشهر، وَسَار بالعسكر إِلَى جِهَة بَغْدَاد فَقدم تكريت، ثمَّ سَار حَتَّى نزل بِبَاب الشماسية.
وَرَأى المقتدر انعزال الْعَسْكَر عَنهُ فقصد النُّزُول إِلَى وَاسِط، ثمَّ اتّفق مَعَ من بَقِي مَعَه على قتال مؤنس ومنعوه التَّوَجُّه إِلَى وَاسِط فَخرج لقِتَال مؤنس كَارِهًا لقتاله، وَبَين يَدي المقتدر الْفُقَهَاء والقراء مَعَهم الْمَصَاحِف منشورة وَعَلَيْهَا الْبردَة فَوقف على تل، ثمَّ ألح عَلَيْهِ أَصْحَابه فَتقدم إِلَى الْقِتَال، ثمَّ انْهَزَمت أَصْحَابه ولحقهم قوم من المغاربة، فَقَالَ: وَيحكم أَنا الْخَلِيفَة، فَقَالُوا: قد عرفناك يَا سفلَة أَنْت خَليفَة إِبْلِيس، فَضَربهُ وَاحِد بِسَيْفِهِ فَسقط إِلَى الأَرْض، وَذبح المقتدر وَكَانَ عَظِيم الجثة وَرفعُوا رَأسه وهم يكبرُونَ ويلعنونه وشلحوه حَتَّى سراويله ثمَّ دفن مَوْضِعه وعفي قَبره، وجاؤوا بِالرَّأْسِ إِلَى مؤنس وَهُوَ بالراشدية وَلم يشْهد الْحَرْب فلطم وَبكى.
وَخِلَافَة المقتدر أَربع وَعِشْرُونَ سنة وَأحد عشر شهرا وَسِتَّة عشر يَوْمًا، وعمره ثَمَان وَثَلَاثُونَ سنة.
ثمَّ أَشَارَ مؤنس بِإِقَامَة أبي الْعَبَّاس بن المقتدر، فبحث أَبُو يَعْقُوب إِسْحَاق بن إِسْمَاعِيل النوبختي عَن حتفه بظلفه - كَمَا سَيذكرُ - وَقَالَ: هَذَا صبي، فَترك.