الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَوَى عنها الحافظ عَبْد العظيم، وقالَ: توفيت فِي ثالث عشر المحرَّم.
وهي بضمِّ الغين، وفتح الضاد، المعجمتين [1] .
[حرف الفاء]
357-
فخرُ النساءِ [2] بِنْت عَلِيّ بْن ثابت بْن عَلِيّ الباجِسْرائيُّ.
روت عن جدّها أبي المظفّر يحيى ابن الخيمي.
سَمِعَ منها ابنُ النجّار.
رَوَى لنا عنها بالإجازةِ: الفخر إِسْمَاعِيل بْن عساكر، والقاضي تقيُّ الدّين سُلَيْمَان، وابن الشّحنة، والمطعّم، وابن عَبْد الدائم، وسعد.
توفّيت فِي صَفَر.
[حرف القاف]
358-
قِلج رسلان [3] بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن شاهنشاه بْن أيوب.
الملك الناصر ابن المنصور، صاحبُ حَماةَ.
مَلَكَ بعدَ أَبِيهِ وبَقيَ فِي الأمر سنواتٍ تسعا. ثم أخَذَ أخوه الملكُ المظفَّر منه حماةَ بإعانةِ الملك الكامل. ثم بَقيتْ لَهُ قلعةُ بَعْرين، ثم أُخِذَت منه. فسافَر إلى مصرَ، فأُعطي بها خبزَ مائتي فارس، ثم بدا منه كلامٌ فَجٌّ فحَبَسَهُ الكاملُ بقلعَة الْجَبَل إلى أن ماتَ قبلَ وفاةِ الكامل بأيَّام قليلة.
[حرف الميم]
359-
محاسنُ بْن إِسْمَاعِيل بْن عَلِيّ، الأديبُ الشهيرُ.
شهابُ الدّين، الحَلَبيُّ، الشَّوّاءُ.
[1] وقيّد «عزيزة» و «عزية» و «عنان» بالحروف أيضا.
[2]
انظر عن (فخر النساء) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 468 رقم 2786.
[3]
انظر عن (قلج رسلان) في: مفرّج الكروب 4/ 89، والمختصر في أخبار البشر 3/ 129، والوافي بالوفيات 24/ 272 رقم 283، وشفاء القلوب 396، 397، وترويج القلوب 53.
كوفيُّ الأصل. بديعُ النظُمِ.
ماتَ بحلبَ فِي صَفَر سنةَ خمسٍ وقد كَمَّل السبعين.
360-
مُحَمَّد بْن أَحْمَد [1] بْن عَبْد الملك بْن عَبْد العزيز بن عبد الملك ابن أحمد بن عبد الله ابن البَاجي.
القاضي، أَبُو مروان، اللخميُّ، الإشبيليُّ، الأندلُسيُّ.
قاضي الجماعةِ بإشْبِيليَةَ.
سَمِعَ الكثيرَ من أَبِي بَكْر بْن الجدِّ الفِهْريّ، وغيرِه. وأجازَ لَهُ والدهُ أَبُو عُمَر، وأَبُو القاسم السّهيليّ، وجماعة.
ووَلِيَ قضاءَ إشْبِيلِيَةَ وخطابتَها مدّة طويلة.
قَالَ الأبَّارُ [2] : لم يَكُنْ من أهلِ العناية بالرِّواية. امتُحِنَ فِي الفتنَة عند مقتلِ ابْن أخيه متولّي إشبيلِيَة أَبِي مَرْوان أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد عَلَى يَدَيْ أَبِي عَبْد اللَّه بن الأحمر في سنة إحدى وثلاثين وستمائة. ورَحَلَ للحجَّ فِي سنة أربعٍ وثلاثين، فدَخَلَ دمشقَ من مَرْسَى عَكَّا، وسَمِعَ من أَبِي نصر ابن الشّيرازيّ. وحَجَّ وعادَ إلى مصرَ، فتوفّي بها فِي ربيعٍ الآخرِ.
قَالَ المُنْذريُّ [3] : فِي الثامن والعشرينَ منه. وكانَ من أعيانِ أهل الأندلُسِ، مشهورا بالصلاح والدين، مُقْبلًا عَلَى أمرِ آخرِته، فارّا بدينهِ من الفتنِ، راغبا عن صُحبة أهلِ الدُّنيا.
وقال أبو شامة [4] : فِي سنة أربع قَدِمَ القاضي أَبُو مروان مُحَمَّد بْن أحمد بن عبد الملك اللّخمي الإشبيليُّ، من بيتٍ كبيرٍ يُعْرَفُ ببيتِ الباجي، قدم في البحر
[1] انظر عن (محمد بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبار 2/ 637، والتكملة لوفيات النقلة 3/ 474، 475 رقم 2797، وسير أعلام النبلاء 23/ 29 رقم 22، والوافي بالوفيات 2/ 118 رقم 459، والمقفى الكبير 5/ 210، 211 رقم 1763.
[2]
في التكملة: 2/ 637- 638.
[3]
في التكملة: 3/ 474، 475.
[4]
في ذيل الروضتين: 164، 165.
إلى عَكَّا. وجَدُّهم أَبُو عَبْد الملك أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه من شيوخ أَبِي عمُر بْن عَبْد البَر.
قلتُ: أجازَ لشيخنا أَبِي نصر ابن الشّيرازيّ.
361-
مُحَمَّد بْن رشيدِ [1] بْن محمود بْن أَبِي القاسم.
رشيدُ الدّين، أَبُو عَبْد اللَّه، النَّيْسابوريّ، العطَّارُ، الصُّوفيّ، الكاتبُ المجوِّدُ.
كتبَ الناسُ عَلَيْهِ بجامعِ دمشقَ.
وحدَّث عن المؤيدَّ الطّوسيّ، وزينبَ الشعرية.
أجازَ للفخرِ إِسْمَاعِيل بْن عساكر، وللشيخ عليّ بن هارون، ولإبراهيم ابن أَبِي الْحَسَن المُخَرّميّ، وفاطمةُ بِنْت سُلَيْمَان، وجماعة.
وتُوُفّي فِي تاسع ربيع الآخر.
362-
مُحَمَّد بْن عَبْد الكافي [2] بْن عَبْد الرَّحْمَن.
تاجُ الدّين، أَبُو عَبْد اللَّه، الحنفيُّ، الْمَصْريّ.
حدَّث عن البُوصيريُّ، وغيره.
وتُوُفّي فِي شَعْبان.
363-
مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن شَبيب بْن سالم.
أَبُو عَبْد اللَّه، القَزَّازُ، الحَلَبيُّ.
سَمِعَ من شُهْدَةَ.
وعنه مجد الدّين ابن العديم.
وتُوُفّي بحلبِ فِي ربيع الأول.
364-
مُحَمَّد السلطان الملك الكامل [3] ناصر الدين، أبو المعالي.
[1] انظر عن (محمد بن رشيد) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 470 رقم 2792.
[2]
انظر عن (محمد بن عبد الكافي) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 487 رقم 2827.
[3]
انظر عن (السلطان الملك الكامل) في: مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 705- 709، وعقود الجمان
وأَبُو المُظَفَّر، ابْن السلطانِ الملكِ العادل سيف الدّين أبي بكر محمد بن أيوب ابن شاذي، صاحب مصر.
وُلِد بمصر سنة ستٍّ وسبعين وخمسمائة.
وأجاز له العلامة عبد الله بن بري، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن صَدَقَة الحرّانيّ، وعبد الرحمن ابن الخِرَقيّ.
قرأتُ بخطِّ ابْن مَسْدي فِي «معجمه» : كَانَ الكاملُ مُحِبًّا فِي الحديث وأهلهِ، حَريصًا عَلَى حفظِه ونَقْله، وللعلمِ عنده سوقٌ قائمةٌ على سوق. خرّج له أبو القاسم ابن الصَّفْراويّ «أربعين حديثا» وسَمِعَها جماعةِ. وحَكَى عَنْهُ ابن مَكْرَم الكاتبُ أن أَبَاهُ العادلَ استجازَ لَهُ السِّلَفِيّ قبل موت السِّلَفِيّ بأيامٍ.
قَالَ ابْن مسدي: ثم وَقَفْتَ أَنَا عَلَى ذَلِكَ. وأجاز لي ولا بني.
قلتُ: وتَمَلَّك الديارَ المصريّة أربعين سنة، شَطْرها فِي أيام والده.
وقيلَ: بل وُلِدَ فِي ذي القَعْدَةِ سنة خمسٍ وسبعين.
قَالَ المُنْذريُّ [1] : أنشأ دارَ الحديثِ بالقاهرة وعَمرَّ القُبَّة عَلَى ضريح الشافعيّ، وجَرَّ [2] الماءَ من بِرْكة الحَبَش إلى حوض السّبيل والسِّقايةِ، وهما عَلَى باب القُبَّة المذكورة. ووقف غير ذَلِكَ من الوقوف على أنواع من أعمال البرّ بمصر
[ () ] لابن الشعار 7/ ورقة 240، والتكملة لوفيات النقلة 3/ 485 رقم 2822، والحوادث الجامعة 58، وذيل الروضتين 166، ومفرّج الكروب 5/ 153- 171، وتاريخ مختصر الدول لابن العبري 250، ووفيات الأعيان 5/ 79- 92، والأعلاق الخطيرة ج 8 ق 2/ 520- 525، 534، وسير الأولياء للخزرجي 35، ونهاية الأرب 29، 227، 228، وأخبار الأيوبيين لابن العميد 144، والدر المطلوب 326- 328، ودول الإسلام 2/ 138، 139، والعبر 5/ 144، والإشارة إلى وفيات الأعيان 337، وسير أعلام النبلاء 22/ 127- 131 رقم 85، ومرآة الجنان 4/ 90- 93، والوافي بالوفيات 1/ 193، والبداية والنهاية 13/ 149، ومآثر الإنافة 2/ 81، وشفاء القلوب 317- 320، وتاريخ الأزمنة للدويهي 218، وبدائع الزهور ج 8 ق 1/ 268، وتحفة الناظرين 168، والأعلام 7/ 250، والنجوم الزاهرة 6/ 227، وحسن المحاضرة 2/ 33، والسلوك ج 1 ق 2/ 194- 261، وشذرات الذهب 5/ 171- 173.
[1]
في التكملة: 3/ 485.
[2]
في التكملة: «وأجرى» .
وغيرها. وله المواقفُ المشهودة [1] فِي الجهاد بدِميْاطَ المدّة الطويلة، وأنفقَ الأموالَ الكثيرة.
قلتُ: وأنشأ بالغربِ مدينة كبيرة جدا، وجعَلَها دارَ ملكه، وأسكنها جيشَه.
ومن شِعرِه كَتَبَه من دِمياط:
يا مُسْعِفي إنْ كُنْتَ حَقًّا مُسْعِفي
…
فَارْحَلْ بغَيرِ تَقيُّدٍ وتَوَقُّفِ
واطوِ المَنَازلَ والديار ولا تُنخْ
…
إلا عَلَى بابِ المَليكِ الأشرفِ
قَبِّل يَدَيْه لا عَدِمتَ وقُل لَهُ
…
عَنِّي بِحُسْنِ تَعَطُّفٍ وتَلَطُّفِ
إنْ تَأْتِ صِنْوَكَ عن قَريبٍ تَلْقَه
…
ما بينَ حَدِّ مُهَنَّدٍ ومُثَقَّفِ
أو تُبْطِ عن إنجادِه فَلِقاؤه
…
يَوْمَ القيامةِ فِي عِراصِ المَوْقفِ [2]
وكافحَ العَدُوَّ المخذولَ بَرًّا وبحرا ليلا ونهارا، يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ شاهده. ولم يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حتى أعزَّ اللَّه الإِسلْام وأهلَه وخَذَلَ الكفرَ وأهلَه. وكانَ مُعَظِّمًا للسُّنَّةِ النَّبوية راغبا فِي نشرِها والتمسُّكِ بها، مؤُثِرًا للاجتماع مَعَ العلماء والكلامِ مَعهم حَضَرًا وسَفَرًا [3] .
وقالَ غيره: كان الملك الكامل فاضلا عادلا، شهما، مهيبا، عاقلا، مُحِبًّا للعلماء يُباحِثهم ويفهمُ أشياء. وله شعرٌ حَسَن، واشتغالٌ فِي العلم.
وقيلَ: إنَّه شكَا إِلَيْهِ ركبدارٌ أستاذهُ بأنَّه استخدمه ستةَ أشهرٍ بلا جامكيَّة [4] ، فأنزلَ أستاذَه من فرسه، وألبَسَه ثيابَ الركبْدار، وألبسَ الركبدار ثيابَه، وأمَرَه بخدمَة الركبدار، وحَمْلِ مداسةِ ستةَ أشهر. وكانت الطّرق آمنة فِي زمانِه. وقد بَعُثَ ابنه الملك المسعود أقسيس، فافتتحَ اليمنَ والحجازَ وماتَ قبله، ووَرِثَ منه أموالا عظيمة. وكانت رايته صفراء.
[1] في التكملة: «المشهورة» .
[2]
الأبيات في: الحوادث الجامعة- ص 58.
[3]
تكملة المنذري 3/ 485.
[4]
الجامكية: الراتب.
وفيه يَقُولُ البهاء زهيرٌ:
بكَ اهتزَّ عطفُ الدّين فِي حُلَلِ النّصر
…
ورُدَّت عَلَى أعقابها ملّة الكفر
يقول فيها:
وأقسم إن ضاقت بنو الأصفرِ الكَرَى
…
لَمَا حَلمَتْ إلّا بأَعْلامِكَ الصفرِ
ثلاثة أعوام أقمت وأَشْهُرًا
…
تُجاهدُ فيهم لا بِزَيدٍ وَلا عَمْرو
ولَيلَةَ نَفْر للعَدوِّ رأيتُها
…
بكثرةِ مَنْ أَردَيتُه ليلةَ النَّحْرِ
فَيَا لَيْلةً قد شرّف اللَّه قَدْرَها
…
فَلا غَروَ إنْ سَمَّيتْها لَيلَةَ القَدْرِ
وهي من غُرَرِ القصائدِ.
ولمّا بَلغَتْهُ وفاةُ أخيهِ الأشرفِ سارَ إلى دمشق وقد تملَّكَها أخوهُ الصّالحُ فحاصَرَه وأخَذَها منه ومَلَكَها واستقرّ بقلعتها فِي جُمَادَى الأولى من السّنة، فلم يُمَتَّعْ بها، وعاجَلَتْهُ المَنِيَّةُ، وماتَ بعد شهرين بالقلعةِ فِي بيتٍ صغير، ولم يشعْر أحدٌ بموتِه، ولا حَضَرهُ أحدٌ من شدّة هيبته. مَرِضَ بالسُّعال والإسهال نيّفا وعشرين يوما، وكان فِي رجله نِقْرسٌ ولم يتحزنِ الناس عليه، ولَحِقَتهم بَهتةٌ لمّا سَمِعُوا بموته. وكان فِيهِ جَبَروتٌ. ومن عدِله الممزوجِ بالعَسفِ أنَّه شَنَقَ جماعةٌ من الأجنادِ عَلَى آمِد فِي أكيالِ شعير أخذوه، وكذا لمّا نَزَل دمشق، بَعَثَ صاحبُ حِمْص رجالَه نَجدةً لإسماعيل، عُدَّتُهم خمسون نفسا، فأخذهم وشنَقَهم كلَّهم.
ذكرَ شمسُ الدّين مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الْجَزَرِيّ [1] : أنَّ عمادَ الدّين يحيى البصراويّ الشريفَ قَالَ: حكى لي الخادمُ الّذِي للكامل قَالَ: طلب منّي الكاملُ طِستًا [2] حتى يتقيّأ، فأحضرتهُ. وكان الملكُ الناصرُ داودُ عَلَى الباب ليعودَ عمَّه، فقلت: دَاوُد عَلَى الباب. فقال: ينتظر موتي؟! وانزعج، فخرجت، وقلت: ماذا وقتك، السُّلطانُ منزعج. فنَزَلَ إلى دار سامة، وكان نازلا بها، ودَخَلْت إلى السلطانِ، فرايتُه قد قضى والطَّسْتُ بين يديه وهو مَكْبُوبٌ عَلَى المِخَدَّةِ.
[1] قول الجزري ليس في المطبوع من: المختار من تاريخه. وهو في: سير أعلام النبلاء 2/ 130.
[2]
في الأصل: «طست» .
قَالَ ابن واصل [1] : حكى لي طبيبه قَالَ: أصابه لمّا دخل قلعة دمشق زكامٌ، فدخل الحمَّام، وصبَّ عَلَى رأسه ماء شديد الحرارة اتّباعا لقول مُحَمَّد بْن زكريّا الرازيّ في كتاب سمّاه «طبّ ساعة» قالَ: من أصابه زكام، فصبّ عَلَى رأسه ماء شديد الحرارة، انحلَّ زكامه لوقته. وهذا لا ينبغي أن يعمل عَلَى إطلاقه. قَالَ:
فانصَبَّ من دماغه مادةٌ إلى فم مَعِدَتِه فتورَّمت، وعَرضَتْ لَهُ حمّى شديدة، وأراد القَيْء، فنهاهُ الأطباء وقالوا: إن تقيَّأ هَلَكَ، فخالفهم وتقيّأ فهلك لوقته.
قالَ ابن واصل [2] : وحكى لي الحكيم رَضِيَ الدّين قال: عرضت له خوانيق فانفقأت، وتقيّأ دما كثيرا ومدّة، وأراد القيء أيضا، فنهاه أَبِي موفّق الدّين إِبْرَاهِيم وأشار به بعض الأطبّاء، فتقيّأ، فانصَبَّتْ بقيَّةٌ المادّة إلى قصبَة الرئة، وسدَّتها فمات.
قَالَ ابنُ واصل [3] : استَوْزَرَ فِي أوّل ملكه وزير ابنه صفيّ الدّين ابن شُكْر، فلمَّا مات لم يستَوْزرْ أحدا، بل كَانَ يباشر الأمور بنفسه. وكان مَلِكًا جليلا، مَهِيبًا، حازما سديد الآراء حَسَن التّدبير لممالِكه، عَفيفًا، حَليمًا، عُمِرَت فِي أيامه ديارُ مصر عِمارةً كبيرة. وكانت عنده مسائلُ غريبةٌ من الفقِه والنّحو يوردها، فمن أجاب، حَظِيَ عنده.
قَالَ المُنْذريُّ [4] : تُوُفّي بدمشق فِي الحادي والعشرين من رجب.
قلتُ: دُفِنَ بالقلعة فِي تابوت، ثم نُقِلَ سنة سبعٍ وثلاثين إلى تُربة بنيت له إلى جانب السّميساطية، وفتح لها شباكٌ وبابٌ إلى الجامع الأُمَويّ. وخلَّف وَلَديْنِ: الملك العادل أَبَا بَكْر والملك الصالح أيوب، والصاحبة.
365-
مُحَمَّد بْن محمود [5] بْن يحيى، أَبُو عليّ، البغداديّ.
[1] في مفرّج الكروب 5/ 154.
[2]
المصدر نفسه.
[3]
مفرّج الكروب 5/ 157.
[4]
في التكملة 3/ 485.
[5]
انظر عن (محمد بن محمود) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 466 رقم 2777.
الحَماميّ.
وُلِد سنة ثمانٍ وخمسين.
وحدَّث عن أبي محمد عبد الله بن أحمد ابن النّرسيّ.
روى عنه أبو عبد الله ابن النجّار، وغيره.
وأضرَّ فِي آخرِ عمره.
وتُوُفّي فِي أوّل صفر.
366-
مُحَمَّد بْن مَسْعُود [1] بْن بهروز [2] .
الطبيبُ، المُعَمَّرُ، أَبُو بَكْر البغدادي.
حدَّث أن جدِّه قَدِمَ من العَجَم إلى بغداد فِي طلب علم الطبِّ.
وسَمِعَ هُوَ بإفادة خاله يحيى ابن الصّدر من أبي الوقت «مسند» عبد [3] ، و «الدّارميّ» ، وكتاب «ذمِّ الكلام» [4] . وسَمِعَ من: أَبِي الفتح بْن البَطّي وأَبِي زُرْعَة، وأَحْمَد بن علي ابن المعمّر الحسيني. وتفرّد بالسماع ببغداد من أَبِي الوقت.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو المظفَّر ابن النابُلُسي، وأَبُو القاسم بْن بَلَبان، وأَبُو بَكْر الشَّريشيّ، والرشيدُ أَبُو عَبْد اللَّه بْن أَبِي القاسم، وأَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد الغرَّافيّ، وأخوه مُحَمَّد، وأَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الفاروثيّ، والمجدُ مُحَمَّد بْن خَالِد بْن حمدون، والعمادُ أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن الأشقرُ خطيبُ الحرم، وأَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن أَبِي البَدْر، وأخته سِتُّ الملوك،
[1] انظر عن (محمد بن مسعود) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 488، 489 رقم 2831، والمعين في طبقات المحدّثين 198 رقم 2094، والإشارة إلى وفيات الأعيان 337، والإعلام بوفيات الأعلام 263، ودول الإسلام 2/ 140 وفيه:«أبو بكر بن محمد بن مسعود» وهو غلط، والعبر 5/ 145، وسير أعلام النبلاء 23/ 30، 31 رقم 23، والوافي بالوفيات 5/ 24 رقم 1987، والبداية والنهاية 13/ 151، وذيل التقييد 1/ 266 رقم 522، وتوضيح المشتبه 1/ 619، وعقد الجمان 18/ ورقة 212، والنجوم الزاهرة 6/ 302، وشذرات الذهب 173، 174.
[2]
تصحّف في: المعين في طبقات المحدّثين 198، وشذرات الذهب 9/ 173) إلى:«مهروز» ، وفي دول الإسلام إلى:«ميرور» .
[3]
هو عبد بن حميد.
[4]
لشيخ الإسلام الأنصاري.
وعبد اللَّه بْن أَبِي السعادات، ويوسف بْن صَعْنيِن، وطائفةٌ.
وأجاز للقاضيين: أَبِي عَبْد اللَّه ابن الخوييّ، وأَبِي الربيع سُلَيْمَان بْن حمزة، والفخرِ إِسْمَاعِيل بْن عساكر، وللشيخ عَلِيّ بْن هارون، وفاطمة بنت سليمان، وسعد بن محمد بن سعد، وعيسى بْن عَبْد الرَّحْمَن المُطْعِمِ، وأَبِي بكر بن عبد الدّائم، وابن الشّيرازيّ، وفاطمة بنتِ جَوْهر البعلبَكِّيَّةِ، وأَحْمَد بْن أَبِي طَالِب ابن الشّحنة.
تُوُفّي فِي مُسْتَهَلّ رمضان، وقد جاوَزَ التّسعين.
367-
مُحَمَّد بْن مُوسَى [1] بْن مُهَيَّا بْن عيسى بْن أَبِي الفتوح.
أَبُو عَبْد اللَّه، اللّخميّ، الإسكندرانيّ.
سمع من أبي طاهر السّلفيّ. وحدَّث.
ومُهَيَّا: بالياء [2] .
قَالَ المُنْذريُّ [3] : تُوُفّي فِي هذه السنة، ولنا منه إجازة.
ومُهَنّا- بالنّون- كثيرٌ.
368-
مُحَمَّد بْن نصر [4] بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن محفوظ بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن.
الشرفُ أَبُو عَبْد اللَّه، الْقُرَشِيّ، الدمشقيُّ، الفقيهُ.
ابنُ ابنِ أخي الشيخ أَبِي البيان.
ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة.
وسمع من الحافظ ابن عساكر. وحدّث.
[1] انظر عن (محمد بن موسى) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 493، 494 رقم 2843، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 329، 330، والمقفى الكبير 7/ 220 رقم 3284.
[2]
قيّده المنذري.
[3]
في التكملة 3/ 493.
[4]
انظر عن (محمد بن نصر) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 484، 485 رقم 2820، والعبر 5/ 145، والإشارة إلى وفيات الأعيان 337، والوافي بالوفيات 5/ 128 رقم 2134، والنجوم الزاهرة 6/ 302، وشذرات الذهب 5/ 174.
وكان فاضلا، أديبا، شاعرا، صالحا، مُنْقطعًا عن الناس.
رَوَى عَنْهُ: ناصر الدّين مُحَمَّد بْن عربشاه، وأمينُ الدّين عبدُ الصَّمد بْن عساكر، وابنُ عمِّه الشرفُ أَحْمَد بْن هبة اللَّه، والمجد ابن الحُلْوانية، وسعدُ الخير النابُلُسيُّ، وأخوه نصرُ اللَّه، ومُحَمَّد بْن يوسف الذهبيّ، وجماعةٌ.
وتُوُفّي فِي ثالث عشر رجب.
ورَوَى عَنْهُ من القدماء الزكيَّانِ البِرْزاليُّ والمُنْذريُّ [1] .
وذكره ابْن الحاجب فقال: إمامٌ زاهدٌ، وَرعٌ، كثيرُ الذكِر، لَهُ مؤلّفاتٌ عَلَى لسان القوم فِي الطريقة. وكان شيخ رباط عمِّه.
369-
مُحَمَّد بْن هِبَة اللَّه [2] بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن يحيى بْن بُنْدار بْن مَمِيل [3] .
القاضي، شمسُ الدّين، أَبُو نصرٍ، ابْن الشّيرازيّ، الدّمشقيّ، الشافعيّ.
وُلِد فِي ذي القعدة سنة تسع وأربعين وخمسمائة.
وأجازَ لَهُ: أَبُو الوقت السِّجْزيُّ، ونصر بْن سيّار الهرويّ، وجماعة.
[1] في التكملة 3/ 484، 485.
[2]
انظر عن (محمد بن هبة الله) في: مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 709، 710، وذيل الروضتين 166، والمعين في طبقات المحدّثين 198 رقم 2095، والإعلام بوفيات الأعلام 263، والإشارة إلى وفيات الأعيان 337، وتذكرة الحفاظ 4/ 1492، والعبر 5/ 145، ودول الإسلام 2/ 274، والمختار من تاريخ ابن الجزري 170، 171، وسير أعلام النبلاء 23/ 31- 34 رقم 24، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 117، 118، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 43 (8/ 106، 107) ، وطبقات الشافعية الوسطى له، ورقة 3129، وطبقات الشافعية لابن كثير، ورقة 168 أ، والبداية والنهاية 13/ 151، والوافي بالوفيات 5/ 157، 158 رقم 2187، وغاية النهاية 2/ 274، وذيل التقييد 1/ 273، 274 رقم 543، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 421، 422 رقم 396، ونثر الجمان للفيومي 2/ ورقة 95، والعقد المذهب لابن الملقن، ورقة 176، ونرهة الأنام لابن دقماق، ورقة 30، وعقد الجمان 18/ ورقة 210، والعسجد المسبوك 2/ 484، والنجوم الزاهرة 6/ 302، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي، ورقة 65، وقضاة دمشق 68، وشذرات الذهب 5/ 174.
[3]
تصحّف اسم «مميل» إلى: «جميل» بالجيم في: البداية والنهاية 13/ 151.
وسمع من: أبي يعلي ابن الحُبُوبيّ، والخطيب أَبِي البركات الخَضِرِ بْن شِبْل الحارثيّ، وأبي طاهر إبراهيم ابن الحصنيّ، والصّائن هبة الله ابن عساكر، وأخيه الحافظِ أَبِي القاسم، فأكثر عَنْهُ، وعَلِيّ بْن مَهْديّ الهلاليّ، وأَبِي المكارم عَبْد الواحد بْن هلال، وأَبِي المعالي مُحَمَّد بْن حمزة ابن الموازينيّ، ومُحَمَّد بن بَرَكة الصِّلْحِيّ، وداود بن مُحَمَّد الخالديّ، وأَبِي عَلِيّ الْحَسَن بْن عَلِيّ البطليوسي، وأبي المظفّر محمد بن أسعد ابن الحكيم العراقيّ، وجماعة.
وحدَّث بمصر والقدس ودمشق. وطالَ عمرهُ، وتفرَّد عن أقرانه.
رَوَى عَنْهُ البِرْزاليُّ، وابن خليل، والمُنْذريُّ وقال [1] : وَلِيَ الحَكَم بالبيت المُقدَّسِ، وغيره. ودرَّس، وأفْتى. وهو آخرُ من حدَّث عن الفقيه أَبِي البركات الحارثيّ، والصائن، وأَبِي طاهر الحِصْنيّ. وانفردَ بروايةِ أكثر من مائتي جزء من «تاريخ دمشق» .
ومَمِيل بالفارسية: مُحَمَّد.
وذكره ابنُ الحاجب فقال: أحدُ قضاة الشام استقلالا بعد نيابة.
قلتُ: استقلَّ بالقضاءِ مَعَ مشاركة غيره مُدَيْدةً. ثمّ لمّا استقلَّ بالقضاء القاضيان الشمسانِ ابنُ سنيّ الدّولة، والخويّي، عرضت عَلَيْهِ النيابةُ، فامتنع. ثم عُزِلَ فِي سنة تسع وعشرين بالعماد ابن الحّرَسْتانيّ، ثم عُزِلَ العمادُ فِي سنة إحدى وثلاثين، ووُلِّيَ ابنُ سنيّ الدّولة.
وكان ابنُ الشّيرازي يُدرِّس بمدرسةِ العمادِ الكاتب ثم تَرَكها، ثم درَّس بالشامية الكُبرى [2] . وكان رئيسا، نبيلا، ماضيَ الأحكام، عديمَ المحاباةِ، يستوي عنده الخَصْمانِ فِي النظر والإقبالِ عليهم. وكان ساكنا، وقورا، مليحَ الشَّيبَة، حُلْوَ الشكلِ، يُزجي غالبَ زمانه فِي نشرِ العِلْمِ وإلقاءِ الدَّرسِ عَلَى أصحابه.
[1] في التكملة 3/ 480.
[2]
هي المدرسة الشاميّة الشافعية بنتها بالعقيبة والدة الملك الصالح إسماعيل، كما في:«الدارس» 1/ 277 وغيره.
أخذ الفقه عن القطب النَّيْسابوريّ، وأَبِي سعد بْن أَبِي عصرون- فيما أُرى-.
رَوَى عَنْهُ: الشرف ابن النابلسيّ، والجمال ابن الصابونيّ، وأبو الحسين ابن اليونينيّ، ومُحَمَّد بْن أَبِي الذِّكر الصّقلِّيّ، وخديجةُ بنتُ يوسف الحماميّ، والشرفُ عبدُ المنعم بْن عساكر، والشرفُ أَحْمَد بْن عساكر، والشهابُ مُحَمَّد بْن مشرّف، وأَبُو مُحَمَّد ظافر النابُلُسيُّ، ومُحَمَّد بن عليّ ابن الواسطيّ، وأحمد ابن العمادِ عَبْد الحميد، ومُحَمَّد بْن يوسف الذهبيّ، وطائفةٌ سواهم.
وتفرَّد بالحضور عَنْهُ حفيده أَبُو نصر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد، وأَبُو مُحَمَّدٍ القاسم بْن عساكر.
وتُوُفّي فِي ثاني جُمَادَى الآخرة.
370-
مُحَمَّد بْن أَبِي الفتح [1] بْن حسين.
أَبُو عَبْد اللَّه، الحَرِيميُّ، الباقلانيُّ.
سَمِعَ من: دَهْبَل بْن كاره، وأخيه لاحِق، وعبد المغيث بْن زُهَير، وغيرهم.
وتُوُفّي فِي رجبٍ.
371-
مُحَمَّد بْن أَبِي الفضل [2] بْن زيد بْن ياسين بْن زَيْدُ. الخطيبُ، الإمامُ، جمالُ الدّين.
أَبُو عبد اللَّه، التغلبيُّ، الأرقَميُّ، الدَّولَعيُّ [3] ، الشافعيّ، خطيبُ دمشق.
[1] انظر عن (محمد بن أبي الفتح) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 486 رقم 2825.
[2]
انظر عن (محمد بن أبي الفضل) في: مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 710، 711، وذيل الروضتين 166، والتكملة لوفيات النقلة 3/ 477، 478 رقم 2805، والإشارة إلى وفيات الأعيان 337، ودول الإسلام 2/ 138، وفيه:«جمال الدين بن محمد» وهو غلط، والعبر 5/ 146، وسير أعلام النبلاء 23/ 24، 25 رقم 17، والوافي بالوفيات 4/ 327 رقم 1884، وطبقات الشافعية لابن كثير، ورقة 168 أ، والبداية والنهاية 13/ 150، 151، والعقد المذهب لابن الملقن، ورقة 78، ونزهة الأنام لابن دقماق، ورقة 30، وعقد الجمان 18/ ورقة 211، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 419، 420 رقم 389، والنجوم الزاهرة 6/ 302، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي، ورقة 70، وشذرات الذهب 5/ 174.
[3]
تصحّف في (مرآة الزمان) إلى: «العدولي» .
وُلِد بقرية الدَّولّعيَّة من قُرى المَوصْل فِي سنة خمسٍ وخمسين ظنَّا.
وقَدِمَ دمشق شابّا، وتفقَّه عَلَى عمِّه خطيب دمشق ضياءِ الدّين عَبْد الملك الدَّوْلعيّ وسَمِعَ منه، ومن: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن صَدَقَة، وشيخِ الشيوخ صدرِ الدّين عَبْد الرحيم بْن إِسْمَاعِيل، والخُشُوعيِّ.
ووَلِيَ الخطابة من بعد عمِّه وطالت مدّته.
روى عَنْهُ: المجد ابن الحُلْوانيّة، والجمال ابن الصابونيّ، وغيرهما.
وَحَدَّثَنَا عَنْهُ خادمُه الجمالُ سُلَيْمَان بْن أَبِي الْحَسَن الشاهد.
وتُوُفّي فِي رابع عشر جُمَادَى الأولى، ودُفِنَ بمدرسته التي بِجَيْرونَ- رحمه الله.
قَالَ أبو شامة [1] : وكان المعظم قد منعه من الفتوى مدّة. ولم يحجَّ لحرصه عَلَى المنصب. ووَلِيَ بعده الخطابة أخٌ لَهُ جاهلٌ.
وقال غيره: كَانَ ذا سمتٍ وناموسٍ. وكان يُفخِّمُ كلامه. وكان شديدا عَلِيّ الرافضةِ. درَّس مدّة بالغزاليّةِ.
372-
المباركُ بْن عَلِيّ [2] بن الحسين.
أبو عليّ ابن المُطَرِّزِ، الحَرِيميُّ، القزَّازُ.
سَمِعَ من: النقيب أَحْمَد بن عليّ الحسينيّ، وأبي الفتح محمد ابن البطِّي، ودَهْبَل بْن كارَه، وأخيه لاحقٍ.
رَوَى عنه: الشمس عبد الرحمن ابن الزّين، والتّقيّ ابن الواسطيّ، وغيرهما.
وبالإجازة القاضيان ابْن الخُوييّ، وتقيُّ الدّين بْن أَبِي عُمَر، وسعدُ الدّين بْن سعد، وعيسى السّمسار، وأحمد ابن الشّحنة، وجماعةٌ.
وتُوُفّي فِي رابع عشر ربيع الأول.
373-
محمود بْن عُمَر [3] بْن مُحَمَّد بْن إبراهيم بن شجاع، الشّيبانيّ.
[1] في ذيل الروضتين 166.
[2]
انظر عن (المبارك بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 468، 469 رقم 2787.
[3]
انظر عن (محمود بن عمر) في: عيون الأنباء 703- 710، وسيعاد في وفيات سنة 637 هـ برقم (509) .
الحانويّ، الحكيم، سديد الدّين، أبو الثّناء، ابن زُقَيْقَة [1] ، الطبيبُ.
والِد المُحَدِّث أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَد. كَانَ من رءوس علماء الطبِّ، ومن كبار الشعراء. نظم عدّة كُتُب فِي الطبِّ رَجْزًا فِي غاية السُّهولة والجزالة. ولازَمَ الفخر الماردينيّ، وهو مُحَمَّد بْن عَبْد السلام، وتخرَّج عَلَيْهِ فِي الطبِّ والفلسفة.
وكان لسديد الدّين يدٌ فِي الكُحْلِ والجراح، ويدٌ فِي التَّنجيم.
وقد رَوَى عَنْهُ المُوفقُ بْن أَبِي أصيبعة [2] الكثير من النثر والنظم، وصَحِبَه مدّة، وأثنى عَلَيْهِ وعلى علومه وقال: أخبرنا سديدُ الدّين من لفظه، حدّثني الفخر الماردينيّ، حدّثنا موهوب ابن الْجَوَاليقيّ، حَدَّثَنَا أَبُو زكريا التَّبريزيُّ، فذكر حديثا.
وُلِد بمدينة حيني [3] ونشأ بها، وعاش إحدى وسبعين سنة. وأقامَ بخِلاط مدّة وبميَّافارقين، وقدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، فأنعم عَلَيْهِ الأشرفُ، ورتَّبَ لَهُ جامكية إلى أن مات فِي هذه السنة.
374-
المُسْلِمُ بْن عبد الوهاب [4] بن مناقب بْن أحمد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن عليّ بن أحمد بن الحسين بن محمد بن إِسْمَاعِيل المُنقذيّ بْن جعْفَر الصادق.
الشريفُ، أَبُو الغنائم، العَلَويّ، الحسينيُّ، المُنَقِيُّ، الدمشقيُّ، الشُّروطيُّ.
سَمِعَ من: ابْن صَدَقَة الحرّانيّ، وأَبِي يَعْلَى حمزة بْن الْحَسَن الأَزْدِيّ، وإسماعيل الْجَنْزَويِّ، وأَبِي الفوارسِ الحسنِ بْن عَبْد اللَّه بْن شافع.
رَوَى عنه: المجد ابن الحُلْوانية، والفخرُ إِسْمَاعِيل بْن عساكر، وابنُ عمِّه بهاءُ الدّين القاسم.
تُوُفّي فِي حادي عشر رجب.
[1] قيّده المؤلّف- رحمه الله في المشتبه 1/ 322.
[2]
وقع في المطبوع من: تاريخ الإسلام (وفيات 635 هـ) ص 247 «أشيبعة» بالشين.
[3]
يقال: «حيني» و «حاني» وهي من مدن ديار بكر.
[4]
انظر عن (المسلم بن عبد الوهاب) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 484 رقم 2819، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 297، وسير الأولياء 144، والجواهر المضية 2/ 173.
375-
مكتوم بن أحمد [1] بن محمد بن سليم بْن مُجَلِّي.
أَبُو السرِّ، القَيْسيُّ، السُّوَيديُّ، الحَوْرانيُّ، الشافعيّ.
رَوَى عن: ابن صَدَقَة الحرّانيّ، وإِسْمَاعِيل الْجَنْزَويِّ، وجماعة.
وسَمَّعَ أولاده يوسف وعَبْد اللَّه.
وكان مولده فِي ذي الحِجَّة سنة خمسِ وخمسين وخمسمائة بالسُّوَيْداءِ من قرى حَوْران، لا السّويداء التي عَلَى مرحلتين من طيبة، ولا التي بقرب حرَّان.
قَدِمَ دمشق فِي شبيبته وسَكَنها، وتفقَّه عَلَى الخطيب عَبْد الملك الدَّوْلَعيّ.
وقرأ القرآن وأتقنه، ولقنَ بجامع دمشق مدّة.
وكان صالحا، متودّدا.
وسَمِعَ أيضا من: أَبِي اليُسر شاكرِ بْن عَبْد الله، وأَبِي المظفَّر أسامة بنِ مُنْقِذ.
وكان من جُملة الفقهاء الشافعية.
وهو جدُّ المعمِّر صدرِ الدّين إِسْمَاعِيل.
رَوَى عَنْهُ حفيده هذا، والفخرُ إِسْمَاعِيل بْن عساكر، وابنُ عمِّه البهاءُ قاسمٌ، وغيرهم.
وأجاز لجماعةٍ من شيوخنا. تُوُفّي فِي رجب.
376-
مَكْرَم بْن مُحَمَّد [2] بْن حمزة بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سلامة بْن أَبِي جميل، الشيخُ نجمُ الدّين.
أَبُو المفضَّل، ابْن الْإمَام المُحَدِّثُ أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي يَعْلَى بْن أَبِي عَبْد الله
[1] انظر عن (مكتوم بن أحمد) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 483، 484 رقم 2818، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 200، 201.
[2]
انظر عن (مكرم بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 482، 483 رقم 2816، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 15/ 313، والإشارة إلى وفيات الأعيان 338، والإعلام بوفيات الأعلام 263، والمختصر المحتاج إليه 3/ 206، 207 رقم 1244، وسير أعلام النبلاء 23/ 34، 35 رقم 25، ودول الإسلام 2/ 140، والعبر 5/ 146، والمعين في طبقات المحدّثين 198 رقم 2096، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 232، 233 رقم 177، وذيل التقييد 2/ 290 رقم 1649، والنجوم الزاهرة 6/ 302، وشذرات الذهب 5/ 174، 175.
القرشيّ، الدّمشقيّ، التاجر، السّفّار، المعروفُ بابن أَبِي الصقْر.
وُلِد بدمشق فِي رجب سنة ثمانٍ وأربعين.
وسَمِعَ من: حسّان بْن تميم الزّيات، وحمزة بْن أَحْمَد بْن كروَّس، وعَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الْحَسَن الدّارانيّ، والوزير سعيد بْن سَهْل الفلكي، وأَبِي يَعْلَى حمزة ابن الحُبُوبيّ، والصائن هبة اللَّه بْن عساكر، وعَلِيّ بْن أَحْمَد بْن مقاتل، وعَلِيّ بْن أَحْمَد الحّرَسْتانيّ، وأَبِي المعالي بنِ صابر.
وحدَّث فِي تجاراته إلى بغداد وحلب ومصر بهنَّ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد المُنْذريُّ [1] : كَانَ يَقْدَمُ مصر كثيرا للتّجارة.
وقال عمر ابن الحاجب: كَانَ يُواظِبُ عَلَى الخَمْسِ فِي جماعةٍ، ويشتغلُ بالتجارةِ. وكان كثيرَ المجونِ مَعَ أصحابه. ولم يكن مُكْرِمًا لأهلِ الحديث بل يتعاسرُ عليهم.
قلت: رَوَى عَنْهُ ابن خليل، والبِرْزاليُّ، والمُنْذريُّ، والضِّياءُ، وخلقٌ من المتقدّمين والمتأخّرين، وأَبُو حامد ابن الصّابونيّ، وأبو المظفّر ابن النابُلُسيّ، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن هامل، وأَبُو المجد ابن العديم الحاكم، وأبو عليّ ابن الخلَّالِ، وعبد المنعم بْن عساكر، وابن عمِّه الفخرُ إسماعيلُ، وابن عمِّه الشرف أَحْمَد، والمؤيّدُ عليّ ابن الخطيب، وعَلِيّ بْن عثمان اللَّمْتُوني، ومُحَمَّد بْن مكّي الْقُرَشِيّ، وأَبُو الْحُسَيْن اليُونينيّ، ومُحَمَّد بْن يوسف الذَّهبيّ، وسُنْقُر القضائيّ، والبهاءُ أيّوب بْن أَبِي بَكْر الحنفيّ، والشهابُ مُحَمَّد بْن مشرّف البزّاز، وموسى بْن عَلِيّ الموسويّ الشاهد. وأما الصدر إسماعيل بن يوسف بن مكتوم، فإنه سَمِعَ منه «الموطّأ» لكن خبَّط فِي اسمه كاتب الأسماء، فصحَّف يوسف بيونس، فبَقِيَ فِي النفسِ شيءٌ، وهو إن شاء اللَّه هُوَ.
تُوُفّي مَكْرَم فِي ثاني رجب بدمشق ودفن على والده بمقبرة باب الصغير.
[1] في التكملة 3/ 482.
377-
مُوسَى، السلطانُ الملكُ الأشرف [1] ، مُظَفَّرُ الدّين.
أَبُو الفتح، شاه أرمن، ابن الملك العادل أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن أيّوب.
وُلِد بالقصرِ بالقاهرة سنةَ ستٍّ وسبعين وخمسمائة.
وسَمِعَ من عُمَر بْن طَبَرْزَد. وسَمِعَ «صحيح» البخاريّ من أبي عبد الله ابن الزُّبَيْدِيّ.
رَوَى عَنْهُ الشهابُ القُوصيُّ، وغيرُه.
وَحَدَّثَنَا عَنْهُ أَبُو الْحُسَيْن اليُونينيّ بأربعين حديثا خُرِّجتْ لَهُ.
أعطاهُ أَبُوه أوَّلَ شيء القدس، ثم أعطاهُ حَرَّانَ والرُّها. وجهّزه أخوه الملك المعظمُ بالخيل والمماليك. وسارَ وتَنَقَّلَتْ بِهِ الأحوال، وجرت له أمور أشرنا إلى أخبارها فِي الحوادث. وكسرَ المواصلةَ، وكَسَرَ الخَوارَزميّة والروم. ولُقَّب شاه أرمن لتَملُّكه مدينة خِلاط، وهي قَصبةٌ أرْمينيةَ. وتملّك دمشق سنة ستٍّ وعشرين وأخذها من الناصر دَاوُد ابن المعظم، فأحسن إلى أهلها وعَدَلَ فيهم وأزالَ عنْهُم بعضَ الْجَوْرِ وأحبّوه. وكان فِيهِ دينٌ، وخَشيةٌ، وعفةٌ فِي الجملة، وسخاءٌ مُفرط حتّى لقد قَالَ ابنُ واصل [2] : كَانَ يُطِلقُ الأموالَ الجليلة ولم يسمع أنّ أحدا من
[1] انظر عن (السلطان الملك الأشرف) في: مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 711- 717، والتكملة لوفيات النقلة 3/ 465 رقم 2775، وذيل الروضتين 165، ووفيات الأعيان 5/ 330- 336 رقم 720، والحوادث الجامعة 105، 106، وزبدة الحلب 3/ 233، وتاريخ مختصر الدول لابن العبري 250، وتاريخ الزمان، له 284 وفيه اسمه:«عيسى» ، ومفرّج الكروب 5/ 137- 146، والأعلاق الخطيرة (انظر فهرس الأعلام) 3/ 731، وأخبار الأيوبيين لابن العميد 143، ونهاية الأرب 29/ 218- 222، والدر المطلوب 317، 318، و 320- 325، والمختصر في أخبار البشر 3/ 159، 160، وسير أعلام النبلاء 22/ 122- 127 رقم 84، والمختار من تاريخ ابن الجزري 167، والعبر 5/ 146، ودول الإسلام 2/ 138، والإشارة إلى وفيات الأعيان 338، ونثر الجمان للفيومي 2/ ورقة 86- 92، وتاريخ ابن الوردي 2/ 165، ومرآة الجنان 4/ 87، وطبقات الشافعية لابن كثير، ورقة 169 أ، ب، والبداية والنهاية 13/ 146- 148، والعسجد المسبوك 2/ 482، وتاريخ ابن خلدون 5/ 254، ومآثر الإنافة 2/ 82، والسلوك ج 1 ق 1/ 256، والنجوم الزاهرة 6/ 300، 301 وشفاء القلوب 290- 299، وتاريخ الأزمنة للدويهي 217، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 311، 312، وشذرات الذهب 5/ 175- 177، وديوان الإسلام 1/ 45، 46 رقم 37، والأعلام 8/ 280.
[2]
في مفرّج الكروب 5/ 138 وما بعدها.
الملوكِ والعُظماء- بعد آل البرمك- فَعَلَ فِعلَه فِي العطاءِ. ومن سعادتِه أَنَّهُ عاد أخوه الأوحدُ بخِلاط، فتماثَلَ ودخل الحَمَّام، فأراد الأشرف الرجوع إلى حَرَّان، فقالَ لَهُ طبيبُ الأوحد: اصبر، فإنّ الأوحد مَيَّتٌ. فأقامَ ليلة وماتَ الأوحدُ، فاستولى عَلَى مملكةِ خِلاطَ جميعها.
قلت: إلّا أَنَّهُ كَانَ منهمكا فِي الخمر والملاهي. وكَانَ مَليحَ الشكلِ، حُلْوَ الشمائلِ، وافرَ الشجاعةِ، يُقالُ: إنّه لم تُكْسَر لَهُ رايةٌ قطُّ. وكان يحبُّ الفُقراءَ والصالحين، ويتواضع لهم، ويَزُورهم ويَصِلُهم، ويُجيزُ الشعراءَ. وكان فِي رمضان لا يُغْلِقْ بابَ القلعةِ، ويُخرجُ منها صحون الحَلْواء إلى أماكن الفقراء. وكان ذكيَّا، فَطِنًا، يُشاركُ فِي الصنائعِ، ومحاسُنه كثيرةٌ، اللَّه يسامحُهُ.
قَالَ أَبُو المظفَّر [1] : وكان يحضرُ الملكُ الأشرف مجالسي بخِلاطَ وحَرَّانَ ودمشقَ، وكان عفيفًا. ولمّا كنتُ عنده بخِلاطَ قَالَ لي: والله ما مَدَدْتُ عيني إلى حريم أحدٍ لا ذكرٍ ولا أنثى. ولقد جاءتني عجوزٌ من عند بيت شاه أرمن صاحبِ خِلاطَ بورقة، فذكرتُ أنّ الحاجب عليّا [2] قد أخذَ ضَيْعَتَها، فكتبتُ بإطلاقِها، فقالت العجوز: هِيَ تسألُ الحضورَ بين يديك، فعندها سرٌ، فقلتُ: بسم اللَّه، فقامت وغابتْ ساعة ثم جاءت بها، فإذا هِيَ امرأةٌ ما رأيتُ أحسن من قدّها، ولا أظرفَ من شكلِها، كأنَّ الشمس تحتَ نِقابها، فخَدَمتُ، ووقَفْتُ، فقُمتُ لها، وقُلتُ: أنتِ فِي هذا البلدِ وما أعلم بكِ؟ فسَفَرَتْ عن وجهٍ أضاءَتْ منه المَنْظرةُ، فقلتُ: استتِري، فقالت: ماتَ أَبِي صاحبُ هذه المدينة، واستولى بُكْتُمر عَلَى البلاد، وكانَ لي ضيعة أعيشُ منها أخذها الحاجبُ عَلِيّ، وما أعيش إلّا من عمل النَّقْش وأنا فِي دور الكراء. فبَكَيتُ وأمرتُ لها بقماش، وأن يُصلحَ دار لسكناها، وقلتُ: بسم اللَّه. فقالت العجوزُ: يا خَوَنِد ما جاءت إلى خدمتك إلّا حتى تحظَى بك الليلةَ. فساعةَ سَمِعْتُ كلامها، أوقع اللَّه فِي قلبي تغيُّرَ الزمان، وأن يملكَ خِلاطَ غيري وتحتاج بنتي إلى أن تَقْعُدَ مثل هذه القِعْدَة فقلت: مُعَاذ اللَّه، والله ما
[1] في مرآة الزمان: 8/ 711، 712.
[2]
في مرآة الزمان: 8/ 714.
هُوَ من شيمتي، ولا خلوتُ بغير محارمي، فخُذيها وانصرفي كريمة. فقامتْ باكية وهي تَقُولُ: صانَ اللَّه عاقبتَك كما صُنْتَني.
وحدّثني قَالَ: ماتَ لي مملوكٌ بالرُّها، وخَلَّف ولدا لم يكن فِي زمانه أحسنُ منه، وكان من لا يدري يتَهَّمني بِهِ، وكنت أُحبُّه، وهو عندي أعزُّ من الوَلَد، وبَلَغَ عشرين سنة، فضرب غلاما لَهُ فمات، فاستغاثَ أولياؤه وأثبتوا أَنَّهُ قتَلَه وجاءوا يطلبون الثَأرَ، فاجتمعَ عليهم مماليكي وقالوا: نَحْنُ نُعطيكم عشرَ دِيَاتٍ، فأبَوْا، فطردوهم فوقفوا لي، فقلتُ: سلّموه إليهم، فسلّموه فقتلوه. خِفْتُ اللَّه أن أمنعهم حقَّهم لغرض نفسي.
قال أبو المظفَّر [1] : وقضيَّته بحرانَ مشهورةٌ مَعَ أصحابِ الشَّيْخ حياة لمّا بَدَّدُوا المُسكر من بين يديه، وكان يَقُولُ: بها نُصِرتُ.
قَالَ أَبُو المظفَّر: لمّا فارَقْتُ دمشقَ وطلعت إلى الكرك، أقمت عند الناصر، فكُنْتُ أتردّدُ إلى القدس من سنة ستٍّ وعشرين إلى سنة ثلاثٍ وثلاثين. ثم جرت أسبابٌ أوجبت قُدومي دمشقَ، فسُرَّ بقدومي وزَارني وخَلَعَ عَلِيّ، فامتنعتُ من لُبسِها، فقال: لا باللَّه ألْبَسْها ولو ساعة، ليَعلَم الناسُ أنك قد رَضيتَ وزالت الوحشةُ. وبعث لي بغلَه الخاص وعشرَه آلاف درهم، وأقمتُ بدمشق- إلى أن تُوُفّي- فِي أرغدِ عيشٍ معه.
وحدّثني الفقيهُ مُحَمَّد اليُونيني قَالَ [2] : حكى لي فقيرٌ صالح قَالَ: لمّا مات الأشرفُ رأيتُه فِي المنام وعليه ثيابٌ خُضْرٌ وهو يَطيرُ مَعَ الأولياءِ، فقلتُ: أيش تعملُ مَعَ هؤلاء وأنت كنتَ تفعلُ وتصنَعُ؟ فتبسَّمَ وقال: الجسدُ الّذِي كَانَ يفعلُ تِلكَ الأفاعيل عندَكم والروح التي كانت تُحِبُّ هؤلاء قد صارتْ معهم.
قَالَ: وقيل: إنّ هذه الأبياتَ من نظْمِه كتبَ بها إلى الْإمَام الناصر:
العبدُ موسى طوره لمّا غدا
…
بغداد آنس عندها نار الهدى
[1] في مرآة الزمان: 8/ 714.
[2]
مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 716.
عَبْدٌ أعَدَّ لَدَى الإلهِ وَسيلةً
…
دِينًا ودُنْيا أحْمدًا ومُحَمَّدا
هذا يقُومُ بنصرِه فِي هذه
…
عندَ الخطوبِ وذاك شافِعُه غَدَا
وممّا أنشدَه الملكُ الأشرف:
لَوْلا هَيَفُ القَدِّ وغُنْجٌ المُقَلِ
…
ما كنت تجرّعت كؤوس العذلِ
فِي حُبِّ مُقَرطَقٍ من التركِ يلي
…
أمري وأنا لَهُ وإن أصبحَ لي
وقال أَبُو المظفَّر [1] : كُنتُ أغشى الأشرف فِي مرضه لمّا أحسِّ بوفاته فقلتُ لَهُ: استعدَّ للقاءِ اللَّه فما يضرُّك؟ قَالَ: لا، والله، بل يَنْفَعُني. ففَرَّق البلادَ، وأعتقَ مائتي نفسٍ من مملوك وجارية، ووقف دار فرّخ شاه التي يقال لها: دارُ السعادة، وبستانَ النَّيْرَبِ عَلَى ابنته، وأوصى لها بجميعِ الجواهر.
وقال سعد الدّين بْن مَسْعُود بْن حَمُّويَه فِي «تاريخه» : وقَفَ دارَ السعادة عَلَى ابنته، وبستانَه بالنَّيْرَبِ، وأوصى لها بجميع الجواهر، وأعتَقَ مائتي مملوك ومائتي جارية. وفي آخرِ ذي الحجّة غُشِيَ عَلَيْهِ حتّى ظَنُّوا أَنَّهُ قد مات، فجاءوا بِهِ إلى القلعة من النَّيْرَبِ وقد أفاقَ.
قَالَ ابنُ واصل [2] : خَلَّف بنتا واحدة تَزَوجها ابنُ عمّها الملكُ الجواد يونسُ لمّا تملَّكَ دمشقَ، فلمّا مَلك عمُّه الصالح إِسْمَاعِيل دمشق ثانيا، فسخ نكاحها منه، لأنّه حلف بطلاقها فِي أمرٍ وفَعَلَهُ، ثم تزوّجها ثانية الملكُ المنصور وهي معه إلى الآن.
قلتُ: وقد أنشأ جامعَ العُقَيبة وكان حانة.
قَالَ أبو المظفَّر الْجَوْزيّ [3] : جلست فِيهِ لمّا فرغ، فحضر وبكى، وأعتقَ كثيرا من المماليكِ. وأنشأ بالقلعةِ مسجد أَبِي الدَّرداء، وأنشأ مسجدَ بابِ النصر، ومسجدَ القصبِ، ومسجد جرّاح، وجامعَ بيت الآبار، ودار الحديث، وأخرى
[1] في المرآة.
[2]
في مفرّج الكروب: 5/ 145.
[3]
في مرآة الزمان: 8/ 714.
بالجبل. ولم يخلف ولدا ذكرا. وأنشأ دارَ السعادة، وبالنَّيْرَبِ الدّهشة، وصُفَّة بُقراط.
ومن حسنات الأشرفِ قَالَ ابْن واصل فِي «تاريخه» [1] : وَقَعَت بدمشق فتنةٌ بين الشافعية والحنابلة بسببِ العقائد، وتعصّب الشيخ عزّ الدّين ابن عَبْد السلام عَلِي الحنابلة، وجرى بِذَلِك خبط طويل حَتَّى كتب عزّ الدّين إِلَى الأشرف يقع في الحنابلة، وذكر النّاصح ابن الحنبليّ وعرض بأنه ساعدَ عَلَى فتح بابِ السَّلامة لعسكر الملكِ الأفضل والملك الظاهر لمّا حاصرا العادلَ بدمشق. فكتبَ الأشرف بخطِّه- وقد رَأَيْته-: يا عزَّ الدّين الفتنةُ ساكنةٌ، فلعن الله مثيرها. وأمّا حديثُ بابِ السَّلامة فكما قَالَ الشاعر:
وجُرمٌ جَرَّهُ سُفَهَاءُ قَوْمٍ
…
فَحَلَّ بِغَير جَانِيهِ العَذَابُ
قَالَ: وقد تابَ الأشرفُ فِي مرضه، وأظْهرَ الابتهال والاستغفار والذِّكّر إلى أن تُوُفّي تائبا، وخُتِمَ لَهُ بخير.
وقالَ ابْن الْجَوْزيّ [2] : مَرِضَ الملكُ الأشرف في رجب سنة أربع وثلاثين وستمائة مَرَضَيْنِ مختلفين فِي أعلاه وأسفلِه، فكانَ الجرائحيّ يُخرج العظام من رأسه وهو يسبحُ اللَّه تعالى ويَحمَده، واشتدَّ بِهِ ألمه، فلَمَّا يئسَ من نفسه، قَالَ لوزيره ابن جرير: فِي أي شيء تكفّنوني؟ فما بَقي فِي قوةٌ تحملُني أكثرَ من غدٍ فقالَ: عندنا فِي الخِزانَة نصافي فقال: حاشَ اللَّه أن أُكَفَّنَ من الخِزانَة. ثم نَظَرَ إلى ابن موسك الأمير فقالَ: قمُ وأحضرْ وَديعتي. فقامَ وعاد وعلى رأسِه مِئزرُ صُوفٍ، ففَتحه فإذا فِيهِ خِرَقٌ من آثارِ الفقراء. وطاقياتُ قومٍ صالحين مثل الشَّيْخ مَسْعُود الرُّهاويّ، والشيخ يونس البيطار، وفي ذَلِكَ إزارٌ عتيق يُساوي نصفَ درهم أو نحوه فقالَ: هذا يكون عَلِي جسدي أتَّقي بِهِ حرَّ جهنم، فإنّ صاحبَه كَانَ من الأبدالِ، كَانَ حبشيا أقام بجبل الرُّها مدّة يَزْرعُ قطعةَ أرضٍ زعفرانا، ويتقوتُ منها
[1] مفرّج الكروب: 5/ 141، 142.
[2]
في مرآة الزمان: 8/ 715.