الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ستّ وثلاثين وستمائة
[حبس الوزير ابن مرزوق]
فِي أوّلها قبض الملك الجوادُ صاحبُ دمشق عَلَى الوزير صفيّ الدّين بن مرزوق، وأخذ منه أربعمائة ألف درهم، وسُجِنَ بقلعة حِمْص، فبقي ثلاثَ سنين لَا يرى الضَّوء. وقيل: حُبِسَ اثنتي عشرة سنة، ولكنَّ أسد الدّين شيركوه. أظهرَ موته [1] .
[ضعف سلطنة الجواد بدمشق]
وفيها تمَّهن الجوادُ وضعُف عن سَلْطَنة دمشق، وقايَضَ الملك الصّالح نجم الدين أيّوب بْن الكامل بدمشق سنجار وعانة. وكان الجوادُ قد سلَّطَ عَلَى أهل دمشق خادما [2] يقال لَهُ: النّاصح، فصادَرَهُم، وضرب، وعلّق [3] .
[1] انظر عن حبس الوزير في: المختار من تاريخ ابن الجزري 173، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 718، والبداية والنهاية 13/ 151، 152. وقد زاد المؤلّف- رحمه الله في المختار حكاية فقال: «قال المصنّف شمس الدّين: حكى لي الشيخ إبراهيم المرزوقي قال: لما تولّى الجواد بقي لا يفعل شيئا إلا برأي صاحب حمص، فاستشعر الصفيّ بن مرزوق من أسد الدين بعداوة بينهما منذ استوزره الأشرف قال: فعمل صفيّ الدين تابوت خشب وترك فيه جواهر وذهب ما قيمته مائتا ألف دينار وأكثر وأظهر أن أحد سراريه ماتت، وأنه لعزّتها يريد دفنها في داره، وهي اليوم مدرسة النجيلية بقرب الخوّاصين. وفتح شبّاكا إلى الطريق، ثم أطلع التابوت على أكتاف غلمانه إلى الجامع، وحضرت النّاس للصلاة عليها، وعمل العزاء وتردّد مقرئ إلى القبر، وسلّم إليّ صلاح الدين مفتاح القبة.
وبعد أيام مسك وصودر، ثم بعد قليل تخاصم خادمان للصفيّ، فراح الواحد إلى القلعة، وقال:
«معي بصحبة» ، فوشى بذلك إلى الجواد، فبعث القاضي وأمير جندار وجماعة ليحضروا التابوت، وكنت في الجامع، فطلبت وفتحت القبة، ثم فتحوا القبر، وأطلعوا التابوت وفتحوه عند السلطان ثم أطلعت» .
[2]
زاد في المختار: «لبنت كرخيّ» .
[3]
الخبر في: المختار من تاريخ ابن الجزري 173.
[1]
[وأمّا عماد الدّين ابن الشيخ، فإنه سار إلى مصر، فلامَهُ الملك العادل ابن الكامل، وتوعَّده، لكونه قام فِي سلطنة الجواد، فقال: أَنَا أمضي إلى دمشق، وأنزلُ بالقلعة، وأبعث إليك بالجواد. فقَدِم دمشق، ونزلَ بالقلعة، فأمر ونَهي وقال: أَنَا نائبُ السُّلطان، وقال للجوادِ: تسيُر إلى مصر. فاتّفق الجوادُ والمجاهد شيركوه عَلَى قتلِ عماد الدّين.
قَالَ أَبُو المظفّر ابن الجوزيّ [2] : ذكر لي سعد الدّين مَسْعُود بْن تاج الدّين شيخ الشيوخ قَالَ: خَرَجنا من القاهرة فِي ربيع الأوّل، فودَّع عمادُ الدّين إخوته فقال لَهُ أخوه فخرُ الدّين: ما أرى رواحَكَ رأيا [3]، وربّما آذاك الجوادُ [4] . فقال: أَنَا ملَّكْتُه دمشقَ فكيف يُخالفني؟ قَالَ: صَدَقْتَ، أنت فارقته أميرا، وتعود [5] وقد صار سُلطانًا [6] ، فكيفَ يسمحُ بالنّزولِ عن السّلطنة؟ وأمّا إذا أبيتَ، فانزِلْ عَلَى طَبَريَّة وكاتِبْه، فإنْ أجابَ، وإلَّا فتقيُم مكانك، وتعرِّف العادلَ. فلم يلتفت إلى قول فخر الدّين، وسار [7] .
قَالَ سعد الدّين: فنزلنا المُصَلَّى، وجاءَ الجوادُ فتلقّانا وسارَ معنا، وأنزلَ عمادَ الدّين فِي القلعةِ [8] . وقَدِمَ أسد الدّين شير كوه من حِمْص، وبعثَ الملك الجواد لعماد الدّين الذّهبَ والخِلَعَ [9] ، فما وصلني من رشاشِها مطرٌ [10] مع
[1] هنا كتب المؤلّف- رحمه الله بخطّه: «من هنا إلى آخر قصة عماد الدين ذكر في ترجمته» . وكتب في أول النص «لا» ، ثم كتب في آخره «إلى» ، وهو يعني أن هذا النص سيتكرّر في ترجمة عماد الدين «عمر بن محمد بن عمر بن حمويه الجويني» الآتية برقم (423) ويريد حذفه من هنا.
وقد أبقيت عليه لما فيه من زيادة واختلاف عما في الترجمة.
[2]
في مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 721- 724.
[3]
في الأصل: «رأي» .
[4]
في المرآة: «ابن مودود» .
[5]
في المرآة: «وتعود إليه» .
[6]
زاد في المرآة: «فتطلب منه تسليم دمشق وتعوّضه الإسكندرية ويقيم عندكم، فكيف تسمح نفسه بهذا؟» .
[7]
في المرآة: «وسار إلى دمشق» .
[8]
في المرآة: «بدار المسرّة» .
[9]
زاد في المرآة: «والخيل والقماش» .
[10]
في المرآة: «قطرة» .
ملازمتي لعمادِ الدّين فِي مرضِه، فإنَّه ما خَرَجَ من القاهرة إلّا فِي محفةٍ [1] .
ثم إنّ الجواد رَسمَ عَلَيْهِ فِي الباطن ومنعه الركوب، واجتمع بِهِ وقال: إذا أخذتم منّي دمشق وأعطيتموني الإسكندرية، فلا بُدَّ لكم من نائب بدمشق فاحسبوني ذَلِكَ النّائب، وإلّا فقد نفَّذتُ إلى الصالح نجم الدّين أُسَلِّم إِلَيْهِ دمشق، وأذهب إلى سنجار. فقال: إذا فعلت هذا، أصلحت بين الصالح وأخيه العادل، وتبقى أنت بغير شيءٍ. فقام مغضبا، وقصَّ عَلَى أسد الدّين ما جرى، فقال لَهُ:
والله لئن اتَّفَقَ الصّالحُ والعادلُ ليتركونا نشحذ فِي المخالي. فجاء أسدُ الدّين إلى عماد الدّين وقال: مصلحةٌ أن تكتب إلى العادل تستنزله عن هذا الأمرِ. فقال:
حتّى أروح إلى مقام بَرْزَة وأُصلّي صلاةَ الاستخارَة. فقالَ: تروحُ إلى بَرْزة وتهربُ إلى بَعْلَبَكَّ؟ فغَضبَ من هذا. ثمّ اتّفق شِيركُوه والجوادُ عَلَى قتله. وسافرَ شيركوه إلى حمص، ثمّ بعثَ الجوادُ يَقُولُ: إنْ شئْتَ أن تركَب وتتنزَّه، فاركَبْ، فاعتقد أن ذَلِكَ عن رضى، فَلَبِسَ فَرَجيَّة وبعَثَ إِلَيْهِ بحصانٍ، فلمّا خَرَجَ من باب الدّار، وقابله النصرانيُّ بيده قصَّةٌ فاستغاث، فأراد حاجبه أن يأخذها، فقالَ: لَا، لي مَعَ الصاحب شغلٌ. فقال عماد الدّين: دعوه، فتقدّم إِلَيْهِ وناوَلَه القصَّة، ثمّ ضَرَبه بسكِّينٍ عَلَى خاصرته بدَّد مصارينَه، وَوَثَب آخُر يضربه عَلَى ظهره بسكّين، فرُدّ إِلَى الدّار مَيْتًا. وأخذ الجوادُ جميعَ تَركَتِه، وعَمِلَ محضرا يتضمَّنُ أنّه ما مَالأ عَلَى قَتْلِه، وبَعَثَ إلى أَبِي، فقال: اطْلَعْ، فجهزِ ابن أخيك، فجَهَّزْناه، وأخرجناه.
وكانت له جنازة عظيمة، ودفنّاه بقاسيون في زاوية الشّيخ سعد الدّين ابن حمّويه.
وعاش ستّا وخمسين سنة.
وقد كتب مرّة عَلَى تقويم:
إذا كَانَ حُكْمُ النَّجْمِ لَا شَكَّ واقعا [2]
…
فما سَعْيُنا فِي دَفْعِه بنجيحِ
وإنْ كانَ بالتّدبيرِ يُمكنُ ردُّهُ
…
عَلِمْنا بأنّ الكلّ غير صحيح
[1] زاد في المرآة: «كنت كما قيل:
إن يطبخوا يوسعوني من دخانهم
…
وليس يبلغنا ما تنضج النار
[2]
في المرآة: «واقع» وهو غلط.