المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رحلتنا إلى الحجر - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ٦

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌ثم دخلت سنة (1385 ه

- ‌أخطار تهدد بني الإنسان

- ‌ المدير العام للمعارف السعودية سابقًا الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع

- ‌ذكر الوظائف التي نالها

- ‌وفاة رئيس الجمهورية العراقية

- ‌إعادة السلام بين الهند وباكستان

- ‌إذاعة جديدة

- ‌ثم دخلت سنة (1386 ه

- ‌شباب سعوديون يتخرجون من الجامعات الأمريكية

- ‌حادثة غريبة

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌قتل عالم من العلماء

- ‌الأوساط الإسلامية تناشد الرئيس جمال عبد الناصر

- ‌إعدام الشهيد

- ‌مولده وحياته

- ‌تعذيب الإخوان المسلمين

- ‌نوع آخر من التعذيب

- ‌ركن ينهد في شرقي المملكة

- ‌ أمير المنطقة الشرقية سعود بن جلوي

- ‌تشييع جنازته

- ‌عواصف شديدة ورياح مزعجة تهب على الشرق الأوسط

- ‌عقوبات للمفسدين وتنكيل بالمخربين والمعتدين

- ‌ثم دخلت سنة (1387 ه

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌حرب بن العرب وإسرائيل

- ‌ذنوب تحيط بأهلها وعقوبات عاجلة

- ‌تراجع العرب إلى جبهة القتال

- ‌المرابطة في الجبهة

- ‌أعمال الأسد الجريح

- ‌قتل المشير عبد الحكيم عامر

- ‌ذكر الأهوال والأحداث المريرة التي جرت من اليهود

- ‌ذكر ما جرى بعد نكسة حزيران

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌كائنة غريبة

- ‌ذكر الحرب الأهلية في نيجيريا

- ‌ذكر ما حصل من القتل والتشريد

- ‌تلفزيون القصيم

- ‌ذكر مقام إبراهيم عليه السلام

- ‌نافورة الريع

- ‌ثم دخلت سنة (1388 ه

- ‌مكة المكرمة تستهدف لأمطار غزيرة

- ‌ذكر ضحايا ذلك السيل

- ‌طعنة في الصميم

- ‌احتلال اليهود مطار لبنان

- ‌خلع رئيس الجمهورية العراقية

- ‌وفاة عالم ديني

- ‌ الشيخ سليمان الناصر السعدي

- ‌أخلاقه وشمائله

- ‌وفاة أمير القصيم سابقًا

- ‌عفوه وتجاوزه

- ‌أخبار عن وزير الدولة شلهوب

- ‌مصائب تنزل بالعالم

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر شيء من إصلاحات الملك فيصل

- ‌ثم دخلت سنة (1389 ه

- ‌عدوان صارخ أثيم

- ‌أعمال الفدائيين

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌إمارة فهد بن محمد بن عبد الرحمن

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌اعتداء أثيم

- ‌المبنى الكبير للجامعة الإسلامية

- ‌مصاب عظيم وركن ينهل في عاصمة المملكة السعودية

- ‌ الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله

- ‌دروسه وتدريساته

- ‌مقامات المترجم في الإسلام

- ‌تلامذة الشيخ محمد

- ‌تنبيه

- ‌ثم دخلت سنة (1390 ه

- ‌ذكر وفاة الزعيم جمال عبد الناصر

- ‌رياح تجتاح باكستان

- ‌فصل المعاهد العلمية

- ‌كشف طبي

- ‌رحلتنا إلى قطر عالم (1390 ه

- ‌التعريف بقطر

- ‌الاعتراف بالجمهورية اليمنية

- ‌بناء برج الرياض الحديث

- ‌مجازر أهوال تصيب العالم

- ‌فائدة عظيمة النفع

- ‌تخريج أناس من تحفيظ القرآن

- ‌ثم دخلت سنة (1391 ه

- ‌جراد في أفريقيا يلتهم ما مر عليه

- ‌شعب يتعرض للإبادة

- ‌ذكر ما جرى على المسلمين هناك من الخزي والتعذيب والهلاك والدمار

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌ الشيخ محمد حسين نصيف

- ‌وفاؤه وكرمه

- ‌وممن توفي فيها

- ‌وممن توفي فيها من الأعيان

- ‌وممن توفي فيها من الأعيان

- ‌ذكر شيء من نباهة المترجم وسياسته

- ‌شر عظيم وبلاء مستطير تعانيه باكستان

- ‌التهديد بحرب عالمية

- ‌موقف المملكة العربية السعودية

- ‌ضرب فيتنام

- ‌المعهد الفني في الظهران

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌إنشاء الهاتف الآلي

- ‌النظر إلى الماضي والحاضر

- ‌وفاة عالم من العلماء

- ‌ فالح بن مهدي

- ‌أخلاقه وصفاته

- ‌تنبيه

- ‌ثم دخلت سنة (1392 ه

- ‌رحلتنا إلى الجهة الشمالية الغربية

- ‌تيما والحديث عنها

- ‌صفة قتل أمير تيماء

- ‌محتويات تبوك

- ‌رحلتنا إلى الحجر

- ‌الوجه وموقعه والحديث عنه

- ‌مسيرتنا إلى ضباء

- ‌محتويات ضبا

- ‌مرئياتنا في مدين

- ‌ترتيبه لفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌أعماله التي كان يمارسها

- ‌غريبة من الحوادث

- ‌إصلاح مجاري مدن المملكة

- ‌حادثة من الحوادث

- ‌إنشاء مصنع كسوة الكعبة

- ‌أمطار على الأماكن السعودية

- ‌كتب أثرية ومخطوطات نادرة تلتهمها النيران

- ‌إعصار وفيضانات تضرب الفلبين

- ‌إسلام 450 مسلمًا بأفريقيا

- ‌ثم دخلت سنة (1393 ه

- ‌نشاط التعليم

- ‌زيارة الملك للقصيم

- ‌حادثة غريبة ونادرة عجيبة

- ‌انتهاك العراق الحدود الكويتية

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌ذكر كارثة في معرض باريس

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌قدح الزناد والحرب بين العرب وإسرائيل

- ‌الجبهة السورية وشدة موقعها

- ‌أعمال الفدائيين

- ‌خديعة أمريكا للعرب وخيانتها

- ‌فشل المؤتمر الذي سعى به كيسنجر

- ‌استدراك لما فات

- ‌رحلتنا إلى حائل

- ‌المعهد الزراعي

- ‌محطة بترومين

- ‌حالة عمّار

- ‌ الشيخ حسن إسماعيل الهضيبي

- ‌ذكر المحن التي مرق عليه

- ‌نشأته

- ‌مشائخه

- ‌شمائله وأخلاقه

- ‌وصمة عظيمة لولا الوقوف بطريقها

- ‌المرصد الفلكي

- ‌تكوين المسالخ في أمهات المدن

- ‌ثم دخلت سنة (1394 ه

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌ عمر السقاف وزير خارجية المملكة العربية السعودية

- ‌مشائخه

- ‌حادثة غريبة

- ‌التعويضات

- ‌سحب المياه لمدينة الطائف

- ‌عجائب الشفاء

- ‌زيارة الملك لمصر والاحتفال هناك

- ‌أبشع مجزرة بشرية في القرن الرابع عشر

- ‌اضطهاد المسلمين في زنجبار

- ‌ثم دخلت سنة (1395 ه

- ‌حادث أليم في هذه السنة

- ‌صفة الحادث

- ‌استشهاد الفيصل العظيم رحمه الله

- ‌ كر ما جرى بعد ذلك

- ‌تنبيه لما سبق

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌نشوب الحرب في لبنان

- ‌ثم دخلت سنة (1396 ه

- ‌ضرب المخيمات في لبنان

- ‌تقدم الزراعة في السعودية

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌بيان من وزارة الداخلية

الفصل: ‌رحلتنا إلى الحجر

فيها الثلاجات والبرادات والغسالات وما تحتاجه كل فلة من التطريز والخدمة وممن وجدناه من العمال في المدينة محجوب حسن سوداني عليه ثياب العمل فيها آثار الزيوت وأوساخ الحديد وقد تلقانا بصدر رحب وجعل يشرح لنا أعماله التي يقوم بها ويقول إنها تربطنا بكم أواصر الأخوة الإسلامية، وفي تبوك إدارة الجمارك والمالية ورئاسة المحاكم ومكتب العمل والعمال والشئون الاجتماعية والزكاة والدخل والصحافة والنشر والمباحث والاستخبارات والبرق والبريد وفيها التعليم بأنواعه من مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية والمعهد العلمي ومعهد إعداد المعلمين ومدارس البنات ابتدائية ومتوسطات للبنات ومعهد للبنات وتحتوي مدينة تبوك على مستشفيات وفرع أوقاف وفرع للزراعة والهلال الأحمر والجوازات ومصلحة الأشغال العامة وفرع لوزارة الأعمال والإشراف على قلم المطبوعات ورئاسة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، زرنا هذه الرئاسة وجلسنا مع الرئيس وأناس من الأعضاء وكانوا يستقبلوننا بصدور رحبة وممن زرنا من الأعيان الشيخ محمد الغُريّض بضم العين المعجمة وتشديد الياء وإخوانه وكانوا من قبيلة الحميدات وجدناه في معرضهم الكائن بتبوك وكان من أكبر المعارض هناك ويحتوي على مواد البناء بأنواعها على وجه العموم وفيه ثلاثة مكاتب ويرأسه أحمد الغُريّض فقد كان يعتبر من رجال الوطن هناك لما قام به من أدب ورجولة وكان يستقبل الزوار بصدر رحب، وفي ذلك المعرض شيخ بلدة تبوك عناد بن غريض كان من الأشخاص البارزين، ومن أعظم رجال الوطن ومررنا بسوق الخضار فوجدناه مملوء بالخضراوات والفواكه الشهية وكانت أسواق تبوك غاصة بجميع البضائع ولا سيما سوق البيع والشراء والأخذ والإعطاء هذا ونحن ممتطين سيارة الأمير عبد العزيز بن عبد الله التويجري يقودها بنفسه.

‌رحلتنا إلى الحجر

أما ما كان عن ديار ثمود فقد طلبنا من الأمير سليمان أن يسهل لنا الطريق بالمسير إليها ورؤيتها فقام بإعداد سيارة ورجال لخدمتنا وما تدعو الحاجة إليه إذ

ص: 220

كان الطريق إلى مدائن صالح والعُلى والوجه وضبا ومدين يتطلب عناية لما في تلك الجهات والمفاوز وسلوكها من المشقة وقد يوجد فيها وحوش من النمور والذئاب وغيرها من الحيوانات المفترسة وأصحبنا باثنين من الخويا وهما خالد بن عماش بن سليمان الفقير العنزي وهو رئيس أحد المراكز هناك والآخر هو محمد بن ناصر نصر الله الحويطي رجل آتاه الله بسطة في الجسم والمعرفة فقام الرجلان بسلاحهما يحملان البنادق والمسدسات مزودين بالحزم ولا ننساها لصاحبنا محمد ناصر فقد كان جعفنًا بالحديد للحراسة والخدمة وما تدعو الضرورة إليه، أما خالد فهو الوكيل المقدم في تلك الرحلة وكنا قد قمنا بدراسة الموضوع قبل المسير وكان خالد يعد من أفذاذ الرجال في الصيد وكان خِرِّيتًا ماهرًا في الدلالة يحمل أم خمس القصيرة ومسدسين، أما ما كان عن السائق فهو المدعو سعد خالد الزيادي من أهالي الطائف ويمتاز بحسن القيادة ولا يتجاوز التسعين في سيره، وكان قد قام بمهمته في شأن السيارة التي أتحفنا بها أمير تبوك تويوتا 72 مزودة بالماء الكافي والوقود والمحروقات وما تحمله على ظهرها من الأطعمة والأشربة وزاد السفر شكر الله للأمير {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} ، ولما أن سرنا من تبوك سلكنا طريق الإسفلت حتى أخذنا عنه إلى الحجر مع خط غير معبد إذ ذاك والجأنا البيت إلى أرض فلاة والساعة تشير إلى السادسة والنصف بعد منتصف الليل حيث سمعنا نباح كلب فاستأنس الرفقة بصوته بحيث كنا على مسافة كيلو ونصف وبعد شروق الشمس قام الرفقة لإعداد طعام الإفطار ومواصلة السير بين تلك الجبال في أرض رملية كأن تلك الجبال قد هندست بممر الزمان يميل لونها إلى الصفرة نمر بالجهراء ثم عروة ثم بواء وكانت السيارة تسير في طرق ضيقة لا يكاد يهتدي بها إلا الدليل الماهر ويقول خالد هذه قيعان الصنيع وهذا السريط وهذه المزيلقات حتى وصلنا إلى طرق بين جبلين يسمى المضيق يزعمون أن ممر ناقة صالح معه ويقدر عرضه بتسعين مترًا وحافتاه يمنة ويسرة قد تملستا من جنبي الناقة التي تملؤه إذا مرت وما أشبه ذلك بخرافة يذكرون أن ذلك الطريق هو الذي عقرت فيه الناقة {إِذِ انْبَعَثَ

ص: 221

أَشْقَاهَا (12)} وقصة الناقة وعقرها مذكورة في كتب التفاسير والتواريخ مما لا تتسع له هذه العجالة. وقد أفردنا هذه الرحلة بكتابة مطولة ووضعنا رسومًا لبيوت أمة نبي الله صالح عليه الصلاة والسلام في تلك الجبال والدموس بحيث كانوا ينحتون الصخر ويجعلونها بيوتًا حاذقين ومتجبرين، وكانت تلك البيوت آية تدل على قوة القوم وما مكن الله لهم بحيث ينحتون الصخر وينقشون الحجارة وهنا تصاوير منقوشة لم تتغير على مر الدهور والأزمان، أما ما كان من بيوت المدر ففي بطن ذلك الوادي قد سقطت أكوامًا على مر السنين وعلى أثر أمطار غزيرة هطلت في هذه السنة المذكورة في فصل الشتاء اجترفت بعض الآثار فخرجت أواني من الفخار على ظهر الأرض يشاهد منها آثار البوم والرحى، أما عن آبار ثمود فلا تزال موجودة منحوتة كبيوتهم استخدمها العصريون بعدما اندفنت وجعلها أربابها الحاضرون لسقي نخيلهم ودوابهم وأشجارهم، وكل واحد من المزارعين يزعم أن بئره هي بئر الناقة التي أقر الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه في الاستقاء منها، ونهاهم عن أن يشربوا من سائر بلاد الحجر ولا يتوضئوا منها للصلاة وما كان من عجين عجنوه فيعلفوه الإبل وكان صلى الله عليه وسلم لما مر بمدائن صالح قال لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم مثل ما أصابهم، وفي رواية أنه قال فإن لم تبكوا فتباكوا وقد حامت أفكار العلماء ودارت الآراء حوالي هذه المشكلة ولا سيما في هذه الأزمان التي سكنها أناس وأزالوا الأتربة عن الآبار وغرسوا النخيل والأعناب وسائر الأشجار وكانت الأرض قابلة للزراعة ولكن هنا معوق وهو ما ذكرناه والحديث رواه البخاري ومسلم وقد تكلم ابن حجر والنووي شارحا الصحيحين وأجادا وأفادا كل منهما على مقدرته وكان من العلماء من يشدد في الموضوع وآخرون تسامحوا في هذا الشأن وقد كونت الحكومة الإسلامية الشرعية السعودية لجنة من العلماء للنظر في ذلك والبتّ فيه وذكر لي فضيلة الشيخ رئيس المحاكم هناك صالح التويجري أنه أحد أعضاء اللجنة ولا أدري على أي وضع انتهت المشكلة بجواب قطعي، وقد

ص: 222

لاحظت بعيني رأسي أن ساكني تلك المنطقة أشباحهم ليست جميلة المنظر والجبال موحشة جدًّا ولا سيما بالليل فقد شاهدت البعوض تلسع بشدة كأنما وكلت بالليل بالأذى، أما عن بعض الرفقة الذين خرجوا من البيت وناموا في الفضا فقد شاهدوا وحشة شديدة. وقال القسطلاني في شرحه للحديث من صحيح البخاري عن هذا الحديث وفي الحديث كراهة الاستقاء من آبار ثمود، وهل هي للتحريم أو للتنزيه وعلى الأول هل يمنع صحته التطهير بذلك الماء والظاهر أنه لا يمنع وذكر أنه رواه النسائي في التفسير وقد أشبع الكلام وأسهب في الموضوع الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره فذكر عن طائفة من العلماء أنها لا تجوز الصلاة ولا تصح الطهارة بمائها واستدلوا بحديث علي المرفوع أن حبيبه صلى الله عليه وسلم نهاه عن الصلاة في خسف بابل لأنها أرض ملعونة قالوا والنهي يقتضي الفساد واحتجوا لعدم الطهارة بمائها بأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من استعماله في الأكل والشرب وهما ليسا بقربه، فدل ذلك على منع الطهارة به من باب أولى ثم رجح الشنقيطي أن من مر عليهما ينبغي له أن يسرع في سيره حتى يخرج منها كفعله صلى الله عليه وسلم وفعل صهره وابن عمه وأبي سبطيه رضي الله عنهم جميعًا وأنه لا يدخل إلا باكيًا للحديث الصحيح، فلو نزل فيها وصلى فالظاهر صحة صلاته إذ لم يقم دليل صحيح بدلالة واضحة على بطلانها إلى آخر كلامه. فإذا كان ينبغي لمن مر بها أن يسرع وأن يكون باكيًا فما حكم ساكنيها والمتقلبين في حراثتها والبناء فيها ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رفع الله مقدمه في دار الآخرة في مسائل أحد أبواب التوحيد الثانية أن المعصية قد تؤثر في الأرض وكذلك الطاعة وقد ألف الشيخ عبد الله بن زيد بن محمود رئيس المحاكم الشرعية القطرية كتابًا في هذا الموضوع أسماه

(1).

وبما أن السكان هناك قد تحرجوا لهذا الخلاف فقد طلبوا من الحكومة ألبت في الموضوع فإما أن يتركوا بأملاكهم التي توارثوها أبًا عن جد ولا مانع من بقائهم

(1) بياض في الأصل.

ص: 223

فيها، وأما إن كانت ممنوعة شرعًا فإنهم يبعثون رجاءهم بأن تقوم خسائرهم التي بذلوها ويرحلون عنها، وكنت وأنا واقف في تلك الجهات أنكر في الموضوع بعدما أبدى السكان لي هذه المسألة فرأيت سائلًا الله التسديد والتوفيق أنها لا تجوز سكنى المنازل والبيوت المنحوتة في الجبال والدموس، فأما هجر سائر الفضاء وعدم السكون فيه فلا يلزم الأمة الرحيل عنها والتباعد منها ولو أن كل موضع نزل فيه عذاب وجب هجرته لهجرت مكة وضواحيها لنزول حجارة من سجيل على أهل الفيل فيها ولتركت مدين بعدما كانت جنات وعيونًا لسحاب الظل الذي أمطرت به مدين لما كذبوا شعيبًا وكذلك مصر ومنازل قوم نوح وغيرهم قال الله تعالى:{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} وقال جل ذكره: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيفَ تَعْمَلُونَ (14)} ونحمل كلام الرسول عليه الصلاة والسلام لأصحابه في نزول الحجر وما حدثهم به من التهديدات والتخريفات تحذيرًا لهم من تكذيبه ورد دعوته وليتفكروا ويتذكروا عاقبة المكذبين أن في تلك البيوت المنحوتة في الجبال لآثار كالزباء أو القبور فيها بقية من المنسوجات القديمة وبقية عظام دميمة الله أعلم بحالتها، ولكن لبرودة تلك البيوت ورفرفة الرياح فيها ما يدل على أنها قد تكون قبورًا وكان هناك في الحجر محطة لقطار تركيا الذي يمر بها إلى المدينة المنورة، وقد تعطل سيرها وكانت في غاية عجيبة في قوة البناء قد أقيمت من حجر مسنمة السطح ممتدة في سكة القطار التي تمتد شمالًا وجنوبًا وإلى يمنة المحطة مواضع حجر متماسكة تحتوي على ماكنات وأفران حديد عظيمة الشكل قوية الوضع كذلك عن يسرة هذه المحطة نوافذ، وهي تدل على قوة بناء الأتراك بحيث لم تتأثر على طول ممر السنين وقد أشرنا إلى هذه السكة في أوائل الجزء الثاني من هذا التاريخ، وقد تعطل سيرها لما انفصلت الحجاز عن الشام وقام الأعراب يقتلعون تلك الصفائح من السكة ويجعلونها سقفًا لبيوتهم هناك ولأبوابهم، أما عن الكاتبة وهي الصخرة التي خرجت منها الناقة بإذن الله فهي صخرة جبلية شاهقة في السماء ملساء عظيمة لا

ص: 224

يستطيع الصعود إليها بقدر ارتفاعها بمائة وخمسين مترًا يزيد حجمها عن مسافة كيلوين وهي التي صعد إليها سقت ناقة صالح لما قال نبي الله أدركوا سقبها فإن حصلتم عليه نجوتم لكنه دعا ثلاث مرات يقول يا رب أين أمي ثم غاب ولم يستطيعوا الحصول عليه وكانت الكاتبة بأرض رملية ولما أن سرنا من الحجر إلى جهة الجنوب الغربي مررنا بموضع يدعى ثربة ومنه إلى شلاش ثم العذيب وفيه زراعة ونخيل وأشجار كما أننا جزنا إلى جبل يسمى معلق الحمادي قيل كان هناك صقور وكان أصحابه يدلون بحبل من أعلى الجبل ليصطادها من أوكارها وكان الحبل قد انتشب في موضع فلم يستطيعوا جذبه ولبث معلقًا بين السماء والأرض حتى هلك ومزقته الرياح والأمطار هذا ونحن نسير إلى العلا حيث مررنا بحجر منحوت أحمر اللون مستدير مهندس كأنه من نحاس مساحة حائطه اثنان وثلاثون سنتيمترًا كالإناء العظيم عمقه ثلاثة أمتار ودائرته عشرة أمتار وخمسة وسبعون سنتمترًا يزعمون أنه الإناء الذي تحلب فيه ناقة صالح عليه السلام وكان وضعه عجيبًا ونحته غريبًا ولا تظن إذا رأيته إلا أنه من نحاس لكنه حجر منحوت وحوالي ذلك الإناء الغريب الوضع أكوام من الحجارة كأنها مدينة قد تداعت فكانت أكوامًا من الحجارة وقد جعلنا له رسمًا في تلك الرحلة، وبعدما تجاوزناه مررنا بمدينة العلى وهي عبارة عن نخيل بين جبلين يقدر طولها بمسافة خمسة عشر كيلو ويحف النخيل إلى جهة الغرب مساكن الأهالي يتخللها أسواق من جملتها سوق البيع والشراء ورأيت العمال ينسفون في الجبل الغربي بالديناميت لتوسعة الشارع. وبالجملة فسوق البيع والشراء ضعيف ومناخ العلى على العموم غير صحي، وما زلنا نواصل السير في أراضي وطرق غير معبدة قد غمرتها حجارة سوداء بين تلك الجبال التي لونها حديدي حتى ألجأنا المقيل إلى ظل سمرة هناك فألقينا رحالنا وقام الرفقة يصنعون ما يصلحهم حيث كان لديهم ذبيحة من المعز وشيء من الفاكهة وكنت غير مرتاح من أتعاب السفر ومشقته. وبعد الغداء والمقيل سرنا حتى جزنا وادي الجُزُل وكان مملوء بشجر الفضاء وكانت السيارة رغم قوتها تكاد توقف عن

ص: 225

السير لكثرة الرمال وصعوبة ذلك الوادي لكننا لما سرنا بقدر من ثلاثين ميلًا وصلنا إلى أرض صخرية ويتخللها أودية كثيرة فلا تسمع إلا قعقعة الحجارة في ساعة ولى فيها النهار مدبرًا ومنذرًا بحر شديد وتشابهت الطرق وضل العارف الخريت الطريق فبينا كنا كذلك تبدى لنا بيت من شعر أسود فيه امرأة سألها بعض الرفقة فأشارت يمنة تقول هناك الطريق وقد كان جبل عويرض يصرفنا كيف شاء في منحنيات غير معبدة نسينا فيها سهل الأرض لحزونتها وقد غابت الشمس فنزلنا لأداء الصلاة جمعًا وقد قلّ الماء وخيف من المهالك لا من جهة وقود السيارة فقد كانت مؤمَّنة ولا من جهة قلة الماء فقد كنا في حالة يرثى لها إذ كنا نسير إلى غير جهة معينة وقد واصلنا السير إلى أن وصلنا إلى أرض ذات غابات كثيفة قد تكون مأوى للهوام حتى كانت الساعة تشير إلى الثلاثة غروبي فقام صاحبنا محمد ناصر يستنبح الكلاب إذا كان ثم كلاب بأن جعل يصفر ببندقيته فسمع نباح كلب على بعد فما فرح محمد ناصر بشيء فرحه بذلك بحيث اهتدينا إلى ذلك الصوت فاستقبلنا أعرابي يتبدى من بين تلك الجبال حواليه غنمه كان أسمر اللون من الرياح ولفح الهواجر شاخص البصر عليه أثواب وأطمار فسلمنا عليه وجعل يرحب بنا وقلنا مساك الله بالخير فأجاب حياكم الله تفضلوا انزلوا عندنا هذه الليلة فإن الأرض هذه أرض سباع ووحوش وفيها النمور والضباع والسمتاح فقلنا له تفضل معنا إلى طعام العشاء وأرنا الطريق فقال على رسلكم وإن الطريق قريب وجعل يصفه لنا وأنه يحف تلك الهضبة الحمراء ويمر من عند الهضبة السوداء، وجلس معنا على تكرمتنا فما فرحنا بشيء فرحنا بذلك الأعرابي الذي أنسنا به وأنس بنا وطلبنا منه أن يبيت عندنا وكانت تلك الجهة من مساكن بلي لأنها في ضفتي وادي الجُزْل وتمتد مساكن بلي في تلك السلسلة من الجبال ولما أن أكل وشرب اعتذر عن المبيت بأنه لا يقدر على أن يترك غنمه فريسة للسباع وجعل يذكر أشياء عن تلك الوحوش فقلنا له صف لنا بارك الله فيك السمتاح الذي تذكره فقال إنه حيوان على صفة الآدمي قد غاص رأسه بين كتفيه وهو مفترس وقد عجزت عنه الخيل والقوات

ص: 226

وقد افترس رجلًا وامرأتين وبعدما فرغ من العشاء قام مودعًا يقول أستودعكم الله وكانت حالته يرثى لها فسبحان من ألقى عليه الصبر في مكابدة تلك الفلوات والأودية وقد بدت مرفقاه وأسفل ثوبه إذا عصفته الرياح كأذناب البقر وبما أن تلك الجهة موحشة فإنا لا ننساها لخالد ومحمد في حراستنا تلك الليلة العجيبة، ولما أن تبدت أشعة الفجر قمنا للأذان والصلاة وسرنا سالكين الطريق المسمى (بالنجد) حتى تبدى بعد شروق الشمس بساعة وثلاثين دقيقة مركز بدي كان رئيس ذلك المركز رجل يدعى طويلع بن محمد النويعم وما أن علم بنا حتى وقف في الطريق وطلب من جميع أهل المركز أن لا يسبقوه في ضيافتنا فجلسنا لديه وكان عنده كتب منها رياض الصالحين وشرح موطأ مالك بن أنس في كتب أخرى وقدم لنا قهوة البن والحليب والشاي وتمرًا جديدًا يابسًا وقد ألح بالجلوس لتناول طعام الغداء غير أننا لا ينقصنا شيء من نعم الله التي زودنا بها أمير تبوك وكان يغتنم الفرصة ليطول الجلوس عنده وتظهر عليه آثار الوفاء ومحبة أولياء الله، وكان المركز مقامًا من الخشب ومسقوفًا بالسينكو كغيره من ساكن (بدي) أي أنها صنادق وذكر لنا مشاحة الأهالي فيما بينهم من جهة الماء والمساكن وهذه كعادة البدو يزدحمون في موضع وإن وكان الفضاء واسعًا وكان الماء فيه عذبًا قراحًا ويوجد هناك شجر الدوم بكثرة وبعد تبادل الحديث ذكروا لنا عن النجد وموضع مبيتنا الذي بتنا فيه الليلة الماضية أنه مخوف جدًّا من الغيلان والأشباح المستكرهة والحقيقة أني لو قلت أنها منازل الجن والشياطين والسعالي والوحوش والسباع لكنت غير مبالغ. أما عن جو بدى فمتسع وفيه زراعة ضعيفة ويوجد فيه من الآثار القديمة جابيه من وضع زبيدة زوج هارون الرشيد التي كانت في طريق حجاج العراق إلى مكة المكرمة، وقد رسمت الأرض وفيها نزاع بينهم ذكروا لنا أن الهيئات دائمًا بعثها للمشكلات هناك ولو أنهم قاموا بعمارات تلك المتسعات والفيافي القفر وقاموا بحفر الآبار وأبقى القنوات لكان أحسن من تلك المشاحة، وأملنا عظيم في حكومتنا أن تفتح المجال وتبذل المساعدات ليتسع العمران هناك فقد كانت الصحاري قاحلة ومن أعجب ما

ص: 227