الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووجهت القوات النارية على مخيم الفلسطينيين وأوقعت بهم إيقاعًا شديدًا سقط عشرات الألوف من الفلسطينيين صرعى على وجه الأرض فقد قيل أن الذين ذهبوا ضحية ذلك أربعة وعشرون ألف فلسطيني كانت ساعة لليهود يتفرجون فيها على العرب يقتل بعضهم بعضا ولا ريب أن ذلك يبعث الحزن والأسى وكان الذي حدى بحكومة الأردن أعمال اللاجئين حواليها بحيث أنهم قاموا بهدم بنايات وتقتيل رجال الأردن وغير ذلك من الفساد رغم أن الحسين قد آواهم وواساهم من تبرعات العرب والمسلمين فقام زعماء العرب ورؤساؤها وتدخلوا في الموضوع لحل ذلك النزاع واجتمعوا في مصر فتوقف القتال بين الأردن وفلسطين، وقرر زعماء العرب انسحاب الفلسطينيين عن الأردن وانفصلت الحالة عن أمر محزن وكان ذلك في منتصف النهار يوم الاثنن 28/ 7 من هذه السنة فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وفيها في 21 محرم وقعت هزات وزلازل في تركيا وهلك بسببها في أول وهلة ألف شخص غربي البلاد وتضرر السكان من ذلك.
ذكر وفاة الزعيم جمال عبد الناصر
لما انحسم النزاع بين الفدائين والأردن وودع زعماء العرب بعضهم بعضًا وساروا من مصر ذهب الرئيس جمال ممتطيًا سيارته يكابد شتى المشاكل ففي (1958 م) تمت الوحدة بين سوريا ومصر في إطار الجمهورية العربية التي كان جمال عبد الناصر يطلبها ولكن التجربة أثبتت أنها أصعب مما كان متوقعًا ولم تكن ثورة العراق (1958 م) عاملًا مساعدًا بل عائقًا وفي (1961 م) كان على الرئيس جمال عبد الناصر أن يعترف بانشقاق سوريا عن مصر وأعقبت هذه نكسة أخرى عندما أيدت مصر الثورة اليمنية (1962 م) ولم تحرز نصرًا سريعًا بل تورطت في حرب طويلة شاقة، ومع كل هذا كان الرئيس جمال قد أصبح زعيمًا بارزًا على المسرح العالمي عن طريق ارتباطه مع الرئيس تيتو والباندت نهرو في حركة عدم الانحياز
فظلت مكانته عالية لدى الذين يعظمونه حتى جاءت الضربات القاصمة التي أصابت مصر والعالم العربي في حرب الأيام الستة عام (1967 م) وأدرك الرئيس جمال عبد الناصر أن شعبه كان ينتظر نتيجة غير هذه للحرب فقدم استقالته من الرئاسة ولكنه عاد فسحب استقالته تحت تأثير الضغط الشعبي ومنذ عام (1967 م) كرس كل جهوده للمشاكل الناشئة عن الحرب فأعاد تكوين وبناء القوات المسلحة بمساعدة الروس استعدادًا لاحتمال وقوع حرب أخرى، ولكنه في نفس الوقت التزم بالسعي إلى حل سياسي إذا كان هذا ممكنًا وظل على موقفه هذا وهو يواجه شتى المشاكل الناشئة عنه نظرًا لأن الفدائيين الفلسطينيين ومؤيديهم يعارضون أي حل من هذا النوع ولما أن ودّع زعماء العرب القادمين إلى مصر لحل هذا النزاع بين الفدائيين والأردنيين وسار ممتطيًا سيارته أصيب بنزيف شديد في الأنف أعقبه ضعف شديد وبعدما وصل إلى قصره دعي له الأطباء وبعد إجراء الفحص رأت الأطباء أن أحد الشرايين للقلب قد أصيب بسدد، وحينما أرادوا أن يعملوا له عملية توفى قبل العملية وكانت وفاته في وقت صلاة العصر من يوم الاثنين 28/ 7 من هذه السنة فقامت إذاعات مصر تظهر الحداد وأخذت في تلاوة القرآن وهجرت جميع برامجها فأذيعت وفاته في الساعة الرابعة ليلًا وقامت غالب حكومات العرب وغير العرب تعلن الحداد عليه فقد أعلنت مصر الحداد لأربعين يومًا هاجرة الزينات والحفلات وأغلقت الدوائر وعطلت الأمة ثلاثة أيام حتى يشيع جثمانه يوم الخميس وأعلن الحداد عليه في الكويت أربعين يومًا وكذا في السودان وسوريا ولبنان هذا وما أن سمع العالم العربي بنبأ وفاة الفقيد العربي الكبير كذا تعبر عنه إنجلترا حتى أخذت الأنباء تتوالى عن وقع هذا النبأ في النفوس وأذاعت القاهرة أنها مدينة حزينة اليوم وفي حداد عميق على وفاة الرئيس جمال عبد الناصر واحتشد آلاف المصريين حول أسوار العالية للقصر الجمهوري بالقبة حيث يسجى جثمان الرئيس الراحل بأن تصدق أنباء وفاة زعيمه وقام الأهالي يصرخون بأصوات عالية (خذونا إليه خذونا إليه) وصار آلاف السكان بالقاهرة يهتفون بالأسواق (لا إله إلا
الله عبد الناصر حبيب الله) (عبد الناصر حبيب الله) وقاموا يمسكون صور زعيمهم المتوفى وقد استدعيت قوات ودبابات للسيطرة على الجماهير العربية الذين قاموا يصرخون بأصوات عالية (خذونا إليه خذونا إليه) وقد أغمي على 250 شخصًا وذكر أن امرأة توفيت بالسكتة القلبية إثر سماعها بنبأ وفاة الزعيم الراحل وفي لبنان اجتاحت الأهالي موجة من الحزن العميق هجروا مساكنهم وخرجوا إلى الشوارع قد احمرت أعينهم من شدة البكاء وحملت سيارات الإسعاف عددًا من الأشخاص إلى المستشفى لما أغمي عليها وأطلقت العيارات النارية بشدة هناك وعجت إذاعة بيروت بتلاوة القرآن وأعلن الحداد الرسمي في لبنان لمدة أسبوع وجاءت الأنباء من النواحي إلى نائب الرئيس أنور السادات يعزونه بوفاته ويقول سليمان فرنجية بتعزيته (الخطب جلل والمصاب كبير)، (لقد سقط في ساحة الشرف في سبيل القضايا العربية التي وقف حياته لها ولفظ آخر أنفاسه في خدمتها) وأقفلت أسواق بيروت وأشعلت حرائق في الشوارع وارتفع دخان أسود لهذه الحرائق بينما رفعت الأعلام السوداء وصور الراحل وكانت لعلعة رصاص الأسلحة الأوتوماتيكية لا تزال تسمع صباح ذلك اليوم في مختلف العاصمة اللبنانية وقام غالب الأهالي في سوريا وطاف آلاف في شوارع دمشق وهم يهتفون (ناصر حي .. ناصر حي) وعلقت لافتات فوق المحلات في دمشق مكتوبًا فيها تتوقف عن العمل لمدة ثلاثة أيام وأعلن الحداد الرسمي لمدة أربعين يومًا وامتلأت السفارة العربية المتحدة بكبار المسؤولين وامتلأت شرفات السفارة بنساء الجالية المصرية وعضوات من الاتحاد النسائي السوري وكنَّ يلوحن بمناديل سوداء ويبكين بحرارة، وكذلك القدس حصل فيها مظاهرات لم يستطع رجال البوليس تفرقتها إلا بخراطيم الماء لتفرقة المتظاهرين، وفي قطاع غزة فتحت القوات الإسرائيلية النار على المتظاهرين وكان المتظاهرون يقذفون بالحجارة حدادًا على الرئيس جمال وقام الرئيس نور الدين الأتاسي يرافقه الفريق الجوي حافظ الأسد والوزراء لتقديم التعازي ولما أن كان في يوم الخميس غرة شعبان قدمت الرؤساء والممثلون إلى مصر لتشييع جنازة الرئيس
وكان ذلك في الساعة الخامسة غروبي فلم يصل إلى قبره إلا في تمام الساعة الثامنة ظهرًا وكادوا يهلكون من شدة الزحام وقامت نساء مصر يشددن شعروهن ويلطمن وجوههن من شدة الجزع واختل النظام وقام المصريون يصرخون تارة بالتأبين عليه وتارة بتلاوة القرآن عجز المذيع عن أن يعبر من شدة البكاء وبحت الأصوات في مصر ينادون أيها الأخوة المواطنون المشهد أكبر منا جميعًا وجعلوا يهتفون باسمه وينادونه جمال عبد الناصر تبكيه القلوب وداعًا يا جمال وداعًا يا أغنى الرجال وداعًا يا أعز الرجال وداعًا يا منيل الأمال وداعًا يا من غرست فينا العزة يا من غرست فينا الكرامة من لنا من بعدك يا جمال يا جمال إلى أين؟ مصر تناديك الأمة العربية كلها تنادي إلى غير ذلك من الجزع وأنواع الهذيان والحزن وهذه مبالغة لم يجرؤ عليها أحد في وفاة الأنبياء والرسل فقد مات سيد الرسل وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وما جرى ذلك التأبين عليه، وقد توفي عن عمر يناهز الثانية والخمسين مخلفًا ابنين وبنتين خالد وعبد الحكيم ومنى وهدى وعن زوجة فالله المستعان، وآخر شيء نقوله عنه أنه لا لعدو قهر ولا لصديق نصر ولا لشعب عمر وسيجازيه الله الذي لا يظلم النقير ولا القطمير بأعماله التي فعلها وأبشع جريمة تدخله بحرب اليمن وإزهاق عشرات الآلاف من البشر بسببه وتعذيبه للمسلمين في مصر وقتله العلماء الشرعيين كسيد قطب وحسن البناء وغيرهم وانتهت حياته المملوءة بالدماء مضافًا إلى ذلك إذاعاته السرية في مسبة ملوك العرب وبثه الجواسيس والمباحثين حتى كان القريب يتجسس على قريبه والوالد على ولده وعكسه والأخ على أخيه وبعثه المخربين وتسليطه زبانيته على خلق الله قالت صحيفة البعث الإسلامي في عددها الرابع المجلد الخامس عشر رمضان (1390 هـ) ما نصه قضى من حياته أكثر من خمس عشرة في سياسة ملؤها بلبلة واضطراب وتأييد وإنكار وتغيير وإرهاب فكانت حياة أزعجت كثيرًا وأراحت قليلًا لقد مات والقدس الحزينة الواجمة تحت رحمة اليهود وسيناء وشرم الشيخ والضفة الغربية والجولان تحت حكمهم والمدن المصرية المدمرة المهدمة
تشهد بقصفهم ونيرانهم مات بعد أن ضيق على الشاب المغترب حياته في أوروبا وأمريكا حتى عز عليه أن يواجه الجمهور الساخر الشامت في أيام النكبة وبعدها مات بعد هزيمته فأصبح كذا وكذا وصار يحلف باسمه ويعكف لصورته فما ظنك به إذ لو كان منتصرًا حقًّا ترى ما تكون ألقابه إذا استرد سيناء مثلًا فالحمد لله الذي أنقذ مصر الحبيبة من الشرك السافر الجلي ومن عادة الصور والتماثيل والضرائح والقبور وأطال في التهكمات والسخرية (1) ونعود إلى التاريخ فنقول لما توفي خلفه في الرئاسة أنور السادات وكان حكيمًا مسالمًا في بداية أمره محمود السيرة.
وفيها عينت الحكومة السعودية أيدها الله لإمارة عسير وتلك المنطقة الأمير فهد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود ففرحت الأهالي واستبشروا فقد أذيع هذا الخبر وصدر الأمر الملكي بتعيينه وتوجه عدد من كبار موظفي الدولة وحشد من المواطنين وأبناء منطقة عسير المقيمين بالرياض مهنئين سموه بالثقة الملكية التي أولاه إياها جلالة الملك فيصل وترجو له التوفيق. هذا ولا يزال تبادل إطلاق النار بين الأردن وإسرائيل تغير إسرائيل على الأردن وترد عليها الأردن بالمثل كما أن الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على مواقع القوات المصرية فقد أغارت أربع وعشرون طائرة على مناطق السويس وبور توفيق والقنطرة والحرش.
وفيها في أوائل محرم يوم الجمعة 12 منه قام وزير المعارف السعودية حسن بن عبد الله آل الشيخ بزيارة رسمية للباكستان بصحبة عدد من الأعيان من بين أعضاء هذا الوفد عميد كلية الطب وعبد الوهاب أحمد عبد الواسع وكيل وزارة المعارف وكان الوزير حسن بن عبد الله إذ ذاك وزير الصحة بالنيابة واستغرقت الزيارة أسبوعًا كاملًا.
وفيها في يوم الأحد 2 ربيع الثاني قام صاحب الجلالة اللك المعظم فيصل بن عبد العزيز بزيارة رسمية لماليزيا فاستقبل هناك بكل حفاوة وأطلقت المدفعية
(1) قد أسلفنا في سنة 1374 نشأته ودراسته وأخلاقه كما مر فليراجع.