الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مات المداوى والمداوي والذي
…
صنع الدواء بكفه ومن اشترا
ولما قيل لأبي بكر الصديق حينما مرض وعاده الناس ألا ندعو لك الطبيب فقال قد رآني قالوا فأي شيء قال لك فقال إنه قال إني فعال لما أريد. وقيل للربيع بن خثيم لو تداويت وكان قد أصيب بفالج فقال لقد عرفت أن الدواء حق ولكني ذكرت عادًا وثمودًا وقرونًا بين ذلك كثيرًا كانت لهم أطباء فما بقي المداوي ولما المداوى، ولما أن كان المترجم في يوم الأربعاء 18 جمادى الثانية توضأ وذهب إلى المسجد صباحًا وبعد رجوعه من التدريس في المسجد في الساعة الخامسة قبل الظهر بساعة وافا ضيوفًا من خب العريمضي جاءوا لزيارته فأخذ في الوعظ والإرشاد حتى كل لسانه عن النطق وشق عليه الكلام فطلب من أبنائه أن يذهبوا به إلى الجابية ليتوضأ ويغتسل فلم يتمكن من ذلك لضعفه ثم أنهم ساعدوه على الغسل والوضوء وطلب منهم أن يذهبوا به المسجد وجعل يهذو بالصلاة والتدريس ويلهج بذكر الله واستغفاره ولما ذهبوا به عجز عن وصول المسجد فرجعوا به إلى البيت وشق عليه الكلام بحيث لم يفهموا كلامه إلا بشدة وذهل عن صلاة الظهر ثم أنه أمسك على لسانه ولم يكلم أحدًا من أحبابه وإخوانه وذلك من عصر يوم الأربعاء المذكور حتى توفاه الله تعالى في الساعة السادسة قبل صلاة الجمعة من اليوم 25 من جمادى الثانية فتأخر تجهيزيه وصلى عليه المسلمون بعد صلاة العصر من يوم الجمعة وحضر للصلاة عليه خلائق خرجوا من مدينة بريدة ونزلوا من القرى والضواحي الغربية والشمالية والجنوبية وبكوه وترحموا عليه وأصيب به المسلمون، فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
أخلاقه وشمائله
كان ربعة من الرجال أو أقل، متقشفًا في لباسه متواضعًا في جلوسه وهيئته كعادة العربي الذي لما يهمه لباسه وترفه إنما يهمه دينه وأخلاقه متواضعًا اجتماعيًّا يجيب الدعوة ويعود الرضى ويشهد الجنائز ويدارى ويأكل من كسب يده فكان رزقه في الحراثة والزراعة على قدر استطاعته يصعد إلى فرع النخلة وينزل من
ثمرها حتى تصدعت يداه ورجلاه في طلب المعيشة ليستغني عن الناس وكان عليه عباءة بيضاء لما تساوي عشرين درهمًا قد لبسها ومر عليها عشر سنين وليس ذلك عن قلة ولكنه متواضع ويصدع بالحق لما تأخذه لومة لائم وإذا أخذ في الخطبة والوعظ والإرشاد فإنها تكاد تفصم أوصاله مما يجده من فشو المخالفات والإكباب على الدنيا وذهاب الصالحين بصوت عالي جميل وترتيل وتخنقه العبرة ويحشرج صدره غير أنه يتمالك فلا يظهر منه ما يجرح العواطف ويسيء السمعة وذلك لسعة عقله وحسن معالجته للمشاكل فلا يؤذى كوعظته على جهة التخصيص بل كان لما يوجه أحدًا بما يكره وهذه حالة النبي الأعظم في خطبه صلوات الله وسلامه عليه فإنه كان يقول: "ما بال أقوام يقولون كذا وما بال أقوام يفعلون كذا" ولما يعنيهم خشية أن يحصل لهم خجل واستحياء بين الناس وهذه هي الضالة المنشودة والغاية المطلوبة نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لحسن الإرشاد والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذا عكس ما كان يفعله العابد الزاهد أخونا في الله عبد الله بن محمد أبا الخيل فإنه زميل للمترجم ويجمعهما بلد واحد وكان عبد الله يغضب غضبًا شديدًا ويحمل في موعظته وإرشاده على المسافرين إلى مصر والشام والعراق حملة شعواء وعبارة جافة جدًّا وهو وإن كان مصيبًا في ذلك ويقوم بعمل يشكر عليه غير أن المنحرفين قد لما يفيد فيهم العنف وقصة الحسن والحسين مع الشيخ الكبير الذي لما يحسن الوضوء معروفة ونصيحة الرسول عليه الصلاة والسلام وتوجيهه للرجل الذي أسلم وقال إني لا أترك الزنا مشهورة بحيث قبل إسلامه وبعدما لبث بين له الرسول مفاسد الزنا فعاهد الله على ترك الزنا وكذلك قصة صلة بن أشيم وعبد الله بن محمد بن عائشة معلومة ولما توفي الشيخ سليمان بن ناصر طلب مني أحد أنجاله أن أرثاه فكتبت هذه مرثية أنشأها الفقير إلى الله تعالى إبراهيم بن عبيد العبد المحسن في الأخ في الله والمحب فيه سليمان بن ناصر بن سليمان السعوي قدس الله روحه ونور مرقده وضريحه:
على علم أمسى رهين المقابر
…
نريق دموعًا من جفون المحاجر
وحق لذي لب يديم بكاءه
…
وحق على الأحباب سكب المواطر
وحق على الإخوان يبكوا ويندبوا
…
وحق على قلب دهي بالفواقر
يريق دموعًا وكفها مترادف
…
لخطب دهى من معضلات الزواجر
فما حل في ذا العام قط مصيبة
…
ورزء كفقد للسليم السرائر
لعشرين يومًا ثانيًا لجمادها
…
لست من الساعات في حر هاجر
ثمانٍ تلاها من ثمانين حجة
…
ثلاث مئين بعد ألف لسابر
فأعظم بها هدًا أصيبت معالم
…
هاك تعزى أمة من معاشر
إمام به أهل الفضائل قد قضوا
…
واشفوا على الفقدان يا عظم باتر
وأعني به من كان لله مخلصًا
…
تقيًّا نقيًّا صابرًا ذا بصائر
أبا ناصر لقد قضى اليوم نحبه
…
هلموا بنا يا قوم نبكي للمفاخر
أبا ناصر أمسى رهينًا للحدِه
…
وساروا به نحو القبور الدوائر
أبا ناصر هل كان إلا بقية
…
لقوم على عهد وفوا بالتناصر
يدين بقال الله قال رسوله
…
وأقوال أهل الحق من كل صابر
على هذه الدنيا فليس بعاشق
…
وما همه جمع وحب التكاثر
بلى إنه مُذ شب في العلم مولعًا
…
بوعظ وإرشاد وكشف لضائر
يحب ذوي الإيمان طبعًا وفطرة
…
ويبغض من لا يرعوي عن جرائر
وكان لأهل الدين كهنًا ومعقلًا
…
وثقلًا على الأعداء أهل التنافر
له في الولا باع وفي الكره مثله
…
لقوم تولوا عن طريق المفاخر
وينشر للتوحيد في الخلق معلنًا
…
يصيح به فوق الربا والمنابر
وما صده عن ذاك لومة لائم
…
ولما خاف مخلوقًا عظيم البوادر
بقية قوم عاهدوا الله وحده
…
على نصرة الإسلام أعلى المفاخر
ينادون بالتوحيد جهرًا بنيه
…
ولم يثنهم عن دينهم كل زاجر
وكان لعمري آية في ثباته
…
على الحق والإيمان غير مقامر
يجادل في الحق المبين تبصرًا
…
ويرشد حيرانًا بحكمة سابر