الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسيرتنا إلى ضباء
لما أن غادرنا بلد الوجه شاكرين لأميره وموظفي الدولة هناك حثثنا السير متوجهين إلى ضبا التي كنا قديمًا نسمع بها وذكرنا أشياء عنها في أواخر الجزء الثالث من هذا التاريخ بمناسبة حركة حامد بن رفادة والقضاء عليها. فنقول: في أثناء مسيرنا مررنا بواد قد أجدبت أرجاؤه ويبست أشجاره وتحطمت من قلة الأمطار وتكفأت فكنا نسير فيه بقدر من ثلاث كيلوات ونحن لا نرى إلا هشيمًا أسود، لكننا لما جزناه مررنا بحرة فيها بيوت من الشعر ضعيفة ووجدنا من بين تلك البيوت أعرابيًّا يرعى غنمه قد جعل الحنجر في محزمه، لكنه لما رأى على بعد سيارة فيها السيفان والنخلة أدار خنجره إلى جهة دبره واستقبلنا متواضعًا فدعوناه وقدم ذبيحة معز إكرامًا لنا وتقديرًا لرجال الحكومة، لكننا رفضنا قبولها إلا بقيمة فاشتريناها مقدرين له أدبه وسرنا بقدر من ست كيلوات حيث أوقفونا على آثار آبار قد اندفن بعضها وهي أربعة يطلقون عليها اسم آبار عنتر بن شداد وفي الحجارة حولها آثار حفر في الصخر يزعمون أنها آثار فرسه في حوافرها ولكنها فيما يظهر خرافة ولا يمكن أن تبقى له هذه الكرامة، وكان بعض تلك الآبار فيها مياه وهو إليها جابية للماء تدرها ثلاثة عشر مترًا مربعة كل جهة بهذا القدر مطوية بالحجارة وإلى جانبها جابية أخرى بقدرها قد تهدم بعض حيطانها مساحة الحائط أربعة وعشرون سنتم وحوالي تلك الآبار أعراب يسقون أغنامهم ففرحوا بنا وهم خائفون لرؤية تلك الأبهة من أن نكون مصدقين أو عمال التزكية وجعلوا يعرّضون يضعف الحلال غير أنا أخبرناهم أننا غير مصدقين ثم تجاوزناها حتى ألجأنا المقيل إلى ظل شجرة فنزلنا بها لنستريح وبينا نصلح طعامنا جاء أحد الرفقة بشيخ هرم قد لفحته الشمس وتركه الزمان ممزق الثياب يحمل مزوده على ظهره ويمشي على قدميه قد عصب رأسه بغترة من الصوف الأبيض الزركش، وكان يسير فإذا ما تعب جلس يستريح على المزود حتى وصل إلينا فسلم وقلنا له وعليكم السلام
ومرحبًا، ما هو الاسم الكريم فأجاب يقول عياد بن حمد الحر القرعاني ولي أنجال يعملون في وظائف الحكومة وأنا هنية أرعى الإبل والغنم وإني عارف بالتاريخ قد مر علي أيام الخديوي والأتراك والشريف ثم استلمها ابن سعود وكان عمره يقدر بالثمانين غير أنه يتمتع بنشاط وحيوية لأنه قليل اللحم مربوع القامة ويكنى أبو محمود فقلنا حياك الله أبا محمود وجعل يروي لنا أشياء من أخبار تركيا والحرب الجارية بينها وبين الشريف الحسين، وبينا هو يحدثنا أقبل صبي لا يتجاوز عمره السابعة معه ناقتان ومحتزم بحزام من الليف فربط الناقتين بشجرة وسلم علينا وكان شجاعًا ذكيًّا يتكلم بكلام الرجال بالرغم من صغر سنه فقال أبو محمود هذا ابني وكان أبو محمود يروي أخبارًا أدركها لكنه كعامي في قصصه وأخباره، وكان يتمتع برحابة صدر فشاركنا هو وابنه في طعامنا وكنت أعجب من وجوده في تلك الشعاب وقد سأله محمد بن ناصر بحيث كان بينهما معرفة هل لديه من يانس به فقال لدي أم محمود وأما البنت فقد تزوجت منذ سنتين وبعدما تناولا طعام الغداء انصرفا شاكرين يحملان بقية الطعام ولما أن أدينا الصلاة جمعًا قمنا نواصل سيرنا والساعة تشير إلى الثامنة ظهرًا فمررنا بقصر الأزنم وكانت قلعة من مباني تركيا قد تهدم بعضها وبقيت أطلال من بقايا الحجارة والجص وحواليها بئر ووجدنا أعرابيًّا ضخم الجثة قد ألقى كساء على شجرة وجلس في الظل كأنه على شاطئ النيل أو الفرات قد تخلل لحيته خيوط من الشيب وانك لتعجب لحالته في تلك الأودية والشعاب وكنا نتمشى في تلك القلعة التي غادرناها إلى وادي داما وما زلنا نواصل السير حتى وصلنا إلى ضبا في الساعة الحادية عشرة قبل الغروب بساعة تمامًا من يوم الجمعة 9/ 7 / 1392 هـ وكان جبل شار الذي يبالغ بعض الرواة في ارتفاعه يتبدى لنا وكانت ضبا تابعة في القضاء والإمارة لتبوك وكان أميرها إذ ذاك محمد بن عبد الله بن سعدون من أهالي ضرما ويقوم بالوكالة عنه عبد الرحمن بن محمد بن عقيل الأصل فيه من أهالي القصيم وهو من اليد ضياء ومن أشهر رجال القبائل فيها الشيخ محمد بن إبراهيم أبو طقيقة وفريح بن عمرية وسلامة بن