الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد نصبه على اسطوانة الغاز فيه حليب ودعانا إلى مكرمته فكنا نتناول من ذلك الحليب حسب رغبته وبكل حال فحالته غريبة عجيبة نسأل الله له التوفيق. وغادرنا ذلك الوضع إلى قطر بحيث قدمناها في الساعة الثالثة ليلًا بالتوقيت الغروبي.
التعريف بقطر
كان موضعه يقع على الساحل الشرقي من شبه جزيرة العرب في رأس من الأرض محاذيًا لشاطئ العقير وهو من المدن الواقعة على ضفة الخليج العربي استولى عليه البرتغاليون في سنة (922 هـ) وبعدها بإحدى وعشرين سنة جهز السلطان سليمان بن سليم القالوني أسطولًا بقيادة سليمان باشا وزير مصر لمحاربة البرتغاليين فسار في سبعين سفينة مسلحة بالمدافع الضخمة ومعه عشرون ألفًا فطرد البرتغاليين منها ومن غيرها مما استولوا عليه كما جهزت الدولة العثمانية جيوشًا فتحت الإحساء واستولت على تلك الجهات فتم للدولة العثمانية الاستيلاء على جميع جزيرة العرب في السنة الذكورة ولكنه قام بنو خالد بحملة فاستولوا على الإحساء والقطيف وما جاورها وذلك بعد مائة وسبع عشرة سنة وبعد ولاية الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود بعث إليها قوة لفتح قطر وبعد قتال شديد سقط فيه خلائق كثيرون أكثرهم من آل أبي رميح استولت القوات السعودية عليها وكان ذلك في سنة (1208 هـ) ولما أن جرى على الدرعية ما جرى بقتال إبراهيم باشا كانت قطر تحت نفوذ الخليفة ولكنه قام الإمام فيصل بن تركي بعد ما أعاد الله الكرة للمسلمين فزحف إلى قطر ونزل القادة ثم والى زحفه حتى نزل الماء المعروف بطريق سلوى وكان حاكم البحرين إذ ذاك علي بن خليفة قد نزل على قصر البدع ومعه قوة من رجاله وفي القصر كثير من الأطعمة والذخير والدافع الضخمة فأصدر الإمام فيصل أوامره على ابنه عبد الله أن يحاصر القصر فحاصره واشتد الحصار فهرب لذلك علي بن خليفة وركب ومن معه سفنهم وفروا إلى البحرين فاستولى عبد الله بن فيصل على القصر وما فيه ولما علم أهل قطر بما جرى طلبوا
الأمان من الإمام فيصل فامنهم وبايعوه على السمع والطاعة وكان رئيس قطر إذ ذاك محمد بن ثاني وبعد وفاة الإمام فيصل استولت الدولة العثمانية على الإحساء كما قدمنا ثم بعثت قوة من الجنود فاستولت على قطر وأصبحت تابعة لمتصرفية الإحساء وكان يقيم في قطر عدد من الجنود النظامية في ثكنتها الموجودة في الدوحة ويرسل إليها كل سنتين ونصف حاكم شرعي وقد استمر استيلاء الدولة العثمانية على قطر كهذا المنوال حتى سنة عشر بعد ألف وثلاثمائة وذلك لأنه لما توفي الشيخ محمد بن ثاني في سنة (295 اهـ) وخلفه ابنه قاسم بن ثاني كان له تجارة عظيمة في اللؤلؤ وله مرتب من الدولة سنويًّا وكان مسموع الكلمة بين قبائله وعشائره كان بالإضافة إلى أنه يدين بالسمع والطاعة للدولة العثمانية متصلبًا في دينه مواظبًا على طاعة الله ورسوله ويصرف أكثر وارداته على الجوامع والخطباء والأئمة والمدرسين فأرادت الدولة أن تتخلص منه فأرسلت إلى قطر مأمورًا اسمه محمد حافظ فأخذ يدبر في قطر ويتحين الفرص لأخذ الشيخ قاسم أسيرًا وقد علم قاسم بما يبيته له الباشا فأخذ يحتاط لنفسه فرأت الدولة أخذه بالقوة فأرسلت سفنًا حربية تحمل جنودًا شاهانية وأرسلت إلى حاكم الكويت محمد بن صباح وإلى خلف النقيب تطلب مساندة سفنها بجنود من عندها فأرسل محمد بن صباح جيشًا بقيادة أخيه مبارك بن صباح واشتبكت مع هذه القوات الشاهانية مع الشيخ قاسم ولحسن حظه كان الجيش الكويتي والإحسائي في سلوى التي تبعد عن موضع المعركة بمسيرة أربع ساعات بسير السيارة ولما أن دارت المعركة من وقت الصباح الباكر من يوم السادس من رمضان سنة عشر بعد ألف وثلاثمائة إلى غروب الشمس أسفرت عن انتصار قاسم بن ثاني فقتل من الجنود الشاهانية خمسمائة وأسر خمسمائة واستسلم محمد باشا وبقية الجنود للشيخ قاسم فعفى عنهم وبعد مدة أرسل السلطان عبد الحميد للشيخ قاسم ببرقية يأمره فيها بالإخلاد إلى السكون وعزل محمد باشا عن قطر أما الجيش الكويتي فحينما بلغته الهزيمة رجع أدراجه إلى الكويت وكان في أصله لا يحب الاشتباك مع قاسم وإنما سار ليظهر الطاعة للدولة العثمانية وقد
وقعت اشتباكات قبل ذلك أعني في (1281 هـ) بين قاسم وبين محمد بن خليفة حاكم البحرين كان آخرها انتصار القطريين على ابن خليفة وبعد وفاة الشيخ قاسم تولى الرئاسة في قطر ابنه عبد الله ولما أن توفي عبد الله بن قاسم في سنة (1376 هـ) خامس وعشرين رمضان خلفه في الرئاسة والحكم ابنه علي بن عبد الله وكان ذا كرم وإحسان ثم أنه تولى بعده ابنه أحمد بن علي وكان لآل ثاني همة عالية في طبع الكتب الدينية النفيسة الثمينة وينافسون في الكارم والفضائل.
أما عن القضاء في قطر فأسبق من عرف بتقلد القضاء فيه هو الشيخ محمد بن حمدان وكان ذلك من عام (1285 هـ) إلى عام (1310 هـ) وأسباب عزله أنه في حال الحروب الواقعة في سنة عشر من القرن الرابع عشر بين قاسم والعثمانيين نقم عليه شيء من ميوله إليهم فعزله قاسم عن القضاء فانتقل بأهله إلى دارين بالملكة العربية السعودية وتوفي بها، ثم أنه تولى القضاء بعده الشيخ عبد الله بن أحمد بن درهم وهو من أهل الحوطة في نجد وكان قد درس وأخذ العلوم الشرعية عن علماء أهل الرياض ثم انتقل إلى قطر واستوطنها فعينه الحاكم قاسم بن ثاني قاضيًا في قطر فكان يقضي بين الناس في بيته وفي المسجد وفي السوق كما هي حالة القضاة السابقين وقبل أن تظهر هذه المحاكم ثم أنه أسن وبلغ الشيخوخة فأقيل عن منصبه وفي عام (1332 هـ) تولى القضاء في قطر فضيلة الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع وكان قد دعاه إليها الحاكم بعد الله بن قاسم من البحرين فقلده أمانة القضاء فيها وبنى له المحل المسمى المحكمة على نفقة بعض المحسنين وهي الكائنة في شارع القاضي بفريق الجسر بالدوحة فكان يجلس فيها للتدريس والقضاء ونال درجة الإعجاب من قومه وذوي الفضل هناك وبما أن الشيخ محمد بن عبد العزيز قضت له الظروف برحيله إلى السعودية لينال مقامًا أكبر مما هوفيه وذلك في (1358 هـ) فإنه حج الحاكم في قطر عبد الله بن قاسم بعدها بسنة فطلب ابنه حمد بالنيابة عن أبيه من صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن ملك المملكة العربية السعودية أن يبعث إليهم قاضيًا في قطر فبعث اللك عبد العزيز إليها أحد الرجال الذين
يدرسون على الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع وتحت إدارته في مكة المكرمة وهو عبد الله بن زيد بن محمود رأيته في مكة ضمن الذين يدرسون على الشيخ في مكة المشرفة عام (1359 هـ).
وهذا شيء من ذكره والتعريف بنسبه هو عبد الله بن زيد بن محمود بن راشد بن إبراهيم آل محمود يجتمع نسبه بنسب الشيخ محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم فقيه نجد فإبراهيم وآل محمود وآل غامد أهل الشيخ في الأفلاج هما قبيلة واحدة من الأشراف وأولاد الحسن بن علي وكان محمود هذا قد خلف ابنين هما إبراهيم بن محمود وزيد بن محمود من ذرية إبراهيم الشيخ عبد الله هذا ويتفرع من ذريته أعني إبراهيم نسل كثيرون ومن آل زيد بن محمود بن يوسف بن إبراهيم بن سعد بن زيد بن عبيد بن زيد بن محمود وخلائق آخرون منهم الساكنون في الزلفى ولد الشيخ عبد الله بن زيد في حوطة بني تميم في ذي الحجة من (1329 هـ) فنشأ بين أبويه حتى ختم القرآن وحفظه عن ظهر قلب فكان يؤم الناس في رمضان وهو في الخامسة عشرة ثم أخذ يطلب العلم فابتدأ في القراءة على الشيخ عبد العزيز بن محمد الشتري أبو حبيب وأخذ عن الشيخ عبد الملك بن إبراهيم قاضي بلد الحوطة سابقًا، ثم سافر إلى قطر فأخذ العلم عن الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع فلازمه ثلاث سنين وحفظ متونًا من الفقه والنحو ثم ذهب إلى الرياض في رجب سنة (1358 هـ) فلازم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ولما أن طلبت الحكومة من الشيخ محمد ومن الشيخ عمر بن محمد بن سليم أن يعينا لها ثمانية أشخاص من الطلاب المتقدمين العارفين ليكونوا على حسب الطلب عند الحاجة كان من جملتهم لدى الشيخ محمد بن مانع في مكة المكرمة وكان قد حج حاكم قطر عبد الله بن قاسم بن ثاني وقد طلبوا قاضيًا فأشار الشيخ محمد بن مانع عليهم بالشيخ عبد الله بن زيد وقال لهم وإن كان صغير السن فسترون منه ما يسركم وما طلبوه من الملك عبد العزيز كان جوابه لهم أن قال والله لو طعتم ابن سعود لأرسلته إليكم وأصدر الأمر إلى الشيخ عبد الله بن حسن بصفة رئيس القضاة بأن يكف الشيخ عبد الله بن
زيد بالسفر مع آل ثاني إلى قطر فسار في 13 من شهر ذي الحجة سنة (1359 هـ) وتقلد أمانة القضاء فيها فكان يمارس أعمال القضاء ثم أنه عين الشيخ حسن بن محمد الجابر مساعدًا ولكنه لصدور الأمر من فضيلة حاكم قطر الشيخ علي بن عبد الله بن قاسم عليه باستصحابه معه في أسفازه وملازمته له في البلد للصلاة به والقراءة في الكتب اشتغل بذلك لكثرة ملازمته فعين الشيخ إبراهيم بن عبد الله الأنصاري عمدة قاضيًا في منطقة الخور يتولى القضاء في المستعجلة ولما توفي الشيخ إبراهيم الأنصاري عين بدله إبراهيم بن يوسف على أنه لم يكن للقضاة قبل ذلك سجلات ولا كتاب تحفظ للناس سائر ما أصدروه من الأقضية والأحكام وإنما غاية القضاء عندهم هو أن يخبر القاضي للخصوم شفهيًا بوجه الحكم فإن احتاج إلى تسجيل كتبه في رق ثم ناوله المحق بدون أن يحتفل بتخليده عنده. وفي عام (1370 هـ) اكتشف شركة إنكليزية في قطر حقلًا من الزيت وبوجود النفط زاد نمو قطر وازدهارها وثروتها وكان أهلها قبل ذلك يعيشون من استخراج اللؤلؤ من البحار فاتسع لذلك العمران وتكاثر بها السكان وأصبحت قطر غنية ورجع إليها أهلوها الذي أجلاهم الفقر عنها مسرورين بها فنشأت بها القرى والمناطق الكثيرة فلأجل هذا الحق بدائرة المحكمة الشرعية أشياء كثيرة من الأعمال الكبيرة الموجبة للتوسع في إدارة المحكمة وبناء على ما تقدم فإنها اقتضت ضرورة الحال مسايرة لهذا التطور أن أنشئت رئاسة المحاكم الشرعية في 1/ 1 / 1378 هـ وأسند رئاستها إلى فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد بن محمود وصارت هي المرجع الوحيد لسائر الأقضية والأحكام الصادرة من المحاكم الشرعية أما نسب آل ثاني فينتهي إلى تميم بن مر بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. ولما أن كان من المتبادر فعله الاجتماع برئيس المحاكم الشرعية وأصبح ذلك كواجب علينا فقد زرنا فضيلته في المحكمة الشرعية وكان نشيطًا في تأدية عمله وما وسد إليه من الأمور يباكر في الذهاب إليها سابقًا جميع الموظفين حتى لقد أخبرنا أن لديه مفتاحًا لأنه قد يأتي قبل البواب فيجلس مع طلوع الشمس ولا يزال جالسًا فيها إلى وقت الزوال
ثم يقوم لصلاة الظهر وبعدها يجلس للناس من بعد صلاة العصر إلى قرب غروب الشمس إضافة إلى ذلك أنه يفتح باب المحكمة على مصراعيه بدون حاجب ولا شرطي فيتصل به كل من له حاجة من بدوي وحضري وقروي وكبير وصغير وذكر وأنثى فينظر في شئون الأمة ويجلس الخصوم على كراسي بالقرب منه مباشرة وقد جعل للنساء غرفة فلا يختلطن بالرجال تتصل بقاعة المحكمة بواسطة شباك بحيث يخاطب المرأة القاضي بمشكلتها بدون أن تزاحم الرجال وكنت جالسًا إلى جانبه وإذا امرأة تطل من الشباك في النافذة من خلفنا لعرض مشكلتها ولا يترك حقًّا واردًا إلى المحكمة إلا وينهي موضوعه مهما كلف الثمن فكانت الأعمال تجري يوميًا فلا يترك شيئًا تفد إليهم إلا أن تتطلب القضية زيادة بينة فيضطر لذلك يقول نريد راحة المسلمين من كثرة التردد وراحة أنفسنا لأن الأعمال إذا تراكمت صعب حلها وقد دعانا لضيافته مرات وطلب منا أن نسكن في إحدى جهات المحكمة وأن يجعل لدينا خادمًا يقوم بالحشمة والخدمة غير أن صاحبنا رأى أن لا نكلفه بذلك وأخبرنا أننا بالفندق وجلسنا مع فضيلته أمام قصره بعد العصر وكان قد أعد كراسي يجلس عليها هو وأنجاله والزائرون فيتحدث معهم إلى قريب من غروب الشمس فيقوم ممتطيًا السيارة ليصلي بالناس في المسجد القريب منه أما الجُمع والأعياد فكان هو الخطيب والإمام فيها ولما أن كان يوم الجمعة 12/ 6 أدينا صلاة الجمعة في الجامع الكبير الذي يؤم فيه فضيلته وألقينا بعد الصلاة موعظة على الحاضرين تحث على التمسك بشعائر الدين وتعاليمه وطلب منا أن نتناول مأدبة العشاء في بيته وسار بنا من الغد في سيارته إلى الريان للسلام على النائب ولي العهد خليفة بن حمد آل ثاني وذلك في قصره الفخم المؤثث على الطراز الحديث وكان موضع الاستقبال بقدر طوله بعشرين مترًا وعرضه عشرة فكان الخدم في استقباله فإذا ما جلس الحاكم أو نائبه جعل يسلم الحاضرون بعضهم على البعض ويؤدون لفظة كيف أنت وكيف حالك إلى الإمالة يعني كيف وكان النائب يمثل مقامه وتتخايل فيه الذكاء والقدرة والدهاء وقد وقع ما نتوخاه به فقد غلب على العرش بعد ذلك وكان الحاكم إذ
ذاك غائبًا للمصيف في لبنان وأهدينا للنائب أجزاء من تاريخنا وبعدما أديرت القهوة العربية أبدينا له رغبتنا في التجول بقطر وضواحيها وذكرنا له بأننا لم نحظَ بشيء من الكتب الكبار بدعوى أن مدير المكتبة فيما يذكرون غائب فأجاب ألم يقم بن محمود باللازم بصفته رئيس المحاكم فأقمنا له عذرًا بأنه لم يقصر بواجبنا فيما يقدر عليه ولكن ما نريده لا يتم بدون مساعدة الحكومة فقام من فوره وأخذ الهاتف يؤكد على المسؤولين عن المكتبة بأنه إذا قُدِّر جدلًا أن المدير غائب فيجب تكسير الخزائن إذا لم توجد المفاتيح ونسلم ما نطلبه من الكتب وأصدر أوامر بالقيام بما يلزم نحونا من ضيافة وخدمة وركوب وإكرام وكلف أحد الرجال أن يوصلنا إلى الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري فقمنا شاكرين ووصى ذلك الخادم أن تنفذ الأوامر بسرعة فأركبنا الخادم بسيارة جيب واعتذر بأنه لم يحصل في تلك الساعة إلا عليها وما أن وصلنا إلى الشيخ الأنصاري حتى جاء ذلك الخادم بسيارة كذلك ممتازة مريحة بمكيفاتها يقودها سائقها وأخبرنا أن السائق والسيارة على حسابنا وتحت رغبتنا هذا وإنا لنشكر للحاكم خليفة بن حمد بما قام به من الحشمة والكرامة ولا سيما المسؤولون في الفندق حيث قدموا لنا ما نتطلبه سواء كان حاضرًا أو غائبًا حينما علموا أننا في ضيافة الحكومة ونزلت عليهم التدابير بذلك فكانوا يباشرون بحرارة واعتذار وجعل ذلك السائق الماهر يتردد على الفندق صباحًا ومساءً وعند أي طلب ولما أن كان في صباح الأحد الموافق 14/ 6 سرنا إلى الريان القديم والجديد لنرى القرى المجاورة للعاصمة وضواحيها وهي هذه العرافة المريخ الرخية الخريطات الحيسة أم صلال محمد أم صلال على أم قرن الخور سميسمة الذخيرة الوعب الشرب الغشامية الغويرة الفادية عذبه الرويس عين سنان المدينة الجديدة أبا الظلوف الماجدة الغويرية النعمان راس عشيرة الزبارة الكرعانة روضة راشد الخرسعة الوكرة الخرارة ترينه روضة عشام النصراتية العوينة دخان ركريت الشيحانية العطورية الصنع الحميلية أم باب البصير مسيعيد مصنع الاسمنت ميناء دخان وهي قرى متفاوتة ومنها ما هو إطلال وهناك آبار قديمة واسعة قد ركب في
بعضها مضخات لسحب الماء وفيها نخيل ومزارع ولكن الزراعة هناك ضعيفة وتحد قطر من شمال بالخليج العربي، وجنوبًا بالسبخات المتاخمة للربع الخالي، وشرقًا بالخليج وأبو ظبي، وغربًا عبر الإحساء وعاصمتها الدوحة. أما عن أسواقها مملوءة بالبضائع من الأقمشة وغيرها ونمر بمبيع الخضراوات والفواكه التي يوجد فيها عروق الزنجبيل الرطب وغصون التبغ الملعون فإنه موجود هناك بكثرة من أعجب ما رأيت في قطر، وأعجبني هدوء البلاد من الهيشات والخصومات فإنك لا تسمع اللغو فيها ولا كثرة المنازعات، وأعجبني فيها عدم اختلاط النساء بالرجال فلو قلت إني لم أر امرأة تسير مع الرجال لكنت صادقًا، وأعجبني نظافة البلد من الغبار والأوساخ والذباب، وكان النظام مستقيمًا بدون أذى من الشرطة على المواطنين، وكذلك المساجد فقد كانت مفروشة وغالبها بالزل الثمين وركبت فيها المراوح الكهربائية والمكيفات وجعلت فيها ساعات الحائط وإذا أذن للصلاة فإنها تمتليء المساجد بالمصلين ولديهم خصلة طيبة هي أنهم كانوا بعد الصلوات الخمس لا يبارحون المساجد سريعًا بل يتمهلون فمنهم من يتلو القرآن وآخر يستمع وآخر يفيد صاحبه وآخر يستفيد فلا يغلق المسجد إلا بعد 40 دقيقة من فراغ الصلاة وكان سكان قطر أخلاطًا من بني هاجر وبني مرة وقحطان وفيه أخلاط من اليمن وإيران وسكانه يقدرون بالنصف من أولئك.
وممن وجدت فيه من الرجال البارزين والأعيان الشيخ (قاسم بن درويش فخرو) كان من رجال الدين والعلم المتمسكين في عقائدهم وقد طبع شيئًا من المطبوعات الثمينة وأتاه الله بسطة في المال والجسم وله شخصية بارزة فتركيبه من أعظم الرجال ويعتبر أكبر تاجر هناك جلسنا معه وتحدثنا بحديث ذكر فيه صلته بالشيخ علي بن عبد الله بن قاسم آل ثاني وأنه من خاصة الشيخ تجمعهما أواصر الصداقة والأخوة وله صلة فوية به وجعل يحدثنا عن علماء قطر ويثني على الشيخ محمد بن مانع وكان في حديثه ومنطقه من أفذاذ الرجال وأهدى لنا شيئًا من مطبوعاته الثمينة وأخذ العلم عن الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع قلت له نريد
أن نكتب عن حياتكم وتبدي شيئًا مما كنتم فيه من الفضل والصلاح والرجولة ومكارم الأخلاق فذكر أنه لا يرغب في ذلك وقال ما كنت أرى أنني أهل لأن يكتب عني وكان عربيًّا أديبًا وأصله من بلاد إيران.
ومن الرجال البارزين والأعيان الذين وجدتهم هناك فضيلة الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري العالم الديني والحاسب الفلكي صاحب التقويم السنوي وهذا نسبه: هو الشيخ عبد الله بن الشيخ إبراهيم بن عبد الله بن علي بن محمد بن إبراهيم الأنصاري من الخزرج من سلسلة سعد بن عبادة كذا يقول عن نفسه وكان من العلماء المحترمين وهو مدير الشؤون الدينية هناك زرناه في مكتبه وكان عليه عمامة فوق الشماغ وذا أخلاق طيبة وعشرة ممتعة وأدب وتواضع ورجولة يصدق عليه أخلاق العلماء وله تمسك بالعقيدة السلفية وهو الذي تولى بأمر من الحكومة صرف الكتب التي طلبناها وكان عمره إذ ذاك يقدر بـ 63 سنة. ومن العلماء هناك أحمد بن حجر آل أبو طامي الابن علي القبيلة الشهيرة بقطر وبدارين من المملكة العربية السعودية رحل أبوه حجر إلى فارس في السنين التي جرت فيها المساغب والحروب في نجد وما يليها فولد الشيخ أحمد هناك أي بفارس وتعلم العلم لدى العلماء الموجودين في فارس ثم رحل إلى الإحساء فتعلم فيه ودرس على علماء الإحساء ثم استوطن رأس الخيمة من بلد الإمارات وتولى القضاء فيها سنين عديدة. وفي شهر ربيع الأول من عام (1378 هـ) وقع التعاقد الخارجي معه من جهة عبد الله بن زيد ليشغل منصب مساعد ثم رقي إلى منصب قاضي ومما ينسب عنه أنه كان فقيهًا ورعًا عارفًا بفنون المذاهب ويعرف اللسان الأعجمي ولديه في محكمته مترجم باللغة الهندية وكانت محكمته تقيم كاتبًا خطاطًا وكاتبًا بالآلة فيعتبر قاضيًا للمستعجلة هناك.
وقد اتفق بنا ضمن الذين تقدموا للسلام علينا رجل من رجال قطر يدعى مبارك بن عبد العزيز الدليمي أسمر اللون وفوق رأسه العقال وطلب بنا الجلوس في حفيزه وأهدى إلينا ديوان ابن مقرب وديوان ابن النحاس وبكل حال فإن بلاد
قطر تطلب المجد وتنافس في المفاخر. أما الكتب التي قام بها آل ثاني وطبعوها على نفقتهم توزع مجانًا فمنها الفروع لابن مفلح، وتصحيح الفروع، ومشكات المصابيح، والمقنع لابن قدامة، والكافي له أيضًا، وتاريخ العصامي، وغاية المنتهى، وشرح الغاية ستة مجلدات، وتفسير ابن الجوزي، ومختصر الأغاني لابن منظور، ومجموع المنقور، ولوائح الأنوار البهية للسفاريني، وقصيدة ابن عبد القوي، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح أربعة أجزاء، وثلاثيات مسند الإمام أحمد جزءان ضخمان، ومجموعة التوحيد، ومجموعة الحديث، ودواوين وغير ذلك مما بلغ عدده تسعين كتابًا وكلها نفائس ومدير المكتبات هو عبد البديع صقر ومما يذكر أن الحاكم علي بن عبد الله بن ثاني قام بغالب هذه المطبوعات جزاه الله خيرًا وقد تبرع مرة لإحدى المكاتب الدينية في البلاد الإسلامية بثمانين ألف جزء من الكتب الدينية والأدبية في البلاد نقلته عن مصدر وثيق. وفي صباح اليوم 16 من 6 ذهبنا لوداع النائب إذ ذاك خليفة بن حمد وأخبرناه بأننا عازمون على السفر بعد صلاة العصر فبعث معنا خادمًا أديبًا كان يتعهدنا ويتردد علينا ويعتبر من خيرة الرجال أدبًا وعقلًا ورجولة يتفقد شأننا وما نحتاج للسفر ويعرض علينا عن رغبتنا في السير برًا وجوًا وجاء في الساعة الثامنة بالغروبي بعد الظهر فما كان من وسيلة تتعلق بالسفر زاد أو مزاد إلا فعلها ولما أن ودعنا فضيلة الشيخ عبد الله بن محمود أرفقنا بكتابين فيهما التوصية لمركز أبي سمرة وسلوى بتسهيل سفرنا ووجدنا بالمركزين احترامًا وتقديرًا وسرنا من قطر حتى قدمنا الإحساء في الساعة الواحدة ليلًا بعد الغروب تزيد 15 دقيقة وواصلنا السير إلى الرياض يتخلل ذلك إقامة بين الإحساء والرياض للنوم فقدمنا الأخيرة صباح اليوم 17 من جمادي الآخرة شاكرين الله على التوفيق.
وفيها أطلقت العيارات النارية على السلطان سعيد بن تيمور فذهب على متن طائرة من طائرات سلاح الجو البريطاني يريد العلاج بلندن بعدما تنازل عن الحكم لابنه قابوس وكان سعيد بن تيمور قد حكم مسقط وعُمان تسعًا وثلاثين سنة وقد