الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المشاريع التي خدمت الأمة وبكل حال فإن الصناعة تقدمت تقدمًا غريبًا وقد طلب مني أحد موظفي جريدة الندوة في مكة الكرمة أن يطلعني على أعمال المطابع فيها ومما وجدته في الطابق الثاني أرصادًا جوية تختطف الكلام وتثبته في سجلات لنشر الأخبار فماكنة تلتقط اللغات الأجنبية وأخرى تثبت الكلمات العربية فطال عجبي لذلك فأخبروني أن الجامعة الأمريكية تحتوي على أربعة وعشرين ألف طالب وأن أوراق الامتحان تلقى في أماكن معدة لها فيخرجها الكمبيوتر مع جهة أخرى مصححة. وفي يوم الثلاثاء الموافق 19 شوال من هذه السنة الموافق 6 كانون الأول ديسمبر (1971 م) فتح بجامعة الرياض معرض للصخور القمرية التي رجع بها رواد الفضاء بمركبة أبولو 15 واستمر لمدة أربعة أيام واستدعي لمشاهدة العرض مجمعات من الموظفين والطلبة كما ستتاح الفرصة للنساء في صباح كل يوم في عرض خاص بهن ويتم خلالها مناقشة مختلف جوانب غزو الفضاء من قبل الدكتور وليام جرنبود أحد علماء تحليل الصخور القمرية والذي قدم خصيصًا لهذا الغرض والدكتور محمد عبده يماني أحد الدكاترة السعوديين المتخصصين في العلوم وأحد أسرة التدريس بجامعة الرياض والقصد من ذلك إطلاع الأمة على نوع أحجار القمر الذي أخذه رواد الفضاء من القمر ونزلوا به إلى الأرض هذا ما جرى لأول مرة ونشرته إحدى الجرائد السعودية ونشرت الأفلام صور لرئيس الولايات المتحدة نيكسون وهو واضع التلفون بين أذنه وفمه يكلم من الأرض من في سطح القمر بعدما هبطوا من مركبة الفضاء على سطح القمر وهذا يعتبر من غرائب هذا الزمان لأن العقول لا تصدق بذلك.
النظر إلى الماضي والحاضر
إذا نظرنا إلى حالة الفلاح من لدن نزول آدم إلى الأرض من ذلك الوقت الذي تخلله عاد وثمود وعفاريت سليمان بن داود عليه السلام، فإنا نجد أثارهم يحتفرون الآبار العظيمة في سعتها وقد ينحتونها أو ينضدونها بالحجارة العظام لاستخراج
الماء إلى ظهر الأرض إلى حال وضع التاريخ ويأتون بالبكرات المعمولة من الخشب الثمين على ما تقتضيه إرادة النجارين من كبرها وضخامتها وما تكلف من القيم الباهظة ويكون من أسفل هذه بكرات أخرى يطلق عليها الدراج مصنوعة أيضًا من الخشب الغليظ لا تتكلف هندسة إنما غرضها أن تكون قطعة من الخشب قطر دائرتها 70 سنتمترًا وطولها كذلك في كلا طرفيها محور من حديد ويكون للبئر أربعة قرون يمد عليها أخشاب تحمل البكرات مرتفعة وهنا أعمدة بين البكرات ليتسنى للغرب أن يخرج من بينها ولا تتحمل واجهة المبخات الذي طوله ذهابًا وإيابًا بقدر قعر القليب عن أربعة دلاء كل غرب من جلود الإبل قد يتكلف كمه وقبته وخرازته بقيمة باهظة فيكون في أعلاه الرشا في البكرة العالية وفي أسفله الكم وهو السريح للدراجة السفلى ويؤتى بالجمال القوية للساقية ثم يؤتى بالعامل الذي يسوق الجمال مقبلة ومدبرة يسوقها برفق إذا هي نزعت الماء وتارة بعنف إذا هي رجعت إلى البئر وحوالي البئر قد وكلوا من يحزم لقمات البرسيم والتبن ليقف الجمل ريثما يمتلئ الغرب وهكذا ويكن العامل محترمًا يطعمونه مما يأكلون ويسقونه مما يشربون خشية أن ينتقم منهم بأذى يصيب الجمال فتهلك وبينما هم في برهة من الزمن إذا بالأخطار تهدد باندفاع الرمال من أسفل البئر فتدفن الماء فيأتون لذلك بجذوع النخل أو بأخشاب غلاظ وتجعل كدائرة على أسفلها أو مربعة إن كان الوضع كذلك ثم يؤتى بأشجار الأشنان على ظهور الحمر من البر فتوضع فيما بين تلك الجذوع لتحفظ الرمال أن تنهد ويأخذون في احتفار قاعة البئر وقد تفور البئر من كثرة ما ينهد من أسفلها فتسقط وتأخذ مساحة من الأرض فتصبح هاوية ويخسرون ما وضعوا فيها من الأحجار ولا يتخلص من تلك الهاوية إلا بردمها ودفنها ولقد خرجت مرة في صحبة والدنا رحمه الله وعمري إذ ذاك لا يتجاوز العاشرة لزيارة مدين لنا وقبض دين السلم من التمور فركبنا حمرًا وسرنا إلى تلك القرية التي أظنها القصيعة على مسافة ميلين غربًا، وكنا نسير بين تلك المرتفعات والمنخفضات من الرمال إذ كان الصعود مشقة والهبوط مشقة نمر بأشجار الإثل في
كل مهبط ومنخفض ومرتفع تمثل غابات عظيمة تتقي بها الذئاب والكلاب والثعالب حتى تبدت لنا أعلام القرية حيث نمر بخب القصباء ولما أن وصلنا إلى صاحبنا فيها إذ هو بمنظر عجيب وحالة يرثى لها قد اسودت ثيابه من أوساخ الحيوانات حافي القدمين قد تصدعتا من البرد والشوك ومن صدمات الحجارة وفوق رأسه قلنسوة من وبر الإبل والله لو غسلت يومًا كاملًا بالصابون والماء لما ذهبت أوساخها، فرحب بنا وذهب بنا إلى مجلس القهوة ولما أن دخلنا ذلك المجلس وجدنا حيطانه وسقفه قد اسودت من طول ما تلاقيه من دخان كرب النخل واخثاء البقر والإبل فجلسنا وكنت ألاحظ حبلين مربوطين كانا بأذنيه أظن أنه يشد بهما القلنسوة على رأسه لثقلها فقدم لنا رطبًا شهيًا أمام القهوة وحوالينا هناك حجر منحوت كالإناء الكبير مربعًا يسع مائة وسبعين لترًا من الماء قد وضع في المجلس فكنا نأكل ونلقي النوى في ذلك الإناء ويقول نخمر للبهائم فتأكله فلا يضع شيء جزاكم الله خيرًا من النوى فعجبت لتلك الحالة هذا وأنا في جهد عظيم مما أعانيه من عاقبة الركوب على الحمار بحيث أن قدمي والساقين قد تأثرت من حالة الركوب الأمر الذي عاد بالمشقة لا بالنزهة والفرجة وكانت الأرض يسعى فيها أنواع القراد الذي ثبت به المواشي قال الأعشى ميمون بن قيس الشاعر الجاهلي أبو بصير:
ذريني لك الويلات أتى الغوانيا
…
متى كنت زراعًا أسوق السوانيا
سأوصي بصيرًا إن دنوت من البلى
…
وكل امرئ يومًا سيصبح فانيا
بأن لا تدان الود من متباعد
…
ولا تنأ إن أمسى بقربك راضيا
وإن بشر يومًا أحال بوجهه
…
عليك فحل عنه وإن كان دانيا
وقوله بصيرًا يريد ابنه لأنه كان أبا بصير والمقصود أن السواني متعارف بها في قديم الزمان، وقوله لا تدان الود إلى آخره فيه من الحكم أن من تباعد عنك لا ينبغي لك أن تطلب وده بل تدعه وقربه كما قال الشافعي رحمه الله:
إذا المرء لم يرعاك إلا تكلفا
…
فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة
…
وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه
…
ولا كل من قد صافيته لك قد صفا
ثم إننا خرجنا إلى النخيل والجذاد فتقدم رجل من الحاضرين وكان شابًّا نشيطًا وبين يديه الكرأي (راقول) آلة يجعلها الجداد من فوق ظهره وطرفه الآخر في جذع النخلة ثم يمسك بطرفيه بيديه ويقفز قفزات فإذا هو بفرع النخلة سواء قصيرة أو طويلة فإذا قطع القنو بالمنجل جعله في محجان بطرف حبل معه ثم يدليه إلى أسفل فكانوا يتلقونه بأيديهم ويجعلون القنوات في الزنابيل لفرطه من الشماريخ وهناك أمم يحضرون لذلك وللأكل فنجد الفقير يفرط الشماريخ ويدعو بهذه الكلمات لا جعلك الله تهملين أي تتركين بلا سقي خطابًا للنخلة ثم إنه أتى الفلاح إلينا بحبات من القثاء وألقاها بين أيدينا وإذا غالبها قد نقبت ولم يكن فيها شيء سالمًا فسئل عن ذلك فأجاب بأن الثعالب تمر بها ليلًا فتفسدها فرفعت يدي ولم أتناول منها شيئًا فتكلم قائلًا مالك يا ابن عمي لا تأكل فلم أستطع أن أقول لا تقبله نفسي بعد الثعالب فقال كلوا يا جماعة فهذا لا يقبل سؤر الثعالب ووالله لو وجدنا الثعالب لأكلناها فلا إله إلا الله ماذا يعانيه الفلاح من المشاق والأتعاب في هذا الزمان تتغير الأحوال إلى وضع تلك الأتعاب والمشاق ويأتي الله عز وجل بهذه المكائن المائية التي وفرت للناس تمام راحتهم وتفجرت الأرض عيونًا بمخاريق أخرجت الماء عذبًا فراتًا وقد يخرج بطبيعته بإذن الله من دون دوافع فيخرج الله به زرعًا وأشجارًا تأكل منها أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون وقد قدمنا شيئًا عن المواصلات وتقارب البلدان وصدق الله تبارك وتعالى حيث يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} .
وفيها في يوم الاثنين الموافق 25 محرم احتفل رسميًا بتمام سد جيزان وقام بافتتاحه سمو الأمير فهد بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير