الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
85 - الجادوي (1293 - 1373 هـ)(1876 - 1951 م)
سليمان بن قاسم الجادوي الجربي الاباضي، الكاتب الصحفي المناضل.
ينحدر من أسرة بربرية الأصل تنسب إلى بلدة «جادو» بوسط جبل نفّوسة بليبيا، اشتهرت أسرته بالعلم، ومن أبرز المشهورين بالعلم من أجداده سعد بن عبد الله الجادوي الذي أقام بالبلاد المصرية طالب علم نحوا من ثلاثين سنة، وكان من أبرز تلاميذ الإمام جلال الدين السيوطي، ولما عاد إلى مسقط رأسه ارتحل إلى جزيرة جربة على نية الاستقرار بها، وعند حلوله بها انتصب للتدريس، فالتف حوله عدد من طلاب العلم من بينهم ابناؤه الذين واصلوا هم وأحفاده هناك بث العلم. ولد المترجم بآجيم من قرى جربة، وفيها تلقى مبادئ العلوم، ثم التحق بجامع الزيتونة، وقرأ على عدد من شيوخه الاعلام منهم المشايخ: أحمد بيرم، وإسماعيل الصفائحي، وعثمان بن المكي التوزري، ومحمد النجار، ومحمد بن يوسف، ومصطفى رضوان.
ولم يتحصل على شهادة انتهاء الدروس الثانوية المسماة بشهادة التطويع لأنه كان كغالب الطلبة الإباضيين يتتبعون من الدروس ما يروق لهم، فلا يحضرون دروس الفقه والتوحيد، ولا يجتازون الامتحانات، وليست لهم رغبة في الوظيف حتى يتابعوا الدروس بصورة منتظمة قانونية.
وعلى كل لم تتجاوز مدة دراسته بجامع الزيتونة ثلاث سنوات، ثم ارتحل إلى يفرن بجبل نفّوسة للتفقه في المذهب، ولازم حلقة الشيخ عبد
الله الباروني مدة لا تعرف بالضبط، وفي تلك الأثناء ظهرت عليه بوادر النبوغ، فكان شيخه الباروني يتفاءل به خيرا ويشجعه.
وفي تلك الأثناء بعث إلى ابن استاذه الشيخ سليمان الباروني بقصيد يهنئه فيه بصدور حكم البراءة من المحكمة التركية بطرابلس، والتي كان فيها عرضة للحكم بالاعدام من أجل تهم سياسية ملفقة، قال فيها:
أأنس نما أم بحر عليم الدفاتر طما
…
أم غيث الهنا بالبشائر
وفي (يفرن)(1)
…
بدر غدا اليوم لامعا
اضاء دياجي الليل من كل عامر
ونشر الباروني كامل القصيد، وكذلك القصيد الثاني الذي أرسله له من تونس (2) وعند ما شعر أنه ملأ وطابه من العلم عاد إلى وطنه وآثر مهنة التجارة كجل ابناء جزيرة جربة، فاكترى دكانا بسوق اللفّة بتونس العاصمة، وأصبح هذا الدكان منتدى يقصده السياسيون والأدباء.
عند ما تأسس الحزب الحر الدستوري سنة 1920 انتخب عضوا في اللجنة التنفيذية، وكان في مقدمة وفد الأربعين إلى الملك محمد الناصر باي، وقد بذل في سبيل القضية الوطنية والقضايا الإسلامية مجهودات قلمية كبرى.
وأصدر من الصحف:
«المرشد» أسسها سنة 1906 وبعد عامين أوقفتها السلط الاستعمارية، فأصدر جريدته الثانية «مرشد الأمة» سنة 1908، وبقي يصدرها بغير انتظام أحيانا إلى السنوات الأخيرة من حياته.
«أبو نواس» ، وهي متميزة عن اختيها بأسلوبها الهزلي وسخريتها
(1) مدينة في جبل نفوسة تبعد عن مدينة طرابلس بمائة وثلاثين ميلا وقد تحول اليها الشيخ عبد الله الباروني وأنشأ بها رفقة ابنه سليمان مدرسة قامت بدور هام، وما زالت قائمة إلى اليوم.
(2)
في ديوان الباروني ص 135 - (ط ثانية) بعناية ابنته زعيمة في دار لبنان للطباعة والنشر (بيروت) 1392/ 1972.
اللاذعة، صدرت سنة 1909 ولم يكتب لها طول البقاء إذ عمدت السلطة للقضاء عليها وهي في مهدها، ومن يعرف قلة قراء الجرائد في ذلك العصر يدرك ما بذله من تضحيات جسيمة لخدمة وطنه وخدمة الصحافة.
وقد حلل أسلوبه الصحفي ومميزاته العلامة المرحوم الشيخ محمد الفاضل بن عاشور فقال: «فالشيخ سليمان الجادوي صاحب جريدة «مرشد الأمة» روح كتابته روح حماسة إسلامية وطنية، ينهج في تحريره نهج التذمر والاحتجاج، ويحتدّ في مهاجمته ويتنمّر ويستقصي الحجج لموضوعه من كل وجه ولو كان على غير مبدئه قصدا إلى إفحام الخصم، ويبدو في طريقته الثبات على المبدأ إلى حد التطرف واليقين المطلق في النظرية التي يدافع عنها، وأكثر مقالاته نقد لمواقف رجال الحكم وتصرفاتهم بمقياس الخلق الديني والمبدأ الوطني، وأسلوبه البياني عربي متين يستمد من الثقافة الدينية، ويبالغ في تشنيع الصور، ولا يقتصد في كشف الحقيقة على ما يتصور فيها من شر، ولولا ما في تحريره من قلة الانسجام، واضطراب التسلسل المنطقي، وما يغرق فيه من الاستطرادات والبيانات اللغوية ومسائل العلوم الآلية التي ينبو عنها ذوق التحرير الصحفي، وما يعتري جمله أحيانا من لحن وسقم في التركيب لكان شيخ مدرسة المقال السياسي بحق، وإن كان ذلك لا ينزع عنه ما برز فيه لنظر التاريخ من أنه فارس الدفاع في سبيل الفكرة الدستورية الذي لا يتراجع ولا يلين» (1).
توفي بحمام الانف من ضواحي مدينة تونس الجنوبية في 20 صفر من سنة 1373/ 19 نوفمبر 1951.
له الفوائد الجمة في منتخبات مرشد الأمة ط سنة 1343/ 1925 بالمطبعة التونسية بسوق البلاط يحتوي على 784 ص، وهو مشتمل على مختارات من مقالاته المنشورة في جريدة «مرشد الأمة» (وهي مقالات ذات صلة بالسياسة الوطنية التونسية أو بالقضايا الإسلامية).
(1) الحركة الأدبية والفكرية في تونس ص 132، امدني بهذه الترجمة مشكورا الأخ الصديق الأستاذ الصادق بن مرزوق في 4/ 1980/26 وانظر القصة التونسية نشأتها روادها محمد صالح الجابري (تونس 1975) ص 50 - 55.67.