الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
144 - ابن حميدة (1300 - 1381 هـ)(1882 - 1961 م)
سالم بن محمد بن حميدة الأكّودي (نسبة إلى قرية اكّودة بالساحل التونسي على مقربة من مدينة سوسة) الكاتب الخطيب، الشاعر، المصلح.
أصل سلفه من عائلة عربية مغربية ريفية تنتمي إلى النسب النبوي الشريف، استوطنت هاته العائلة بلدة «مزدغبي» من بلاد الريف بالمغرب الأقصى، وعرفت هذه العائلة بالعلم والصلاح، والجد الأعلى لصاحب الترجمة هو العالم الحافظ الولي الصالح عبد الحكيم المزوغي دفين اكودة، هاجر بلدته «مزدغي» وفارق عشيرته مرابطا في خلال المائة السادسة من الهجرة، وما زال متنقلا إلى أن ألقى عصا تسياره في «كدي» (اكودة) شمالي مدينة سوسة، وتبعد عنها بنحو خمسة أميال.
ومات عبد الحكيم وخلف ولدا اسمه عبد القادر، ومن ذرية هذا الأخير حفيده ووارث علمه وزهده وصلاحه «حميدة» وهو الجد الذي تنتسب إليه العائلة.
حفظ القرآن الكريم بمسقط رأسه، ثم ارتحل إلى تونس فالتحق بالمدرسة العصفورية التأديبية (مدرسة ترشيح معلمي العربية) وبعد تخرجه منها التحق بجامع الزيتونة، وتخرج منه محرزا على شهادة التطويع واقرأ به عامين متطوعا، وتابع دروس أبي النهضة الثاني الأستاذ البشير صفر بالمدرسة الخلدونية.
كتب في الصحف التونسية الصادرة في عصره في مطلع هذا القرن
الميلادي، إذ كان ينتمي إلى حركة الشباب التونسي التي يتزعمها الأستاذ علي باش حانبة، مؤسس ومدير جريدة «التونسي» لسان تلك الحركة الوطنية، والمترجم من بين المساهمين في تحرير النشرة العربية لتلك الجريدة وهو في سن العشرين تقريبا.
له ميول اصلاحية تمثلت في آرائه في اصلاح التعليم الزيتوني، وفي قضية المرأة، وهو غيور على وطنه يقاوم الدعوات الاستعمارية الهادفة إلى المس من الذاتية التونسية بشجاعة أدبية كبيرة، مثل موقفه من دعوة الانسلاخ من المحاكم التونسية التي دعا اليها بعض اليهود والمسلمين فقد خطب في المؤتمر المنعقد بالبلمريوم خطابا هزّ به المشاعر، وذلك سنة 1322/ 1904، وهو إذ ذاك معلم بالمدارس الحكومية، ففصل عن التعليم، واشتغل بالتعليم الخاص لأبناء الأسر في تونس، إلى أن عينته الجمعية الخيرية معلما بمدرستها فباشر وظيفته إلى سنة 1325/ 1907 حيث انتقل إلى سوسة للتعليم بمدرستها القرآنية، فمكث معلما بها ثلاث سنوات، ثم انتقل إلى نيابة الأوقاف بسوسة في سنة 1328/ 1910 إلى أن أحيل على التقاعد فباشر خطة عدل موثق بسوسة، واستمر مباشرا لها إلى أن لقي ربه.
عند ما باشرت وظيفتي لأول مرة في مدينة سوسة حرصت على التعرف عليه لأني لي عنه فكرة بأنه شاعر من خيرة الشعراء ومصلح من خلال مطالعتي لترجمته ومنتخبات أشعاره في كتاب الأدب التونسي في القرن الرابع عشر للأديب السيد زين العابدين السنوسي، وما كتبه من مقالات في المجلة الزيتونية، فتعرفت به في بداية صائفة سنة 1952 وجالسته مرات، ودارت بيننا امشاج من الأحاديث في الأدب والأخلاق والفلسفة والسياسة، فعرفت به سعة الاطلاع، ومتانة الحجة، وقوة العارضة، مع جسارة فكرية وميل إلى الإغراب، فقد جرى مرة بيننا الحديث عن الصدق والكذب، فأبدى رأيه بأن الكذب ممقوت في كل الأحوال والظروف، فناقشته موضحا بأنه يلتجئ إليه أحيانا في حدود
ضيقة، وذكرت له الاستثناء الوارد في الحديث الصحيح، فأجابني بأنه لا يقول بصحة الحديث ولو كان موجودا في الصحيحين إذا لم يطابق المعقول عنده، فتعجبت من هذا الميزان غير الدقيق الذي يتحكم به في الأحاديث، ومن جسارته في رد ما في الصحيحين إذا لم يطابق المعقول عنده، وقلت له إذا كان في الصدق إضرار بالمصلحة العامة مثل سؤال الشرطة لك عن أحداث وأشخاص يقومون بنشاط وطني (والثورة قائمة آنذاك في البلاد ضد الاستعمار الفرنسي) هل من المعقول تجنب الكذب وقول الصدق لأنه صدق؟ ولو أضر بالحركة الوطنية وبالأشخاص العاملين لفائدتها، فجمجم ولف ودار، ولم يجب إجابة صحيحة معقولة على دعواه في التشبث بما يمليه العقل، وسمعت منه بعض الطرائف والنوادر عن الشيخ أحمد أديب المكي (أصيل مكة المكرمة) نزيل سوسة، وسمعت منه مجموعة من قصائده المدونة في دفتر من القطع الربعي، وغاب عني اسمه لطول المدة هل هو النعم في النقم أهو اسم أطلقه على طائفة من قصائده؟ وبقي عالقا بذهني أنه متأثر في هذه القصائد بفلاسفة القرن الثامن عشر.
وكان إذا حسر العمامة عن رأسه في الصيف قفزت إلى ذهني صورة قريبة من الصورة التخيلية التي رسمها بعضهم للإمام الغزالي، شعر مرسل يصل إلى الأذنين مع انحسار في وسطه.
أوصاني مرة بأن اتمسك بالأخلاق، واستهين بالصعاب وأن أقبل على المطالعة لتنمية زادي الثقافي، وألاّ اندفع في تيار الملذات والإسفاف وصغائر الأمور، وختم وصيته بقوله «إياك أن يسوّسك المجتمع» فكانت وصية حكيمة من حكيم.
ولمست منه التأثر بحجة الإسلام الغزالي، وله نزعة صوفية معتدلة، وهو واسع الاطلاع على الأدب الفرنسي.
يستشهد في أحاديثه بفقرات من كلام أعلامه وفلاسفته، وقد كان أول داعية عملي لتعليم البنت، والخروج بها من الاطار الضيق الذي سجنت فيه، فأخرج بناته سافرات بعد تجاوز طور الصبا، وهو جريمة لا