الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
93 - الجزيري (
…
- 1394 هـ) (1974 م)
حسين الجزيري، من مواليد مدينة تونس، أديب شاعر، كاتب صحفي.
تعلم بجامع الزيتونة، ولم يستوف امد الدراسة، قال كاتب القطرين الأستاذ أحمد توفيق المدني مؤرخا حياته الدراسية ومبينا أهم مميزاته في هذا الطور وظروف حياته السيئة بعد رفضه من التعلم بالجامع:«كان من ألمع الطلبة، ومن أكثرهم نشاطا ومن أبرزهم في ميادين التفكير، وكان من أبرز الدعاة إلى الاضراب عن الدراسة، وقدموا مطالب لاصلاح برامج التعليم، وكان من أشد المضربين حماسا وأكثرهم كلاما وأمعنهم في التشبث بالمطالب التي قدموها، فما كان من ادارة المعهد الزيتوني إلا أن قررت فصله نهائيا وإبعاده عن الدراسة مع ثلة قليلة من الطلبة، ووعدت بإمعان النظر في المطالب المقدمة لها، فانتهى الاضراب وعاد الطلبة إلى مزاولة دروسهم، وبقي حسين ومن معه يتسكعون في الطرقات، فساء حاله وتغيرت اخلاقه، وأصبح يرى العالم بمنظار أسود قاتم، ثم رسب مع أصحاب السوء، وانساق إلى السكر لعله يجد فيه نسيانا للواقع، بل إن سكره هو فرار من الحقيقة التي حوله، ألقي عليه القبض في بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914 مع أحمد توفيق المدني ولم يبارحا السجن إلا بعد انتهاء الحرب سنة 1918.اشتغل بالصحافة منذ عهد شبابه الباكر، فكان في سنة 1910 يحرر افتتاحيات جريدة «اللواء» التونسية وكاتبا بجريدة «المنار» التونسية ومراسلا لجريدة «الفاروق» الجزائرية وكتب في الصحف الهزلية لميله إلى الفكاهة، فحرر بجريدة «المضحك» وكتب في جريدة «جحا» مدة طويلة، وفي الوقت نفسه كان يقوم بوظيفة الملقن لجمعية
«الشهامة العربية» التمثيلية التي أسسها الشيخ عبد العزيز الثعالبي.
وفي 3 جمادى الثانية سنة 1339/ 12 فيفري 1921 أصدر جريدة «النديم» أسبوعية أدبية فكاهية، فأظهر نشاطا كبيرا في ادارتها ومجهودا كبيرا لتنظيم بروزها فهو القائم بجميع شئونها ومحرر جميع فصولها، وبين الحين والآخر يصدر منها عددا ممتازا يكتب فيه بعض الكتاب اللامغين المشهورين كالشيخ راجح إبراهيم الاكودي، ومحمد الصالح المهيدي، ومحيي الدين القليبي، وغيرهم، وهي صحيفة من نوع جديد لم يسبق لها مثيل في تونس، تجمع بين الأدب والفكاهة، وحسن استغلال إيحاء اللفظة العامية الدارجة للنكتة، مع الروح الأدبية الممتزجة بها، ومظهر الانفعال الذي يتجسد في كتاباته كلها عناصر جذابة للقراء.
وكان يغتنم الفرصة للتعليق على الأحداث ودور بعض الأشخاص فيها بروح نقدية ساخرة لاذعة تثير الضحك، ويستعين بكل الوسائل الأدبية لاظهار ما يرمي إليه كالاستعانة بالامثال الشعبية، والنظم الشعبي الملحون وهو من البارعين فيه، والأبيات الشعرية السائرة، والوصف الوجيز الجامع للحقيقة، والشواهد على هذا كثيرة في جريدة «النديم» عند ما تأسس الحزب: المستقل المنفصل عن الحزب الحر الدستوري القديم، وكان من مبادئ هذا الحزب: لا رئيس ولا مرءوس ولا اشتراكات ولا اداء يمين، مما يدل على تهافت القائمين به وسوء تقديرهم وفهمهم، واعجب لحزب يقوم على مثل هذا الهراء السخيف، وبالطبيعة لم يعمر هذا الحزب طويلا، ومؤسسه فرحات بن عياد (1) ومن جماعة هذا الحزب الصحفي الطيب بن عيسى ابن خالة المترجم له، كتب حسين الجزيري في «النديم» عن هذا الحزب معرفا له بقوله:«الحزب المستقل» أي الحزب المستقل بدون رئيس ولا مرءوس، ونظم فيه ملزومة طويلة لاذعة مضحكة طالعها:
(1) وللسفارة الفرنسية يد في تكوينه وعن ظروفه ودواعي تأسيسه انظر حياة كفاح ص 265 - 267.
قالوا حزب بلاش فلوس
…
لا رئيس ولا مرءوس
هذي فكرة مثل الخل
…
ما يجيها كان الناموس
كان الشيخ الصادق بو عصيدة عدلا موثقا بصفاقس، ومدرسا متطوعا بجامعها الكبير وأصبح مرموقا بعين الاعتبار مشارا إليه بالبنان، وكان منتسبا للحزب الدستوري القديم، وتبرمت الحكومة بنشاطه وعند أول فرصة أوقفته عن مباشرة العدالة لشبهة بسيطة يمكن التغاضي عنها، وأصبح عاطلا يتهدده الحرمان وإراقة ماء الوجه، فأشار بعض أصدقائه عليه أن يقصد الشيخ محمد المدني شيخ الطريقة المدنية الشاذلية بقصيبة المديوني لأنه الكفيل بارجاعه إلى مباشرة خطته، فسافر إلى البلدة المذكورة وحكى للشيخ ما حدث له فطمأنه ووعده بمعالجة مشكلته سريعا لأنه كان من المقربين لدى الإقامة العامة الفرنسية، وانتسب الشيخ بو عصيدة إلى الطريقة المدنية، وأرسل لحية كثة مثل اخوانه في الطريقة، وفي أقرب وقت سمح له بالرجوع إلى مباشرة خطته وعند صدور العدد الجديد من جريدة النديم صورت جثة الشيخ بو عصيدة برأس ديك وكتب تحتها:
إن السراديك لما قام قائمها
…
توهمت أنها أضحت شواهينا
وهو مأخوذ من قول صفي الدين الحلّي مع تغيير الكلمة الأولى في قصيدته الحماسية المشهورة:
إن الزرازير لما قام قائمها
…
توهمت أنها أضحت شواهينا
والشيخ المدني يتندر عليه خصومه وأضداده بلقب الشيخ دجاجة لحبه أكل لحم الدجاج فيما زعموا، ولما كان من الذوق الأدبي أو لمواتاة الوزن لم يطلق على الشيخ بو عصيدة لقب دجاجة فأبدلها بسردوك (وهو الديك في اللهجة الدارجة) وجمعه سراديك مماشاة للوزن في قصيدة الحلّي.
وأدبه النثري والشعري تسري فيه الروح الفكاهية النقدية المضحكة، مع هدف واضح إلى الاصلاح، قال العلامة المرحوم الأستاذ محمد الفاضل بن عاشور مبينا ميزات شعره ونثره: «أما حسين الجزيري فإنه في شعره يتلاقى مع نثره، في مؤثراته وأغراضه فهو ساخر متهكم
يستخرج الضحك من روح الألم، ويتخير الألفاظ ذات الوقع المطلوب من اللغة الفصحى أو اللغة العامية، ومدار شعره كمدار نثره على روح الكفاح السياسي والاصلاح الاجتماعي».
ومن أشهر قصائده الفكاهية قصيدته في رمضان التي كان يحفظها أطفال المدارس وينشدونها في نشوة، طالعها:
فرحت بمقدمه بطون الناس
…
شهر تحن لذكره أضراسي
وله قصيدة بعنوان حفلة في وصف راقصة:
رفعت إحدى بنيات السقاء
…
مثل ذيبه
فإذا كل ينادون بآه
…
يا حبيبه
وكان القوم من ضمن الشياه
…
في زريبه
- وله في موشح الزواج:
لست أرجو القرب من تلك التي
…
كالسّحالي
تقصد البازار إذ في غيبتي
…
لا تبالي
تلك ليست زوجتي بل هفوتي
…
واختبالي
ومن قصيدة عجائب السجن:
هو السجن إذا اسعدت يوما بزورة
…
علمت بما لم تكن قبل تعلم
إلى أن قال:
فنظّمنا الكبران (1)
…
مثنى وبعضنا
توقّى بمنديل له وهو صاخب
فاخرجت منديلي وقلت لصاحبي
…
منادل قوم عند قوم سحائب (2)
وعند عشاء القوم أخرج بعضهم
…
قليلا من الزيتون والكل حاسد
حوى ذلك قرطاس به بعض أسطر
…
تراءى لهم أن السطور فوائد
(1) لفظة عامة محرفة عن Caporal.
(2)
جمع سحابة وهي المظلة في اللهجة التونسية.