الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
128 - حسين (1293 - 1377 هـ)(1873 - 1985 م)
محمد الخضر (1) بن حسين بن علي بن عمر.
أصل سلفه من بلدة طولقة بالجنوب الجزائري، انتقل والده منها إلى نقطة بالجنوب الغربي التونسي في اقليم الجريد، وهي غير بعيدة عن الحدود الجزائرية، حل بها إبان الاحتلال الفرنسي سنة 1843 صحبة صهره الشيخ مصطفى بن عزوز، الضليع من العلوم الشرعية واللغوية والأدبية، الكاتب الشاعر، السياسي، الصحفي.
ولد بنفطة يوم 26 رجب 23/ جويليه، وبلدة نفطة واحة جميلة حبتها الطبيعة برونق أخاذ يثير الخيال وينبه الشاعرية، قال المترجم في ديوانه «خواطر الحياة»:«نشأت في بلدة من بلاد الجريد بالقطر التونسي، يقال لها نفطة، وكان للأدب المنظوم والمنثور في هذه البلدة نفحات تهب في مجالس علمائها وكان حولي من أقاربي وغيرهم من يقول الشعر فتذوقت طعم الأدب من أول نشأتي، وحاولت وأنا في سن الثانية عشرة نظم الشعر» .
وهذه البلدة ذات المناخ الشاعري الملهم أخرجت شعراء وعلماء على مدار العصور وفي بعض العصور ازدهرت فيها الحركة العلمية ازدهارا كبيرا حتى سميت بالكوفة الصغرى.
في سنة 1306/ 1888 انتقل مع أسرته إلى العاصمة حيث أتم تعليمه
(1) اسمه في الأصل الأخضر ثم حوره إلى الخضر، ووالده اسمه الحسين، ولما استقر بالمشرق جرى على عادتهم في حذف كلمة ابن قبل اسم الأب وحذف حرف التعريف من اسم والده.
الابتدائي أي حفظ القرآن، ثم التحق بجامع الزيتونة في العام الموالي أخذ عن أعلامه كسالم بو حاجب وعمر بن الشيخ، ومحمد النجار، وغيرهم، وتخرج منه محرزا على شهادة التطويع في سنة 1316/ 1898، وفي العام الموالي لتخرجه درّس متطوعا بجامع الزيتونة بعد أن قام برحلة إلى ليبيا.
وكانت عنايته بالأدب واللغة في عهد الطلب بجامع الزيتونة أكثر من غيرهما. وكان ينظم الشعر في بعض المناسبات كتهنئة بعض شيوخه عند إتمام دراسة بعض الكتب، وهو تقليد شائع بجامع الزيتونة في ذلك العهد وما سبقه قال في مقدمة ديوانه «خواطر الحياة»:«انتقلت إلى مدينة تونس والتحقت بطلاب العلم بجامع الزيتونة، وكان من اساتذة الجامع ومن هم في الطبقة العالية من طلاب العلم من أولعوا بالأدب والتنافس في صناعة القريض إلى شأو غير قريب فاقتفيت أثرهم وكنت أنظم قصائد تهنئة لبعض أساتذتي عند إتمام دراسة بعض الكتب»
وفي سنة 1322 - 1904 أصدر مجلة «السعادة العظمى» وهي أول مجلة صدرت بتونس، صدرت نصف شهرية، واستمرت قرابة العام، واعدادها 21 عددا، وكان ظهور هذه المجلة حدثا فكريا بارزا اهتز له رجال العلم المحبين للأدب والاصلاح والشباب، وساء المتزمتين ضيقي الأفق، عبّاد القديم، فإن هذه المجلة بدت فيها نزعة إلى حرية النقد، ودعوة إلى احترام التفكير، وتأييد لفتح باب الاجتهاد، ففي المقال الافتتاحي الذي قدم به المجلة يقول:«إن دعوى أن باب الاجتهاد قد أغلق هي دعوى لا تسمع إلا إذا أيّدها دليل يوازن في قوته الدليل الذي فتح به باب الاجتهاد» ومثل هذه الدعوى وأمثالها مما روجته مجلته لم تكن لتلقى القبول والترحيب من وسط الجامدين دعاة التمسك بالقديم، وقامت هيئة النظارة العلمية بجامع الزيتونة (المديرة له) تطالب الحكومة بمنع صدور هذه المجلة وتدعو إلى معارضتها ومقاومتها، وكانت بذلك مجلبة لكثير مما ناله من الاضطهاد طيلة مقامه بتونس.
وكشفت هذه المجلة عن مكانة صاحبها في النثر الفني والعلمي واتجاهه إلى تجديد أغراض الشعر بصوغ القصائد في المعاني الاجتماعية
والفلسفية والتوجيه إلى مسالك النهضة والتحرر والتجدد.
وفي مدة تدريسه بجامع الزيتونة درس كتاب «المثل السائر» لابن الأثير كان درسا عظيم الصدى، ازدحم عليه المستفيدون، وحاز به شهرة ومكانة لدى الوسط العلمي وبتوجيهه واعتنائه تأسست أول منظمة طالبية بتونس تحت اشرافه باسم «جمعية تلامذة جامع الزيتونة» سنة 1324/ 1907، قال الشيخ محمد الفاضل بن عاشور:«وبذلك بدا الشيخ الخضر يستهدف لما استهدف له المصلحون العاملون من قبله من آثار المكائد والسعايات والدسائس، فأصبحت كل حركة تبدو من الطلبة محمولة على حسابه، ونظرته أعين المسئولين شزرا عند ما أعلن طلبة الزيتونة الاضراب عن الدروس سنة 1328/ 1910 باعتبار كونه المسئول عن ذلك التحرر» .
وعند ما تضايق المتزمتون من علماء الزيتونة ورجال المجلس الشرعي من أفكاره التحررية والاصلاحية أبعدته الحكومة عن العاصمة وسمته قاضيا ببنزرت سنة 1323/ 1905، وباشر التدريس والخطابة بجامعها الكبير، وضايقته السلط الاستعمارية على أثر إلقائه محاضرة بنادي قدماء الصادقية بالعاصمة سنة 1906 بعنوان «الحرية في الإسلام» فاستقال من خطة القضاء وعاد للتدريس متطوعا بجامع الزيتونة، وسمته النظارة العلمية عضوا في اللجنة المكلفة بوضع فهرس للمكتبة الصادقية (العبدلية) إحدى مكتبتي جامع الزيتونة.
واجتاز بنجاح مناظرة التدريس من الطبقة الثانية بجامع الزيتونة في سنة 1325/ 1907، وفي العام الموالي عين مدرسا بالمدرسة الصادقية، وفي هذه السنة ألقى دروسا في الآداب والانشاء في المدرسة الخلدونية.
قام بثلاث رحلات الى الجزائر، المرة الأولى سنة 1903 والثانية في رمضان 1322/ 1904 والثالثة سنة 1327/ 1909، فزار عدة مدن جزائرية، وألقى فيها المحاضرات والدروس وفي سنة 1330/ 1912 شارك في مناظرة التدريس من الطبقة الأولى فلم ينجح لغرضين لأن لجنة المناظرة آثرت أن تقدم عليه
أحد أبناء البيوت العلمية الارستقراطية ولأنه من دعاة التحرر والاصلاح، وهي أمور تنقمها عليه اللجنة (وأعضاؤها من رجال الشريعة) وذلك بالرغم مما أبداه من كفاءة وتفوق، وذاق مرارة الظلم والاضطهاد، وشهوة الإيذاء والوقيعة، لا سيما وهو من أنصار الجامعة الإسلامية «الذين يؤمنون بخدمة الملة الإسلامية خدمة لا تضيق بها حدود الأوطان» وقام برحلة استطلاعية، وسافر في العام نفسه إلى استانبول حيث كان بها خاله الشيخ محمد المكي بن عزوز ومرّ بمصر والشام، ودوّن وصفا اجتماعيا وأدبيا لهذه الرحلة نشرته جريدة «الزهرة» وعاد عن طريق البحر إلى تونس في 2 اكتوبر 1912، وبعد عودته منع من التدريس بالمدرسة الصادقية بحجة غيابه عن افتتاح المعهد بيومين، فقرر الهجرة إلى المشرق في نفس السنة، ومعه اخوته الأربعة من بينهم زين العابدين، ومحمد المكي وزار مصر والشام والحجاز، والبانيا، وتركيا، ومعظم بلاد البلقان، ثم استقر بدمشق، وعهد إليه بالتدريس في المدرسة السلطانية إلى سنة 1336/ 1917، وفي مدة إقامته بدمشق كتب المقالات، وألقى المحاضرات، ونشر بعض مؤلفاته، دخل السجن بأمر من القائد التركي أحمد جمال باشا بتهمة علمه بالحركة السرية العربية المعادية للأتراك ومكث سجينا ستة أشهر وأربعة عشر يوما، وخرج منه في 4 ربيع الثاني سنة 1335/ 29 جانفي 1917 بعد محاكمته وثبوت براءته، وبعد ذلك استدعي إلى استانبول حيث سمي مفتشا بوزارة الحربية، ثم سافر إلى المانيا صحبة وفد من العلماء من بينهم الشيخ صالح الشريف التونسي (ت سنة 1338/ 1920) مكلفا بمهمة من قبل الحكومة التركية، ولبث بها قرابة تسعة أشهر، تعلم أثناءها اللغة الالمانية، وتردد بين برلين واستانبول إلى أواخر الحرب العالمية الأولى، حيث أقام ببرلين مرة أخرى قرابة سبعة أشهر، ثم عاد إلى استانبول التي سقطت بأيدي الحلفاء، فقرر العودة إلى دمشق التي أصبحت عاصمة الأمير فيصل بن الحسين، وما كاد يستقر في دمشق حتى سمي مدرسا في ثلاثة معاهد وهي المدرسة العثمانية، والمدرسة العسكرية، والمدرسة السلطانية، وعين عضوا عاملا في إحدى لجان المجمع العلمي العربي بدمشق على أثر جلسته
المنعقدة في 30 جويليه 1919 وفي منتصف عام 1920 احتل الجيش الفرنسي دمشق فبارحها، وصار عضوا مراسلا للمجمع العلمي، واحتفظ بهذه العضوية إلى آخر أيام حياته، وأصدرت عليه فرنسا حكما بالاعدام غيابيا أثناء قيامه في المانيا بتحريض المغاربة والتونسيين منهم خاصة على الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، فكان خروجه من دمشق فرارا من تنفيذ حكم الاعدام عليه، وتوجه الى مصر التي له فيها أصدقاء عرفهم في دمشق واستانبول وأوربا، وفي القاهرة سمي مصححا بدار الكتب المصرية، وهي خطة لا تسند الا لمن تثبت مقدرته العلمية والأدبية واللغوية، وكتب في الصحف والمجلات، وألقى المحاضرات في الجمعيات، والدروس في المساجد.
وفي سنة 1923 أسس جمعية «تعاون جاليات شمال افريقيا» وهدفها رفع المستوى الثقافي والاجتماعي لتلك الجاليات، وتولى رئاسة هذه الجمعية.
ولما أصدر الشيخ علي عبد الرازق كتابه «الإسلام وأصول الحكم» لم تحل علاقاته بآل عبد الرازق من قولة الصدق وبيان وجه الحق والرد على أحد أفرادهم، ومن الهراء زعم بعضهم أنه ألف الكتاب خدمة لأغراض ملك مصر أحمد فؤاد الذي كان يسعى لمبايعته بمنصب الخلافة الإسلامية بعد إلغائها في تركيا، وكأن علي عبد الرازق يرد عليه من طرف خفي، والحقيقة أن ما تضمنه الكتاب آراء لا يوافق عليها أي عالم مسلم، فالرد عليه هو بيان لوجه الحق وتبديد الشبهات وإرضاء الضمير لا خدمة لركاب أحمد فؤاد أو غيره من الأشخاص أو المؤسسات.
فلم تكد تهدأ العاصفة التي أثارها هذا الكتاب حتى أصدر الدكتور طه حسين سنة 1926 كتابه في الشعر الجاهلي الذي أثار حملة من النقود والردود لأنه زعم أنه يطبق منهج ديكارت على الشعر الجاهلي، وتطرق إلى إنكار نزول إبراهيم - ع - بالحجاز فهو تكذيب صريح للقرآن مما زاد في اشتداد الحملة عليه، وكان من بين الذين تولوا الرد عليه المترجم له في كتابه «نقض كتاب في الشعر الجاهلي» وبهذين الكتابين حاز شهرة في الأوساط الأدبية والعلمية، ومنح الجنسية المصرية واجتاز امتحان شهادة
العالمية في الأزهر بتفوق لأن الأزهر لا يعترف بالشهادات الزيتونية، والزيتونة لا تعترف بشهادات الأزهر، وبموجب إحرازه على شهادة العالمية صار من مدرسي الأزهر في معاهده الثانوية، ولما تولى مشيخة الأزهر الشيخ محمد مصطفى المراغي سعى إلى تسمية المترجم استاذا في كليات الأزهر، وفي عام 1950 طلب قبوله عضوا في هيئة كبار العلماء، ومن شروط القبول القديم بحث علمي ممتاز، فقدم بحثا مطولا عن القياس في اللغة العربية، فقبل بالاجماع وواصل نشاطه في ميدان الدعوة الإسلامية، فأسس جمعية «الهداية الإسلامية» في 13 رجب سنة 1346/ 16 جانفي 1928 لخدمة مبادئ الدين الإسلامي وأصوله، وتولى رئاسة هذه الجمعية وادارة مجلتها والتحرير فيها، كما تولى رئاسة تحرير مجلة «نور الإسلام» ومجلة «الأزهر» ولما تأسس المجمع اللغوي بالقاهرة بمرسوم من الملك أحمد فؤاد، وصدر عنه مرسوم ثان في العام الموالي في 16 جمادى الثانية 1352/ 16 اكتوبر 1933 تم بموجبه الأعضاء العاملين بالمجمع، وكان من بينهم المترجم له.
وفي يوم الأحد 25 ربيع الثاني سنة 1356/ 4 جويليه 1937 سافر إلى دمشق فأقام بها شهرين ثم عاد إلى القاهرة يوم الاثنين غرة رجب 8/ ديسمبر، واتصل فيها بأصدقائه من العلماء والأدباء الذين رحبوا بقدومه، وأقاموا له حفلات التكريم، وألقى محاضرة في قاعة المحاضرات بالمجمع العلمي عنوانها «اثر الرحلة في الحياة العلمية والأدبية» .
ولم يترك الاهتمام بقضايا المغرب العربي، فأسس بعد الحرب العالمية الثانية «جبهة الدفاع عن شمال افريقيا» التي قامت بعدة أعمال لفائدة المغرب العربي وكان من بين أعضائها الزعيم الحبيب بورقيبة عند هجرته إلى مصر، ومحيي الدين القليبي عند زيارته الأولى لمصر، وقدم المساعدة اللازمة للمجاهد الأكبر الأستاذ الحبيب بورقيبة عند قدومه إلى مصر في مارس 1946 الذي أوقفته السلط المصرية للتثت من هويته قبل دخوله القاهرة، وزار الزعيم المغربي محمد بن عبد الكريم الخطابي في السفينة الراسية في ميناء السويس.