الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
210 - بورقعة (1322 - 1386 هـ)(1906 - 1967 م)
محمد بن أحمد بورقعة، الأديب، والكاتب المسرحي، المؤرخ، ولد بتوزر في 15 افريل سنة 1906، ونشأ بها، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة عربية فرنسية، ثم انتقل إلى تونس صحبة شقيقه الأكبر منه سنا الأستاذ إبراهيم المحامي المتقاعد الآن، فالتحق بجامع الزيتونة وتابع دروس المدرسة العليا للآداب العربية بالعطارين، ولم يستوف بالمعهدين مدة الدراسة المقررة، ثم انتقل إلى السكنى بصفاقس صحبة شقيقه الأستاذ إبراهيم الذي باشر خطة وكيل بالمحاكم التونسية، واشتغل كاتبا في مكتب أخيه إلى أن بارحه بعد سنوات عديدة لخلاف وقع بينهما، وانقطع الكلام بينهما سنوات طويلة إلى أن اجتمعا في مأتم والدهما بتوزر، وزال ما بينهما من مقاطعة، وانتقلت معهما والدتهما إلى صفاقس لخلاف بينها وبين زوجها في مداواة طبيب لمرض بعينيها.
كان عصاميا في تكوينه الأدبي والعلمي، دائبا على المطالعة والبحث.
كان وهو تلميذ بالزيتونة يطالع بمكتبة المدرسة الخلدونية ما فيها من مجلدات المجلة الآسيوية الفرنسية.
وكان كاتبا غزير الانتاج، وشاعرا مقلا، وناظما للأدب الشعبي الملحون، وله فيه قطع جيدة أذاعت بعضها الاذاعة التونسية. وكان يملك صبرا عجيبا ودأبا متواصلا على المطالعة والكتابة والبحث لا يعرف كللا ولا فتورا، ولا يساوره ملل ولا سأم منذ ريّق شبابه وعنفوان فتوته إلى أن اشرف على اعتاب الشيخوخة، ولم ينقطع عن هذا العمل المضني إلا في مدة المرض القصير الذي أودى بحياته، وفي الفترات التي تشتد فيها وطأة المرض، وتخف فيها سيطرة العقل الواعي على العقل الباطن، كان يهذي
بكلمات لا تخرج عن عالم الأوراق والكتب والبحث، وقبل موته بساعات كان يغمغم «انقلوني إلى منزلي، أريد أن أطالع، أحب أن أكتب وأبحث» .وفي مدة هذا المرض كان مقيما بمصحة الدكتور صالح قطاط بحي البستان.
وهذا الجنون بحب المطالعة والكتابة والبحث حتى في يوم الموت هو شبيه بما روي أن الإمام ابن مالك النحوي حفظ ثمانية شواهد شعرية يوم موته.
وهو من الأدباء القلائل الذين حازوا شهرة واسعة تجاوزت حدود الوطن بفضل ما أذاعته له محطات الشرق والغرب، من روايات مسرحية، وبحوث ودراسات، مثل المحطة الاذاعية بلندن، وهولندا، وصوت أميركا، والجزائر، والمغرب الأقصى، وليبيا، والكويت، والهند. وكثيرا من رواياته المسرحية أحرزت اعجاب المستمعين على اختلاف مستواهم الثقافي والعقلي وميولهم واتجاهاتهم وكان يمد بين الحين والآخر اذاعة ليبيا بدراسات عن الأدب الشعبي التونسي، والتعريف بمشاهير رجاله، وانتقاء منتخبات لهم لها صلة بأحداث التاريخ المعاصر لليبيا، وقبل وفاته بشهور اتصل به في الصيف أحد كبار المسئولين في الاذاعة الليبية، وطلب منه بإلحاح أن يعود إلى مد الاذاعة برواياته وبحوثه.
وقد أذاعت له الاذاعة القومية بتونس والجهوية بصفاقس بحوثا وروايات.
كان راهبا في محراب العلم والأدب والبحث لم يتزوج، ولم يتوظف، وله اشعار قليلة بالفصحى على ضعف فيها أحيانا، ويعترف هو بهذا قائلا «نظم الشعر بالنسبة لي مجرد هواية ولست من فحوله ولا المبرزين فيه» وله أغان باللغة الدارجة، فيها جمال المعنى وحسن السبك وتناسق الأجزاء، وجرس موسيقي فاتن أخاذ، وخيال خصب قوي. ومن النوادر أنه قدم لإذاعة صفاقس قصيدا باللغة الدارجة طالعه:
رياض الجريد من رياض الجنه
…
ومنها سرق الشعر وحيه وفنه
ورفضته الاذاعة حسب اشارة المكلف بفحص الأغاني، وهو رجل احتكر ميدان الأغنية الشعبية في ذلك الوقت، ولا يريد أن يزاحمه فيها أحد، ودأب على رفض ما يكلف بفحصه، وإذا كان هذا السيد يتصرف حسب هواه فالمدير المسئول أين شعوره بمسئوليته ومستواه الأدبي حتى يترك هذا السيد يفعل ما يمليه عليه هواه؟ .
حدث له جرح بابهام رجله اليمنى، وتشرب الماء وتقيّح، وانتفخت رجله فعاقته عن المشي فلازم الفراش بداره إلى أن نقله شقيقه الأستاذ ابراهيم الى مستشفى الهادي شاكر، ثم نقل إلى مصحة البستان للدكتور محمد الصالح قطاط، وبتر إبهام رجله وتبين أنه مصاب بسوسة في العظم وبمرض السكر والملح في الدم، وفي أثناء إقامته بمصحة البستان أصيب بنزلة صدرية قوية.
توفي في حدود الساعة التاسعة ليلا من يوم الثلاثاء في 29 رمضان 10/ 1386 جانفي 1967 بعد ساعات من نقله الى منزل شقيقه الأستاذ إبراهيم، ومن الغد صلي على جثمانه على مقربة من سيدي الفرياني ونقل اثر ذلك إلى مسقط رأسه توزر حيث دفن هناك.
وبكته الأوساط الأدبية والفنية. وكان لموته المفاجئ صدى أسف وحزن بالغين ممزوجين بالحيرة والذهول لدى أصدقائه المقدرين لنبوغه وعبقريته في وقت كانوا يترقبون فيه بشوق بروز انتاجه القيم النفيس بعد أن تم الاتفاق المبدئي مع بعض دور النشر على طبع مؤلفاته.
كان طويل القامة مهيب الطلعة، كريما، شهما، أبي النفس لطيف المعشر، على سرعة انفعاله وصعوبة مراسه يميل إلى الفكاهة والنكتة، بارا بوعوده، صادقا في أقواله يكره التلون والكذب.