الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
108 - الجنرال حسين ( .... - 1304 هـ)(1887 م)
الجنرال حسين أصله من المماليك الجراكسة، العالم العسكري، السياسي، دخل تونس في دولة الأمير مصطفى باشا، فربي في كنف الأمراء الحسينيين بقصر باردو، واعتنوا بتعليمه، وظهرت عليه بوادر النجابة، فلما ولي المشير الأول أحمد باشا، وأسس بباردو المدرسة العسكرية المعروفة بمدرسة المهندسين، كان من الشبان المختارين للتعلّم فيها، فتعلم فيها العلوم العسكرية، والعربية وبعض اللغات الأوربية، وترقى في سلك الجندية والادارة الى أن وصل الى رتبة أميرالاي في دولة المشير الثاني محمد باي.
وهو أول من تولى رئاسة المجلس البلدي بتونس، وأبدى كفاءة وتفانيا في خدمة المصلحة العامة.
وكان من ذوي النزعة الاصلاحية، والغيرة على المصلحة الوطنية، ومن أنصار تمتين الروابط مع الدولة العثمانية، وكان من هيئة تدوين آراء اللجنة المؤلفة لتفصيل قوانين عهد الامان في ربيع الأول سنة 1274/ 1856.
ولما انتظمت المجالس الدستورية في صفر 1277 كان من بين أعضاء المجلس الأكبر، وفي تلك السنة رافق المشير الثالث محمد الصادق باشا باي في رحلته إلى الجزائر للقاء الأمبراطور نابليون الثالث، وبعد الرجوع من هذه الرحلة شرع في انجاز النظم التي اقتضاها عهد الأمان، ووقع تعيينه عضوا في المجلس الأعلى المسمى بمجلس شورى الملك، وكانت له في ذلك المجلس مواقف مشهورة في المصارحة بالحق والدفاع عن المصلحة العامة.
وفي سنة 1278/ 1862 سمي امير أمراء، ولما تولى خير الدين الوزارة كان إلى جانبه في ذلك الطور الهام من حياة البلاد، ولقب بوزير استشارة سنة 1290/ 1874، وشارك في الأعمال المهمة التي وقعت في وزارة خير
الدين منها التعليم بجامع الزيتونة، والمدرسة الصادقية، وسمي مستشارا للمعارف، وانقطع عن مباشرة رئاسة المجلس البلدي بتوليه وزارة الاستشارة، وبقي له الاشراف على المصالح البلدية بعنوان مستشار النافعة، فكان لقبه الرسمي وزير الاستشارة، ومستشار العلوم والنافعة.
ولما توفي نسيّم بيشي شمامة اليهودي قابض مالية الدولة التونسية بليفرنو من مدن ايطاليا سنة 1285/ 1869 وتبيّن سوء تصرفه واحتجازه أموال الدولة لفائدته رفعت الحكومة التونسية قضية ضده إلى المحاكم الايطالية للمطالبة بحقوقها في تركته فوض أمر القضية إليه في ربيع الثاني 1290 قبل ولاية خير الدين الوزارة ولم يزل مهتما بها إلى أن انقطع للاشتغال بها في ايطاليا مدة سنوات لما حف بهذه القضية من تشعب، وقد أقام بايطاليا من سنة 1292/ 1876 إلى وفاته مع التردد على تونس لم يطل فيها مقامه، وفي مدة إقامته بايطاليا قام بعدة رحلات إلى تركيا وانكلترا وبالخصوص إلى فرنسا التي دخلها بمناسبة المعرض العالمي والتي التقى فيها بكثير من أصدقائه التونسيين كمحمد بيرم الخامس، ومحمد السنوسي، وعبد الجليل الزاوش، ولمتابعة اتصالاته بمؤلفات اساتذة ثقافة العصر وهناك عرف مؤلفات عن العصور القديمة والحديثة كمؤلفات جيبون، وميشيليي وجيزو الخ
ورافقه في مدة إقامته بايطاليا العلامة الشيخ سالم بو حاجب، واستعان برأيه في معضلات القضية التي شدته إلى الإقامة بايطاليا.
ولما استقال خير الدين من الوزارة، وصفا الجو للوزير مصطفى بن اسماعيل الذي كان عدوا لدودا له لأن المترجم كان يحتقر مصطفى بن إسماعيل، ولا يعيره قيمة فأكنّ له هذا الوزير حقدا، وقادته شهوة الانتقام والتشفي منه إلى فصله من الوزارة وسلبه لرتبه العسكرية ونياشيه، ووجد مصطفى بن إسماعيل مؤيدا له من طائفة من ذوي الامتيازات المالية الذين كانت مواقف الجنرال حسين خطرا على مصالحهم، ولما تولى الوزارة محمد خزنه دار بعد عزل مصطفى بن إسماعيل، انصفه بعض الانصاف، لكن
الرجل تحطم نفسيا وبدنيا، ودبت إليه الأمراض.
وكان تزوج ببنت الوزير الأكبر مصطفى خزنه دار بضغط من أبيها، ولم تنجب منه فطلقها، وكان يبغضها، ويبغض أباها، وفي ايطاليا تعرف على فتاة ايطالية جميلة من أسرة نبيلة تسمى انجلينا كوتشي فتزوجها وانجب منها بنتا سماها فريدة، وأوصى عمر ابن الشيخ سالم بو حاجب أن يربيها تربية إسلامية، وكان صديقا ابن صديق ملازما له مدة إقامته بايطاليا، وفريدة هذه تزوجها الزعيم المرحوم الأستاذ علي باش حانبة، وانجبت منه بنتا هي اليوم زوجة الدكتور محمد حجّوج، ولم تنجب أطفالا.
وفي آخر أيامه بايطاليا كتب إلى وكيل أملاكه إبراهيم بن زينب يعلمه بمرضه وسوء حاله ويطلب منه أن يعلم أصدقاءه لكي يتدخلوا لدى السلطة حتى تسمح له بالعودة إلى وطنه، لكن الإقامة لم تلتفت إلى طلبه.
وساءت أحواله صحيا وماديا في المدة الأخيرة من إقامته بايطاليا فاقترض من مراب بايطاليا اسمه روزا بما يساوي خمسة وأربعين ألف فرنك (وهو مقدار هام في ذلك العصر) وأمضى له اعترافا كتابيا، واحتجز هذا المقدار من تركته بعد وفاته، وفي هذا الظرف الذي احتاج فيه للاقتراض له أملاك وفيرة بتونس لكنه لا يتصرف فيها لأنه أصبح محجورا موصى عليه من قبل السلطة، وقد أصيب بمرض السكر، وبأمراض جلدية سببت له قروحا في رجليه، وأودت بحياته ذبحة صدرية فمات بمدينة فلورانس في جويليه 1887، ولما بلغ خبر وفاته صديقه خير الدين تدخل لجلبه إلى استانبول ودفنه بها، فحملته بارجة حربية تركية، ودفن حيث ذكر وصحبه صديقه عمر بو حاجب إلى مثواه الأخير.
وعند اقتسام تركته أخذت زوجته وابنته نصيبهما الذي وقع أكثره في يد عمر بو حاجب لأنه زوج انجلينا أرملة حسين، وهو وصي على البنت فريدة، وادعى محمد الصادق باي أنه عاصب لما تبقى بعد اخراج الثمن للزوجة، والنصف للبنت، وهكذا فإن هذا الباي جازاه سوء الجزاء بواسطة وزيره مصطفى بن اسماعيل، وتذكر أنه عاصب عند ما فارق الحياة.