الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
111 - بو حاجب (1244 - 1342 هـ)(1828 - 1924 م)
سالم بن عمر بو حاجب البنبلي (1)، من ذرية الشيخ شبشوب دفين الساحل، وجده الذي ينتمي إليه نسبه هو الشيخ مهذب دفين الصخيرة، ولقب بو حاجب أتاه من أحد أجداده الذي ضرب على حاجبه في إحدى المعارك.
كان من أعلام عصره فهو فقيه محقق، لغوي أديب شاعر، له اليد الطولى في المعقولات ملمّ بطرف من التاريخ والجغرافيا والرياضيات، واسع الأفق، غزير الذكاء، ناقد مصيب، ومصلح إسلامي.
ولد ببنبلة ونشأ فيها نشأة قروية، فتعاطى أعمال الفلاحة من خدمة للأرض ورعي للغنم، وفيها حفظ القرآن، ثم التحق بجامع الزيتونة، وأخذ عن أعلامه كالمشايخ إبراهيم الرياحي، وأحمد بن الطاهر اللطيف، وأحمد عاشور قاضي باردو، والشاذلي بن صالح، وعلي العفيف، وشيخ الإسلام محمد بيرم الرابع، ومحمد الخضار، وشيخ الإسلام محمد بن الخوجة، ومحمد بن سلامة، ومحمد بن عاشور المشهور بحمدة لازمه في جامع الزيتونة وفي زاوية جده خارج باب المنارة، ومحمد معاوية، ومحمد ملوكة، ومحمد النيفر الأكبر، ومصطفى بيرم عم محمد بيرم الرابع، وكان دخوله جامع الزيتونة في أواخر سنة 1258/ 1852.
عانى في مبتدأ أمره مضض الفقر، لكنه لم يعقه عن بلوغ غرضه من الارتواء من مناهل المعرفة بصادق عزمه وقوة ارادته وذكائه العجيب
(1) نسبة إلى بنبلة من قرى المنستير وفي «الاعلام» و «معجم المؤلفين» النبيلي وكذلك في شجرة النور الزكية إلا أنه نص على الصواب في الجدول الخاص بالخطأ والصواب.
وحافظته القوية اللاقطة، وتروى عنه في هذا الصدد غرائب، منها أنه كان يذهب كل يوم من تونس إلى باردو ليطلع على قاموس الفيروزابادي ببيت الباشا بقصر باردو، وفي رواية بقصر الوزير مصطفى آغا حتى كاد يستظهره، وهذا الرصيد اللغوي صاحبه إلى آخر حياته، وأضاف إلى هذا عنايته برواية الشعر، واشتهر وهو ما يزال طالبا بجسارته على مناقشة الشيوخ ومراجعتهم بما يدل على سداد تفكير وقوة حجة وبراعة نقد وتمكن من الموضوع، فذاع صيته في الوسط العلمي بالنبوغ والمكانة العلمية السامية كل هذا كان داعيا لعناية الشيخ محمد بيرم الرابع به فاستدعاه إلى منزله، وصار له جليسا صفيا يتذاكر معه في الأدب، ويساجله الشعر، وفتح له أبواب مكتبته الثرية النفيسة.
وبعد تخرجه درّس متطوعا، ثم اجتاز بنجاح مناظرة التدريس من الطبقة الثانية سنة 1275/ 1859 ثم الطبقة الأولى سنة 1281/ 1864 فكانت مدة تدريسه أكثر من ستين سنة فأخذت عنه أجيال متعاقبة من مشاهيرهم أحمد بيرم شيخ الإسلام الحنفي، والقاضي الحنفي إسماعيل الصفائحي دفين استانبول، وحسين بن أحمد القمار، والشاذلي بن القاضي، ومحمد بيرم الخامس، ومحمد جعيط، ومحمد بن الخوجة، وعبد العزيز الثعالبي، ومحمد السنوسي صاحب التآليف العديدة، والإمام المعمر فخر علماء تونس محمد الطاهر بن عاشور، ومحمد العزيز جعيط، ومحمد القصار، ومحمد مخلوف مؤلف «شجرة النور الزكية» ومحمد النجار، ومحمد بن يوسف شيخ الإسلام الحنفي، وغيرهم كثيرون مما يطول تعداده ويضيق عنه الحصر.
وتدخل شيخه محمود قابادو لتوليته مشيخة المدرسة المرجانية، وانتخبه شيخه شيخ الإسلام محمد بيرم الرابع لكتابة المجلس البلدي عند تأسيسه سنة 1275/ 1859 وفيه تعرف برئيس المجلس الجنرال حسين الذي اقترحه على خير الدين ليكون محررا لتقارير اللجنة الادارية المشتركة الخاصة بمراقبة المالية التونسية سنة 1276/ 1860 وتمت علاقات الصداقة والمودة بينه وبين هذين الرجلين، وأصبحا يكنان له تقديرا واعجابا وهو يبادلهما مثل ذلك في اخلاص ووفاء، لا عن تزلف وتملق المرءوس برئيسه، ومثل هذه الصلات
بالمرموقين من رجال الدولة فتحت له باب الاشتراك في العمل السياسي والاداري فانتخب عضوا في المجلس الأكبر سنة 1277/ 1861 وسافر سنة 1288/ 1872 إلى استانبول ضمن البعثة السياسية برئاسة خير الدين لتمتين العلائق وتنظيمها بين تونس والدولة العثمانية، وكان هو المتولي للمفاوضات في تنظيم العلاقات من الناحية الدينية مع شيخ الإسلام.
وسافر إلى إيطاليا التي أقام بها ست سنوات مع صديقه الوزير الجنرال حسين للخصام مع ورثة قابض مالية الدولة التونسية اليهودي اللص نسيّم شمّامة، وهناك أجاد اللغة الايطالية ويروى عنه أنه كثيرا ما يقول كلمة قراتسي الايطالية (أحسنت) في دروسه، ومنها سافر إلى باريس بمناسبة انعقاد المعرض العالمي بها، وهذه الرحلات وسعت أفق تفكيره، وجعلته عارفا بزمانه وبمقومات الحضارة الغربية وتخلف العالم الإسلامي في ركود مما دعاه إلى الإصلاح والدعوة إلى إدخال النظم والآراء التي لا يعارضها الإسلام.
وفتح بدروسه آفاقا جديدة، فكان معرضا عن المناقشات اللفظية العقيمة، مستقل الفكرة في بحثه، ولوعا بمناقشة الآراء وابتكار الأنظار، وله قوة التحليل وبراعة النقد والاحتجاج، فكانت دروسه رياضا مونقة يقبل عليها المستفيدون بنهم ولذة عقلية، وكان من أول الناعين على متأخري الفقهاء التمسك بظواهر النصوص، وإهمال تحقيق المناط، ومن الداعين إلى تحقيق النظر لإبراز مقاصد الشريعة وتطبيقها على الأحوال الحاضرة، وداعيا إلى إصلاح التعليم الديني لتخريج الاكفاء للقيام بهاته المهمة، فلذلك أبدى تحمّسا وانحيازا لإدخال العلوم الرياضية والطبيعية في برنامج التعليم بجامع الزيتونة، ولهذه الغاية أيد تأسيس الجمعية الخلدونية وبهذا يتبين أنه كان في طليعة المصلحين الإسلاميين، وفي زورتي الشيخ محمد عبده إلى تونس كان من المؤيدين له وأعجب كلّ منهما بصحابه، واستحكمت بينهما صلات التعاون في العمل إلى آخر حياته.
ولم يقتصر على نشر مبادئه الإصلاحية بواسطة الدروس فقط بل
توسل بالخطابة الدينية فكان أول مصلح بطريقة الخطابة الدينية، وكان خطيبا في جامع سبحان الله من ربض باب سويقة، وكان يمتاز بشجاعة أدبية نادرة، قيل إنه أول من نقل في دروسه عن ابن القيم في وقت كان الرأي السائد عنه أنه من المبتدعة هو وشيخه ابن تيمية ان لم يقع الارتقاء بهما إلى درجة الكفر.
وإلى جانب ضلاعته من العلوم الشرعية كان ضليعا من اللغة العربية مستحضرا لشواهدها عارفا بعبقريتها وأسرار تركيبها، عارفا بعوائد العرب وأنسابهم غزير الاطلاع على الأدب الجاهلي حتى كان محل اعجاب من كبار علماء اللغة كأحمد فارس الشدياق عند إقامته بتونس.
ولميوله الاصلاحية وآرائه التحريرية، ولسعة مداركه ومعارفه كان محل إكبار واحترام من الزيتونيين ومن الرعيل الأول من خريجي المدرسة الصادقية مثل الاستاذ البشير صفر وغيره من ذوي العزائم الصادقة العاملين على نفع بلادهم بجعلها على صلة بالعلوم الحديثة والتفكير الحديث، ووجدوا فيه خير معين ونصير لما له من صيت ذائع ونفوذ قوي في أوساط المتعلمين.
وله شعر سهل ممتنع، فوق نسق شعر العلماء، ولا يسمو إلى شعر الأدباء المختصين المتفرغين لحوك القريض.
ولمكانته العلمية والأدبية كان الزعيم الموجه للحركات الأدبية والسياسية والصحفية والاصلاحية أواخر القرن التاسع عشر وبداية هذا القرن.
وإلى جانب هذا كله كان مائلا إلى الظرف والنكتة وخفة الروح بعيدا عن الجهامة والعبوسة.
ولي خطة الفتوى سنة 1323/ 1905 ثم خطة باش مفتي سنة 1337/ 1919.
توفي بالمرسى من الضواحي الشمالية لمدينة تونس، ودفن بمقبرة الزلاج.