الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في نفسه، واسْتَوى: قال قومٌ: معناه: علا دون كَيْفٍ، ولا تحديدٍ، هذا اختيار الطبريِّ، والتقديرُ: علا أمره وقدرته وسلطانه، وقال ابن كَيْسَان: معناه: قصد إلى السماء.
ع «1» : أي: بخلقه، واختراعه، والقاعدةُ في هذه الآية ونحوها منع النّقْلَة وحلولِ الحوادث، ويبقى استواء القدرة والسلطان.
وفَسَوَّاهُنَّ: قيل: جعلهن سواءً، وقيل: سوى سطوحَهُنَّ بالإملاس، وقال الثعلبيُّ «2» : فَسَوَّاهُنَّ، أي: خلقهن. انتهى. وهذه الآية تقتضي أن الأرض وما فيها خُلِقَ قبل السماء، وذلك صحيحٌ، ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء، وبهذا تتفق معاني الآيات هذه والتي في سورة «المُؤْمِنِ» ، وفي «النازعات» .
[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 32]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَاّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)
وقوله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً: «إِذْ» ليست بزائدةٍ عند الجمهور، وإِنما هي معلَّقة بفعل مقدَّر، تقديره: واذكر إِذ قال، وإِضافةُ «رَبٍّ» إِلى محمد صلى الله عليه وسلم، ومخاطبتُهُ بالكاف- تشريفٌ منه سبحانه لنبيِّه، وإِظهار لاِختصاصه به، و «الملائكةُ» : واحدها ملَكٌ، والهاء في «ملائكة» لتأنيث الجُموعِ غير حقيقيٍّ، وقيل: هي للمبالغة كعلّامة ونسّابة، والأول أبين.
وجاعِلٌ في هذه الآية بمعنى خَالِقٍ، وقال الحسن وقتادة: جاعلٌ بمعنى فاعل «3» ، وقال ابن سابط «4» عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الأَرْضَ هُنَا هِيَ مَكَّةُ لأَنَّ الأَرْضَ دحيت
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 115) .
(2)
هو أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق النيسابوري الثعلبي. كان إماما كبيرا، حافظا للغة بارعا في العربية، روى عن أبي طاهر بن خزيمة، وأبي محمد المخلدي. أخذ عنه الواحدي. له:«العرائس في قصص الأنبياء» وكتاب «ربيع المذكرين» . توفي (427 هـ.) .
ينظر ترجمته في: «بغية الوعاة» (1/ 356) ، و «النجوم الزاهرة» (4/ 283) ، و «طبقات المفسرين» للداوودي (1/ 66) .
(3)
أخرجه الطبري (1/ 235) برقم (597) ، وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 93) ، عن الحسن، وعزاه لابن جرير.
(4)
عبد الرحمن بن سابط القرشي، الجمحي، المكي، عن عمر، ومعاذ مرسلا، وعن عائشة بواسطة، في-
مِنْ تَحْتِهَا وَلأنَّهَا مَقَرُّ مَنْ هَلَكَ قَوْمُهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّ قَبْرَ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ بين المقام والرّكن» «1» .
وخَلِيفَةً: معناه: من يخلف.
قال ابن عبَّاس: كانت الجن قبل بني آدم في الأرض، فأفسدوا، وسَفَكُوا الدماء، فبعث اللَّه إِليهم قبيلاً من الملائكة قتلهم، وألْحَقَ فَلَّهُمْ «2» ، بجزائرِ البحار، ورؤوسِ الجبالِ، وجعل آدم وذريته خليفةً «3» ، وقال ابن مسعود: إنما معناه: خليفةٌ مني في الحُكْمِ «4» .
وقوله تعالى: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها
…
الآيةَ: قد علمنا قطعًا أن الملائكة لا تعلم الغيْبَ، ولا تسبق القول، وذلك عَامٌّ في جميع الملائكة، لأن قوله تعالى: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ [الأنبياء: 27] خرج على جهة المدح لهم، قال القاضي ابن الطَّيِّب «5» : فهذه قرينة العموم، فلا يصح مع هذين الشرطَيْن إِلا أن يكون عندهم من إفساد الخليفة نبأٌ ومقدِّمة.
قال ابن زيد وغيره: إن اللَّه تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكونُ من ذريته قومٌ يفسدونَ، ويسفكون الدماء «6» فقالوا لذلك هذه المقالةَ: إِما على طريق التعجُّب من استخلاف الله
- مسلم فرد حديث، وسعد، وجابر، وعنه علقمة بن مرثد، وابن جريج، والليث، وخلق. وثقه ابن معين وقال: لم يسمع من أبي أمامة، والدارقطني، قال ابن سعد: مات بمكة سنة ثماني عشرة ومائة. ينظر: «الخلاصة» (2/ 133) ، «تهذيب التهذيب» (6/ 180) ، «الثقات» (7/ 69) .
(1)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (1/ 448- شاكر) ، وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (1/ 70) من طريق عطاء عن ابن سابط به مرفوعا.
وقال ابن كثير: وهذا مرسل، وفي سنده ضعف.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (1/ 95) ، وزاد نسبته إلى ابن عساكر.
(2)
الفلّ: المنهزمون. ينظر: «لسان العرب» (3466) .
(3)
أخرجه الطبري (1/ 236) برقم (601) ، وصححه الحاكم (2/ 261) ، ووافقه الذهبي، وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 93) .
(4)
ذكره ابن عطية الأندلسي (1/ 116) ، والماوردي (1/ 95) .
(5)
محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر: قاض من كبار علماء الكلام انتهت إليه الرياسة في مذهب الأشاعرة، ولد في «البصرة» سنة (338) هـ.، وسكن «بغداد» فتوفي فيها سنة (403. هـ.) ، كان جيد الاستنباط، سريع الجواب. من تصانيفه:«إعجاز القرآن» ، و «الإنصاف» ، و «مناقب الأئمة» ، و «دقائق الكلام» ، و «الملل والنحل» ، و «هداية المرشدين» ، وغير ذلك.
ينظر: «الأعلام» (6/ 176) ، «وفيات الأعيان» (1/ 481) ، «قضاة الأندلس» (37- 40) ، «تاريخ بغداد» (5/ 379) . [.....]
(6)
أخرجه الطبري (1/ 244) برقم (614- 615- 616) ، عن ابن زيد، وابن إسحاق، وابن جريج، وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 94) ، عن ابن زيد، وعزاه لابن جرير.
من يعصيه، أو من عصيان من يستخلفُهُ اللَّهُ في أرضه وينعم علَيْه بذلك، وإِما على طريق الاِستعظامِ والإِكبار للفصلَيْن جميعاً الاستخلاف، والعصيان.
14 أوقال أحمد بن يَحْيَى/ ثَعْلَبٌ «1» وغيره: إنما كانت الملائكة قد رأَتْ، وعلمت ما كان من إفساد الجِنِّ، وسفكهم الدماء في الأرض فجاء قولهم: أَتَجْعَلُ فِيها
…
«2»
الآية على جهة الاستفهام المحض، هل هذا الخليفة يا ربَّنَا على طريقة من تقدَّم من الجِنِّ أم لا؟
وقال آخرون: كان اللَّه تعالى قد أعلم الملائكة أنه يخلق في الأرضِ خلْقاً يفسدون، ويسفكون الدماء، فلما قال لهم سبحانه بعد ذلك: إِنِّي جاعِلٌ قالوا: رَبَّنَا، أَتَجْعَلُ فِيها
…
الآيةَ على جهة الاسترشاد والاستعلام، هل هذا الخليفةُ هو الذي كان أعلمهم به سبحانه قبل، أو غيره؟ ونحو هذا في «مختصر الطبريِّ» ، قال: وقولهم:
أَتَجْعَلُ فِيها ليس بإنكار لفعله عز وجل وحكمه، بل استخبارٌ، هل يكون الأمر هكذا، وقد وجَّهه بعضهم بأنهم استعظموا الإِفسادَ وسفْكَ الدماء فكأنهم سألوا عن وجه الحكمة في ذلك إذ علموا أنه عز وجل لا يفعل إِلا حكمة. انتهى.
ت: والعقيدة أن الملائكة معصومون، فلا يقع منهم ما يوجب نقصانًا من رتبتهم، وشريف منزلتهم- صلوات اللَّه وسلامُهُ على جميعهم- والسفك صبُّ الدَّمِ، هذا عُرْفُه، وقولهم: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ.
قال بعض المتأوّلين: هو على جهة الاستفهام كأنهم أرادوا: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ
…
الآيةَ، أم نتغير عن هذه الحال؟
قال ع «3» : وهذا يحسن مع القول بالاستفهام المحْضِ في قولهم: أَتَجْعَلُ.
وقال آخرون: معناه: التمدُّح ووصف حالهم، وذلك جائز لهم كما قال يوسُفُ:
إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: 55] ، وهذا يحسن مع التعجُّب والاستعظام لأن يستخلف الله
(1) هو: أبو العباس أحمد بن يحيى بن يسار، وقيل: سيار الشيباني، المعروف بثعلب، إمام الكوفيين في النحو واللغة. صنف:«المصون في النحو» ، و «معاني القرآن» ، و «ما تلحن فيه العامة» ، و «الفصيح» وغيرها. توفي (291 هـ) .
ينظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» (1/ 30) ، و «بغية الوعاة» (1/ 296) ، و «غاية النهاية» (1/ 148) .
(2)
ينظر: ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (1/ 117) .
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 118) .
من يعصيه في قولهم: أَتَجْعَلُ، وعلى هذا أدَّبهم بقوله تعالى: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ، ومعنى: نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ: ننزِّهك عما لا يليق بصفاتك، وقال ابن عبَّاس وابن مسعود: تسبيحُ الملائكةِ صلاتهم للَّه سبحانه «1» ، وقال قتادةُ: تسبيحهم قولهم: «سبحانَ اللَّهِ» على عرفه «2» في اللغة، وبِحَمْدِكَ: معناه نَصِلُ التسبيح بالحمدِ، ويحتمل أن يكون قولهم: بِحَمْدِكَ اعتراضا بين الكلامين كأنهم قالوا: ونحن نسبِّح ونقدِّس، وأنت المحمود في الهداية إِلى ذلك، وخرَّج مسلم في صحيحه عن أبي ذَرٍّ «3» قال: قال لِي رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الكَلَامِ إِلَى اللَّهِ تعالى؟ إِنَّ أَحَبَّ الكَلَامِ إِلَى اللَّهِ تعالى:
«سبحان الله وَبِحَمْدِهِ» ، وفي رواية: «سُئِلَ صلى الله عليه وسلم، أَيُّ الكَلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:
مَا اصطفى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ» «4» وفي صحيحَي البخاريِّ ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ الله العظيم» «5» وهذا الحديث
(1) أخرجه الطبري (1/ 248) برقم (619) ، وذكره البغوي (1/ 60) ، وابن عطية الأندلسي (1/ 118) ، والقرطبي (1/ 236) ، وابن كثير (1/ 71) .
(2)
أخرجه الطبري (1/ 248) برقم (620) ، وعبد الرزاق في التفسير (1/ 42) ، وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 95) .
(3)
قيل هو: جندب بن جنادة بن سكن. وقيل: عبد الله، وقيل: اسمه: برير وقيل بالتصغير، والاختلاف في أبيه كذلك، وشهرته: أبو ذر الغفاري. قلت: كان من كبار الصحابة وفضلائهم ومشاهيرهم وزهادهم، قديم الإسلام، قويّا في الحق، صادق اللهجة. ولا يتسع المقام للحديث عنه، وقد ألفت في سيرته المؤلفات الكثيرة. توفي ب «الربذة» سنة (31 أو 32) .
تنظر ترجمته في: «أسد الغابة» (1/ 357) ، «الإصابة» (7/ 60) ، «بقي بن مخلد» (15) ، «تجريد أسماء الصحابة» (2/ 164) ، «حلية الأولياء» (1/ 127) ، «تهذيب الكمال» (1603) ، «تقريب التهذيب» (2/ 420) ، «تهذيب التهذيب» (12/ 90) ، «الزهد» لوكيع (33) ، «شذرات الذهب» (1/ 31) .
(4)
أخرجه مسلم (4/ 2093- 2094) ، كتاب «الذكر والدعاء» ، باب فضل سبحان الله وبحمده، حديث (84، 85/ 2731) ، من طريق عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر به.
(5)
أخرجه البخاري (11/ 210) ، كتاب «الدعوات» ، باب فضل التسبيح، حديث (6406) ، و (11/ 575) ، كتاب «الأيمان والنذور» ، باب إذا قال: والله لا أتكلم اليوم فصلى، حديث (6682) ، و (13/ 547) ، كتاب «التوحيد» ، باب قول الله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ، حديث (7563) ، ومسلم (4/ 2072) ، كتاب «الذكر والدعاء» ، باب فضل التهليل، والتسبيح، والدعاء، حديث (31/ 2694) ، والترمذي (5/ 512) ، كتاب «الدعوات» ، باب (60) ، حديث (3467) ، وابن ماجة (2/ 1251) ، كتاب «الأدب» ، باب فضل التسبيح، حديث (3806) ، والنسائي في «الكبرى» (6/ 207- 208) ، كتاب «عمل اليوم والليلة» ، باب ما يثقل الميزان، حديث (10666) ، وأحمد (2/ 232) ، وأبو يعلى (10/ 483) ، رقم (6096) ، وابن حبان (3/ 112- 113) ، رقم (831) ، (3/-
به ختم البخاريُّ رحمه الله. انتهى.
وَنُقَدِّسُ لَكَ: قال الضَّحَّاك وغيره: معناه: نُطَهِّرُ أنفسنا لك ابتغاء مرضاتك، والتقديسُ: التطهير بلا خلافٍ «1» ، ومنه الأرض المقدَّسة، أي: المطهَّرة، وقال آخرون:
وَنُقَدِّسُ لَكَ: معناه: نقدِّسك، أي: نعظِّمك ونطهِّر ذكرك ممَّا لا يليقُ به، قاله مجاهد وغيره «2» .
وقوله تعالى: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ.
قال ابن عبَّاس: كان إِبليس- لعنه اللَّه- قد أُعْجِبَ بنفسه، ودخله الكِبْرُ لما جعله الله 14 ب خَازِنَ السماء الدنيا/، واعتقد أن ذلك لمزيَّة له، فلما قالت الملائكة: ونحن نسبِّح بحمدك ونقدِّس لك، وهي لا تعلم أنَّ في نفْسِ إِبليسَ خلافَ ذلك، قال اللَّه سبحانه: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ يعني ما في نفس إِبْلِيسَ «3» .
وقال قتادة: لما قالتِ الملائكةُ: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها، وقد علم اللَّه أنَّ في مَنْ يستخلفُ في الأرض أنبياءَ وفضلاءَ وأهلَ طاعةٍ، قال لهم: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ، يعني: أفعالَ الفضلاء «4» .
- 121- 122) ، رقم (841) ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص 499) ، وفي «شعب الإيمان» (1/ 420) ، رقم (591) ، والبغوي في «شرح السنة» (3/ 81- بتحقيقنا) ، وابن الجوزي في «مشيخته» (ص 87) ، كلهم من طريق محمد بن فضيل، ثنا عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
(1)
أخرجه الطبري (1/ 249) برقم (625) ، وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 95) ، عن ابن عباس، وذكره ابن كثير (1/ 71) .
(2)
أخرجه الطبري (1/ 249) برقم (623) ، وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 95) ، وابن كثير (1/ 71) .
(3)
أخرجه الطبري (1/ 249) برقم (626)، وقال أحمد شاكر: بشر بن عمارة ضعيف، قال البخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 2/ 81) : تعرف وتنكر.
وقال النسائي في «الضعفاء» ص 6: ضعيف. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن حبان في كتاب:
«المجروحين» (ص 125) رقم، (132) : كان يخطىء حتى خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد، ولم يكن يعلم الحديث ولا صناعته، وأما شيخه أبو روق فهو عطية بن الحارث الهمداني، وهو ثقة، وقال أحمد والنسائي:«لا بأس به» ، وقد أشار ابن كثير إليه بالانقطاع لأجل اختلافهم في سماع الضحاك بن مزاحم الهلالي من ابن عباس وقد رجح أحمد شاكر في «شرح المسند» (2262) سماعه منه، ثم قال:
وكفى ببشر بن عمارة ضعفا في الإسناد إلى نكارة السياق الذي رواه وغرابته. اهـ.
(4)
أخرجه الطبري (1/ 250) برقم (639)، وقال أحمد شاكر: ذكره ابن كثير (1/ 130) ، و «الدر المنثور» (1/ 46) ، و «الشوكاني» (1/ 50) . [.....]
وقوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها: معناه: عرَّف، وتعليم آدم هنا عند قومٍ إِلهامُ علمه ضرورةً، وقال قوم: بل تعليمٌ بقولٍ إما بواسطة مَلَكٍ، أو بتكليمٍ قبل هبوطه الأرضَ، فلا يشارك موسى- عليه السلام في خَاصَّته.
ت: قال الشيخ العارف بالله عبد الله بن أبي جمرة: تعليمه سبحانه لآِدم الأسماء كلَّها، إِنما كان بالعلْم اللدنيِّ بلا واسطة. انتهى من كتابه الذي شرح فيه بعض أحاديث البخاريِّ، وكل ما أنقله عنه، فمنه، واختلف المتأوِّلون في قوله: الْأَسْماءَ:
فقال جمهور الأُمَّة: علَّمه التسميات، وقال قومٌ: عرض عليه الأشخاص، والأول أبين ولفظة عَلَّمَ تعطي ذلك.
ثم اختلف الجمهورُ في أيِّ الأسماء علَّمه، فقال ابن عبَّاسٍ، وقتادة، ومجاهدٌ: علَّمه اسم كلِّ شيء من جميع المخلوقات دقيقها، وجليلها «1» ، وقال الطبريُّ «2» : علَّمه أسماء ذريته، والملائكة ورجَّحه بقوله تعالى: ثُمَّ عَرَضَهُمْ وقال أكثر العلماء: عَلَّمه تعالى منافعَ كلِّ شيء، ولما يصلَح.
وقيل غير هذا.
واختلف المتأوِّلون، هل عرض على الملائكة أشخاص الأسماء أو الأسماء دون الأشخاص؟.
وأَنْبِئُونِي: معناه: أخبروني، والنبأ: الخبر، وقال قوم: يخرج من هذا الأمر بالإنباء تكليفُ ما لا يطاقُ «3» ، ويتقرَّر جوازه لأنه سبحانه عَلِمَ أنهم لا يعلمون.
(1) أخرجه الطبري (1/ 252) برقم (646- 647- 648- 649- 656) ، وعبد الرزاق في تفسيره (1/ 42- 43) ، وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 100- 101) .
(2)
ينظر: «تفسير الطبري» (1/ 485) .
(3)
حاصل ما في شرح «المواقف» ، أشار إليه «الخالي» هو أن ما لا يطاق على ثلاث مراتب:
الأولى: ما يمكن في نفسه لكن يمتنع من العبد لعلم الله (تعالى) بعدم وقوعه، كإيمان أبي لهب، وهي المرتبة الأولى من مراتب ما لا يطاق فإن هذا مقدور للمكلف بالنظر إلى ذاته، وممتنع له بالنظر إلى علم الله (تعالى) بعدم وقوعه، ومعنى كونه مقدورا أنه يجوز تعلق القدرة الحادثة أي قدرة المكلف به لا أنه متعلق القدرة بالفعل لأن القدرة الحادثة لا تتعلق بمثل هذا الفعل لأن القدرة الحادثة عندنا مع الفعل لا قبله، فلا يتصور تعلقه بما لم يقع. ثم إن التكليف بهذا المحال جائز وواقع اتفاقا، ولا خلاف فيه للمعتزلة.
الثانية: ما يمكن في نفسه لكن يمتنع من العبد عادة، كخلق الأجسام، وحمل الجبل، والطيران إلى-
وقال المحقِّقون من أهل التأويل: ليس هذا على جهة التكليفِ، إِنما هو على جهة التقرير والتوقيف.
وقوله تعالى: هؤُلاءِ ظاهره حضورُ أشخاصٍ، وذلك عند العرض على الملائكة، وليس في هذه الآية ما يدلُّ أن الاسم هو المسمى كما ذهب إِليه مَكِّيٌّ والمَهْدَوِيُّ.
والذي يظهر أن اللَّه تعالى علَّم آدم الأسماء، وعرض مع ذلك عليه الأجناس أشخاصاً، ثم عرض تلك على الملائكة، وسألهم عن تسمياتها التي قد تعلَّمها آدم، ثم إِن آدم قال لهم: هذا اسمه كذا، وهذا اسمه كذا.
وَهَؤُلاءِ: مبنيٌّ على الكسر، وكُنْتُمْ في موضع الجزمِ بالشرْطِ، والجواب عند سيبويه: فيما قبله، وعند المبرِّد: محذوفٌ تقديره: إِن كنتمْ صادِقِينَ، فَأَنْبِئوني، وقال ابن عبَّاس وابن مسعود وناس من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم: معنى الآية: إِنْ كنتم صادِقِينَ في أنَّ الخليفةَ يُفْسِدُ ويسفك «1» .
ت: وفي النفس من هذا القول شيءٌ، والملائكة منزَّهون معصومون كما تقدَّم، والصواب ما تقدَّم من التفسير عند قوله تعالى: أَتَجْعَلُ فِيها
…
الآية.
- السماء. وهذه المرتبة الوسطى من مراتب ما لا يطاق، والتكليف بهذا جائز عندنا وإن لم يقع، كما دل عليه الاستقراء، وقوله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة: 286] وما يتوهم من ظاهر بعض الآيات أنه تكليف بهذا المحال، كقوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة: 23] فهو للتعجيز لا للتكليف، ومنعت المعتزلة جواز التكليف لكونه قبيحا منه تعالى عقلا عندهم كما في الشاهد فإن من كلف الأعمى نقط المصاحف والزمنى المشي إلى أقصى البلاد، عد سفيها، وقبح ذلك في بداهة العقول. والجواب: أنه لا يقبح منه تعالى شيء، ولا يجب عليه، إذ يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، والمفهوم من كلام صاحب «التوضيح» أن مذهب الماتريدية هنا كمذهب المعتزلة إلا أن عدم جوازه عند الماتريدية بناء على أنه لا يليق من حكمته وفضله. وعند المعتزلة بناء على أن الأصلح واجب على الله (تعالى) .
الثالثة: ما يمكن في نفسه ولكن يمتنع لنفس مفهومه، كجمع الضدين، وقلب الحقائق. وهي المرتبة القصوى من مراتب ما لا يطاق، والتكليف به لا يقع ولا يجوز بالاتفاق، أما أنه لا يقع قط فلأنه لم يوجد بالاستقراء، وأما أنه لا يجوز فلأن جواز التكليف فرع تصوره، ولا يمكن تصوره. وفي شرح «المواقف» أن بعضا منا قالوا بوقوع تصوره، فما ذكره صاحب «المواقف» من أن جواز التكليف بالممتنع لذاته فرع تصوره يشعر بأن هؤلاء يجوزونه.
ينظر: «نشر الطوالع» (295- 297) ، و «البرهان» (1/ 102) ، و «المنخول» (ص 22) ، و «المحصول» (1/ 2/ 357) ، والمتصفي» (1/ 74) .
(1)
أخرجه الطبري (1/ 255) برقم (672) ، وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 101) .